المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة القائلون بالنفسي من الكلام اختلفوا هل للأمر النفسي صيغة تخصه] - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: ‌[مسألة القائلون بالنفسي من الكلام اختلفوا هل للأمر النفسي صيغة تخصه]

مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُمْ الْأَشَاعِرَةُ (اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ) النَّفْسِيِّ (صِيغَةٌ تَخُصُّهُ) بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا (وَالنَّفْيُ عَنْ الشَّيْخِ)

ــ

[حاشية العطار]

إلَى وُقُوعِهِ فَهَذَا يُبْطِلُ كَوْنَ الْإِرَادَةِ عَيْنَهُ أَوْ شَرْطَهُ كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ.

[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

(قَوْلُهُ: مِنْ الْكَلَامِ) أَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ النَّفْسِيَّ صِفَةً لِلْأَمْرِ مَعَ أَنَّهُ مَوْضُوعُ الْمَبْحَثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ فِي قَوْلِهِ هَلْ لِلْأَمْرِ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِ تَأْبَاهُ.

(قَوْلُهُ: صِيغَةٌ تَخُصُّهُ) أَيْ تَكُونُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الِانْفِرَادَ وَإِلَّا لَقَالَ بِأَنْ لَا يُشَارِكَهَا غَيْرُهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهَا عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا مَعَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ صِيغَةُ افْعَلْ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَإِلَّا فَالْأَمْرُ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ اتِّفَاقًا كَأَمَرْتُكَ وَأَلْزَمْتُك لَوْ فُرِضَ صُدُورُهَا مِنْ الشَّارِعِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ بَلْ إمَّا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ إلَخْ تَفْصِيلٌ لِمَا هُنَا فَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا أَوْ اكْتَفَى بِهِ كَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَالنَّفْيُ عَنْ الشَّيْخِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَمُتَّبِعِيهِ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ أَنَّ الْعَرَبَ مَا صَاغَتْ لِلْأَمْرِ الْحَقِّ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ عِبَارَةً فَرْدَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ افْعَلْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ نَظَرًا إلَى مَذْهَبِ الْوَعِيدِ وَإِنْ فُرِضَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ النَّهْيِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ رَفْعِ الْحَرَجِ عَلَى مَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَبَيْنَ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ هُوَ فِي مَسْلَكِ الِاقْتِضَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِيجَابِ وَيَتَبَيَّنُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَرَدُّدُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْوَاقِفِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَنْزِيلِ مَذْهَبِهِ فَقَالَ قَائِلُونَ اللَّفْظُ صَالِحٌ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَحَامِلِ صَلَاحَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَعَانِي الَّتِي هُيِّئَتْ اللَّفْظَةُ لَهَا وَقَالَ آخَرُ لَيْسَ الْوَقْفُ مَصِيرًا إلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ وَضْعًا فِي اللِّسَانِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى بِهِ أَنَّا لَا نَدْرِي عَلَى أَيِّ وَضْعٍ جَرَى قَوْلُ الْقَائِلِ افْعَلْ فِي اللِّسَانِ فَهُوَ إذًا مَشْكُوكٌ فِيهِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْمَقَالَاتِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ رحمه الله لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ مَعَ فَرْضِ الْقَرَائِنِ وَهَذَا زَلَلٌ بَيِّنٌ فِي النَّقْلِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُوَرِّك بِالْغَلَطِ عَلَى النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْوَقْفَ مَعَ فَرْضِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ عَلَى نِهَايَةِ الْوُضُوحِ ذُو تَحْصِيلٍ وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ جَازِمًا بِهِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ رحمه الله لَا يُنْكِرُ صِيغَةً مُشْعِرَةً بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ أَوْجَبْت أَوْ أَلْزَمْت أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي تَرَدَّدَ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ مِنْ حَيْثُ أَلْفَاهُ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ مُتَرَدِّدًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا الظَّنُّ بِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ لَفْظٌ أَوْ أَلْفَاظٌ مِنْ الْقَبِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ افْعَلْ حَتْمًا أَوْ افْعَلْ وَاجِبًا نَعَمْ قَدْ يَتَرَدَّدُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا مَا الْمُشْعِرُ بِالْأَمْرِ النَّفْسِيِّ الْأَلْفَاظُ الْمُقْتَرِنَةُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ أَمْ هِيَ فِي حُكْمِ التَّفْسِيرِ لِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ وَهَذَا تَرَدُّدٌ قَرِيبٌ ثُمَّ مَا نَقَلَهُ النَّقْلَةُ يَخْتَصُّ بِقَرَائِنِ الْمَقَالِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْحَظِّ فَأَمَّا قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا أَحَدٌ فَهَذَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى سِرِّ مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْقَاضِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَطَبَقَةِ

ص: 468

أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ (فَقِيلَ) النَّفْيُ (لِلْوَقْفِ) بِمَعْنَى عَدَمِ الدِّرَايَةِ بِمَا وُضِعَتْ لَهُ حَقِيقَةً مِمَّا وَرَدَتْ لَهُ مِنْ أَمْرٍ وَتَهْدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا (وَقِيلَ) لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ مَا وَرَدَتْ لَهُ (وَالْخِلَافُ فِي صِيغَةِ أَفْعَلَ) وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ مِنْ صِيَغِهِ، فَلَا تَدُلُّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِخُصُوصِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ يُقَالَ صَلِّ لُزُومًا بِخِلَافِ أَلْزَمْتُك وَأَمَرْتُك.

