المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنْ - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنْ

كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.

وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنْ نَاسِخٍ مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إذْ وَقَعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ (وَالْحَقُّ) كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ (أَنَّ الْأَدِلَّةَ النَّقْلِيَّةَ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْضِمَامِ تَوَاتُرٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا فِي أَدِلَّةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ عَلِمُوا مَعَانِيَهَا الْمُرَادَةَ بِالْقَرَائِنِ الْمُشَاهَدَةِ وَنَحْنُ عَلِمْنَاهَا بِوَاسِطَةِ نَقْلِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ إلَيْنَا تَوَاتُرًا فَانْدَفَعَ تَوْجِيهُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهَا

(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا (الْمَنْطُوقُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ

ــ

[حاشية العطار]

الْعَمَلَ الْقَلْبِيَّ كَانَ مُسَاوِيًا لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبُرْهَانِ) .

أَقُولُ: عِنْدِي نُسْخَةٌ عَتِيقَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْهُ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا الْعَمَلُ، وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ سَابِقًا

(قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ) أَيْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا أَنَّ الْأَدِلَّةَ النَّقْلِيَّةَ تُفِيدُ الْيَقِينَ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا لَا تُفِيدُهُ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ دَفَعَ تَوْجِيهَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهَا أَيْ لِأَنَّ إفَادَتَهَا لَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِوَضْعِ الْأَلْفَاظِ وَبِإِرَادَةِ مَعَانِيهَا مِنْهَا وَالْعِلْمُ بِالْوَضْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةً وَنَحْوًا وَصَرْفًا وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْآحَادِ لِأَنَّ مَرْجِعَهَا إلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ الَّتِي يَرْوِيهَا عَنْهُمْ الْآحَادُ كَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِلْخَطَأِ وَالْكَذِبِ، وَالْعِلْمُ بِإِرَادَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ نَقْلِ الْأَلْفَاظِ عَنْ مَعَانِيهَا وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصِ وَالْمَجَازِ وَالْفَسْخِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَوْ بَعْضِهَا لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْأَمْرَيْنِ وَمَعَ حُصُولِهِ لَا بُدَّ فِي إفَادَةِ النَّقْلِيَّةِ الْيَقِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ الْمُحْوِجِ إلَى تَأْوِيلِ النَّقْلِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَمَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ النَّقْلِ لَيْسَ إلَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَصْلُ النَّقْلِ فَلَا دَلَالَةَ تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَةَ وَالنَّحْوَ وَالصَّرْفَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْآحَادِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ تَأَمُّلٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ إفَادَةَ النَّقْلِيَّةِ الْيَقِينَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْحَقُّ أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُعَارِضِ لَا عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ إذْ كَثِيرًا مَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَا يَخْطِرُ الْمُعَارِضُ بِالْبَالِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ إفَادَتَهَا الْيَقِينَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ أَنَّهَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ لَاحَظَ الْعَقْلَ الْمُعَارِضَ جَزَمَ بِعَدَمِهِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: بِانْضِمَامِ تَوَاتُرٍ) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ أَيْ غَيْرِهِ أَيْ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ كَمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا حَالَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَحَثِّهِ عَلَيْهَا حَثًّا شَدِيدًا ثُمَّ الْمُرَادُ تَوَاتُرُ الْقَرَائِنِ وَغَيْرُهُ مُشَاهَدَتُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّوَاتُرَ أَوْ غَيْرَهُ هُوَ الْقَرِينَةُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْمُشَاهَدَةَ قَرِينَتَانِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِالْقَرَائِنِ الْمُشَاهَدَةِ، وَنَقْلُ تِلْكَ الْقَرَائِنِ إلَيْنَا تَوَاتُرًا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْمُشَاهَدَةَ مُتَعَلِّقَتَانِ بِالْقَرَائِنِ لَا أَنْفُسِهِمَا قَوْلُهُ كَمَا فِي أَدِلَّةٍ أَيْ كَإِفَادَةِ الْيَقِينِ فِي أَدِلَّةٍ

(قَوْلُهُ: عَلِمُوا مَعَانِيَهَا الْمُرَادَةَ بِالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ لِصِدْقِ الْقَائِلِ إذْ عِلْمُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ عِلْمَهُمْ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ مَا حَصَلَ لَهُمْ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ فَانْدَفَعَ قَوْلَ النَّاصِرِ الْآتِي

(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ تَوْجِيهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمُطْلَقَ لَا يُخَالِفُ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدَ فَلَا خِلَافَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: فَانْدَفَعَ إطْلَاقَ تَوْجِيهِ مَنْ أَطْلَقَ لِأَنَّ الْمُنْدَفِعَ إطْلَاقُ التَّوْجِيهِ لَا نَفْسُ التَّوْجِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ فَيُؤَدِّي إلَى الِاحْتِمَالِ وَلَا يَقِينَ مَعَهُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الْيَقِينَ بِمَا انْضَمَّ إلَيْهَا مِنْ تَوَاتُرٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا الْقَائِلُ ضَمَّ إلَى هَذَا فِي التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ فَلَا بُدَّ فِي دَفْعِهِ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلٍ وَالْعِلْمُ بِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ صِدْقِ الْقَائِلِ كَمَا زَادَ وَالسَّيِّدُ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ مِمَّا سَبَقَ

[الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ]

(قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ هَذَا مَبْحَثُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْطُوقُ) أَيْ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى لَا يَنْطِقُ بِهِ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ

(قَوْلُهُ: مَا أَيُّ مَعْنًى إلَخْ) أَوْقَع مَا عَلَى مَعْنَى وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَصْدَرِيَّةً كَالْعَضُدِ لِأَنَّ الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلَالَةِ وَالْعَضُدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةً لِيُوَافِقَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ

ص: 306

فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) حُكْمًا كَانَ كَمَا مَثَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ الدَّالِ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]

ــ

[حاشية العطار]

فَإِنَّهُ قَسَّمَ الدَّلَالَةَ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ، وَصَنِيعُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ لِقَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ أَنَّهُ مُحْوِجٌ إلَى تَكَلُّفٍ عَظِيمٍ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي كَوْنِهِمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ اهـ.

ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الذَّاتَ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي كَزَيْدٍ إلَخْ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

(قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِ وَالنُّطْقُ هُوَ التَّلَفُّظُ وَمَحَلُّهُ هُوَ اللَّفْظُ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَيْ التَّلَفُّظِ بِاسْمِهِ كَالتَّأْفِيفِ وَكَالنِّسَاءِ فِي تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ إلَخْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ مَذْكُورًا وَيُسَمَّى مَنْطُوقًا صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ مَذْكُورٍ وَيُسَمَّى غَيْرَ تَصْرِيحٍ فَدَلَالَةُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ وَعَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مَفْهُومٌ وَدَلَالَةُ تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَنْطُوقٌ غَيْرُ صَرِيحٍ قَالَ الْعَضُدُ: فَالْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَيْ يَكُونُ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ وَحَالًا مِنْ أَحْوَالِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَنَطَقَ بِهِ أَوْ لَا اهـ.

هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي النَّاصِرِ مُوَضِّحًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِعِبَارَةِ الْعَضُدِ لَكَانَ حَلُّهُ مُوَافِقًا لِطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ تَعْمِيمِ الْمَدْلُولِ لِلْحُكْمِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ حُكْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حُكْمٍ فَفِي ذِكْرِ عِبَارَةِ الْعَضُدِ تَخْصِيصٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَصْرٌ لِلْمَعْنَى عَلَى الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ بِصَدَدِ شَرْحِ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُهُ مُوَافَقَتُهُ دُونَ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ أَنَّهُ حَذَفَ الِاسْتِشْهَادَ بِكَلَامِ الْعَضُدِ لَكَانَ مَحَلُّهُ مُوَافِقًا لِلتَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ.

وَالشَّيْخُ سم أَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ جَاعِلًا مَنْشَأَهُ أَنَّ الْحَالِيَّةَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ تَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْطُوقُ أَمْرًا حَاصِلًا فِي شَيْءٍ نُطِقَ بِاسْمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي الْآخَرِ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ الِاسْمُ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ نَحْوِ مَدْلُولِ زَيْدٍ وَمَدْلُولِ الْأَسَدِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ وَلَيْسَ لِلَّفْظِ هَاهُنَا مَدْلُولَانِ غَيْرُ ذَيْنِك الْمَدْلُولَيْنِ وَهُمَا فِيهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَالِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بَلْ لَا مُسَمًّى لِلَّفْظِ إلَّا هُمَا اهـ.

وَهُوَ مَحْضُ تَطْوِيلٍ مَبْنَاهُ تَخَيُّلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنُّطْقِ فِي قَوْلِهِ: فِي مَحَلِّ النُّطْقِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَهُوَ التَّلَفُّظُ أَوْ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ اللَّفْظُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ ثَابِتًا فِي التَّلَفُّظِ، وَثُبُوتُهُ فِيهِ هُوَ ثُبُوتُ دَالَّةٍ بِتَخَيُّلِ أَنَّ التَّلَفُّظَ مَحَلُّ اللَّفْظِ فَيَئُولُ إلَى

ص: 307

أَوْ غَيْرَ حُكْمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَمْثِيلِهِ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ (نَصٌّ)

ــ

[حاشية العطار]

أَنَّ ذَلِكَ الْمَدْلُولَ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ وَدَالٌّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الدَّلَالَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ أَوْ لَا فَيَشْمَلُ الْمَنْطُوقَ الصَّرِيحَ وَغَيْرَ الصَّرِيحِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ.

وَنَقَلَهُ النَّاصِرُ هُنَا وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي التَّلْوِيحِ وَعَلَى الثَّانِي يَصِيرُ الْمَعْنَى هَكَذَا حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ ثَابِتًا فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ جَارٍ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْمُفْرَدِ وَشَامِلٌ لَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ ثَابِتٌ وَمُسْتَقِرٌّ فِي دَالِّهِ لَا يُقَالُ: الثَّابِتُ وَالْمُسْتَقِرُّ فِي دَالِّهِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ اللَّفْظُ فَلَا يَشْمَلُ الْمَجَازَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَجَازُ دَالٌّ عَلَى مَعْنَاهُ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْعِصَامِ لِلرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ.

وَقَالَ الْكَمَالُ: إنَّ قَوْلَهُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ مُتَعَلِّقُ بَدَّلَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى مَدْلُولًا عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ اسْتِفَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ لَا عَلَى انْتِقَالٍ مِنْ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ فَإِنَّ مَا تَوَقَّفَ اسْتِفَادَتُهُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ إلَيْهِ هُوَ الْمَفْهُومُ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ أَوْ مُخَالِفًا فَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ اهـ.

وَهُوَ أَمَسُّ بِكَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ إلَخْ وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا مِنْ تَقْسِيمِهِ الْمَدْلُولَ إلَى حُكْمٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَدُخُولُهُ فِي تَعْرِيفِ الْمَفْهُومِ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ.

وَكَذَلِكَ الْمَجَازُ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَتَوَقَّفُ اسْتِفَادَتِهِ. . . إلَخْ أَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ لِشَيْءٍ آخَرَ وَالْمَجَازُ مُحْتَاجٌ لِلْقَرِينَةِ فَيُفْسِدُ التَّعْرِيفَاتِ طَرْدًا وَعَكْسًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ مَحَلُّ النُّطْقِ بِمَقَامِ إيرَادِ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى مَدْلُولًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِشَيْءٍ فِي طَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ لَا فَيَكُونُ شَامِلًا لِلْحُكْمِ وَغَيْرِهِ وَلِلْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ وَبِهَذَا اسْتَقَامَ الْكَلَامُ وَتَمَّ الْمَرَامُ وَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ: الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا لَا غِنًى عَنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ فَلَوْ أُرِيدَ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الصَّرِيحِ لَقِيلَ أَوْ الْتِزَامًا وَقَوْلُ سم: إنَّهُ لَا يَضُرُّ عَدَمُ شُمُولِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ ظَاهِرَ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَدَمُ إثْبَاتِهِ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي ثُمَّ الْمَنْطُوقُ أَنَّ تَوَقُّفَ الصِّدْقِ أَوْ الصِّحَّةِ إلَخْ هَذَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمَفْهُومِ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُكْمٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ إلَّا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ حُكْمًا لِلْمَذْكُورِ وَلَا حَالًا مِنْ أَحْوَالِهِ بَلْ هُوَ حُكْمٌ لِلْمَسْكُوتِ كَالضَّرْبِ فِي آيَةِ التَّأْفِيفِ بِخِلَافِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ لِلْمَذْكُورِ وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُ حَكَمٍ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: عَدَمُ شُمُولِ الْحَدِّ الثَّانِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْقَوْمِ.

