الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَحْوُ زَيْدٌ طَوِيلُ النِّجَادِ مُرَادًا مِنْهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ إذْ طُولُهَا لَازِمٌ لِطُولِ النِّجَادِ أَيْ حَمَائِلِ السَّيْفِ (فَهِيَ حَقِيقَةٌ) لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ اللَّازِمُ
ــ
[حاشية العطار]
الْمُلَامَسَةِ مَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: مُرَادًا مِنْهُ إلَخْ) فَهِمَ النَّاصِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ لِلَّفْظِ أَيْ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى أَيْضًا فَمُحَصَّلُ الْحَدِّ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ وَلَازِمُهُ فَتَكُونُ الْكِنَايَةُ مَجَازًا فَيُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ.
وَأَجَابَ سم بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ لَازِمُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ أَوْ إلَى اللَّفْظِ أَيْضًا بِمُسَامَحَةٍ وَالْمَعْنَى مُرَادًا مِنْ اللَّفْظِ أَيْ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ وَالِانْتِقَالِ مِنْهُ أَيْ مِنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ اللَّازِمُ فَحَاصِلُ الْحَدِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْ مَعْنَاهُ لَازِمُ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى مَعْنَاهُ لِيُنْتَقَلَ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَعَلَى الثَّانِي لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ وَالِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ فَظَهَرَ سُقُوطُ قَوْلِهِ وَحَاصِلُهُ لَفْظٌ أُرِيدَ إلَخْ وَبُطْلَانُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فَتَكُونُ الْكِنَايَةُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَالَ.
وَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي حَاشِيَةٍ أُخْرَى كَتَبَهَا فَقَالَ إنَّمَا قَالَ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ وَلَازِمِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللَّفْظِ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى اللَّازِمِ فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّازِمِ وَلِإِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى خُصَّ اللَّازِمُ بِذِكْرِ الْإِرَادَةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ الْأَهَمُّ وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ لَا يُوَافِقُ اصْطِلَاحَ الْبَيَانِيِّينَ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ لِلْبَيَانِيِّينَ طَرِيقَتَيْنِ تَعَرَّضَ لَهُمَا فِي الْمِفْتَاحِ فِي مَوْضِعَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ لَكِنْ لَا لِيَكُونَ مَقْصُودًا بَلْ لِيُنْتَقَلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّازِمِ الْمَقْصُودِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي.
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِي الْكِنَايَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
الثَّانِي أَنَّهَا مَجَازٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا وَلَا.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّكَّاكِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ كَذَا قِيلَ وَالْمَعْرُوفُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَمِنْهُمْ السَّكَّاكِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَأَمَّا نِسْبَةُ الرَّابِعِ لِلْمُصَنِّفِ فَمُتَوَهَّمٌ إذْ قَوْلُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ لَا إلَى الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ.
[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]
(قَوْلُهُ: النِّجَادِ) بِكَسْرِ النُّونِ حَمَائِلُ السَّيْفِ.
(قَوْلُهُ: إذْ طُولُهَا لَازِمٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ هَاهُنَا مَا يَعُمُّ الْعَقْلِيَّ وَالْعَادِيَّ سَوَاءٌ كَانَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَمَا فِي زَيْدٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ عَرِيضُ الْقَفَا يُكَنُّونَ بِهِ عَنْ الْبَلَاهَةِ وَفِيهَا بَحْثٌ لِأَنَّ عَرْضَ الْقَفَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى كَثْرَةِ الرُّطُوبَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْبَلَاهَةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْبَلْغَمِ وَالرُّطُوبَةِ يُورِثُ غَلَبَةَ الْبُرُودَةِ وَالنِّسْيَانِ فَلَا وَجْهَ لِعَدِّ هَذَا الْمِثَالِ مِمَّا الِانْتِقَالُ فِيهِ بِلَا وَاسِطَةٍ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَدْقِيقٌ يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ وَأَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُلَاحِظُونَ ذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْهُ أَوَّلًا إلَى الْبَلَاهَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ اللَّازِمُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ لَا تُصَيِّرُهُ مَجَازًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّفْظِ إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَادٌ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْمَلْزُومُ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَيْهِ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِهِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَجَازٌ يَقُولُ إنَّ اللَّفْظَ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَعَهُ فَهِيَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَلَا بِمَجَازٍ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجَازِ أَنَّ الْمَجَازِيَّ مِنْ الْكِنَايَةِ قِسْمٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْمَجَازِ.