(وَتَرِدُ) لِسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعْنًى (لِلْوُجُوبِ){أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72](وَالنَّدْبِ){فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33](وَالْإِبَاحَةِ){كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51](وَالتَّهْدِيدِ){اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَيَصْدُقُ مَعَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ (وَالْإِرْشَادِ){وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ

ــ

[حاشية العطار]

الْوَاقِفِيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى عَدَمِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) قَالُوا لَوْ تَعَيَّنَ مَا وُضِعَ لَهُ فَبِدَلِيلٍ وَلَيْسَ الْعَقْلُ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهُ وَالنَّقْلُ آحَادًا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَتَوَاتُرًا يُوجِبُ اسْتِوَاءَ طَبَقَاتِ الْبَاحِثِينَ وَالِاخْتِلَافُ يُنَافِيهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْحَصْرَ بَلْ الْأَدِلَّةُ الِاسْتِقْرَائِيَّة وَمَرْجِعُهَا تَتْبَعُ مَظَانَّ اسْتِعْمَالِهِ وَالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى مَقْصُودِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ. كَذَا فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ مِنْ بَاقِي الْمَعَانِي وَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَجَعَلَ الْخِلَافَ عَامًّا.

(قَوْلُهُ: بَيْنَ مَا وَرَدَتْ لَهُ) مُفَادُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي الْقَوْلُ بِأَنَّ الصِّيغَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَعَانِي الْآتِيَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّ مِنْ الْمَعَانِي مَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ كَمَا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَغَايَةُ مَا قِيلَ أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ فِي خُصُوصِ الْوُجُوبِ النَّدْبُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَقَوْلُ سم لَعَلَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْجَمِيعِ لَا يُسْمَعُ.

(قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ أَيْ مِنْ صِيَغِ افْعَلْ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَهُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا.

(قَوْلُهُ: مِنْ صِيَغِهِ) أَيْ صِيَغِ الْأَمْرِ فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ فِعْلَ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى افْعَلْ كَقُمْ وَاسْتَخْرِجْ وَانْطَلِقْ، وَاسْمَ الْفِعْلِ كَصَهْ، وَالْمُضَارِعَ الْمَقْرُونَ بِاللَّامِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِافْعَلْ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالًا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَلْزَمْتُك إلَخْ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزِ قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي صِيغَةِ افْعَلْ فَإِنَّ أَلْزَمْتُك تَدُلُّ بِجَوْهَرِهَا وَمَادَّتِهَا وَلَا تَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ إنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي خُصُوصِ صِيغَةِ افْعَلْ فَلِمَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ هَلْ لِلْأَمْرِ صِيغَةُ الْعَامِّ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي تَعْبِيرِهِ الْقَوْمَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ قَوْلُهُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] إنْ كَانَ بِمَعْنَى دَاوِمُوا عَلَيْهَا كَانَ أَمْرًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى رَاعُوا حُقُوقَهَا مِنْ شَرَائِطَ وَغَيْرِهَا كَانَ أَمْرًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ.

قَوْلُهُ {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] إنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَلَالُ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ الْمُسْتَلَذَّاتِ كَانَ لِلْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ إلَخْ) وَجْهُ الصِّدْقِ أَنَّ التَّهْدِيدَ لِلْمَنْعِ، وَالْمَنْعَ يَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ كَذَا قِيلَ وَعِنْدِي أَنَّ

ص: 469

دُنْيَوِيَّةٌ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَقَدَّمَهُ هُنَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ عَقِبَ التَّأْدِيبِ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَإِنَّهُ مِنْهَا (وَإِرَادَةُ الِامْتِثَالِ) كَقَوْلِك لِآخَرَ عِنْدَ الْعَطَشِ اسْقِنِي مَاءً (وَالْإِذْنِ) كَقَوْلِك لِمَنْ طَرَقَ الْبَابَ اُدْخُلْ (وَالتَّأْدِيبِ)«كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَيَدُهُ تَبْطِشُ فِي الصَّحْفَةِ كُلْ مِمَّا يَلِيك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

أَمَّا أَكْلُ الْمُكَلَّفِ مِمَّا يَلِيهِ فَمَنْدُوبٌ وَمِمَّا يَلِي غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى حُرْمَتِهِ لِلْعَالِمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِيذَاءِ (وَالْإِنْذَارِ){قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 30] وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ (وَالِامْتِنَانِ){كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 142] وَيُفَارِقُ الْإِبَاحَةَ بِذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَالْإِكْرَامِ){ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46](وَالتَّسْخِيرِ) أَيْ التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ نَحْوُ {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65](وَالتَّكْوِينِ) أَيْ الْإِيجَادِ عَنْ الْعَدَمِ بِسُرْعَةٍ نَحْوُ كُنْ فَيَكُونُ (وَالتَّعْجِيزِ)

ــ

[حاشية العطار]

الْمُهَدَّدَ عَلَيْهِ لَا يَكُون إلَّا حَرَامًا وَكَذَا الْإِنْذَارُ كَيْفَ وَهُوَ مُقْتَرِنٌ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ.

(قَوْلُهُ: دُنْيَوِيَّةٌ) أَيْ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِامْتِثَالَ وَالِانْقِيَادَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَكَذَا إنْ قَصَدَهَا لَكِنَّ ثَوَابَهُ فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّدْبِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَتُهُ دِينِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ) أَيْ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ عَنْهَا إلَى هَذِهِ.

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِك لِآخَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ مِنْ الْأَمْرِ هُنَا إلَّا إرَادَةُ الِامْتِثَالِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ مِمَّنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ كَالسَّيِّدِ وَإِلَّا كَانَتْ الصِّيغَةُ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ غَيْرِهِ لَا الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ وَتَحْرِيمُ الْمُخَالَفَةِ لِطَلَبِ الشَّارِعِ الِامْتِثَالَ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ) فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَأَيْضًا الْإِذْنُ مَا سَبَقَهُ اسْتِئْذَانٌ وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُ فِي قِسْمِ الْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّأْدِيبُ) هُوَ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحُ الْعَادَاتِ بِخِلَافِ النَّدْبِ فَإِنَّهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ.

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافُهُ.

وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَلَعَلَّ الْوَاقِعَةَ تَعَدَّدَتْ.

قَوْلُهُ {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: 30] إلَخْ فِيهِ أَنَّ الْإِنْذَارَ مِنْ الْقَرِينَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْمَصِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ مَعَ كُلٍّ كَانَ تَهْدِيدًا وَإِنْذَارًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ الْوَعِيدُ فِي التَّهْدِيدِ.