وَأَقُولُ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَدَمُ شُمُولِ الْحَدِّ لَهُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْلَفْتُهُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَلِأَنَّ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ عَنْ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِمَا، فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ لَا بَحْثَ لَهُ عَنْ الْمُفْرَدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُفْرَدٌ إذْ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْأُصُولِ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ الْبَاحِثَةُ عَنْ الْأَدِلَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّارِحُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَرَأَيْت الْيَوْمَ الْأَسَدَ وَأَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ أَيْ غَيْرَ حُكْمٍ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَالدَّاعِي لِلْمُصَنِّفِ إلَى ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ الْحُكْمُ بِهِمَا.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ سم بَعْدَ التَّشْنِيعِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنَّ مُجَرَّدَ مُخَالَفَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِابْنِ الْحَاجِبِ لَا تَقْتَضِي الْمُخَالَفَةَ لِكَلَامِ الْقَوْمِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ كالباقلاني وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ فُورَكٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ هُمْ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِمُوَافَقَتِهِمْ أَوْ مُخَالَفَتِهِمْ.

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَهُمْ مُصَنِّفُونَ مُتَّبِعُونَ فَعَلَى الشَّيْخِ إنْ أَرَادَ تَصْحِيحَ اعْتِرَاضِهِ أَنْ يُبَيِّنَ كَلَامَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ وَمُخَالَفَةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِجَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ

ص: 308

أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى (كَزَيْدٍ) فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ الْمُشَخَّصَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِغَيْرِهَا (ظَاهِرٌ) أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ اُحْتُمِلَ) بَدَلُ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَهُ (مَرْجُوحًا كَالْأَسَدِ) فِي نَحْوِ رَأَيْت الْيَوْمَ الْأَسَدَ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مُحْتَمِلٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ بَدَلَهُ

ــ

[حاشية العطار]

وَبَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي فَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مِثْلِهِ مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ إمَّا أَوْ لَا فَلِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ إمَامٌ جَلِيلٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرْتَبَةِ مَنْ ذَكَرَهُمْ وَعَدَّدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِكَلَامِهِمْ وَمُقْتَبِسٌ مِنْ عُلُومِهِمْ فَهُوَ يَحْذُو حَذْوَهُمْ.

وَقَدْ اعْتَنَتْ الْأَفَاضِلُ بِشَرْحِ كَلَامِهِ وَنَاهِيك بِالْعَضُدِ وَالسَّيِّدِ وَالسَّعْدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَهُمْ نَقَدَةُ الْكَلَامِ وَقَادَةُ الْأَفْهَامِ فَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُمْ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ قُلْت: إنَّ الْعَلَّامَةَ سم مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَكَثْرَةِ النَّقْلِ عَنْ الْعَضُدِ وَمَوَادِّهِ وَغَيْرِهَا لَوْ وَجَدَ شَيْئًا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكَانَ أَحَقَّ بِالذِّكْرِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اتَّخَذَهُ دَيْدَنًا عِنْدَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَقْلٍ قَوِيٍّ أَوْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ عَلَى أَنَّا وَجَدْنَا مُقَوِّيًا لِكَلَامِ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْأُصُولِيِّينَ أَقْسَامَ الْمَفْهُومِ بِالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَفْهُومًا مُفْرَدًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْطُوقَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُقَابِلٌ لَهُ.

وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالتَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ ابْنَ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ الْأَوَّلُ الْخِطَابُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُكْمِ بِمَنْطُوقِهِ إلَخْ وَقَالَ الثَّانِي الْحُكْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النَّظْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَفْسِ النَّظْمِ أَوْ لَا إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْسِيمِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا اُشْتُهِرَ أَنْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَيْسَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَاتَّخَذَهُ دَيْدَنًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ أَنْ يُشَاحِحَ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ فَنٍّ آخَرَ عَلَى أَمْرٍ اُصْطُلِحَ عَلَيْهِ لَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِالْأَلْفَاظِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَاشْتِبَاهُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْوَاضِعُ بِغَيْرِهِ وَسَدُّ أَبْوَابِ الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّ لِلْخَصْمِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا أَمْرٌ اصْطَلَحْت عَلَيْهِ أَنَا وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ فَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي طَبَقَةِ الْوَاضِعِ أَوْ بَعْدَهَا مِمَّنْ لَهُ اسْتِخْرَاجٌ فِي الْفَنِّ وَتَمْهِيدٌ لِقَوَاعِدِهِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَنِّ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّحْوِ وَكَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِفَنِّنَا هَذَا إلَّا أَنَّ كُلَّ مُصَنِّفٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِذَلِكَ الْفَنِّ لَهُ أَنْ يَضَعَ أَلْفَاظًا يَصْطَلِحُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ حَمْلُ تَسْمِيَةٍ لَا حَمْلُ وَصْفٍ وَالنَّصُّ مَأْخُوذٌ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ فَكَأَنَّ النَّصَّ ظَهَرَ عَنْ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ هُوَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرَ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُقَابِلِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بِهِ الدَّلِيلُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَيَعُمُّ الظَّاهِرَ وَتَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى هُنَا.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّهُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَهُوَ بِمَعْنَى الظَّاهِرِ وَعَلَى مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى كَيْفَ كَانَ وَيُطْلَقُ النَّصُّ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ بِإِزَاءِ الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فَيُرَادُ بِالنَّصِّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَصًّا لَا احْتِمَالَ فِيهِ أَوْ ظَاهِرٌ أَوْ يُرَادُ بِالْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ مَا خَرَجَ أَيْ اُسْتُنْبِطَ مِنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ

(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْإِفَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّرْكِيبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُفِيدٌ لِلذَّاتِ) فَيَسْتَشْكِلُ بِصِحَّةِ التَّجَوُّزِ فِي الْإِعْلَامِ فَيَحْتَمِلُ زَيْدٌ مَعْنًى مَجَازِيًّا.

وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ التَّأْكِيدَ فِي جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ لِدَفْعِ الْمَجَازِ عَنْ الذَّاتِ وَاحْتِمَالُ أَنَّ الْجَائِيَ رَسُولُهُ أَوْ كِتَابُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ اشْتِهَارًا بِوَصْفٍ وَلَا كَذَلِكَ زَيْدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ التَّجَوُّزُ بِغَيْرِ الِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْمَجَازُ الَّذِي يَدْفَعُهُ التَّأْكِيدُ الْمَجَازُ الْحَذْفِيُّ أَوْ الْعَقْلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بَلْ هُوَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَادَّةَ الِاحْتِمَالِ لَمْ تَنْقَطِعْ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الضَّعِيفَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. اهـ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ

(قَوْلُهُ: إنْ احْتَمَلَ) أَيْ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: بَدَلَ الْمَعْنَى) الْبَدَلِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمِلٌ

ص: 309

وَهُوَ مَعْنًى مَرْجُوحٌ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقِيُّ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ أَمَّا الْمُحْتَمِلُ لِمَعْنًى مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فَيُسَمَّى مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي كَالْجَوْنِ فِي ثَوْبِ زَيْدٍ الْجَوْنُ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَيَيْهِ أَيْ الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ عَلَى السَّوَاءِ (وَاللَّفْظُ إنْ دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى) كَغُلَامِ زَيْدٍ

ــ

[حاشية العطار]

لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْنًى مَرْجُوحٌ) لَا يُقَالُ بَلْ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الْقَرِينَةِ عِنْدَهُمْ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَانَ حَقُّهُ التَّأْكِيدَ بِخِطَابٍ وَاحِدٍ لِيَخْرُجَ الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُبَيَّنِ، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ أَفَادَا مَعْنًى وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَكِنَّهُمَا لَيْسَا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ فَلَا يُسَمِّيَانِ نَصًّا.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَزِمُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ نَصٌّ لِانْطِبَاقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ لِلنَّصِّ بِالْمُفْرَدِ يَأْتِي هَذَا الِالْتِزَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَصْلُهَا عَلَى غَيْرِ أَسَاسِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِي ذَلِكَ

1 -

(قَوْلُهُ: إنْ دَلَّ جُزْؤُهُ إلَخْ) إنْ اُعْتُبِرَ جُزْءُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ لَزِمَ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى وَإِنْ أَرَادَ دَلَالَةَ الْجُزْءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ جُزْءًا بَلْ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ جُزْءًا أَوْ مُفْرَدًا فَالْقَيْدُ وَإِنْ كَانَ مُخْرِجًا لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا لَكِنَّهُ مَازَالَ الْحَدُّ شَامِلًا لِلْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عِلْمًا، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ أَيْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ جُزْءًا، وَذَلِكَ قَبْلَ جَعْلِهِ عِلْمًا وَهُوَ مُفْرَدٌ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْمُرَكَّبِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَخَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْمُفْرَدِ فَيَبْطُلُ بِهِ طَرْدُ الْأَوَّلِ، وَعَكْسُ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْقَصْدِ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَقَدْ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ.

وَأَجَابَ سم بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَأَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَادٌ فِي تَعْرِيفِ الْأُمُورِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِالِاعْتِبَارِ وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْمُرَكَّبِ وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْمُفْرَدِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّ جُزْأَهُ وَإِنْ دَلَّ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ: إنَّهُ جُزْءٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ. اهـ.

أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ فِي أَصْلِ الدَّلَالَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّفْهِيمِ لَا لِلتَّتْمِيمِ اهـ.

وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالْقَصْدِ الْقَصْدُ بِالْفِعْلِ فَالْمُرَكَّبَاتُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَالْقَصْدُ إلَى مَعَانِيهَا تَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْمُفْرَدِ وَتَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْمُرَكَّبِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُقْصَدُ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى فَمُرَكَّبٌ وَإِلَّا فَمُفْرَدٌ فَمِثْلُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْعِلْمُ يَخْرُجُ عَنْ الْمُفْرَدِ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ بِحَيْثُ يُقْصَدُ بِجُزْئِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَفْهُومِ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ اللَّذَيْنِ هُمَا جُزْءَا الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ

ص: 310

(فَمُرَكَّبٌ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ كَهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ غَيْرُ دَالٍ عَلَى مَعْنًى كَزَيْدٍ أَوْ دَالٍ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ جُزْءِ مَعْنَاهُ كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا (فَمُفْرَدٌ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ مُطَابِقَةٌ)

ــ

[حاشية العطار]

إطْلَاقِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَبًّا مَا كَانَ يُنْتَقَضُ التَّعْرِيفَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا اهـ.

وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَيْضًا بُطْلَانَ التَّعْرِيفَيْنِ بِصِدْقِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عَلَى الْمُضَارِعِ، فَإِنَّ حُرُوفَ الْمُضَارَعَةِ جُزْءٌ مِنْهُ وَهِيَ تَدُلُّ فِيهِ عَلَى مَعْنًى هُوَ الزَّمَانُ، وَالْمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ وَكِلَاهُمَا مُفْرَدَةٌ عِنْدَ النُّحَاةِ وَالْأُصُولِيِّينَ، وَإِنَّ قَالَ الْمَنْطِقِيُّونَ: إنَّهُ مُرَكَّبٌ وَعَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ وَالصِّفَاتِ الْمُشَبَّهَةِ كَضَارِبٍ وَمُخْرَجٍ وَعَطْشَانَ، فَإِنَّ الْهَيْئَةَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْهَا وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الْحَدَثِ وَهِيَ مُفْرَدَةٌ اتِّفَاقًا وَلَا يُجَابُ عَنْ غَيْرِ الْمُضَارِعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْزَاءِ أَلْفَاظٌ مُرَتَّبَةٌ مَسْمُوعَةُ وَالْهَيْئَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَالَ الْعَضُدُ: إنَّهُ تَمَحَّلَ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَدُّ فَيَفْسُدُ اهـ.

