الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ قِيَاسًا وَخَالَفَهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ فَقَالُوا تَثْبُتُ، وَإِذَا اشْتَمَلَ مَعْنَى اسْمٍ عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْمِيَةِ كَالْخَمْرِ، أَيْ: الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِتَخْمِيرِهِ، أَيْ: تَغْطِيَتِهِ لِلْعَقْلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ
ــ
[حاشية العطار]
إلَّا بَعْدَ تَعْلِيمِهِمْ اللُّغَةَ، وَالْمُرَادُ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، أَيْ: الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَحْثَ لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ لِقَوْمٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ كُفَّارٍ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ لِقَوْمٍ كُفَّارٍ فَلَا يَرِدُ الْبَحْثُ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ أُرْسِلَ إلَى الْكُفَّارِ نُوحٌ عليه السلام، وَاللُّغَاتُ تَقَرَّرَتْ قَبْلَهُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ لَمْ يُرْسَلْ إلَى الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ بَنِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كُفَّارٌ.
[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]
(لَطِيفَةٌ) رَأَيْت فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ لِابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أُلْقِيَ إبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، وَمَعَهُ طَنْفَسَةٌ وَقَعَدَ يُحَدِّثُهُ وَرَأَى أَبُو إبْرَاهِيمَ بَعْدَ سَبْعِ لَيَالٍ كَأَنَّ إبْرَاهِيمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَائِطِ فَأَتَى نُمْرُودَ الْجَبَّارَ فَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لِي فِي عِظَامِ إبْرَاهِيمَ أَدْفِنُهَا فَرَكِبَ نُمْرُودُ الْجَبَّارُ، وَمَعَهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ فَأَتَى الْحَائِطَ فَثَقَبَهُ فَخَرَجَ جِبْرِيلُ فِي وُجُوهِهِمْ فَوَلَّوْا هَارِبِينَ فَتَبَلْبَلُوا عِنْدَ ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمِّيَتْ الْأَرْضُ بَابِلَ وَكَانَتْ الْأَلْسُنُ كُلُّهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَتَفَرَّقُوا فَصَارَتْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لُغَةً لَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ كَلَامَ صَاحِبِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّ الَّذِي يَدَّعِي ذَلِكَ يَعْنِي: الْقِيَاسَ إنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَرَبَ أَرَادَتْهُ وَلَمْ تَبُحْ بِهِ، فَهُوَ مُتَحَكِّمٌ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ وَتَوْقِيفٍ فَإِنَّ اللُّغَاتِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا ادِّعَاءُ نَقْلٍ، وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْنِ ذَلِكَ فَإِلْحَاقُ الشَّيْءِ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ لَمْ تُرِدْهُ مُحَالٌ، وَالْقَائِسُ فِي حُكْمِ مَنْ يَبْتَدِئُ وَضْعَ صِيغَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: قِيَاسًا) هَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ نَقْلٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ أَنَّ مَا هُنَا اسْتِنْبَاطُ اسْمٍ لِآخَرَ بِقِيَاسٍ أُصُولِيٍّ وَثَمَّ اسْتِنْبَاطُ وَصْفٍ لِاسْمٍ بِقِيَاسٍ مَنْطِقِيٍّ.
(قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُمْ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ اطَّلَعُوا عَلَى كَلَامِ الْأَوَّلِينَ وَخَالَفُوهُمْ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ، أَوْ فِي الْكَلَامِ تَغْلِيبٌ فَغَلَبَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَقِيقَةً كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ عَلَى غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا اشْتَمَلَ) بَيَانٌ لِلثُّبُوتِ.
(قَوْلُهُ: مَعْنَى اسْمٍ إلَخْ) الِاسْمُ كَالْخَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَالْوَصْفُ هُوَ تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ لِفَقْدِ
فِي مَعْنًى آخَرَ كَالنَّبِيذِ، أَيْ: الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ ثَبَتَ لَهُ بِالْقِيَاسِ ذَلِكَ الِاسْمُ لُغَةً فَيُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِآيَةِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] لَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ، وَسَوَاءٌ فِي الثُّبُوتِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ. (وَقِيلَ: تَثْبُتُ الْحَقِيقَةُ لَا الْمَجَازُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهَا (وَلَفْظُ الْقِيَاسِ) فِيمَا ذُكِرَ (يُغْنِي عَنْ قَوْلِك) أَخْذًا مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ (مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَثْبُتْ تَعْمِيمُهُ بِاسْتِقْرَاءٍ) فَإِنَّ مَا ثَبَتَ تَعْمِيمُهُ بِذَلِكَ مِنْ اللُّغَةِ كَرَفْعِ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ لَا حَاجَةَ فِي ثُبُوتِ مَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَى الْقِيَاسِ حَتَّى يُخْتَلَفَ فِي ثُبُوتِهِ وَأَشَارَ كَمَا قَالَ بِذِكْرِ قَائِلِي الْقَوْلَيْنِ
ــ
[حاشية العطار]
هَذِهِ الْعِلَّةِ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: فِي مَعْنًى آخَرَ) بِالْإِضَافَةِ وَبِالتَّوْصِيفِ.