(قَوْلُهُ: يَذْكُرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ يَحْتَاجُ الْخَلْقُ إلَيْهِ كَالرِّزْقِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذِكْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الصِّيغَةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ التَّذْلِيلُ وَالِامْتِهَانُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّائِقَ أَنْ يُسَمَّى سِخْرِيَّةً بِكَسْرِ السِّينِ لَا تَسْخِيرًا لِأَنَّ التَّسْخِيرَ النِّعْمَةُ وَالْإِكْرَامُ قَالَ تَعَالَى {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجاثية: 13] وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّسْخِيرَ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَيُقَالُ فُلَانٌ سَخَّرَهُ السُّلْطَانُ أَيْ امْتَهَنَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِلَا أَجْرٍ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: نَحْوُ {كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] تَلْمِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قَالَ فِي التَّلْوِيحِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَجَازٌ عَنْ سُرْعَةِ الْإِيجَادِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ تَمْثِيلًا لِلْغَائِبِ أَعْنِي تَأْثِيرَ قُدْرَتِهِ فِي الْمُرَادِ بِالشَّاهِدِ أَعْنِي أَمْرَ

ص: 470

أَيْ إظْهَارِ الْعَجْزِ نَحْوُ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]

ــ

[حاشية العطار]

الْمُطَاعِ لِلْمُطِيعِ فِي حُصُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَتَوَقُّفٍ وَلَا افْتِقَارٍ إلَى مُزَاوَلَةِ عَمَلٍ وَاسْتِعْمَالِ آلَةٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا كَلَامٌ وَإِنَّمَا وُجُودُ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ مَقْرُونًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ تَكْوِينُهَا بِغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى يَقُولُ لَهُ اُحْدُثْ فَيَحْدُثُ عَقِيبَ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ فَيَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الصَّوْتِ وَالْحُرُوفِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ عَلَى الْفَهْمِ وَاشْتَمَلَ عَلَى أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ وَهُوَ الْوُجُودُ جَازَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَعْدُومِ بَلْ خِطَابُ التَّكْلِيفِ أَيْضًا أَزَلِيٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَيُوجَدُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى مُخَاطَبٍ بِهِ اهـ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ كَانَ أَمْرُ كُنْ لِطَلَبِ وُجُودِ الْحَادِثِ وَإِرَادَةِ تَكْوِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ وَتَرَاخٍ وَكَانَ أَزَلِيًّا يَلْزَمُ قِدَمُ الْحَادِثِ وَأَيْضًا إذَا كَانَ أَزَلِيًّا لَمْ يَصِحَّ تَرَتُّبُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ عَلَى مَا تُنْبِئُ عَنْهُ الْآيَةُ فَالْأَوْلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَجَازٌ وَتَمْثِيلٌ لِسُرْعَةِ التَّكْوِينِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا كَلَامٍ اهـ.

وَقَوْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ إلَخْ انْحَلَّ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ

عَجَبِي مِنْ قَائِلٍ كُنْ لِعَدَمٍ

وَاَلَّذِي قِيلَ لَهُ لَمْ يَكُ ثَمَّ

إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ

كَيْفَ لِلْقَوْلِ دَلِيلٌ وَاَلَّذِي

قَدْ بَنَاهُ الْعَقْلُ بِالْكَشْفِ انْهَدَمَ

وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ شُبِّهَتْ هَيْئَةُ حُصُولِ الْمُرَادِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِلَا مُهْمَلَةٍ وَامْتِنَاعٌ بِطَاعَةِ الْمَأْمُورِ الْمُطِيعِ عَقِيبَ أَمْرِ الْمُطَاعِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِبَاءُ تَصْوِيرِ الْحَالِ الْغَائِبِ فِي أَمْرِ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ مِنْ مُلَاحَظَةِ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ الْكَلَامُ الْمَوْضُوعُ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ اسْتِعَارَةٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ كَمَا شَبَّهَ هَيْئَةَ اسْتِقْرَارِهِمْ وَتَمَكُّنِهِمْ عَلَى الْهُدَى بِاسْتِعْلَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَاسْتِقْرَارِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] فَكَانَ أَصْلُ الْكَلَامِ هَكَذَا إذَا قَضَى أَمْرًا فَيَحْصُلُ عَقِيبَهُ دُفْعَةً فَكَأَنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثُمَّ حَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَاسْتَعْمَلَ الْمُشَبَّهَ بِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ اسْتِعَارَةً تَحْقِيقِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى تَشِبِّيهِ حَالٍ بِمَقَالٍ عَلَى مَا تُوُهِّمَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَشِبِّيهِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِقَوْلِ كُنْ كَيْفَ وَهُوَ مَذْكُورٌ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ إذَا قَضَى أَمْرًا وَالِاسْتِعَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا طَيُّ ذِكْرِ الْمُشَبَّهِ اهـ.

1 -

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ وَالتَّسْخِيرِيِّ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقْصِدُ تَكْوِينَ الشَّيْءِ الْمَعْدُومِ وَفِي الثَّانِي صَيْرُورَتَهُ مُنْتَقِلًا مِنْ صُورَةٍ أَوْ صِفَةٍ إلَى أُخْرَى فَفِيهِ زِيَادَةُ اعْتِبَارٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُ الْعَجْزِ) أَيْ لَا إيجَادُهُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى التَّعْجِيزِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْإِفْحَامُ نَحْوَ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَقَدْ عَدَّهُ فِي فُصُول الْبَدَائِع نَوْعًا مُسْتَقِلًّا فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْجِيزِ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَوْضِعِ الْمُنَاظَرَةِ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ.