وَأَقُولُ: أَمَّا دَلَالَةُ أَحْرُفِ الْمُضَارَعَةِ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي فَلَيْسَ بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ الدَّالُّ هُوَ الْفِعْلُ بِسَبَبِ اقْتِرَانِهَا بِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِتِلْكَ الْمَعَانِي وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عَلَامَاتٍ لِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْفِعْلِ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى التَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ السِّينُ مَعَ الْفِعْلِ.

وَأَمَّا الْفِعْلُ وَبَقِيَّةُ الْمُشْتَقَّاتِ فَلَيْسَ لِلْهَيْئَةِ اسْتِقْلَالٌ فِيهَا بِالدَّلَالَةِ وَكَذَلِكَ الْمَادَّةُ بَلْ الدَّالُّ الْمَجْمُوعُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ وَمُرَادُهُ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَاشِيَةِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ أَيْضًا فَقَالَ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْقَوْلَ بِاسْتِقْلَالِ هَيْئَةِ الْكَلِمَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ يُبْنَى عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ الدَّوْرَانِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ شَاهِدًا عَدْلًا بَلْ الْعُدُولُ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَنْ يُقَالَ: الدَّالُّ عَلَى أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلِمَةِ هُوَ مَجْمُوعُ الْمَادَّةِ وَالْهَيْئَةِ اهـ.

وَأَرَادَ بِالدَّوَرَانِ قَوْلَهُمْ بِشَهَادَةِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْهَيْئَةِ إلَخْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْزَاءِ الْأَلْفَاظُ الْمُتَرَتِّبَةُ إلَخْ وَمِمَّنْ أَجَابَ بِهِ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ وَقَرَّرَهُ السَّيِّدُ فِي الْحَاشِيَةِ وَأَيَّدَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ ذَا أَجْزَاءٍ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ حَقِيقَةً أَيْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا مَسْمُوعٌ لَا أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ مَعًا وَكَفَى بِهَؤُلَاءِ الْمُحَقِّقِينَ سَنَدًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنَّ قَالَ الْمَنْطِقِيُّونَ: إنَّهُ مُرَكَّبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الشَّيْخِ رحمه الله وَإِلَّا فَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَيْفَ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي تَقْسِيمِ مَتْنِ التَّهْذِيبِ وَالشَّمْسِيَّةِ الْمُفْرَدُ إلَى أَدَاةٍ وَكَلِمَةٍ وَاسْمٍ، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْفِعْلُ وَبَقِيَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ وَالْمُنَكَّرُ وَالْمَنْسُوبُ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَلْ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّنْوِينُ عَلَى الْإِبْهَامِ وَنَحْوِهِ وَالْيَاءُ عَلَى النِّسْبَةِ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُرَكَّبَاتٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ لِشِدَّةِ الِارْتِبَاطِ صَارَتْ شَيْئًا وَاحِدًا وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعُ وَنَحْوُهُمَا فَتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ اسْتِطْرَادًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ وَالشَّيْخُ النَّاصِرُ وسم قَدْ أَطَالَا الْكَلَامَ فِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تُصْرَفَ فِيهِ الْعِنَايَةُ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الشُّيُوعِ

(قَوْلُهُ: فَمُرَكَّبٌ) قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الطَّبْعِ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لِلْمُرَكَّبِ لِشَرَفِهِ يَكُونُ مَفْهُومُهُ وُجُودِيًّا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ جُزْؤُهُ) أَيْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُرَكَّبِ إذْ أَجْزَاءُ الْمُرَكَّبِ شَامِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْ حُرُوفِهِ الْهِجَائِيَّةِ وَكَلِمَاتِهِ وَلَا دَلَالَةَ لِوَاحِدٍ مِنْ حُرُوفِهِ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ أَجْزَاءٌ ثَانَوِيَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا أَطَالَ بِهِ سم مِنْ التَّكَلُّفَاتِ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ) ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ وَهَذَا بِخِلَافِ جُزْءٍ لَمْ يَدُلَّ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ إلَّا بِوُجُودِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُولَةٌ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ إلَى قَوْلِهِ: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَخْ

(قَوْلُهُ: كَزَيْدٍ) ، فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ زِهْ يَهِ دِهْ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَمَّا دَلَالَتُهَا عَلَى حَيَاةِ الْمُتَكَلِّمِ فَعَقْلِيَّةٌ وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْعَدَدِ فَلَيْسَتْ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ بَلْ اصْطِلَاحُ أَهْلِ الْحَرْفِ (قَوْلُهُ: كَعَبْدِ اللَّهِ عَلَمًا) ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَكِنَّهُ لَيْسَ جُزْءَ الذَّاتِ الْمَوْضُوعَ لَهَا بَلْ الْعُبُودِيَّةُ مِنْ عَوَارِضِهَا وَدَلَالَةُ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَمًا إنَّمَا هِيَ بِقَطْعِ النَّظَرِ

ص: 311

وَتُسَمَّى دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ أَيْضًا لِمُطَابَقَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ (وَعَلَى جُزْئِهِ) أَيْ جُزْءِ مَعْنَاهُ (تَضَمُّنٌ) وَتُسَمَّى دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى لِجُزْئِهِ الْمَدْلُولِ (وَلَازِمِهِ) أَيْ لَازِمِ مَعْنَاهُ

ــ

[حاشية العطار]

عَنْ الْعَلَمِيَّةِ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ عَبْدٌ كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا

(قَوْلُهُ: دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ) لَمْ يَقُلْ عَلَى تَمَامِ مَعْنَاهُ وَلَا جَمِيعٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَيْدَ التَّمَامِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا فِي التَّعْرِيفِ بَلْ ذُكِرَ لِرِعَايَةِ حُسْنِ التَّقَابُلِ مَعَ الشِّقِّ الثَّانِي وَلَفْظُ جَمِيعٍ مُشْعِرٌ بِالتَّرْكِيبِ فَلَا يَشْمَلُ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ كَالنُّقْطَةِ وَالْعَقْلِ وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ دَالٌّ عَلَى كُلِّ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ لَا إنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَالَ السَّيِّدُ: إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لَمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ لَهُ يَنْتَقِلُ ذِهْنُهُ إلَى مُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي بِأَسْرِهَا فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُطَابَقَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مَاذَا هُوَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَإِنَّ كَوْنَ الْمَعْنَى مُرَادًا لِلْمُتَكَلِّمِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ اهـ.

وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بَعْضَهَا لَا يُقَالُ: إذَا أُطْلِقَ الْمُشْتَرَكُ يُفْهَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِأَوْضَاعِهِ وَيُفْهَمُ جَمِيعُ الْمَعَانِي أَيْضًا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَهْمَ جَمِيعِ الْمَعَانِي مِنْ اللَّفْظِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِاجْتِمَاعِ فَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ) فَلَهَا اسْمَانِ مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ

(قَوْلُهُ: لِمُطَابَقَةِ الدَّالِّ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ بِقَدْرِهِ لَا أَنْقَصَ عَنْهُ كَمَا فِي دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَلَا أَزِيدَ كَمَا فِي الِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى جُزْئِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ: إنَّهُ جُزْءٌ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَعْنَاهُ وَعَلَى لَازِمِهِ فَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْمَعْنَى وَلِجُزْئِهِ وَلِلَازِمِهِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْءٌ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ كَانَتْ مُطَابَقَةً، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّازِمِ وَهَاهُنَا بَحْثٌ نَفِيسٌ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ هُمَا إذَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ مَثَلًا فِي قَوْلِك الْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ هُمَا إضَافِيَّانِ يَدُلُّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَلَى الْجُزْأَيْنِ بِالتَّضَمُّنِ وَكُلُّ جُزْءٍ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ لِامْتِنَاعِ تَعَقُّلِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ فَاللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهِ لِلْآخَرِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ لَيْسَتْ مُطَابَقِيَّةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا تَضَمُّنِيَّةً لِعَدَمِ اعْتِبَارِ حَيْثِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا الْتِزَامِيَّةً لِعَدَمِ الْخُرُوجِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الدَّلَالَةِ بِوَاسِطَةِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَعَقُّلَ أَحَدِ الْمُتَضَايِفَيْنِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ الْآخَرِ إذَا كَانَ مَحْظُورًا بِالْبَالِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعَقُّلَاتٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُتَضَايِفَيْنِ عِنْدَ تَعَقُّلِ أَحَدِهِمَا وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ فَهْمُ أَحَدِهِمَا فِي ضِمْنِ فَهْمِ مَجْمُوعِهِمَا الَّذِي هُوَ مَدْلُولٌ مُطَابِقِيٌّ لَمْ يَكُنْ فَهْمُ أَحَدِهِمَا مُسْتَلْزِمًا لِفَهْمِ الْآخَرِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الدَّلَالَةُ فَلَا حَاجَةَ فِي جَوَابِهِ إلَى ارْتِكَابِ تَكَلُّفٍ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْخُرُوجُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ أَيْ يَصِيرُ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ غَيْرِ حَيْثِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ

(قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى) أَيْ الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ وَقَوْلُهُ الْمَدْلُولُ صِفَةٌ لِلَّفْظِ أَيْ الْمَدْلُولُ لَهُ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ فَدَلَالَةُ التَّضَمُّنِ هِيَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكُلِّ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِأَنْ اُسْتُعْمِلَ مَا لِلْكُلِّ فِي الْجُزْءِ فَمَجَازٌ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُطَابَقَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْقَرِينَةِ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ، فَإِنْ تَحَقَّقَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ

ص: 312

(الذِّهْنِيِّ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ فِي الْخَارِجِ أَيْضًا أَمْ لَا (الْتِزَامٌ) وَتُسَمَّى دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ أَيْضًا لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى أَيْ اسْتِلْزَامِهِ لِلْمَدْلُولِ كَدَلَالَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَيَوَانِ فِي الثَّانِي وَعَلَى قَابِلِ الْعِلْمِ فِي الثَّالِثِ اللَّازِمِ خَارِجًا أَيْضًا وَكَدَلَالَةِ الْعَمَى أَيْ عَدَمِ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْبَصَرُ عَلَى الْبَصَرِ اللَّازِمِ لِلْعَمَى ذِهْنًا الْمُنَافِي لَهُ خَارِجًا (وَالْأُولَى) أَيْ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ (لَفْظِيَّةٌ) لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ (وَالثِّنْتَانِ) أَيْ دَلَالَتَا التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (عَقْلِيَّتَانِ)

ــ

[حاشية العطار]

يَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ فَهِيَ مُطَابَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي حَوَاشِي الْمَطَالِعِ فِي دَلَالَةِ الْمُعَمَّيَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا

(قَوْلُهُ: الذِّهْنِيِّ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ تَقْيِيدَ اللَّازِمِ بِالذِّهْنِيِّ خُرُوجٌ عَنْ الْأُصُولِ إلَى فَنِّ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْسَمُ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ مَهْمَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْمُنَاطِقَةُ لَا كَوْنُهُ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْأُصُولِيُّونَ وَالْبَيَانِيُّونَ وَمِنْ ثَمَّ تَرَكَ ابْنُ الْحَاجِبِ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِهِ فَقَالَ: وَغَيْرُ اللَّفْظِيِّ الْتِزَامٌ وَقِيلَ إذَا كَانَ ذِهْنِيًّا وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّازِمَ الذِّهْنِيَّ لَهُ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ تَعَقُّلِهِ عَنْ تَعَقُّلِ الْمُسَمَّى وَهُوَ اللَّازِمُ الْبَيِّنُ عِنْدَ الْمُطَابَقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَلِفُ فِي اشْتِرَاطِهِ بَيْنَ الْمَنَاطِقَةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَالثَّانِي: مَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الذِّهْنِيِّ حُصُولُهُ فِيهِ إمَّا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَيَانِ لَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي الْمَجَازَاتِ وَالْكِنَايَاتِ عَنْ الْمَدْلُولَاتِ الِالْتِزَامِيَّةِ اهـ.

