المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عَلَى هَذَا   (وَالْعِلْمُ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: عَلَى هَذَا   (وَالْعِلْمُ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ

عَلَى هَذَا

(وَالْعِلْمُ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (ضَرُورِيٌّ)

ــ

[حاشية العطار]

الرَّاجِحَ هُوَ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّارِحُ فَهِيَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ.

[تَعْرِيف الْعِلْم]

(قَوْلُهُ: أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَهْدِيَّةَ وَالْمَعْهُودَ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَجَازِمُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ عِلْمٌ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ لِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ لَا لِمُطْلَقِ الْعِلْمِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ قَوْلَهُ بَعْدُ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ إلَخْ، وَأَيْضًا لِلتَّخْصِيصِ نُكْتَةٌ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ التَّصْدِيقِيَّ نَوْعٌ مِنْ الِاعْتِقَادِ فَلَيْسَ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ) وَذَلِكَ التَّصَوُّرُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الذَّاتِيَّاتِ وَقَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْحُصُولُ، فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ، وَمِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِالرَّسْمِ الْمُمَيَّزِ عَنْ غَيْرِهِ بِدُونِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُ سَهْلٌ.

وَقَدْ ظَنَّ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مُطْلَقِ التَّعْرِيفِ فَاسْتَبْعَدَ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ الْآتِي، فَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ لَا الرَّسْمِيُّ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ مَحَلَّ الْخِلَافِ مُسْتَفَادٌ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) أَيْ سِيَاقِ الْمَتْنِ وَقَوْلِ النَّاصِرِ وَالْمُرَادُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْآتِي وَمِنْهَا تَصَوُّرٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: فِي جَوَابِهِ بَلْ يَكْفِي إلَخْ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ لَهُ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحَيْ الْمَقَاصِدِ وَالْمَوَاقِفِ أَنَّ الْإِمَامَ اسْتَدَلَّ عَلَى ضَرُورِيَّتِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكْتَسَبًا فَأَمَّا بِغَيْرِهِ مَعْلُومًا ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ اكْتِسَابِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مَجْهُولًا، وَالْغَيْرُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِالْعِلْمِ، فَلَوْ عُلِمَ الْعِلْمُ بِالْغَيْرِ لَزِمَ الدَّوْرُ فَتَعَيَّنَ طَرِيقُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ عَلَى تَقْدِيرِ اكْتِسَابِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ غَيْرِهِ، وَتَصَوُّرُ الْغَيْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِهِ لِيَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ عَلَى حُصُولِهِ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ حُصُولِ الْمُقَيَّدِ بِدُونِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَوْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُودِ الْكُلِّيِّ فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى حُصُولِهِ أَيْضًا اهـ.

فَهَذَا الْوَجْهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى بَدَاهَةِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لَا الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ، نَعَمْ الْوَجْهُ الثَّانِي خَاصٌّ بِالْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ وَلِذَلِكَ قَصَرَ الشَّارِحُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاَلَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: ضَرُورِيٌّ) فِي النَّاصِرِ يَجُوزُ إطْلَاقُ الضَّرُورِيِّ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى مُتَعَلِّقِهِ، كَقَوْلِنَا الْعِلْمُ بِالْوُجُودِ ضَرُورِيٌّ وَقَوْلِنَا الْوُجُودُ ضَرُورِيٌّ، وَإِطْلَاقُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ إطْلَاقِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَقَالَ: وَالْعِلْمُ بِالْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ جَرَى الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ اهـ.

وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَصَوُّرَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلْمِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ عِلْمٌ بِالْعِلْمِ اهـ.

، ثُمَّ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إطْلَاقِ الضَّرُورِيِّ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ، فَإِنَّ الضَّرُورِيَّ وَالنَّظَرَ وَصْفَانِ لِلْعِلْمِ لَا لِلْمَعْلُومِ

ص: 203

أَيْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ؛ لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ مُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ ضَرُورِيٌّ

ــ

[حاشية العطار]

اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لَكِنَّ الْعِبَارَةَ تُوهِمُ أَنَّهُ مَعْنًى اصْطِلَاحِيٌّ فَلْيُنْظَرْ.

(قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ) قَالَ النَّاصِرُ يَعْنِي بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ بِالْأَوْلَوِيَّاتِ وَالْبَدِيهِيَّاتِ وَهُوَ أَخَصُّ الضَّرُورِيَّاتِ الْمُعَرِّفَةِ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، فَقَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ هُوَ أَعَمُّ بَعْدَ أَخَصَّ.

وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ قَوْلِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ بَيَانُ الْمُرَادِ هُنَا بِالضَّرُورَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنَّهُ الضَّرُورِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ) قُرِّرَ فِي شَرْحَيْ الْمَقَاصِدِ وَالْمَوَاقِفِ هَذَا الدَّلِيلُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ بِوُجُودِهِ بَدِيهِيٌّ، وَهَذَا عِلْمٌ خَاصٌّ مَسْبُوقٌ بِمُطْلَقِ الْعِلْمِ لِتَرَكُّبِهِ مِنْهُ وَمِنْ الْخُصُوصِيَّةِ، وَالسَّابِقُ عَلَى الْبَدِيهِيِّ بَدِيهِيٌّ فَمُطْلَقُ الْعِلْمِ بَدِيهِيٌّ

ص: 204

بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَمِنْهَا تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَمُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ

ــ

[حاشية العطار]

وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ.

وَالشَّارِحُ قَرَّرَ الدَّلِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْتِدْلَالًا عَلَى بَدَاهَةِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ لِقَصْرِ الْمُصَنِّفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ) أَيْ وَهِيَ إدْرَاكُ النِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا مَعَ الْحُكْمِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَإِذَا رُكِّبَتْ الْقَضِيَّةُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ قُلْت: عِلْمِي بِأَنِّي مَوْجُودٌ أَوْ مُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ مَعْلُومٌ لِي بِالضَّرُورَةِ، فَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ خَاصٌّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْلُومٍ خَاصٍّ هُوَ وُجُودُهُ أَوْ الْتِذَاذُهُ أَوْ تَأَلُّمُهُ، قَالَهُ زَكَرِيَّا وَمِثْلُهُ فِي الْكَمَالِ وَالنَّجَّارِيِّ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ شَرْحَيْ الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ لَكِنَّهُ لَا يُلَائِمُ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي يُلَائِمُهُ أَنْ تَقُولَ: قَوْلُنَا مَثَلًا: أَنَا عَالِمٌ بِأَنِّي مَوْجُودٌ أَوْ مُتَأَلِّمٌ أَوْ مُلْتَذٌّ قَضِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ، وَمَجْمُوعُ التَّصَوُّرَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْحُكْمِ وَالْأَرْبَعَةِ ضَرُورِيَّةٌ وَمِنْ جُمْلَتِنَا تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ أَعْنِي الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إلَخْ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِقَضِيَّةٍ هِيَ أَنَا مَوْجُودٌ خَاصٌّ لِتَعَلُّقِهِ بِمَعْلُومٍ خَاصٍّ وَهُوَ كَوْنُهُ مَوْجُودًا جُزْئِيٌّ لِمُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ لِتَضَمُّنِ الْجُزْئِيِّ لِكُلِّيَّةٍ، فَمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَصَوُّرِهِ يَثْبُتُ لِكُلِّيَّةٍ فَثَبَتَ الْمَطْلُوبُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ إلَخْ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي وَقَعَ مَحْمُولًا فِي أَنَا عَالِمٌ، وَقَوْلُهُ: بِأَنَّهُ عَالِمٌ مَصْدُوقُهُ التَّصْدِيقُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إنِّي مَوْجُودٌ، فَالْعِلْمُ الْأَوَّلُ تَصَوُّرٌ وَالثَّانِي تَصْدِيقٌ.

وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ الضَّرُورِيُّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِ التَّصَوُّرِ بِالتَّصْدِيقِ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّصَوُّرَاتِ لَا حَجْرَ فِيهَا فَتَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ سَلَكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ مُرَكَّبٌ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَقْرِيرِ دَلِيلِهِ وَالتَّصْدِيقُ عِنْدَهُ هُوَ الْإِدْرَاكَاتُ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الثَّلَاثَةُ وَالْحُكْمُ، وَلَا يَكُونُ بَدِيهِيًّا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ أَجْزَائِهِ بَدِيهِيًّا وَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقَاتِ عَلَى بَدَاهَةِ التَّصَوُّرَاتِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فَمَنَاطُ الْبَدَاهَةِ وَالْكَسْبِ هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ فَقَطْ، وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ تَامٌّ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: إنَّ هَذَا التَّصْدِيقَ بَدِيهِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَكَسْبٍ أَصْلًا لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي طَرَفَيْهِ سَوَاءٌ جُعِلَ تَصَوُّرُ الطَّرَفَيْنِ شَطْرًا أَوْ شَرْطًا وَذَلِكَ

ص: 205

بِالْحَقِيقَةِ، وَهُوَ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ خَاصٌّ فَيَكُونُ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْحَقِيقَةِ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ الْمُدَّعِي.

وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ بِالْحَقِيقَةِ بَلْ يَكْفِي تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ، فَيَكُونُ الضَّرُورِيُّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْوَجْهِ لَا بِالْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

(ثُمَّ قَالَ) فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا (هُوَ) أَيْ الْعِلْمُ (وَحُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجِبٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فَحَدُّهُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَكِنْ بَعْدَ حَدِّهِ فَ، ثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الْمَعْنَوِيِّ.

(وَقِيلَ هُوَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُحَدُّ)

ــ

[حاشية العطار]

لِحُصُولِهِ لَهُ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ هَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وَجْهٍ خَالٍ مِنْ شَوَائِبِ الْأَوْهَامِ.

(قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَدِيهِيَّ لِكُلِّ أَحَدٍ لَيْسَ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ بَلْ حُصُولَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ الْعِلْمِ بِهِ فَضْلًا عَنْ بَدَاهَتِهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ نَفْسًا وَلَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْعِلْمِ إلَّا وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى وَحُصُولُهُ فِيهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ فَحُصُولُهُ فِي النَّفْسِ عِلْمٌ بِهِ وَتَصَوُّرٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ بَدِيهِيًّا كَانَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِهِ بَدِيهِيًّا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ بَدِيهِيًّا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ حُصُولَ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ فِي النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِأَعْيَانِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الِاتِّصَافُ بِتِلْكَ الْمَعَانِي لَا التَّصَوُّرُ لَهَا.

وَقَدْ يَكُونُ بِصُوَرِهَا وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْوُجُودِ الطَّلِيِّ وَذَلِكَ تَصَوُّرٌ لَهَا لَا اتِّصَافٌ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَتَّصِفُ بِالْكُفْرِ لِحُصُولِ الْإِنْكَارِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ وَيَتَصَوَّرْ الْإِيمَانَ بِحُصُولِ مَفْهُومِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَافٍ بِهِ، فَحُصُولُ عَيْنِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ اتِّصَافًا بِالْعِلْمِ بِهِ بَلْ رُبَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ) حِكَايَةً لِكَلَامِ الْإِمَامِ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ فِيهَا، وَقَدْ نَصَّ الرَّضِيُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي لَفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا فَهَذِهِ لَيْسَتْ عِبَارَةَ الْمَحْصُولِ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَقْسِيمٍ ذَكَرَهُ، وَخَرَجَ بِحُكْمِ الذِّهْنِ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِمَا إذْ هُمَا تَصَوُّرَانِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبِالْجَازِمِ الظَّنُّ وَبِالْمُطَابِقِ الِاعْتِقَادُ التَّقْلِيدِيُّ الْغَيْرُ الْمُطَابِقُ وَبِقَوْلِهِ لِمُوجِبِ التَّقْلِيدِ الْمُطَابِقِ.

(قَوْلُهُ: فَحَدُّهُ مَعَ قَوْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهِ إلَى بَيَانِ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ، ثُمَّ قَالَ إلَخْ وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِمَامِ بِتَنَافِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى حَدِّهِ أَنْ لَا يَكُونَ ضَرُورِيًّا، وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ وَصَنِيعُ الْإِمَامِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ حَدِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ مِنْ الْإِمَامِ التَّحْدِيدُ أَوَّلًا، ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ خِلَافُ مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

ص: 206

إذْ لَا فَائِدَةَ فِي حَدِّ الضَّرُورِيِّ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَصَنِيعُ الْإِمَامِ لَا يُخَالِفُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَّهُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ مَعَ سَلَامَةِ حَدِّهِ عَمَّا وَرَدَ عَلَى حُدُودِهِمْ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ اخْتِيَارًا، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُحَصَّلِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّ تَصَوُّرَهُ بَدِيهِيٌّ أَيْ ضَرُورِيٌّ، نَعَمْ قَدْ يُحَدُّ الضَّرُورِيُّ لِإِفَادَةِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ.

(وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) هُوَ نَظَرِيٌّ (عُسْرٌ) أَيْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ لِخَفَائِهِ (فَالرَّأْيُ) بِسَبَبِ عُسْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ (الْإِمْسَاكُ عَنْ تَعْرِيفِهِ) الْمَسْبُوقِ بِذَلِكَ التَّصَوُّرِ الْعُسْرُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ عَنْ مَشَقَّةِ الْخَوْضِ فِي الْعُسْرِ، قَالَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ تَابِعًا لَهُ وَيُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ الْمُلْتَبِسِ بِهِ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ مُطَابِقٌ

ــ

[حاشية العطار]

مِنْ الْعَكْسِ فَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: إذْ لَا فَائِدَةَ) الْمَنْفِيُّ الْفَائِدَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلتَّحْدِيدِ، وَهِيَ تَصَوُّرُ الْحَقِيقَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَقَوْلُهُ: الْآتِي نَعَمْ قَدْ يُحَدُّ الضَّرُورِيُّ إلَخْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَصَنِيعُ الْإِمَامِ) أَيْ فِي الْمَحْصُولِ لَا يُخَالِفُ هَذَا أَيْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُحَدُّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ صَنِيعُ الْإِمَامِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ صَنِيعُ الْإِمَامِ " مُلَابِسًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُحَدُّ حَيْثُ قَابَلَ صَنِيعَ الْإِمَامِ بِهَذَا الْقَوْلِ.

(قَوْلُهُ: اخْتِيَارًا) أَيْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعِلْمِ) أَنَّ فِيمَا يُحَدُّ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِّهِ وَعَدَمِهِ.

(قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ الثَّانِي وَفَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفَانِ أَيْ لِإِفَادَةِ الْحَدِّ الشَّخْصُ الَّذِي يَعْرِفُ الشَّيْءَ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يُحْسِنُ التَّعْبِيرَ عَنْهُ تَفْصِيلًا الْعِبَارَةُ عَنْهُ، فَإِنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الضَّرُورِيِّ وَيَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ؛ فَحَدُّهُ لَا يُنَافِي بَدَاهَتَهُ فَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا لَا فَائِدَةَ فِي حَدِّ الضَّرُورِيِّ.

(قَوْلُهُ: عُسْرٌ) أَيْ جِدًّا فَلَا يَرُدَّانِ جَمِيعَ الْحُدُودِ عُسْرَةً؛ لِأَنَّهَا كَشْفٌ عَنْ ذَاتِيَّاتِ الشَّيْءِ وَامْتِيَازُ الذَّاتِيِّ عَنْ الْعَرْضِيِّ عُسْرٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا.

(قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقُ بِذَلِكَ) أَيْ الْمَسْبُوقُ مِنْ الشَّخْصِ الْمُعَرِّفِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ التَّصَوُّرُ سَابِقًا عَلَى التَّعْرِيفِ مَعَ أَنَّ التَّعْرِيفَ يُؤَدِّي إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَالرَّأْيُ) قِيلَ: إنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَلَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ قَالَ كَمَا أَفْصَحَ إلَخْ يَقْضِي بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

(قَوْلُهُ: تَابِعًا لَهُ) أَيْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تِلْمِيذُهُ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ وَيُمَيِّزُ إلَخْ أَيْ يُمَيِّزُ تَمْيِيزًا رَسْمِيًّا، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَقْسَامِ

ص: 207

ثَابِتٌ فَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَتَهُ عِنْدَهُمَا.

وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَنِيعِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ (ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ

ــ

[حاشية العطار]

الِاعْتِقَادِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لَا لِمَحْضِ الْبَيَانِ إذْ الْعِلْمُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِكَوْنِهِ أَخَذَ جِنْسًا فِي تَعْرِيفِهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: رُبَّمَا يَعْسُرُ تَحْدِيدُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ بِعِبَارَةٍ مُحَرَّرَةٍ جَامِعَةٍ لِلْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ بَلْ أَكْثَرِ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ فَكَيْفَ فِي الْإِدْرَاكَاتِ، وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ بِتَقْسِيمٍ أَوْ مِثَالٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: ثَابِتٌ) أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ.