(قَوْلُهُ:

ص: 471

(وَالْإِهَانَةِ){ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49](وَالتَّسْوِيَةِ) فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا (وَالدُّعَاءِ){رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89](وَالتَّمَنِّي) كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ

أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي

بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ مِنْك بِأَمْثَلِ

ــ

[حاشية العطار]

وَالْإِهَانَةِ) وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ تَهَكُّمًا وَضَابِطُهُ أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرِيمِ وَيُرَادُ مِنْهُ ضِدُّهُ وَبِهَذَا فَارَقَ السُّخْرِيَّةَ وَأَيْضًا عَدَمُ ذِكْرِ الْمُهَانِ بِهِ فِيهَا بِخِلَافِ التَّسْخِيرِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَعَهُ الْمُذَلَّلَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الصِّيغَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّسْوِيَةِ) قَالَ الْقَرَافِيُّ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ هُنَا فِي التَّسْوِيَةِ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ صِيغَتَيْنِ مِنْ الْأَمْرِ مَعَ صِيغَةِ أَوْ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّسْوِيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّمَنِّي فَإِنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهِ هُوَ صِيغَةُ الْأَمْرِ مَعَ صِيغَةِ إلَّا لَا الصِّيغَةُ وَحْدَهَا اهـ.

بِاخْتِصَارٍ وَأَجَابَ سم بِإِمْكَانِ إفَادَةِ التَّسْوِيَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الصِّيغَةِ أَوْ بِشَرْطِ مُصَاحَبَةِ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَعْلِ التَّسْوِيَةِ مِنْ مَعَانِي الصِّيغَةِ وَبِجَعْلِهَا مِنْ مَعَانِي أَوْ وَقَدْ يُمْنَعُ مَا قَالَهُ فِي التَّمَنِّي بِأَنَّ الصِّيغَةَ وَحْدَهَا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لَفْظَةٍ إلَّا وَإِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهَا فِي هَذَا الْمِثَالِ اهـ.

وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلِاعْتِرَافِ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَأَمَّا الثَّانِي فَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَكُلُّهُمْ قَدْ مَثَّلَ لِلتَّمَنِّي بِهَذَا الْمِثَالِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمَنِّي بِدُونِ لَفْظَةِ إلَّا لَذَكَرُوهُ تَأَمَّلْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِبَاحَةِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ فَأُبِيحَ لَهُ وَفِي التَّسْوِيَةِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ رُجْحَانَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَدَفَعَ بِالتَّسْوِيَةِ.

(قَوْلُهُ: رَبَّنَا افْتَحْ) أَيْ اقْضِ

ص: 472

وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ عِنْدَ الْمُحِبِّ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا طَمَعَ فِيهِ كَانَ مُتَمَنِّيًا لَا مُتَرَجِّيًا (وَالِاحْتِقَارِ){أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: 43] إذْ مَا يُلْقُونَهُ مِنْ السِّحْرِ وَإِنْ عَظُمَ مُحْتَقَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُعْجِزَةِ مُوسَى عليه السلام (وَالْخَبَرِ) كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» أَيْ صَنَعْت.

(وَالْإِنْعَامِ) بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ نَحْوُ {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57](وَالتَّفْوِيضِ){فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72](وَالتَّعَجُّبِ){انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الإسراء: 48](وَالتَّكْذِيبِ){قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93](وَالْمَشُورَةِ){فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102](وَالِاعْتِبَارِ){انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99](وَالْجُمْهُورُ) قَالُوا هِيَ (حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ)

ــ

[حاشية العطار]

بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّيْلَ وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا يُرْجَى انْجِلَاؤُهُ فَالْأَنْسَبُ الْحَمْلُ عَلَى التَّرَجِّي وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِلَوَاعِجِ الْأَشْوَاقِ وَشَدَائِدِ الْفِرَاقِ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَقَاسَاتِ الْهُمُومِ لَا تَنْقَطِعُ كَمَا قِيلَ:

رَقَدْت وَلَمْ تَرْثِ لِلسَّاهِرِ قَوْلَهُ

وَلَيْلُ الْمُحِبِّ بِلَا آخِرِ

فَكَأَنَّهُ لَا يُرْتَقَبُ انْجِلَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ طَاعِيَةٌ فِيهِ فَلِذَا حُمِلَ عَلَى التَّمَنِّي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ انْجِلَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ انْجِلَاؤُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَمُحَالٌ.

(قَوْلُهُ: مُتَمَنِّيًا) بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَظُمَ) أَيْ فِي نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] وَقَوْلُهُ: مُحْتَقَرٌ أَيْ بِالنَّظَرِ لِمُعْجِزَةِ مُوسَى عليه السلام فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بِأَنَّ التَّهْدِيدَ فِيهِ قَرِينَةٌ نَحْوُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ لِاقْتِرَانِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ بِخِلَافِ هَذَا.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ) وَحَقِيقَتُهُ إسْدَاءُ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِمُوَافَقَةِ غَرَضِ مَنْ عَدَّ الْإِنْعَامَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُهُ مَعَ الِامْتِنَانِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَذْكِيرَ النِّعْمَةِ مُجَرَّدٌ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ مِنْ أَفْرَادِهَا وَلَا كَذَلِكَ الِامْتِنَانُ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِاخْتِصَاصِ الْإِنْعَامِ بِذِكْرِ إعْلَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ بِخِلَافِ الِامْتِنَانِ لَا يَظْهَرُ فِي جَمِيعِ الْمَوَارِدِ.

قَوْلُهُ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّحْقِيرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِدَلِيلِ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّعَجُّبِ) الْأَوْلَى التَّعْجِيبُ لِمُوَازِنَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: قُلْ فَأْتُوا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْذِيبِ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38] وَالْمُرَادُ حَقِيقَةُ الطَّلَبِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَشُورَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِلطَّلَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ طَلَبُ النَّظَرِ فِي الَّذِي يَرَاهُ (قَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارِ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ طَلَبُهُ رَجَعَ لِلنَّدَبِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْلُو عَدُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ تَسَامُحٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ إلَخْ) غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ لِذِكْرِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَهُوَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ النَّافِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ.

وَفِي الْبُرْهَانِ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْفُقَهَاءِ فَقَالَ.