أَقُولُ: اخْتَارَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مَتْنِ التَّهْذِيبِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا وَوَجَّهَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا رِيبَةَ فِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى فَإِسْقَاطُهُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ اهـ.

وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ لَوْ اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ فَقَطْ لَخَرَجَ الْمَجَازَاتُ وَالْكِنَايَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَظَرَ الْمَنْطِقِيِّ فِي الْأَلْفَاظِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْإِفَادَةِ وَالِاسْتِفَادَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ بِلَا ضَرُورَةٍ مَعَ إفْضَائِهِ إلَى ضِيقٍ فِي أَمْرِ الدَّلَالَةِ لِإِخْرَاجِ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ السَّابِقَةِ فِي الِاعْتِبَارِ عَنْ الِاعْتِبَارِ اهـ.

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ إلَخْ أَيْ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى) أَيْ الْمُطَابِقِيِّ وَقَوْلُهُ لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْتِزَامًا

(قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمَ الْبَصَرِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَى هُوَ الْعَدَمُ الْمُقَيَّدُ بِالْبَصَرِ وَالْقَيْدُ خَارِجٌ وَلَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَمَّى وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا فَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعَمَى وَالْبَصَرِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ عَلَى خُرُوجِ الْبَصَرِ عَنْ مُسَمَّى الْعَمَى بِأَنَّ إسْنَادَهُ إلَى الْبَصَرِ شَائِعٌ بِدُونِ قَرِينَةٍ مَجَازِيَّةٍ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} [الحج: 46] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ اهـ.

يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَ الْبَصَرَ بِدُونِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْعَمَى الْمَوْضُوعَ لِلْعَدَمِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالْبَصَرِ وَيُرَادُ مُطْلَقُ الْعَدَمِ.

وَقَالَ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الدَّوَانِيِّ الْعَمَى صِفَةٌ بَسِيطَةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْمَى، وَحَقِيقَتُهُ عَدَمٌ خَاصٌّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَدَمِ الْبَصَرِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جُزْءِ الشَّيْءِ وَجُزْءِ مَفْهُومِهِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْبَصَرِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَمَى الْعَيْنَوَانِيِّ، وَخَارِجُ عَنْ حَقِيقَتِهِ الْبَسِيطَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْمَعَانِي دُونَ عِنْوَانِهَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْعَمَى عَلَى الْبَصَرِ دَلَالَةً عَلَى خَارِجٍ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَكَانَ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ غَيْرَ تَجْرِيدٍ أَوْ مَجَازٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى انْتِقَالٍ إلَى جُزْءٍ أَوْ لَازِمٍ كَمَا فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ كَالْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ بِهِ وَالْعِلْمَ بِالْوَضْعِ

(قَوْلُهُ: عَقْلِيَّتَانِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمَحْصُولِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ثَانِيهَا أَنَّهُمَا لَفْظِيَّتَانِ كَالْأُولَى اعْتِبَارًا بِفَهْمِ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَنَاطِقَةِ.

وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَسْمَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فَأَقْسَامُهُ لَفْظِيَّةٌ وَكَوْنُ بَعْضِهَا بِوَاسِطَةٍ، وَبَعْضِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ

ص: 313

لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَعْنَى إلَى جُزْئِهِ وَلَازِمِهِ

ــ

[حاشية العطار]

ثَالِثُهُمَا: أَنَّ الدَّلَالَةَ التَّضَمُّنِيَّةَ لَفْظِيَّةٌ كَالْأُولَى وَالِالْتِزَامِيَّة عَقْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ اللَّازِمِ وَلِأَنَّ الدَّلَالَتَيْنِ التَّضَمُّنِيَّتَيْنِ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ جُزْأَيْنِ مَثَلًا نَفْسُ الدَّلَالَةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ فِي التَّضَمُّنِيَّةِ وَالْإِجْمَالِ فِي الْمُطَابِقِيَّةِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اهـ.

قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَوَافَقَ الْبَيَانِيِّينَ لَا اتِّجَاهَ لَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَتِهِ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْغُرَّةِ الْمُطَابَقَةُ وَضْعِيَّةٌ صَرَفَهُ بِلَا مَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحْضِ الْوَضْعِ بَلْ بِمَدْخَلٍ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّ فَهْمَ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ الْجُزْءِ وَفَهْمَ الْمَلْزُومِ مَوْقُوفٌ عَلَى فَهْمِ اللَّازِمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقَتْ الْكَلِمَةُ عَلَى تَخْصِيصِ الْأُولَى بِالْوَضْعِيَّةِ وَاخْتَلَفَ فِيهِمَا فَعَدَّهُمَا الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْوَضْعِيَّةِ وَأَهْلُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولُ مِنْ الْعَقْلِيَّةِ اهـ.

عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت أَوَّلَ الْمَبْحَثِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّلَالَةِ وَتَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ اسْتِطْرَادًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ فَلَا ضَرَرَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ غَيْرَهُمْ فِي اصْطِلَاحٍ يَخُصُّهُمْ لِمُنَاسَبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِفَنِّ الْأُصُولِ وَاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْبَيَانِ أَمَسُّ بِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَاحِثُونَ عَنْ بَلَاغَةِ الْكِتَابِ وَالسَّنَدِ وَهُمَا مِمَّا يَبْحَثُ عَنْهُ فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِنْبَاطُ وَفِي الْحَقِيقَةِ كَادَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَلْفُ لَفْظِيًّا

(قَوْلُهُ: لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى انْتِقَالِ الذِّهْنِ إلَخْ) هَذَا لَا يَصِحُّ فِي التَّضَمُّنِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَتُسَمَّى الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ لَفْظِيَّةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِتَوَسُّطِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى بَلْ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِالْتِزَامِ فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ بِالذَّاتِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا إلَّا فَهْمٌ وَانْتِقَالٌ وَاحِدٌ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى مَجْمُوعِ الْجُزْأَيْنِ مُطَابَقَةً وَأَحَدُهُمَا تَضَمُّنًا وَلَيْسَ فِي التَّضَمُّنِ انْتِقَالٌ إلَى مَعْنَى الْكُلِّ ثُمَّ مِنْهُ إلَى الْجُزْءِ كَمَا فِي الِالْتِزَامِ يَنْتَقِلُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْهُ إلَى لَازِمِهِ فَيَتَحَقَّقُ فَهْمَانِ.

وَمَبْنَى هَذَا التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّ التَّضَمُّنَ فَهْمُ الْجُزْءِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ، وَالِالْتِزَامُ فَهْمُ اللَّازِمِ بَعْدَ فَهْمِ الْمَلْزُومِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّارِحَ مُوَافَقَةُ التَّفْتَازَانِيِّ وَإِنَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ لَك سَلَفًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: وَأَمَّا الْبَاقِيَتَانِ فَعَقْلِيَّتَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا وُضِعَ لِلْمُسَمَّى انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْ الْمُسَمَّى إلَى لَازِمِهِ، وَلَازِمُهُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْمُسَمَّى فَهُوَ التَّضَمُّنُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا فَهُوَ الِالْتِزَامُ اهـ.

وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِهِ فِي ذَلِكَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي سم مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ أَكْثَرُهُ تَشْنِيعٌ عَلَى شَيْخِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ السُّؤَالُ، وَالْجَوَابُ لَيْسَا مِمَّا يَمُدُّ فِيهِ الْقَلَمَ نَعَمْ قَدْ ضَعَّفَ الْكَمَالُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ وُجُودِ الْكُلِّ عَلَى وُجُودِ الْجُزْءِ فِي الذِّهْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْوُجُودَيْنِ أَوْ فَهْمَ الْجُزْءِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي ضِمْنِ الْمُرَكَّبِ وَأُخْرَى مُنْفَرِدًا وَالْوِجْدَانُ

ص: 314

(ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إنْ تَوَقَّفَ

ــ

[حاشية العطار]

يُكَذِّبُهُ اهـ.

وَهَذَا التَّضْعِيفُ ضَعِيفٌ أَمَّا أَوَّلًا فَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْوِجْدَانِيَّاتِ لَا تَقُومُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ الَّذِي أَجِدُهُ فِي نَفْسِي أَنَا خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَمَنْ ادَّعَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ فَهْمَ الْجُزْءِ مِنْ اللَّفْظِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ عَنْ فَهْمِ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فَهْمُهُ فِي ذَاتِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ فَهْمَ الْكُلِّ عَيْنُ فَهْمِ الْجُزْءِ بِالذَّاتِ مُغَايِرٌ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِلْعَضُدِيِّ أَوْ قُلْنَا بِتَغَايُرِهِمَا بِالذَّاتِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَنْطُوقُ إلَخْ) قَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِ صَرِيحٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ دُونَ تَعَقُّبٍ فَالصَّرِيحُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ مُطَابَقَةً أَوْ تَضَمُّنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا غَيْرُ الصَّرِيحِ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ بَلْ يَلْزَمُ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَيَنْقَسِمُ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى دَلَالَةِ اقْتِضَاءٍ وَدَلَالَةِ إشَارَةٍ وَدَلَالَةِ إيمَاءً وَذَكَرَ الْأَوَّلِيَّيْنِ هُنَا وَتَرَكَ ذِكْرَ الثَّالِثَةِ لِذِكْرِهِ إيَّاهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ قَدْ أَخَلَّ الْمَتْنُ بِذِكْرِ الصَّرِيحِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ كَذَا قَرَّرَ الْحَوَاشِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ السَّابِقَ شَامِلٌ لِلصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِإِخْلَالِ الْمَتْنِ بِذِكْرِهِ عَدَمَ تَعَرُّضِهِ لَهُ فِي التَّقْسِيمِ وَأَشَارَ لِذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ وَهَذَا كَلَامُهُ مُتَّجَهٌ.

وَقَدْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ الْكُورَانِيُّ فَقَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْمَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْإِيمَاءَ وَقَسَّمَ الْمَنْطُوقَ، وَالْمُنْقَسِمُ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ وَالصَّرِيحُ قِسْمٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَلَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَأَخَذَ يُطِيلُ التَّشْنِيعَ عَلَى النَّاصِرِ وَالْكُورَانِيِّ وَيَتَأَوَّلُ النُّقُولَ بِمَا يَرْجِعُ مُحَصِّلُهُ إلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ إنَّمَا جَعَلُوا الْمُتَوَقِّفَ غَيْرَ الصَّرِيحِ لِتَقْسِيمِهِمْ الْمَنْطُوقَ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ مِنْ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَالْمُصَنِّفُ حَصَرَ الْمَنْطُوقَ فِي الصَّرِيحِ فَلَا مَنْطُوقَ عِنْدَهُ إلَّا الصَّرِيحَ فَالْمُتَوَقِّفُ حِينَئِذٍ هُوَ الصَّرِيحُ فَلَا خِلَافَ إلَّا فِي الْعِبَارَةِ فَالْمُصَنِّفُ لَمَّا جَعَلَ الْمَنْطُوقَ مَحْصُورًا فِي الصَّرِيحِ جَعَلَهُ هُوَ الْمُتَوَقِّفَ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا لَمْ يَحْصُرْهُ فِيهِ جَعَلَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مُتَوَقِّفًا عَلَى الصَّرِيحِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ الْمَنْطُوقُ لَا غَيْرُهُ وَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ الْأَمْثِلَةَ الْآتِيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْطُوقَ فِيهَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ إنَّمَا هُوَ الْمَحْذُوفُ فِيهَا الْمُقَدَّرُ لَا الْمَذْكُورُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرَ الَّذِي تَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوْ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ الَّذِي سَمَّى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ هُوَ الَّذِي سَمَّى ابْنُ الْحَاجِبِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِالْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ وَقَسَّمَهُ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ وَيُوَضِّحُهُ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ أَيْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ إلَخْ فَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ صِدْقَ مَضْمُونِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ إذْ غَيْرُ الصَّرِيحِ هُوَ الْمُقَدَّرُ مَعَهُ وَجَعَلَ الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةَ وَهُوَ غَيْرُ الصَّرِيحِ إلَى آخِرِ الْأَمْثِلَةِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ التَّعْرِيفِ وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحَوَاشِي هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ كُلِّهِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ مَرَامُهُ

ص: 315

الصِّدْقُ) فِيهِ (أَوْ الصِّحَّةُ) لَهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا (عَلَى إضْمَارٍ) أَيْ تَقْدِيرٍ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (فَدَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَنْطُوقِ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضْمَرِ الْمَقْصُودِ تُسَمَّى دَلَالَةَ اقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ الْأَتْي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» أَيْ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا لِتَوَقُّفِ صِدْقِهِ عَلَى ذَلِكَ لِوُقُوعِهِمَا.

وَالثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا إذْ الْقَرْيَةُ وَهِيَ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا، وَالثَّالِثُ كَمَا فِي قَوْلِك لِمَالِكِ عَبْدٍ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَنْك أَيْ مِلْكُهُ لِي فَاعْتِقْهُ عَنِّي لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْعِتْقِ شَرْعًا عَلَى الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ) أَيْ الصِّدْقُ فِي الْمَنْطُوقِ وَلَا الصِّحَّةِ لَهُ عَلَى إضْمَارٍ (وَدَلَّ) اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ (عَلَى مَا لَمْ يَقْصِدْ) بِهِ (فَدَلَالَةُ إشَارَةٍ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِهِ تُسَمَّى دَلَالَةَ إشَارَةٍ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا لِلُزُومِهِ لِلْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ

(وَالْمَفْهُومُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا

ــ

[حاشية العطار]

لَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَارْتِكَابِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ سِوَى تَشْوِيشِ الْإِفْهَامِ مَعَ سُهُولَةِ الْمَرَامِ وَرَحِمَ اللَّهُ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ حَيْثُ يَقُولُ

وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا

سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ

وَقَالُوا

(قَوْلُهُ: الصِّدْقُ فِيهِ) قَدَّرَ الضَّمِيرَ لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا وَإِضَافَةُ الصِّدْقِ لِلْمَنْطُوقِ بِفِي لِأَنَّ الصِّدْقَ صِفَةُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَا صِفَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهَا صِفَةٌ لَهُ فَلِذَلِكَ عَدَّاهَا بِاللَّامِ (قَوْلُهُ: عَقْلًا أَوْ شَرْعًا) رَاجِعَانِ لِلصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِدْقُهُ وَالثَّانِي مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْدِيرِ صِحَّتُهُ عَقْلًا وَالثَّالِثُ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ شَرْعًا

(قَوْلُهُ: صِدْقُهُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ

(قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْإِضْمَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمُقَدَّرِ فَيَرْجِعُ لِأَدِلَّةٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِمَا) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَهْلَهَا) فِيهِ أَنَّ الصِّحَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إضْمَارِ الْأَهْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَهُمْ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْإِضْمَارِ وَيَجْعَلُ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةً فِيهِمْ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ اهـ.

وَهَذَا بَحْثٌ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِتَعْيِينِ الطَّرِيقِ إذْ مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَاجٌ لِصَرْفٍ عَنْ الظَّاهِرِ وَذَلِكَ إمَّا بِالْمَجَازِ الْحَذْفِيِّ أَوْ الْمَجَازِ فِي الطَّرَفِ فَأَيُّهُمَا اُعْتُبِرَ لَا يُقَالُ لِمَ اُعْتُبِرَ دُونَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَجَازًا فِي الطَّرَفِ فَسَدَ الْمِثَالُ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ لِمَا سَمِعْت أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ مُطَابَقَةٌ وَهُوَ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ سُؤَالُهَا عَقْلًا) جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ إذْ يَجُوزُ سُؤَالُ الْجُدَرَانِ وَنُطْقُهَا بِالْجَوَابِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْحُكْمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَقْلًا

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ لَك (قَوْلُهُ: وَدَلَّ اللَّفْظُ) أَيْ لَا الْمَنْطُوقُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى فَفِي الْمُصَنِّفِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ) فِي تَقْدِيرٍ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ وَإِلَّا فَاللَّائِقُ أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِمَّا وَافَقَ الْوَاقِعَ مَقْصُودٌ

(قَوْلُهُ: الرَّفَثُ) هُوَ الْجِمَاعُ وَعُدِّيَ بِإِلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ وَلَيْلَةَ ظَرْفُ الرَّفَثِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوَازِ جِمَاعِهِنَّ فِي اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِهِ) أَيْ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِلْمَقْصُودِ بِهِ أَيْ لِلْمَنْطُوقِ الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187]

(قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ) وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُلَاصِقُ لِلْفَجْرِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ إلَّا بَعْدَهُ وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَ صَادِقٌ بِالْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِإِبْعَاضِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَقِيقَتُهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَلَوْ قَالَ الصَّادِقُ بِالْجِمَاعِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ لَكَانَ صَحِيحًا. اهـ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّدْقِ التَّحَقُّقُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّيْلَ مُتَحَقِّقٌ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ إذْ يَصْدُقُ لُغَةً وَعُرْفًا عِنْدَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ أَنَّ اللَّيْلَ

ص: 316

لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مِنْ حُكْمٍ وَمَحَلُّهُ كَتَحْرِيمِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ) الْمُشْتَمِلُ هُوَ عَلَيْهِ (الْمَنْطُوقَ) أَيْ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ (فَمُوَافَقَةُ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ أَيْضًا ثُمَّ هُوَ (فَحْوَى الْخِطَابِ) أَيْ يُسَمَّى ذَلِكَ (إنْ كَانَ أَوْلَى) مِنْ الْمَنْطُوقِ (وَلَحْنِهِ) أَيْ لَحْنِ الْخِطَابِ أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ كَانَ مُسَاوِيًا) لِلْمَنْطُوقِ مِثَالُ الْمَفْهُومِ الْأُولَى تَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ لَا شِدِّيَّةَ الضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْإِيذَاءِ وَمِثَالُ الْمُسَاوِي تَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمَعْنَى آيَةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ

ــ

[حاشية العطار]

مُتَحَقِّقٌ مَوْجُودٌ وَأَنَّ الْفَاعِلَ حِينَئِذٍ فَاعِلٌ فِي اللَّيْلِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْحَمْلُ كَمَا هُوَ مَبْنَى السُّؤَالِ لَعُدِّيَ بِعَلَى وَلَك أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّيْلَ حَقِيقَتُهُ الْوَقْتُ الْمُمْتَدُّ فَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ تَجْزِئَتِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل: 20] .

وَقَدْ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ تَجْزِئَتَهُ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالشَّيْخُ رحمه الله قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْثَرِ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَخْ التَّصْرِيحُ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا وَإِنَّمَا لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ يُمَهِّدُ أُصُولًا ضَعِيفَةً يَبْنِي عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا وَقَوْلُ سم أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الصَّادِقَ وَصْفُ اللَّيْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِجِمَاعِهِنَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسَامَحَةُ فِي قَوْلِهِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ اهـ.

صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إلَى مَعْنًى بَعِيدٍ مُتَكَلَّفٍ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي الْمَفْهُومِ لَيْسَتْ وَضْعِيَّةً بَلْ انْتِقَالِيَّةً، فَإِنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ فَهْمِ الْقَلِيلِ إلَى فَهْمِ الْكَثِيرِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ زَكَرِيَّا وَمِثْلُهُ يُقَالُ هُنَا أَنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ إلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَمِنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ لِحُرْمَةِ إحْرَاقِهِ مَثَلًا

(قَوْلُهُ: مِنْ حُكْمٍ) وَمَحَلُّهُ بَيَانٌ لِمَا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ فَالْمَفْهُومُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ وَعَلَى مَحَلِّهِ أَيْضًا وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَيْهِ لِلْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ وَافَقَ حُكْمَهُ إلَخْ لِئَلَّا يَلْزَمَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِ الْمُشْتَمِلِ هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَحَلِّ لَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَيُطْلَقُ الْمَفْهُومُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ

(قَوْلُهُ: كَتَحْرِيمِ كَذَا) مِثَالٌ لِلْحُكْمِ وَمَحَلُّهُ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي فَالْحُكْمُ فِي آيَةِ التَّأْفِيفِ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَنَحْوُهُ وَمَحَلُّهُ الضَّرْبُ وَنَحْوُهُ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ) إضَافَةَ حُكْمٍ لِلضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ وَقَوْلُهُ الْمُشْتَمِلُ نَعْتٌ سَبَبِيٌّ لِلْحُكْمِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَلِذَلِكَ أَبْرَزَ الشَّارِحُ الضَّمِيرَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ (قَوْلُهُ: الْمَنْطُوقَ) الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ وَقَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَهُ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ (قَوْلُهُ: فَمُوَافَقَةٌ) وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ بِعَدَدِ أَقْسَامِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ مُبَاحٌ.

وَأَمَّا أَقْسَامُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَثَلَاثُونَ مِنْ ضَرْبِ السِّتَّةِ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُوَافِقِ لِلْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسَاوِيًا) الْقِسْمَةُ غَيْرُ حَاصِرَةٍ إذْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْأَدْوَنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ مَفْهُومٌ أَدْوَنَ، وَقَدْ يُقَالُ بِهِ فِي نَحْوِ عَدَمِ إجَابَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّأْفِيفِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَوْلَى وَلَا مُسَاوِيًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ

(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمَعْنَى) أَيْ لَا لِمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى هُنَا مَا عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَالْإِيذَاءِ فِي التَّأْفِيفِ وَالْإِتْلَافِ فِي أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ مِنْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ لُغَةً.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ شَرْطٌ لِدَلَالَةِ الْمَلْفُوظِ عَلَى كُلِّ مَفْهُومٍ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلَّ عَلَى حُكْمِ التَّفَرُّعِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا الْإِيرَادِ هُنَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي الْخِلَافُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ

(قَوْلُهُ: لَا شِدِّيَّةَ الضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ) الْأَشَدِّيَّةُ مَصْدَرُ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ مَنْ فِيهِ لَا تُجَامِعُ أَلْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ) فِيهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ غَيْرُ

ص: 317

الْأَكْلِ لِمُسَاوَاةِ الْإِحْرَاقِ لِلْأَكْلِ فِي الْإِتْلَافِ (وَقِيلَ لَا يَكُونُ) الْمُوَافَقَةُ (مُسَاوِيًا) أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُسَمَّى بِالْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي وَإِنْ كَانَ مَثَلَ الْأُولَى فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَبِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ يُسَمَّى الْأَوَّلَ أَيْضًا عَلَى هَذَا وَفَحْوَى الْكَلَامِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَحْنُهُ مَعْنَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] وَيُطْلَقُ الْمَفْهُومُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْضًا كَالْمَنْطُوقِ وَعَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ كَغَيْرِهِ: الْمَفْهُومُ إمَّا أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ بِالْحُكْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ (ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ) إمَامُ الْأَئِمَّةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (دَلَالَتُهُ)

ــ

[حاشية العطار]

مَنْطُوقٍ إنَّمَا الْمَنْطُوقُ الْوَعِيدُ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ التَّحْرِيمُ فَهُوَ مِنْ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ.

وَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَحَّلُ فِي أَنَّهُ مَذْكُورٌ كِنَايَةً، فَإِنَّ التَّوَعُّدَ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُهُ تَحْرِيمُهُ وَنَاقَشَهُ سم فِي كَوْنِ الْجَوَابِ تَمَحُّلًا وَلَك أَنْ تَقُولَ نَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى الْمَجَازِ، وَالْمَجَازُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ فَلَا تَمَحُّلَ وَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ اسْتَقْرَأَ كَلَامَ الشَّارِحِ فَإِذَا قَالَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَكُونُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَتَى قَالَ قَالَ يَكُونُ قَالَهُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ

(قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى بِالْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مَقْلُوبَةٌ وَالْأَصْلُ لَا يَكُونُ الْمُسَاوِي مُوَافَقَةً أَيْ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّ الْمُسَاوِيَ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْهَا فَيُسَمَّى بِاسْمِهَا أَوْ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ لَا فِي أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مِنْ الْمُسَاوِي أَوْ لَا إذْ لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ فَرْدًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْأَعَمُّ لَا يَكُونُ فَرْدًا مِنْ الْأَخَصِّ وَمُبَايِنَةً لَهُ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ الْمُوَافَقَةُ إلَخْ وَالْمُقَابِلُ لَا يَكُونُ فَرْدًا مِنْ مُقَابِلِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُطَابِقُ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْ يُقَالَ وَقِيلَ لَا يَكُونُ الْمُسَاوِي مُوَافَقَةً أَيْ لَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عَكْسُ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لِلْعِنَايَةِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَبِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ وَهِيَ لَحْنُ الْخِطَابِ يُسَمَّى الْأَوْلَى أَيْضًا عَلَى هَذَا أَيْ الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ هُوَ الْأَوْلَى وَيُسَمَّى الْأَوْلَى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ وَالْمُسَاوِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُسَمَّى مَفْهُومَ مُسَاوَاةٍ وَقَوْلُهُ الْأَوْلَى نَائِبُ فَاعِلٍ يُسَمَّى اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ وَمَحَلُّهُ وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِ الْحُكْمَ لِشُيُوعِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَالْمَنْطُوقِ) ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَالْمَفْهُومِ فَلَا وَقَوْلُ سم وَبَقِيَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا وَلَا يَبْعُدُ الْتِزَامُهُ كَالْمَفْهُومِ اهـ وَلَا يَسْلَمُ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَا سَبِيلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا وَلَا لِلِاسْتِظْهَارِ وَإِنَّمَا سَبِيلُهَا النَّقْلُ وَكَأَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى مَا مَهَّدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ بِنَاءً عَلَى أَخْذِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ إطْلَاقُ الْمَفْهُومِ عَلَى الْمَحَلِّ وَحْدَهُ يَنْبَنِي مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالشَّيْءِ أَوْ الْمُسَاوِيَ لَهُ فِي الْحُكْمِ مُغَايِرٌ لَهُ

(قَوْلُهُ: إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) الَّذِي فِي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَكَذَا الْفَحْوَى لَا اسْتِقْلَالَ لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُقْتَضَى لَفْظٍ عَلَى نَظْمٍ وَنَضَدٍ مَخْصُوصٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ بِالْبِرِّ وَالنَّهْيِ عَنْ الْعُقُوقِ وَالِاسْتِحْثَاثِ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] فَكَانَ اسْتِيَاقُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الِانْتِظَامِ مُفِيدًا مَعْنًى فِي تَحْرِيمِ ضُرُوبِ التَّعْنِيفِ نَاصًّا وَهُوَ مُتَلَقًّى مِنْ نَظْمٍ مَخْصُوصٍ مُنْتَظِمٍ فَالْفَحْوَى إذًا آيِلَةٌ إلَى مَعْنَى الْأَلْفَاظِ اهـ.

فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ مَا ذَكَرَ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَلَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْكَمَالُ فَقَالَ فِي النَّقْلِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهَا دَلَالَةُ مَفْهُومٍ.

وَقَدْ سَاقَ الزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ عِبَارَةَ الْمَتْنِ بِلَفْظٍ وَالْإِمَامُ أَيْ الرَّازِيّ وَذَكَرَا أَنَّ قَوْلَهُ: الْإِمَامَانِ عِبَارَةُ النُّسْخَةِ الْقَدِيمَةِ اهـ.

وَذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَالْعَجَبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاشِي أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ لَا سِيَّمَا النَّاصِرُ، فَإِنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِلشَّارِحِ فِي الْمُنَاقَشَةِ حَتَّى فِي الْمِثَالِ وَكَانَ الْأَحَقُّ بِالْمُنَاقَشَةِ هَذَا الْمَحَلُّ (قَوْلُهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ) دَفَعَ بِهِ مَا عَسَاهُ يُقَالُ كَيْفَ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ

ص: 318

أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ (قِيَاسِيَّةٌ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى أَوْ الْمُسَاوِي الْمُسَمَّى بِالْجَلِيِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْعِلَّةُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْإِيذَاءُ.

وَفِي الثَّانِي الْإِتْلَافُ وَلَا يَضُرُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ عَدَمُ جَعْلِهِمَا الْمُسَاوِيَ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الِاسْمِ لَا الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّسْمِيَةِ بِالْمُوَافَقَةِ وَلَا نَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ) الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (لَفْظِيَّةٌ) لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا لِفَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيَاسٍ (فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ) مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ

ــ

[حاشية العطار]

مِنْ غَيْرِ وَصْفِ الْإِمَامِ وَوَصْفِ غَيْرِهِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَارَةَ وَصْفِهِ بِذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِهِ فَكَأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ

(قَوْلُهُ: أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ دَلَالَةً مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْمُوَافَقَةُ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْطُوقِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَعْنَاهُ السَّابِقَ أَيْ مَفْهُومَ مُوَافِقٍ لِلْمَنْطُوقِ كَمَا يَتَبَادَرُ وَالْإِلْزَامُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُوَافِقَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا، وَمَدْلُولُ الْقِيَاسِ كَمَا صَرَّحُوا فَيَلْزَمُ الْقِيَاسُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ فَتَدَبَّرْ اهـ.

فَالْمُوَافَقَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ الْإِمَامِ وَالْقَوْلَ الَّذِي بَعْدَهُ لَيْسَتْ مَفْهُومًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَخْ سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْهُمَا مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ مَجَازِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ، فَإِنَّ الْمَدْلُولَ عَلَى هَذَا مَنْطُوقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ إجْرَاءَ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْمُوَافَقَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَفْهُومٌ بَلْ بِاعْتِبَارِهَا فِي نَفْسِهَا وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْخِلَافِ مُقَابَلَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا مَفْهُومًا فَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامَانِ دَلَالَتُهُ إلَخْ مَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ مُوَافَقَةً وَقُلْنَا: إنَّهُ مَفْهُومٌ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَيْ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَفْهُومِ أَخْبَرَك بِأَنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سَكَتَ عَنْ الْأَدْوَنِ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَفْهُومُ الْأَدْوَنِ حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَدْوَنِ اهـ.

وَنَاقَشَهُ سم بِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْفُهُومِ بَلْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَانْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَفْهُومِ أَدْوَنَ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ كَوْنِ الْقِيَاسِ أَدْوَنَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ عَلَى الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِيهِ فَأَيُّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ كَانَ مُلْحَقًا الْأَصْلُ فِي حُكْمِهِ

(قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِالْجَلِيِّ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا سَيَأْتِي) أَيْ فِي خَاتِمَةِ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْجَلِيَّ مَا قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ كَانَ ثُبُوتُهُ احْتِمَالًا ضَعِيفًا (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَوَّلَيْنِ) يَعْنِي الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ يَعْنِي بِهِ الْإِمَامَ الرَّازِيَّ.

وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا الْحُكْمِ) أَيْ الِاحْتِجَاجِ (قَوْلُهُ: مِمَّا تَقَدَّمَ) يَعْنِي فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَفْظِيَّةً) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ غَيْرُ حَسَنَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إلَخْ فَتَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ لَفْظِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَهِيَ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: لَا مَدْخَلَ) أَيْ لَا دُخُولَ لِلْقِيَاسِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِيهَا وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ اللُّغَوِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ إلَّا بِالتَّأْفِيفِ (قَوْلُهُ: لِفَهْمِهِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِتَأْوِيلِهَا بِالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ) قَالَ سم قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَفْهُومًا وَلَا قِيَاسِيَّةً لَا يَقُولُ بِأَنَّهَا فُهِمَتْ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ.

وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ بِذَلِكَ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِمَا مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ بَلْ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا

ص: 319

(فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهَا فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِمَا تَعْظِيمُهُمَا وَاحْتِرَامُهُمَا مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ مَنْعُ الضَّرْبِ إذْ قَدْ يَقُولُ ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ لِعَبْدِهِ: لَا تَشْتُمْ فُلَانًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا فِي آيَةِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا حِفْظُهُ وَصِيَانَتُهُ مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ أَكْلِهِ مَنْعُ إحْرَاقِهِ إذْ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَهُ فَلَا يَحْنَثُ (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ) فَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فِي آيَتِهِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ إتْلَافِهِ (وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ

ــ

[حاشية العطار]

بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمَا مَعَ إرَادَتِهِ مَا صَرَّحَا بِهِ اهـ

(قَوْلُهُ: فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ وَفِيهِ أَنَّ الدَّلَالَةَ هِيَ الْفَهْمُ وَلَا مَعْنَى لِفَهْمِ الْفَهْمِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِالدَّلَالَةِ

(قَوْلُهُ: مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) أَيْ مَعَ اللَّفْظِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَالسِّيَاقُ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ هُنَا طَلَبُ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا إلَخْ وَالْقَرَائِنُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا) أَيْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ) أَيْ مِنْ جُلِّ مَنْعِ التَّأْفِيفِ (قَوْلُهُ: ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَنْ الْأَحْمَقِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ضَرَبَهُ) أَيْ لِكَوْنِ الشَّتْمِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِغِلَظِ طَبْعِهِ وَنَحْوِهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ

تَكْفِي اللَّبِيبَ إشَارَةٌ مَرْمُوزَةٌ

وَسِوَاهُ يُدْعَى بِالنِّدَاءِ الْعَالِي

وَسِوَاهُمَا بِالزَّجْرِ مِنْ قِبَلِ الْعَصَا

ثُمَّ الْعَصَا هِيَ رَابِعُ الْأَحْوَالِ

(قَوْلُهُ: مِنْ إطْلَاقِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَإِطْلَاقُهُمَا وَهُوَ بَيَانٌ لِعِلَاقَةِ الْمُجَازَةِ قَالَ الْكُورَانِيُّ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ذِكْرُ الْمَجَازِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْمَذْكُورَةَ مَجَازِيَّةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ الضَّرْبِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِلدَّلَالَةِ وَالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالثَّانِيَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْمَجَازِ دُونَ الْأُولَى وَلَمْ يَتَنَبَّهْ الشُّرَّاحُ لِهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ اهـ. بِحَذْفٍ.

وَأَجَابَ سم بَعْدَ أَنْ أَقَامَ النَّكِيرَ وَأَكْثَرَ التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ خَبِيرٌ بِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَكُتُبِهِ فَلَا يُرَدُّ نَقْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى نَفْيٍ لَمْ يُثْبِتْهَا مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ.

وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِيذَاءِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِعَلَاقَةِ الْأَخَصِّيَّةِ وَالْأَعَمِّيَّةِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَيْ بِخُصُوصِ السِّيَاقِ الْقَاطِعِ بِإِرَادَةِ تَعْظِيمِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطٍ قَرِينَةُ الْمَجَازِ أَنْ تَكُونَ قَاطِعَةً بِالصَّرْفِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بَلْ يَكْفِي صَلَاحِيَّتُهَا لِذَلِكَ فَلَا يُقَالُ: إنَّ كَوْنَ السِّيَاقِ لِلتَّعْظِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الصَّرْفَ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَكُلٌّ مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ مُحْتَمَلٌ فِي الْجُمْلَةِ.

فَقَوْلُهُ وَاللَّفْظُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا إنْ أَرَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَصِيرَ قُلْنَا لَمْ نَدَعْ التَّعْيِينَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَهُ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ

ص: 320

(عُرْفًا) بَدَلًا عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ وَتَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ وَإِنْ كَانَا بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ

ــ

[حاشية العطار]

حَاكٍ فَلَا إذْ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا تَوْجِيهٌ بَلْ لَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُ الْحِكَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ. اهـ.

وَأَقُولُ: قَدْ انْفَصَلَ بَعْدُ أَنَّ شَنَّ الْغَارَةِ عَلَى الشَّيْخِ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ فَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ هُنَا، فَإِنَّ الثِّقَةَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ.