(قَوْلُهُ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُعَرِّفْهُ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ إلَخْ بَلْ أَنَّهُ حُكْمُ الذِّهْنِ إلَخْ، وَقَدْ يُقَالُ بِاتِّحَادِ مَآلِ الْعِبَارَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ) ، ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَيْ ثُمَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا تَقَدَّمَ أُخْبِرُك بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْعِلْمِ الْحَادِثِ بِأَمْرَيْنِ

الْأَوَّلُ: لَا يَتَفَاوَتُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ وَهُوَ وَمُقَابِلُهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ بِالتَّفَاوُتِ جَارٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ وَالْقَوْلُ بِتَعَدُّدِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كِلَيْهِمَا لَهُ جُزْئِيَّاتٌ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ فَلَهُ جُزْئِيَّاتٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ فَلَهُ جُزْئِيَّاتٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَجُزْئِيَّاتٌ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ لَا عَلَى مُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِلْعِلْمِ مُتَعَلِّقَاتٌ تَفَاوَتُ قِلَّةً وَكَثْرَةً بَلْ كُلُّ مَعْلُومٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ عِلْمٌ يَخُصُّهُ، نَعَمْ يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ عَلَى هَذَا بِقِلَّةِ الْغَفْلَةِ وَكَثْرَتِهَا وَأُلْفِ النَّفْسِ وَعَدَمِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْعِلْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ دُونَ قَوْلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ لَا يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ هِيَ الْجُزْئِيَّاتُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ هِيَ الْجُزْئِيَّاتُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ فَقَطْ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك

ص: 208

لَا يَتَفَاوَتُ) الْعِلْمُ

ــ

[حاشية العطار]

أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الْحُكَمَاءِ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ حُصُولُ الصُّورَةِ أَيْ الصُّورَةِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ قَطْعًا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ عَيْنُ الْمَعْلُومِ وَالتَّفَاوُتُ اعْتِبَارِيٌّ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْقُوَّةِ الْغَافِلَةِ عِلْمٌ، وَبِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَعْلُومٌ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.

وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الِاتِّحَادِ بِالذَّاتِ وَالتَّغَايُرِ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْعَقْلِ لَوْ عَرَى عَنْ اعْتِبَارِ حُصُولِهِ فِي الْعَقْلِ وَكَوْنِهِ مَوْجُودًا ظِلِّيًّا لَاتَّحَدَ مَعَ الْمَوْجُودِ الْعَيْنِيِّ الْمَعْلُومِ فَالِاعْتِبَارُ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَةِ الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمَا بِالْحَقِيقَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ شَارِحِ الْإِشَارَاتِ حَيْثُ قَالَ السَّمَاءُ الْمَعْقُولُ لَيْسَ السَّمَاءَ الْمَوْجُودَ اهـ.

وَلَنِعْمَ مَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَذَا غَيْرُ التَّعَلُّقِ بِذَاكَ فَلَا يَتَعَلَّقُ عِلْمٌ وَاحِدٌ بِمَعْلُومَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صِفَةٌ ذَاتُ تَعَلُّقٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ صِفَةً وَاحِدَةً لِتَعَدُّدِ تَعَلُّقَاتِهِ، وَكَثْرَةُ التَّعَلُّقَاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَقِيقَةِ الصِّفَةِ لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ مُتَكَثِّرَةً فِي ذَاتِهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لَا يَتَفَاوَتُ) بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ لَا تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ فِي حَقِيقَتِهِ، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو مَثَلًا لَيْسَ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُتَعَلِّقَاتُ، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانَهُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُمَا فَفِي نِسْبَةِ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لِلْمُحَقِّقِينَ نَظَرٌ اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ فِي الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ؛ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الْجَزْمِ وَالْإِذْعَانِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ كَانُوا آمَنُوا فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ فَرْضٌ بَعْدَ فَرْضٍ فَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ فَرْضٍ خَاصَّةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ تَتَفَاوَتُ قُوَّةً وَضَعْفًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَصْدِيقَ آحَادِ الْأُمَّةِ لَيْسَ كَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِهَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. اهـ.

فَإِيرَادُ النَّاصِرِ رحمه الله إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْأَخِيرِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَقِّقِينَ هُنَا الْمُحَقِّقُونَ فِي الْأُصُولِ وَذَاكَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفًا جِدًّا.