وَأَمَّا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ لِلْإِيجَابِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَرَائِنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُجْمِعُونَ عَلَى اتِّبَاعِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْوَقْفِ وَلَمْ يُسَاعِدْ الشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ إلَّا الْأُسْتَاذَ أَبُو إِسْحَاقَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَلَا أَرَى لَهُمْ كَلَامًا مَرَضِيًّا يُعَوَّلُ عَلَى مِثْلِهِ فِي انْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ مَنْ أَظْهَرَ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْمَاضِينَ وَالْأَئِمَّةَ الْمُتَقَدِّمِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فِي طَلَبِ إثْبَاتِ الْإِيجَابِ وَلَا يَنْزِلُونَ عَنْهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَسْلَكُ لَا يَصْفُو عَنْ شَوَائِبِ النِّزَاعِ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِيمَا اقْتَرَنَ بِهِ اقْتِضَاءُ الْإِيجَابِ وَكُلُّ مَسْلَكٍ فِي الْكَلَامِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إمْكَانٌ لَمْ يُفْضِ إلَى الْقَطْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالُوا هِيَ إلَخْ) قَدَّرَهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ) احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

ص: 473

فَقَطْ (لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا مَذَاهِبُ) وَجْهُ أَوَّلِهَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَحْكُمُونَ بِاسْتِحْقَاقِ مُخَالِفِ أَمْرِ سَيِّدِهِ مَثَلًا بِهَا لِلْعِقَابِ.

وَالثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهَا لُغَةٌ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَإِنْ جَزَمَهُ الْمُحَقِّقُ لِلْوُجُوبِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْعِ فِي أَمْرِهِ أَوْ أَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ طَاعَتَهُ أَجَابَ بِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ لِإِيجَابِهِ عَلَى الْعَبْدِ مَثَلًا طَاعَةَ سَيِّدِهِ.

وَالثَّالِثُ قَالَ إنَّ مَا تُفِيدُهُ لُغَةً مِنْ الطَّلَبِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ يُصَيِّرُ الْمَعْنَى افْعَلْ إنْ شِئْت وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورًا وَقُوبِلَ بِمِثْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ

ــ

[حاشية العطار]

فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَخَوْفُهُمْ وَحَذَرُهُمْ مِنْ إصَابَةِ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ الْأَمْرَ وَهِيَ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَنَّ مُوَافَقَةَ الْأَمْرِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا عَدَمُ اعْتِقَادِ حَقِيقَتِهِ وَلَا حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ مَثَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمِنْهَا انْتِفَاءُ الْخِيرَةِ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا إتْمَامُ الشَّيْءِ قَوْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حُكْمًا لَا فِعْلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] بِدَلَالَةِ عَطْفِ الرَّسُولِ وَكَذَا الْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ مَصْدَرًا أَوْ تَمْيِيزًا أَوْ حَالًا لَا الْفِعْلُ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيرُ الْبَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمِنْهَا الذَّمُّ وَالتَّوْبِيخُ وَالْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِي {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] عَلَى زِيَادَةِ لَا أَوْ بِمَعْنَى مَا دَعَاكَ إلَى أَنْ لَا تَسْجُدَ إذْ الْمَانِعُ مِنْ الشَّيْءِ دَاعٍ إلَى تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِإِذْ أَمَرْتُك قَوْله تَعَالَى اُسْجُدُوا فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مُطْلَقًا لِلْوُجُوبِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ مَا أَلْزَمْتنِي فَعَلَامَ الْإِنْكَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ جَارِيَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةً تَخُصُّهُ وَكَذَلِكَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي مَدْلُولِ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي وَمَا بَعْدَهُ مَا عَدَا قو وَعَبْدَ الْجَبَّارِ، وَالْمُخْتَارُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ بَلْ تَتَجَاوَزُهُ فَهُوَ اخْتِلَافٌ فِيمَا تَتَجَاوَزُ إلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَدَخِيلٌ بَيْنَهُمَا لِابْتِنَائِهِ عَلَى إنْكَارِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَبِ.

(قَوْلُهُ: فَقَطْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ إذْ الْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ وَكُلُّ ذِي وِلَايَةٍ كَالزَّوْجِ.

(قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ افْعَلْ أَوْ بِاللُّغَةِ وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ وَعَلَى الثَّانِي بِتَحْكُمُونَ بِجَعْلِ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُدَّعَى اهـ.

(قَوْلُهُ: لِلْعِقَابِ) لَمْ يُرِدْ خُصُوصَ الْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ بَلْ أَرَادَ مُطْلَقَ الِانْتِقَامِ وَاسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لَهَا عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَجَابَ.

(قَوْلُهُ: لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ) أَيْ الطَّلَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّحَتُّمِ فَالطَّلَبُ جِنْسٌ وَجَزْمُهُ الْفَصْلُ الْمُقَوِّمُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: الْمُحَقَّقِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْعِقَابُ إلَخْ أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحَقَّقِ، وَقَوْلُهُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ خَبَرُ إنَّ فَقَوْلُهُ وَإِنَّ جَزْمَهُ أَيْ الطَّلَبِ، وَقَوْلُهُ الْمُحَقَّقَ بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِلْجَزْمِ.

(قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ) لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِسَبْقِ اللُّغَةِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ) أَيْ عَقْلًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ طَرِيقُهُ الْعَقْلُ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْعَقْلِ عَدَمُ الْقَيْدِ

ص: 474

الْمَعْنَى افْعَلْ مِنْ غَيْرِ تَجْوِيزِ تَرْكٍ.

(وَقِيلَ) هِيَ حَقِيقَةٌ (فِي النَّدْبِ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ قِسْمَيْ الطَّلَبِ (وَقَالَ) أَبُو مَنْصُورٍ (الْمَاتُرِيدِيُّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ مَوْضُوعَةٌ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ الطَّلَبُ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبُ اسْتِعْمَالٍ حَقِيقِيٍّ وَالْوُجُوبُ الطَّلَبُ الْجَازِمُ كَالْإِيجَابِ تَقُولُ مِنْهُ وَجَبَ كَذَا أَيْ طُلِبَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ طَلَبًا جَازِمًا (وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ فِيهَا) بِمَعْنَى لَمْ يَدْرُوا هِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ فِي الْمَنْدُوبِ أَمْ فِيهِمَا.

(وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ فِيهِمَا وَفِي الْإِبَاحَةِ وَقِيلَ فِي) هَذِهِ (الثَّلَاثَةِ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) أَيْ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّرْكِ الْمُخْتَصِّ بِالْوُجُوبِ أَمْرٌ زَائِدٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ إرَادَتُهُ وَعُورِضَ هَذَا مِنْ جَانِبِ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلشَّيْءِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْكَمَالُ وَالْكَمَالُ مِنْ الطَّلَبِ مَا اقْتَضَى مَنْعَ التَّرْكِ وَهُوَ الْوُجُوبُ دُونَ النَّدْبِ وَأَيْضًا الْمُتَيَقَّنُ أَصْلُ الطَّلَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ لِلنَّدَبِ أَوْ الْوُجُوبِ فَأَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ.

(قَوْلُهُ: وَالْوُجُوبُ الطَّلَبُ إلَخْ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِيجَابِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ إنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُهُ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ إيجَابًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ إضَافَتُهُ لِلْفِعْلِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ سُمِّيَ وُجُوبًا فَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ فَلَا يُقَالُ الطَّلَبُ إنَّمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ لَا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْوُجُوبُ غَيْرُ الْإِيجَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ وَالْإِيجَابَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَوْرَدَ سم أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوُجُوبُ هُوَ الطَّلَبَ الْجَازِمَ لَزِمَ مَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ لُغَةً كَالْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لُغَوِيٌّ وَأَنَّ الْوُجُوبَ لُغَةٌ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ خَاصَّتِهِ مِنْ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ اللُّغَةِ لِأَنَّ خَاصَّةَ الشَّيْءِ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ هُوَ الطَّلَبَ الْجَازِمَ مُطْلَقًا بَلْ الطَّلَبُ الْجَازِمُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ وَصِيغَتِهِ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ لُغَةً لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ تَرَتُّبَ الْعِقَابِ وَلَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي وَضْعِ الصِّيغَةِ اهـ. مُلَخَّصًا

وَأَقُولُ حَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ كَوْنِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ خَاصَّةً الْوُجُوبُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ جُزْءَ الْمَاهِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَكُونُ الطَّلَبُ الْجَازِمُ فَقَطْ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ فَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي وَاسْتِفَادَةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ تَصَوُّرَ كَوْنِ الشَّيْءِ لُغَوِيًّا دُونَ خَاصَّتِهِ عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ تَحَقُّقَ الشَّيْءِ بِدُونِ خَاصَّتِهِ فَلَا يَكُونُ خَاصَّةً لَهُ مَنْعُ فَسَادِهِ فِي نَفْسِهِ يَكُرُّ عَلَى جَوَابِهِ بِالْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِكَوْنِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ لُغَةً الطَّلَبَ الْجَازِمَ فَقَطْ لِأَنَّ خَاصَّةَ الشَّيْءِ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ مَعَ لُزُومِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ لَيْسَ خَاصَّةً وَبِمُقْتَضَى هَذَا الْإِشْكَالِ هُوَ خَاصَّةٌ.

وَأَمَّا بَيَانُ الْفَسَادِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ إلَخْ يَقْضِي بِأَنَّ تَحَقُّقَ الشَّيْءِ بِدُونِ خَاصَّتِهِ بَاطِلٌ وَهُوَ إنْ تَمَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ دُونَ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الثَّانِي فَالتَّحَقُّقُ الْخَارِجِيُّ مُنْتَفٍ وَالذِّهْنِيُّ لَا خَاصَّةَ فِيهِ إذْ اللُّغَةُ اعْتَبَرَتْ الطَّلَبَ الْجَازِمَ وَحْدَهُ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَ انْضِمَامَ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ جَزَاءً وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ انْعَدَمَتْ الْخَاصَّةُ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي صِيغَةِ افْعَلْ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَدْرُوا) أَيْ فَلَا يَحْكُمُونَ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَأَمَّا بِدُونِهَا فَالصِّيغَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُجْمَلِ وَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ.

(قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِي

ص: 475

وَالتَّهْدِيدِ) وَفِي الْمُخْتَصَرِ قَوْلٌ أَنَّهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ لَا نَعْرِفُهُ فِي غَيْرِهِ (وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ هِيَ مَوْضُوعَةٌ (لِإِرَادَةِ الِامْتِثَالِ) وَتَصْدُقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.

(وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْأَبْهَرِيُّ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (أَمْرُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْوُجُوبِ وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُبْتَدَأُ) مِنْهُ (لِلنَّدَبِ) بِخِلَافِ الْمُوَافِقِ لِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ الْمُبَيِّنِ لَهُ فَلِلْوُجُوبِ أَيْضًا (وَقِيلَ) هِيَ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْإِرْشَادِ (وَقِيلَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ) الْخَمْسَةِ أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ.

(وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ) لُغَةً فَلَا تَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِالْمَشِيئَةِ (فَإِنْ صَدَرَ) الطَّلَبُ بِهَا (مِنْ الشَّارِعِ أَوْجَبَ) صُدُورُهُ مِنْهُ (الْفِعْلَ) بِخِلَافِ صُدُورِهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مَنْ أَوْجَبَ هُوَ طَاعَتَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ الْقَوْلِ السَّابِقِ إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ شَرْعًا لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ عَلَى ذَلِكَ شَرْعِيٌّ وَعَلَى ذَا لُغَوِيٌّ وَاسْتِفَادَةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِيبِ مِنْ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ هُوَ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي أَنَّ خَاصَّةَ الْوُجُوبِ مِنْ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الشَّرْعِ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مَجَازٌ.

(وَفِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ) فِي الْمَطْلُوبِ بِهَا (قَبْلَ الْبَحْثِ) عَمَّا يَصْرِفُهَا عَنْهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ وَدَلَالَتِهَا عَلَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ: أَنَّهَا لِلْقَدْرِ) أَيْ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَمْرٍ كُلِّيٍّ فَقَوْلُهُ أَيْ الْإِذْنُ بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ.