وَأَمَّا الْمَجَازُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ إذْ لَهُ عَلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَإِلَى انْقِسَامِهَا إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَشَى وَالِدُ الْمُصَنِّفِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ
(فَإِنْ لَمْ يُرَدْ الْمَعْنَى) بِاللَّفْظِ (وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِالْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ فَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ (مَجَازٌ) لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ أَيْ الْأَوَّلِ (وَالتَّعْرِيضُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوَّحَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ لِلتَّلْوِيحِ (بِغَيْرِهِ)
ــ
[حاشية العطار]
عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَوَازِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْكِنَايَةِ هُوَ أَنَّ الْكِنَايَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تُنَافِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمَجَازَ يُنَافِيهِ لَكِنْ قَدْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ خُصُوصِ الْمَادَّةِ كَمَا فِي {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرَدْ) لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ اُسْتُعْمِلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إرَادَتُهُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عُبِّرَ) أَيْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَالِانْتِقَالُ هُنَا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مَجَازٌ) أَيْ لَا كِنَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّعْرِيضُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ التَّعْرِيضِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا وَرَاءَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ مَعْنًى آخَرُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقِيِّ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلًا هُوَ فِيهِ فَإِذَا قِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأُرِيدَ بِهِ التَّعْرِيضُ بِنَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ مُؤْذٍ مُعَيَّنٍ فَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ هُنَا انْحِصَارُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ سَلِمُوا مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُؤْذِي مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ الْمَقْصُودُ مِنْ اللَّفْظِ اسْتِعْمَالًا وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ سِيَاقًا فَهُوَ نَفْيُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُؤْذِي الْمُعَيَّنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِيُلَوِّحَ إلَخْ) فَالْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْ اللَّفْظِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ إنَّمَا قُصِدَ إلَيْهِ مِنْ السِّيَاقِ بِجِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْأَثِيرِ بِأَنَّ التَّعْرِيضَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمُعَرَّضِ بِهِ وَلَا مَجَازًا حَيْثُ قَالَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَا دَلَّ عَلَى
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ الْخَلِيلِ عليه الصلاة والسلام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ الْمُتَّخَذَةِ آلِهَةً كَأَنَّهُ غَضِبَ أَنْ تُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ تَلْوِيحًا لِقَوْمِهِ الْعَابِدِينَ لَهَا بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ آلِهَةً لِمَا يَعْلَمُونَ إذَا نَظَرُوا بِعُقُولِهِمْ مِنْ عَجْزِ كَبِيرِهَا عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَيْ كَسْرِ صِغَارِهَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا (فَهُوَ) أَيْ التَّعْرِيضُ (حَقِيقَةٌ أَبَدًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ
ــ
[حاشية العطار]
مَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى جَانِبَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى) فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ إرَادَتُهُ بِهِ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ قَالَ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ نَقَلَهُ عَنْ التَّلْوِيحِ مَحَلُّ الْقَصْدِ مِنْهُ أَنَّ مَنَاطَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَمَرْجِعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْكِنَائِيُّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتٌ وَلَا نَفْيٌ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ قَالَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِنَايَةِ يَجْرِي فِي التَّعْرِيضِ وَبِهِ يَنْقَطِعُ هَذَا الْبَحْثُ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُعَرَّضَ بِهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ اللَّفْظُ فَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ كَمَا سَمِعْت وَلَا يَكُونُ مَنَاطَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَصِدْقُ الْمُعَرَّضِ بِهِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ صِدْقِ الْمُعَرَّضِ عَنْهُ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اللَّفْظُ وَكَلَامُ النَّاصِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: إنَّ الْكِنَايَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْمُكَنَّى عَنْهُ لَا يَكُونُ تَعْرِيضًا قَطْعًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ اللَّفْظُ وَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّعْرِيضَ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الِالْتِفَاتَ فِيهِ نَحْوَ الْمُعَرَّضِ بِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّفْظُ وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ تَعْرِيضًا فِي أَصْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُعَرَّضُ بِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُنَا اهـ.
وَبِهِ يَتَخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ كَلَامَ النَّاصِرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ التَّعْرِيضُ وَحَقِيقَتُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَوُجِدَ بِخَطِّ سم عَلَى هَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ نَحْوَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْكِتَابِ مَا نَصُّهُ نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَإِنْ دَفَعَ هَذَا الْبَحْثَ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ التَّعْرِيضِ فِي هَذَا الْمِثَالِ حَقِيقَةً وَكَيْفَ يَكُونُ حَقِيقَةً وَفِيهِ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُ مَجَازًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِسْنَادُ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَجَازًا إذَا كَانَ مَنَاطَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَمَرْجِعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَصْدُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا فَلْيُرَاجَعْ اهـ.
وَأَقُولُ لَمْ تَظْهَرْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ عليه السلام وَبَيْنَ الْفَاعِلِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ الْفَاعِلُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا لَا يَرِدُ الْبَحْثُ أَصْلًا لِأَنَّ مَوْرِدَهُ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ حَقِيقِيٌّ فَكَانَ يُسْتَغْنَى فِي دَفْعِ الْبَحْثِ بِهِ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا يُبْطِلُ صُورَةَ التَّعْرِيضِ وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْإِسْنَادَ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ إلَخْ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ كَلَامِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ غَضِبَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ وَالْمَعْنَى يُرِيدُ أَيْ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام وَضَمِيرُ غَضِبَ يَعُودُ إلَى كَبِيرِ الْأَصْنَامِ.
(قَوْلُهُ: تَلْوِيحًا لِقَوْمِهِ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعْرِيضُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّهَكُّمُ وَالْمُنَاسِبُ لِلتَّعْرِيضِ التَّلْوِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ مِنْ عِبَادَتِهَا بِالْأَوْلَى وَقَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِمَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ غَضِبَ إلَخْ أَيْ فَالْإِلَهُ الْحَقُّ يَغْضَبُ لِعِبَادَةِ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا) قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