وَأَجَابَ الْكَمَالُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَخْصُوصُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْمُصَنِّفُ تَابِعٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَصَوِّرِ لِأَصْحَابِنَا اهـ.

وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الْمَنْطِقِيُّ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِقُيُودٍ وَخُصُوصِيَّاتٍ كَالتَّحْصِيلِ وَالِاخْتِيَارِ وَتَرْكِ الْجُحُودِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةَ تَسْلِيمٌ وَالتَّسْلِيمَ تَصْدِيقٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ وَمَعْنَاهُ نِسْبَةُ الصِّدْقِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ اخْتِيَارًا، وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَمْتَازُ عَنْ التَّصْدِيقِ الْمَنْطِقِيِّ الْمُقَابِلِ لِلتَّصَوُّرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ الِاخْتِيَارِ كَمَا إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ فَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ صَدَّقَهُ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَيْهِ اخْتِيَارًا، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: إنَّهُ صَدَّقَهُ فَلَا يَكُونُ إيمَانًا شَرْعًا، كَيْفَ وَالتَّصْدِيقُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَكُونُ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا زَائِدًا عَلَى الْعِلْمِ لِكَوْنِهِ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً أَوْ انْفِعَالًا وَهُوَ

ص: 209

فِي جُزْئِيَّاتِهِ فَلَيْسَ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا أَقْوَى فِي الْجَزْمِ مِنْ بَعْضِ الْأُمُورِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا (وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ) فِيهَا (بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْعِلْمِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَالْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

حُصُولُ الْمَعْنَى فِي الْقَلْبِ، وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ إيقَاعُ النِّسْبَةِ اخْتِيَارًا الَّذِي هُوَ كَلَامُ النَّفْسِ وَيُسَمَّى عَقْدَ الْقَلْبِ اهـ.

وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْإِيمَانُ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا، وَالْعِلْمُ كَيْفٌ أَوْ انْفِعَالٌ فَهُوَ أَمْرٌ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ لَا سُؤَالَ وَلَا جَوَابَ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُزَيَّفٌ بِمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ.

وَبَقِيَ هَاهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّحَادِ الْعِلْمِ أَنْ تَكُونَ عُلُومُ آحَادِ الْأُمَمِ مُمَاثِلَةً لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْ لَا يَتَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فِي الْعِرْفَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ فَوْقَ مَقَامِ الْأُمَمِ، وَلَا شَكَّ أَيْضًا فِي تَفَاوُتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْعِرْفَانِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اطَّلَعُوا مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، فَالتَّفَاوُتُ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقِ، وَأَيْضًا فَحُضُورُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يُدَانِيهِ حُضُورُ غَيْرِهِمْ فَالتَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ عُرُوضِ الْغَفْلَةِ لِغَيْرِهِمْ دُونَهُمْ، وَكَذَلِكَ رُجْحَانُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِرْفَانِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَعَارِفِ وَقِلَّةِ الْغَفَلَاتِ عَنْهَا بَعْدَ حُصُولِهَا.

وَقَدْ أَشَارَ أَكْمَلُ الْعَارِفِينَ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» إلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ إذْ لَوْ قُصِدَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّفَاوُتِ فِي الْعِلْمِ الْوَاحِدِ لَكَانَتْ الْعِبَارَةُ عَنْ ذَلِكَ، لَوْ تَعْلَمُونَ كَمَا أَعْلَمُ وَأَشَارَ صلى الله عليه وسلم إلَى التَّفَاوُتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِرَاضِ الْغَفَلَاتِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ فِي الطُّرُقِ» فَنَبَّهَ أَنَّ الْغَفْلَةَ تَخْتَلِسُهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ عَنْهُ وَتَتَحَاشَاهُمْ بِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ: فِي جُزْئِيَّاتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا أَفْرَادُ الْعِلْمِ الْقَائِمَةُ بِذَوَاتِ الْعَالَمِينَ.

(قَوْلُهُ: فِي الْجَزْمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ أُلْفِ النَّفْسِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ مُسَاوٍ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ يُعَارَضُ بِخِلَافِ الضَّرُورِيِّ فَالْحَقُّ أَنَّ الْجَزْمَ الضَّرُورِيَّ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يُعَارَضُ.

(قَوْلُهُ: بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) وَالتَّفَاوُتُ

ص: 210