(قَوْلُهُ: الْمُبْتَدَأُ مِنْهُ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مُجْتَهِدٌ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا التَّهْدِيدُ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الضِّدِّ وَإِلَّا فَهُمَا لَا طَلَبَ فِيهِمَا وَلَمْ تَرِدْ بِهِمَا الصِّيغَةُ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِالْمَشِيئَةِ) أَيْ كَمَا فِي النَّدْبِ.

(قَوْلُهُ: أَوْجَبَ) لِأَنَّ جَزْمَ الشَّارِعِ هُوَ الْإِيجَابُ أَيْ أَثْبَتَ خَاصَّةَ الْوُجُوبِ وَهِيَ تَرَتُّبُ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ.

(قَوْلُهُ: غَيْرَ الْقَوْلِ السَّابِقِ) فَهُوَ غَيْرُ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُسْتَفَادٌ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَعَلَى الْمُخْتَارِ مِنْهَا وَمِنْ الشَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ مِنْ اللُّغَةِ وَالْوُجُوبُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْعِقَابُ عَلَى التَّرْكِ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَزْمِ الطَّلَبِ الْوُجُوبُ قَالَ سم لَنَا إشْكَالٌ فِي مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالتَّرْكِيبِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَنَّ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ جُزْءُ الْوُجُوبِ الْمُرَكَّبِ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا أَسْتُفِيدَ مِنْ اللُّغَةِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا اُسْتُفِيدَ التَّوَعُّدُ مِنْ الشَّرْعِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضًا الطَّلَبُ وَجَزْمُهُ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ إفَادَتُهُ التَّوَعُّدَ بِدُونِ إفَادَتِهِ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ التَّوَعُّدِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَيْضًا مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّرْكِيبِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهَا بَلْ الْوُجُوبُ بِقَلْبِهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ جَزْمَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللُّغَةِ أَيْضًا لَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ تَرْكِيبَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ فَإِفَادَتُهَا الطَّلَبَ الْجَازِمَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ وَلَا يَخْفَى إشْكَالُهُ أَيْضًا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظٍ فِي مَعْنًى مُرَكَّبٍ مُسْتَنِدًا فِي اسْتِعْمَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضٍ مِنْهُ إلَى اللُّغَةِ وَالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهِ الْآخَرِ إلَى الشَّرْعِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الصِّيغَةُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا أَوْ مَعْنَاهَا بِتَمَامِهِ لَيْسَ لُغَوِيًّا وَلَا شَرْعِيًّا تَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَوْجَهُ قَوْلُهُ لَا قَوْلُ غَيْرِهِ فَحَصَلَ بِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ فِي صِيغَةِ افْعَلْ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي مَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالْمُخْتَارُ أَوَّلُهَا وَهُوَ مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: إنَّهُ هُوَ) بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْجَزْمِ وَالْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ مَجَازٌ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَعْنًى ذُكِرَ فِي قَوْلِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ تَكُونُ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَإِنْ

ص: 476

إنْ كَانَ (خِلَافَ الْعَامِّ) هَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ الْأَصَحُّ نَعَمْ كَمَا سَيَأْتِي.

(فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ) أَيْ افْعَلْ (بَعْدَ حَظْرٍ)

ــ

[حاشية العطار]

كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ يَكُونُ حَقِيقِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِ آخَرَ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ) هِيَ تَامَّةٌ وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الصَّارِفِ الْمَأْخُوذِ مِنْ يَصْرِفُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً وَالتَّقْدِيرُ إنْ كَانَ أَيْ الصَّرْفُ مَوْجُودًا.

(قَوْلُهُ: خِلَافُ الْعَامِّ) أَيْ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْعَامِّ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ إلَخْ وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ أَيْ بَحْثِ الْمُجْتَهِدِ وَقِيلَ ظَرْفُ الْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ: هَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ) أَخَذَ ذَلِكَ الشَّارِحُ مِنْ جَعْلِ الْعَامِّ مُنَاظِرًا لِمَا هُنَا فَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قِيلَ إنَّ الْخِلَافَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إنْ تَنَاوَلَهُ حِينَئِذٍ ظَنِّيٌّ فَكَيْفَ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهُ كَمَا هُوَ مِثَالُ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ ظَاهِرًا يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الِاعْتِقَادَ وَإِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ الظَّاهِرَةُ فِي اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ يَجِبُ عَلَى الْمُتَعَبِّدِينَ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِيهَا عَلَى جَزْمٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ فَذَاكَ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْخُصُوصُ تَغَيَّرَ الْعَقْدُ لِأَنَّا نَقُولُ.

وَقَدْ زَيَّفَ مَقَالَتَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ إنَّهُ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي عِنَادٍ إلَخْ وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يُتَّبَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ قَوِيٌّ وَإِنَّ مَا أَطَالَ بِهِ سم هُنَا لَا يُلَاقِيهِ وَإِنْ اشْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ عَلَى فَوَائِدَ شَرِيفَةٍ نَقَلَهَا عَنْ الْقَوْمِ وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ تَرْجِيحَ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَيَتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ إلَخْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَاكَ تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ فَرْعُ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَسَتَعْرِفُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي مَبَاحِثِ الْعَامِّ مَا فِي مَسْأَلَةِ التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ مِنْ قُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ آتٍ هُنَا اهـ.

مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فَرْعُ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ حُكْمُ الْعَامِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَشَاعِرَةِ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ وَعِنْدَ الْبَلْخِيّ وَالْجُبَّائِيِّ الْجَزْمُ بِالْخُصُوصِ كَالْوَاحِدِ فِي الْجِنْسِ وَالثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ، وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْأَفْرَادِ قَطْعًا وَتَعْيِينًا عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَظَنًّا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ حَتَّى يُفِيدَ وُجُوبَ الْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ اهـ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَمَسَّكَ بِهِ) حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِلتَّمَسُّكِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فَرْعُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَفِيهِ مَا قَدْ سَمِعْت (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ نَعَمْ) أَيْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَكَذَا هُنَا

(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَرَدَ إلَخْ) مُقَابِلُ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ هَذَا أَيْ مَحِلُّ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ إذَا لَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ فَإِنْ وَرَدَ إلَخْ فَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ وَارِدًا بَعْدَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ الْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْوَقْفِ وَحُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ النَّدْبُ «كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُجْعَلَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ فَإِنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَ الْحَظْرِ وَهُوَ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَقَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ إسْقَاطُ الْحَظْرِ وَرُجُوعُ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ افْعَلْ) يَعْنِي مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرِينَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الطَّلَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْوُرُودِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ لِأَنَّ النَّفْسِيَّ الَّذِي هُوَ الِاقْتِضَاءُ لَا يَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ إذْ لَا اقْتِضَاءَ فِيهَا وَلَا لِلْوُجُوبِ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الْمُغَايِرَةَ بَلْ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ إذْ الِاقْتِضَاءُ

ص: 477

لِمُتَعَلِّقِهِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (أَوْ الِاسْتِئْذَانُ) فِيهِ (فَلِلْإِبَاحَةِ) حَقِيقَةً لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ فِي ذَلِكَ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا حِينَئِذٍ وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةٌ لِلْحَقِيقَةِ (وَقَالَ) الْقَاضِي (أَبُو الطَّيِّبِ) وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ (الشِّيرَازِيُّ وَ) أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (لِلْوُجُوبِ) حَقِيقَةً كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْإِبَاحَةِ

ــ

[حاشية العطار]

الْوَارِدُ بَعْدَ الْحَظْرِ هُوَ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ الْكَمَالُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ إذَا حَلَلْتُمْ فَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاصْطِيَادِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَلَا تَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ.

(قَوْلُهُ: لِمُتَعَلِّقِهِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ كَالِانْتِشَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] .

(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِئْذَانٍ) لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْآتِي بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ مَحَلَّ الْخِلَافِ فَمَقُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ اسْتِئْذَانٍ لَا لِلْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ: فَلِلْإِبَاحَةِ حَقِيقَةً) أَيْ شَرْعًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ إلَخْ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَلَبَةَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ قَالُوا غُلِّبَ فِي الْإِبَاحَةِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بَعْدَ الْحَظْرِ نَحْوُ فَاصْطَادُوا فَانْتَشِرُوا إلَخْ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوُجُوبِ الَّذِي عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَهَذَا قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ فُصُولِ الْبَدَائِعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ الْغَلَبَةَ لِوُرُودِهَا لِلْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وَكَالْأَمْرِ بِالصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَبِالْقَتْلِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِقَطْعٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ حَرْبٍ وَبِالْحُدُودِ لِلْجِنَايَاتِ، وَفَهْمُ الْإِبَاحَةِ مِمَّا ذَكَرُوا بِالنُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ أَوْ بِالْقَرَائِنِ اهـ.

وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ مُعَارِضَةٌ لِأَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَهُنَاكَ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ سَالِمٌ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ السَّابِقَةِ إفَادَةُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَوُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ لَا يَدْفَعُهُ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحُرْمَةَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْعَامُّ لَا يُدَافِعُ الْخَاصَّ فَثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ لِوُجُوبِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الدَّافِعِ فَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ اهـ.

وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ يُشْكِلُ كَمَا قَالَ سم لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا إذَا جَازَ وَجَبَ لِشُمُولِ الْجِوَارِ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا وَرَدَتْ صِيغَةُ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا وَرَدَ جَوَازُ شَيْءٍ هُوَ مَحْظُورٌ إذْ هَذَا لَا يَقْتَضِي مَعْنًى فَارِقًا بَيْنَهُمَا بَلْ قَدْ يُقَالُ وُرُودُ صِيغَةِ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِنْ وُرُودِ الْجَوَازِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَى وُرُودُ الْجَوَازِ بَعْدَ الْحَظْرِ الْوُجُوبَ فَاقْتِضَاءُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ أَوْلَى وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْحَظْرُ السَّابِقُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَالْخِتَانِ فَإِنَّ قَطْعَ الْقُلْفَةِ لَمْ يَقَعْ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ بَلْ دَخَلَ تَحْرِيمُهُ تَحْتَ تَحْرِيمِ قَطْعِ عُضْوِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِأَنَّ أَفْرَادَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهَا مَنْصُوصَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْمُوَافِقُ لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ هَذَا.

وَقَدْ نَقَضَ الْمُصَنِّفُ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَسُجُودِ السَّهْوِ وَزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي الْخُسُوفَيْنِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ وَإِنْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ الْكَسُوبُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَهَا مَمْنُوعَةً لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعَامِلُ عَبْدَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ اهـ.

ثُمَّ يَرِدُ إشْكَالٌ آخَرُ عَلَى جَعْلِهَا حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ وَكَذَا فِي النَّدْبِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ بِأَنَّ جَوَازَ التَّرْكِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِمَا فَيُبَايِنَانِ الطَّلَبَ الْجَازِمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى افْعَلْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَكَانَ الْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِهِمَا حَقِيقَةً فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُمَا.

وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي غَيْرُ مَأْمُورٍ بِصَلَاةِ الضُّحَى وَصَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ» بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ إنَّهُ فِيهِمَا مَجَازٌ وَلَكِنْ نَقَلَ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهَا بَعْضُ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالشَّيْءُ فِي بَعْضِهِ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَالْإِنْسَانِ فِي الْأَعْمَى وَالْأَشَلِّ اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُرُودِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: السَّمْعَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا.

(قَوْلُهُ: لِلْوُجُوبِ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالْمُوَافِقُ لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَالِاسْتِئْذَانِ.

(قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الِاسْتِعْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مَشْهُورًا فَلَا يُعَارِضُ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ

ص: 478