(قَوْلُهُ: فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ) إشَارَةٌ إلَى بَيَانِ الْفَائِدَةِ فِي ثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ فِي النَّبِيذِ مَثَلًا عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْخَمْرِ شَرْعًا، وَعَنْ النَّظَرِ فِي شَرَائِطِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ هَلْ وُجِدَتْ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَقُولُ بِثُبُوتِ اللُّغَةِ قِيَاسًا فَيَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي الثُّبُوتِ إلَخْ) هَذَا التَّعْمِيمُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُقَابِلِ.
(قَوْلُهُ: لَا الْمَجَازُ) فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْأَسَدُ فِي النَّمِرِ مَثَلًا لِعَلَاقَةِ الْجَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ فِيهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْعَلَاقَةِ سَمَاعُ النَّوْعِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّخْصِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ سم مِنْ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا تَجَوَّزَتْ بِكَلِمَةٍ عَنْ مَوْضُوعِهَا وَتَجَوَّزْنَا فِيهَا لِمَعْنًى آخَرَ فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ هَذَا الْمَجَازِ الَّذِي اسْتَعْمَلْنَاهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَذَاكَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ الِاسْتِعْمَالَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وُجِدَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ عَلَاقَةٌ، وَإِنْ لَاحَظْنَا الْعَلَاقَةَ بَيْنَ مَا تَجَوَّزْنَا فِيهِ وَتَجَوَّزُوا فِيهِ أَعْنِي بَيْنَ الْمَجَازَيْنِ وَلَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعَلَاقَةُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُشْتَمِلًا عَلَى عِلَّةٍ تُوجَدُ فِي الْأَصْلِ، وَالْعِلَّةُ هِيَ الْعَلَاقَةُ وَلَمْ تُوجَدْ اهـ.
فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْعَلَاقَةِ سَمَاعُ نَوْعِهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً إلَخْ)، أَيْ: فَلَا يُحْتَمَلُ التَّوَسُّعُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا يُقَاسُ عَلَى الْمَجَازِيِّ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ قَدْ يَنْعَكِسُ فَيُقَالُ حَيْثُ تُوُسِّعَ فِيهِ أَوَّلًا جَازَ أَنْ يُتَوَسَّعَ فِيهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحَلًّا لِلتَّوَسُّعِ.
(قَوْلُهُ: يُغْنِي إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ بِمَنْطُوقٍ وَكُلُّ مَعْنًى انْدَرَجَ تَحْتَ عَامٍّ ثَبَتَ عُمُومُهُ بِاسْتِقْرَاءٍ، أَوْ بِنَقْلٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْطُوقٌ لَا مَسْكُوتٌ.
(قَوْلُهُ: تَعْمِيمُهُ)، أَيْ: لِجَمِيعِ الْمَعَانِي الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فَإِنَّ الْوَاضِعَ إذَا وَضَعَ لَفْظًا يَعُمُّ بِاسْتِقْرَاءٍ مَنْ اللُّغَةِ كَصِيغَةِ الْمُصَغَّرِ، وَالْمَنْسُوبِ، وَالْمُشْتَقِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَحَقَّقَ فِيهِ الْوَضْعُ النَّوْعِيُّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَمَاعُ مَا صَدَقَاتِهِ مِنْ الْوَاضِعِ، بَلْ يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْهُ، وَالِاسْتِعْمَالُ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَكَلِّمِ.
(قَوْلُهُ: بِاسْتِقْرَاءٍ) اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ مِثْلَهُ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: كَرَفْعِ الْفَاعِلِ) إذَا حَصَلَ لَنَا