وَإِنَّمَا النَّافِعُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ مَا نَفَاهُ الْكُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ رحمه الله لَهُ كِتَابَانِ فِي الْأُصُولِ أَحَدُهُمَا الْمَنْخُولُ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا فَحَوَى الْخِطَابِ وَهُوَ فَهْمُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ آيَةِ التَّأْفِيفِ فَقَالَ قَائِلُونَ: إنَّهُ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالنَّصِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ فَحَوَى فَهْمِ الْمَنْصُوصِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَأَمُّلٍ وَطَلَبٍ جَامِعٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَفْهُومِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذْ لَا يَبْعُدُ فِي الْعُرْفِ أَنْ يَقُولَ الْمَلِكُ لِخَادِمِهِ: اُقْتُلْ الْمَلِكَ الْفُلَانِيَّ وَلَا تُوَاجِهْهُ بِكَلِمَةٍ سَيِّئَةٍ فَلَيْسَ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ صُورَتِهِ وَلَكِنْ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَرِينَةُ الْحَالِ فَهْمٌ عَلَى الْقَطْعِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ الِاحْتِرَامُ فَلَا يُعَدُّ قِيَاسًا وَالْخِلَافُ آيِلٌ إلَى عِبَارَةِ اهـ.

وَالثَّانِي الْمُسْتَصْفَى وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَظُنُّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إذْ لَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ النَّاقِلُ عَنْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْكُورَانِيِّ مُتَعَيِّنًا لَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي رَدِّهِ مِمَّا تَكَرَّرَ لَهُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ ثِقَةٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ إذْ لَوْ قَالَ الْخَصْمُ هُوَ لَيْسَ بِثِقَةٍ عِنْدِي فِي هَذَا النَّقْلِ لَمْ يَرْدَعْهُ إلَّا تَصْحِيحُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ فَرَضَ مُشَافَهَةَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي ثِقَةٌ فِيمَا أَنْقُلُهُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ مَا نَقَلَهُ أَمَا دَرَى أَنَّ دَعْوَى الْوَثَاقَةِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا كَثِيرًا مِنْ دَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ تُبْطِلُ قَاعِدَةً اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ عُلَمَاءِ النَّظَرِ وَهِيَ أَنَّ النَّاقِلَ يُطْلَبُ مِنْهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ تَصْحِيحُ النَّقْلِ وَلِاهْتِمَامِهِمْ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ صَدَّرُوا بِهَا كَثِيرًا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمْ.

وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَجَازِ فَقَطْ اعْتَرَفَ هُوَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ غَيْرُ صَارِفَةٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاشْتِرَاطِ الْبَيَانِيِّينَ كَوْنَهَا صَارِفَةً عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَبَنَوْا عَلَيْهِ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الَّذِي أَشَارَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إلَى جَوَازِهِ بَلْ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ بَلْ يَجُوزُ مَعَهُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْمُتَبَادِرَ لِلْفَهْمِ فِي مَقَامِ التَّخَاطُبِ مِنْ الْآيَتَيْنِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ التَّأْفِيفِ وَالتَّوَعُّدِ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ فَأَيْنَ الْمَجَازُ نَعَمْ مَا جَعَلَاهُ مَعْنًى مَجَازِيًّا مَفْهُومٌ مِنْ عَرْضِ الْكَلَامِ وَنَاحِيَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازُ الْعَدَمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِيهِ فَلَوْ جَعَلَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ كِنَايَةً لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوهَا بِالْمَجَازِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُهَا فَيُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا خَالَفَ الْأَصْلَ وَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي هَذَا الْمَجَازِ بِمَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ لَكِنْ يُجَوِّزُونَ عَدَمَ مُصَاحَبَتِهَا لِلْمَجَازِ وَهَاهُنَا قَدْ ادَّعَى وُجُودَ الْقَرِينَةِ وَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ حَاكَ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ الْحَاكِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّةَ الْمَحْكِيِّ، فَإِنْ الْتَزَمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَقْلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِرَدِّهِ يَتَضَمَّنُ الْتِزَامَ صِحَّتِهِ، وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْحِكَايَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الَّذِي لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ الْمَحْكِيُّ كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْآدَابِ

(قَوْلُهُ: عُرْفًا) أَيْ فَيَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لَا مَجَازًا (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُمَا حِينَئِذٍ تَحْرِيمُ الْإِيذَاءِ وَتَحْرِيمُ الْإِتْلَافِ وَمِنْ أَفْرَادِهِمَا الضَّرَرُ وَالْإِحْرَاقُ (قَوْلُهُ: مِنْهُمَا الْحَنَفِيَّةُ) وَيُسَمُّونَهَا

ص: 321

عَلَى أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مَفْهُومٌ لَا مَنْطُوقٌ وَلَا قِيَاسِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَدْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَارَةً مَفْهُومًا وَأُخْرَى قِيَاسِيًّا كَالْبَيْضَاوِيِّ فَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَسْكُوتٌ، وَالْقِيَاسُ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ بِمَنْطُوقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يُقَالُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَدْلُولٌ لِلَّفْظِ وَالْمَقِيسَ غَيْرُ مَدْلُولٍ لَهُ

(وَإِنْ خَالَفَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ فَمُخَالَفَةٌ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي التَّعْبِيرُ بِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ (وَشَرْطُهُ) لِيَتَحَقَّقَ (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ تُرِكَ لِخَوْفٍ) فِي ذِكْرِهِ بِالْمُوَافَقَةِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُرِيدُ غَيْرَهُمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الْخَوْفِ كَالْجَهْلِ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ كَقَوْلِك فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَأَنْتَ تَجْهَلُ حُكْمَ الْمَعْلُوفَةِ (وَ) أَنْ (لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]

ــ

[حاشية العطار]

أَدِلَّةَ النَّصِّ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَفْهُومٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَمُوَافِقَةٌ ظَاهِرَهُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُوَافِقِ حُكْمُهُ حُكْمُ مُوَافَقَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَحُكْمُهُ الْمُوَافِقُ مُوَافَقَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ الظَّاهِرُ يَكُونُ مَفْهُومًا لَا قِيَاسًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ قِيَاسًا

(قَوْلُهُ: صَدَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْمَفْهُومُ مَا دَلَّ إلَخْ

(قَوْلُهُ: كَالْبَيْضَاوِيِّ)، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُوَافَقَةَ فِي مَبْحَثِ اللُّغَاتِ مَفْهُومًا وَفِي كِتَابِ الْقِيَاسِ قِيَاسًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَسْكُوتٌ) فِيهِ أَنَّ الْمَفْهُومَ إمَّا الْحُكْمُ وَإِمَّا هُوَ مَعَ مَحَلِّهِ وَالْمَسْكُوتُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ حَمْلُ الْمُبَايِنِ وَعَلَى الثَّانِي حَمْلُ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَسْكُوتُ بِالْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ لَا الِاسْمِيِّ أَوْ يُرَادُ بِالْمَفْهُومِ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَصِحَّةُ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ لِلْمَفْهُومِ جِهَتَيْنِ هُوَ بِاعْتِبَارِ إحْدَاهُمَا مُسْتَنِدٌ إلَى اللَّفْظِ فَكَانَ مَفْهُومًا وَبِاعْتِبَارِ الْأُخْرَى قِيَاسٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ وَتَعَقَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّ لِلْخِلَافِ فَوَائِدَ مِنْهَا أَنَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ جَازَ النَّسْخُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. زَكَرِيَّا

وَتَعَقَّبَهُ سم بِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ تَصْحِيحُ النُّسَخِ بِالْقِيَاسِ وَجَوَازُ النَّسْخِ بِالْفَحْوَى وَحِكَايَةُ الشَّارِحِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ فِيهَا عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ وَقَوْلًا بِالْمَنْعِ فِيهَا عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَهَذِهِ الْفَائِدَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ضَعِيفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ

(قَوْلُهُ: وَالْمَقِيسُ غَيْرُ مَدْلُولٍ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ حُكْمَ الْأَصْلِ الْفَرْعُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمَفْهُومُ قِيَاسًا لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَغَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ أَوْ عِلَّةٍ فَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنْ كَوْنِ الْمَفْهُومِ قِيَاسًا

(قَوْلُهُ: حُكْمُ الْمَفْهُومِ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَفْهُومِ الْمَحَلَّ وَالْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ: الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحُكْمَ، وَقَدْ يُجَابُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً (قَوْلُهُ: فَمُخَالَفَةٌ) أَيْ يُسَمَّى بِذَلِكَ اصْطِلَاحًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ نُظِرَ فِيهِ لِلْمَعْنَى (قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ) أَيْ بِحَيْثُ إذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَفْهُومُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَ الشَّرْطُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا (قَوْلُهُ: لِخَوْفٍ) أَيْ لِخَوْفٍ مَحْذُورٍ بِسَبَبِ ذِكْرِ الْمَسْكُوتِ بِطَرِيقِ مُوَافَقَتِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِأَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ فَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِذِكْرِهِ وَهَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ لَهُ الشَّارِحُ بِكَلَامِ الْخَلْقِ

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ) الْعَهْدُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاتِّصَافِ مَجَازًا عَنْ الْعِلْمِ اللَّازِمِ لِلِاتِّصَافِ اهـ. نَاصِرٌ

(قَوْلُهُ: وَتَرَكَهُ) أَيْ قَوْلُهُ وَغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: كَالْجَهْلِ) أَيْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَمَزَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَقَوْلِك إلَخْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ لِلْغَالِبِ) قَالَ النَّاصِرُ: هَاهُنَا مَقَامَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَيْدَ خَرَجَ لِلْغَالِبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْغَالِبِ.

وَالثَّانِي: هُوَ الَّذِي خَالَفَ الْإِمَامُ فِي اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ بِدَلِيلِ مَا سَيَجِيءُ اهـ.

أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الشَّارِحِ أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ، وَهَذَانِ الْمَقَامَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ تَعْبِيرِ

ص: 322

فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ أَيْ تَرْبِيَتُهُمْ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ هَذَا الشَّرْطَ لِمَا سَيَأْتِي مَعَ دَفْعِهِ (أَوْ) خَرَجَ الْمَذْكُورُ (لِسُؤَالٍ) عَنْهُ (أَوْ حَادِثَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهِ (أَوْ لِلْجَهْلِ بِحُكْمِهِ) دُونَ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ.

كَمَا لَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ قِيلَ بِحَضْرَتِهِ لِفُلَانٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ أَوْ خَاطَبَ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ فَقَالَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ خَرَجَ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ) كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ أَيْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا شَرَطُوا لِلْمَفْهُومِ انْتِفَاءَ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ فَأُخِّرَ عَنْهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ

ــ

[حاشية العطار]

الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا كَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَعَبَّرَ الشَّارِحُ تَارَةً بِالْخُرُوجِ لِلْغَالِبِ وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَيَانِ مَحَلِّ نِزَاعِ الْإِمَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ سم: إنَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُجَرَّدُ اخْتِرَاعٍ لِشَيْءٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ

(قَوْلُهُ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] نَبَّهَ سبحانه وتعالى بِهَذَا عَلَى مَعَالِي الْأُمُورِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُرَبِّيَ بِنْتَ زَوْجَتِهِ فِي حِجْرِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ سم: فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ تَوْجِيهَهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ قُلْت لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي غَيْرِ هَذَا مُضْطَرٌّ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجَهْلِ أَوْ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا فِي صُورَةِ قَصْدِ الِامْتِنَانِ وَكَمَا فِي صُورَةِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَسْكُوتِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّقْيِيدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَبَثِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْعَبَثِ وَهُوَ إخْبَارُ الْمُخَاطَبِ بِمَا يَعْلَمُهُ أَوْ عَنْ الْإِبْهَامِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَإِيقَاعِهِ فِي حُكْمِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أُطْلِقَ تَرَدُّدٌ فِي عُمُومِ الْحُكْمِ وَتَخْصِيصِهِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ وَلَا فَائِدَةَ مُقَيَّدًا بِهَا فِي التَّقْيِيدِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ بَعِيدًا ضَعِيفًا وَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُ حَمْلٌ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَذْكُورَ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لِسُؤَالٍ) أَيْ لِجَوَابِ سُؤَالٍ وَقَوْلُهُ أَوْ حَادِثَةٍ أَيْ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَذْكُورِ وَتُضْعِفُ الْمَفْهُومَ عَنْ الْمَنْطُوقِ فِي الدَّلَالَةِ كَانَ السُّؤَالُ وَالْحَادِثَةُ مَثَلًا صَارِفَيْنِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ بَلْ مَانِعَيْنِ مِنْ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَيْهَا لَا يَصْرِفَانِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ بَلْ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْجَهْلِ) أَيْ مِنْ الْمُخَاطَبِ فَخَالَفَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ) إشَارَةٌ إلَى نُكْتَةِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ

(قَوْلُهُ: مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ ضَابِطَ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَتْ لَهُ فَائِدَةٌ كَالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَكَانَ بِسِيَاقِ الْمَذْكُورِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّأْكِيدِ لِلنَّهْيِ كَخَبَرٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِلْكَافِرَةِ أَيْضًا وَكَزِيَادَةِ الِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] فَلَا يَمْتَنِعُ أَكْلُ الْقَدِيدِ

(قَوْلُهُ: كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ أَنَّ الْحَادِثَةَ يُقْصَدُ فِيهَا الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الْمَخْصُوصِ بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْحُكْمُ الْعَامُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ) لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ وَالْقَرَائِنِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَتَهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرَ التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ

(قَوْلُهُ: فِي تَوْجِيهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهُ الْإِمَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يُقْضَى فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: لِمَا نَفَاهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنْ

ص: 323

بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ.

وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ.

وَالْمَقْصُودُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْمَذْكُورِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ فِيهَا مِنْ خَارِجٍ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَوْ الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الرَّبِيبَةَ حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَمُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا.

وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ لَمْ يُوَالِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: 57] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ بِهِ

ــ

[حاشية العطار]

لَا تَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ قَالَ النَّاصِرُ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ هُوَ الشَّرْطُ وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ لَهُ بَلْ لِنَفْيِهِ فَالْوَجْهُ أَنَّ مَا وَاقِعُهُ عَلَى النَّفْيِ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لِلنَّفْيِ الَّذِي نَفَاهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي نَفَاهُ لَيْسَ هُوَ النَّفْيُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَحِينَئِذٍ تُجْعَلُ مَا بِحَالِهَا وَاقِعَةً عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ إلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ لِنَفْيِ الِاشْتِرَاطِ الَّذِي نَفَاهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَوْجِيهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ) أَيْ مَدْلُولَاتِهِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الْخَفِيَّةِ وَالْغَالِبُ مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ الظَّاهِرَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِلْخِلَافِ فِيهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَمَا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ إلَخْ وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَقَلَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِمْرَارِ مَالِكٍ عَلَيْهِ بُطْلَانُهُ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ عَنْ شَيْءٍ وَالْفَتْوَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَنْ دَاوُد) وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مُوهِمٌ لِعِزَّةِ النَّقْلِ عَنْ دَاوُد

(قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ) قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنُ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَك فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ فَقُلْت نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِك قُلْت لَا هِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا قُلْت فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ كَمَالٌ

(قَوْلُهُ: وَمَرْجِعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا نُقِلَ عَنْ دَاوُد وَعَلِيٍّ رضي الله عنه (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِمَا يُوَافِقُ الْمَفْهُومَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمَقْصُودُ عَدَمُ الِاسْتِنَادِ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ، وَقَدْ يُعْمَلُ عَلَى وَفْقِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ) وَحُكْمُ الْمَفْهُومِ حِينَئِذٍ مَسْكُوتٌ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْكَارِ أَبِي حَنِيفَةَ مَفَاهِيمَ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ وَغَيْرَهُمْ

(قَوْلُهُ: لِلْمَعْنَى) أَيْ الْعِلَّةِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْمُوَافَقَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَزَوَّجَ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَقَعُ (قَوْلُهُ: أَوْلِيَاءَ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ تَوَلَّوْا مَعَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَشَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَيْ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا

ص: 324

الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ نَشَأَ خِلَافٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَسْكُوتِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ وَكَأَنَّ الْقَيْدَ لَمْ يُذْكَرْ حَكَاهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ (قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ أَيْ الْمَسْكُوتَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلَّةِ (الْمَعْرُوضُ) لِلْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إذَا عَارَضَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ إجْمَاعًا) لِوُجُودِ الْعَارِضِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا.

وَعَدَمُ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا أَدْوَنُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: مُوَافَقَةُ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي أَخْذُهُ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قِيَاسٍ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّ وُجُودَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ كَكَوْنِهِ جَوَابًا لِسُؤَالٍ أَوْ بَيَانًا لِحَادِثَةٍ إلَخْ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَفْهُومِ وَلَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ الْمَسْكُوتِ الْمَنْطُوقَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَقَوْلُهُ مَا يَقْتَضِي إلَخْ فَاعِلٌ يَمْنَعُ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ مَفْعُولُهُ وَبَاءُ بِالْمَنْطُوقِ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ ضَمَّنَ الْقِيَاسَ مَعْنَى الرَّبْطِ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ إذْ الْفَرْعُ مَرْبُوطٌ بِالْأَصْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِبْعَادِ مَنْعِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ إلَخْ يَعْنِي كَيْفَ يَمْتَنِعُ هَذَا الْقِيَاسُ مَعَ أَنَّ لَنَا قَائِلًا بِأَنَّ الْمَفْرُوضَ لَهُ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ بِدُونِ قِيَاسٍ كَمَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَلَفْظُ الْغَنَمِ عِنْدَهُ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمَعْلُوفَةَ وَالسَّائِمَةَ وَالْعِبَارَةَ وَالسَّدِيدَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوضَ لَا يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ وَقِيلَ يَعُمُّهُ فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ. اهـ.

قَالَ بَعْضٌ وَشُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَمْنَعُ وَضَمِيرُهُ يَعُودُ لِمَا يَقْتَضِي وَضَمِيرُ لَهُ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ) هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْمَعْرُوضُ) فَاعِلُ يَعُمُّ وَالْمَعْرُوضُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ بِصِفَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالْعَارِضُ هُوَ الْقَيْدُ عَبَّرَ بِالْمَعْرُوضِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى مَوْصُوفًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصِّفَةِ وَقَوْلُهُ لِلْمَذْكُورِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْرُوضِ وَقَوْلُهُ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَيَانٌ لِلْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: إذَا عَارَضَهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَعُمُّهُ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ) فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَكَأَنَّ الْمَعْرُوضَ شَامِلٌ لِلْمَوْصُوفِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اقْتِرَانَ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى إلْغَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَعْلُهُ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ أَوْ لَا يَدُلُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمَعْرُوضُ إذَا كَانَ عَامًّا شَامِلًا لِلْمَذْكُورِ وَالْمَسْكُوتِ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ وُجُودَ دَلِيلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْمُخْتَصَرِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مَسْكُوتًا عَنْ حُكْمِهِ فَيُجَوِّزُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ

(قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْعَارِضِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَقَّ فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ

(قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ) حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ وَحُكِيَ الْعُمُومُ بِقِيلَ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّضْعِيفِ وَقَوِيَ ذَلِكَ الضَّعْفُ بِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْعُمُومِ، وَإِنْ سِيقَتْ بِقِيلِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَتْنِ تَرْجِيحَ مُقَابِلِهِ لِذِكْرِهِ مُقَدَّمًا بِدُونِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَذَكَرَ الْآخَرَ مُؤَخَّرًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدْوَنَ أَيْ فَيَكُونُ الْمَنْطُوقُ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَسْكُوتِ عَارَضَهُ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ وَصَرْفُ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ مَوْضِعُ نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِي الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ الصَّرْفَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ ثُمَّ الْمُرَادُ الْأَدْنَوِيَّةُ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقِيسٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِي تَمَامِ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَقِيسًا قِيَاسَ الْأَدْوَنِ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ ظَنِّيَّةً بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ قَطْعِيَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هُنَاكَ) أَيْ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّ الْمَسْكُوتَ أَوْلَى أَوْ

ص: 325

(وَهُوَ صِفَةٌ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ مَفْهُومُ صِفَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ بِهَا لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ وَلَا غَايَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

مُسَاوٍ

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَحَلِّ الْحُكْمِ) الْبَاعِثِ عَلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ مَعَ قِلَّةِ اسْتِعْمَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ إضَافَتُهُ إلَى الصِّيغَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بَلْ عَلَى مَحَلِّهِ، فَإِنَّ السَّائِمَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَعْلُوفَةِ لَا عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ الْمَنْفِيُّ غَيْرُ سَائِمَتِهَا أَوْ غَيْرُ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْهُومِ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ سَائِمَتِهَا وَغَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ ثُمَّ مَحَلُّ الْحُكْمِ لَا نَفْسُهُ فَلَوْ أُرِيدَ الْحُكْمُ لَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ وَهَلْ الْمَنْفِيُّ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ سَائِمَتِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْحُكْمُ وَإِضَافَتُهُ إلَى الصِّفَةِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مُقَابِلِهَا وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ: مَفْهُومُ صِفَةٍ) قَدَّرَهُ لِأَجْلِ صِحَّةِ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ وَالْمَفْهُومُ مَعْنًى (فَائِدَةٌ) مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ جَمَعَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي قَوْلِهِ

صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثَنِّيَا

وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرًا لَاغِيَا

فَالثُّنْيَا الِاسْتِثْنَاءُ والْأَغْيَاءُ الْغَايَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْعَدَدَ وَاللَّقَبَ لَيْسَا مِنْ الْمَفَاهِيمِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا) أَيْ بِالصِّفَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُمَا فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ وَفِي اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ التَّابِعُ الْمُشْتَقُّ

(قَوْلُهُ: لَفْظٌ) خَرَجَ مَا لَيْسَ بِلَفْظٍ كَتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ (قَوْلُهُ: مُقَيِّدٌ لِآخَرَ) أَيْ مُقَلِّلٌ لِشُيُوعِهِ فَلَا يَرِدُ النَّعْتُ لِمُجَرَّدِ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ) وَجْهُ اسْتِثْنَائِهَا احْتِيَاجُهَا لِآلَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ

ص: 326

لَا النَّعْتَ فَقَطْ أَيْ أَخْذًا مِنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِيهَا الْعَدَدَ وَالظَّرْفَ مَثَلًا (كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَوْ سَائِمَةِ الْغَنَمِ) أَيْ الصِّفَةُ كَالسَّائِمَةِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، وَفِي الثَّانِي مَنْ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ قَدَّمَ مِنْ تَأْخِيرٍ.

وَكُلٌّ مِنْهَا يُرْوَى حَدِيثًا وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ» إلَخْ (لَا مُجَرَّدِ السَّائِمَةِ) أَيْ مَنْ فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَإِنْ رُوِيَ فَلَيْسَ مِنْ الصِّفَةِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَالِ الْكَلَامِ بِدُونِهِ كَاللَّقَبِ وَقِيلَ هُوَ مِنْهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى السَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ اللَّقَبِ فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا كَمَا يُفِيدُ إثْبَاتَهَا فِي السَّائِمَةِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالْوَارِثِ يَجْرِي مَجْرَى الْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَهَلْ النَّفْيُ) عَنْ مَحَلِّيَّةِ الزَّكَاةِ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (غَيْرَ سَائِمَتِهَا) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ (أَوْ غَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ

ــ

[حاشية العطار]

لَا حَاجَةَ بَلْ لَا صِحَّةَ لِاسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِآلَتِهِ فَهُوَ لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَفَاهِيمِ بِالصِّفَةِ لَكَانَ مُنْقَدِحًا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ وَالْمَحْدُودَ مَوْصُوفَانِ بِعَدَدِهِمَا وَحْدَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَفَاهِيمِ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْطُوفَاتُ كُلُّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ إلَّا تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ فَعَلَى صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الصِّفَةِ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورَاتِ فَلِيَسْتَثْنِيَ مَعَهَا مَا بَعْدَهَا اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: لَا النَّعْتِ فَقَطْ) أَيْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ أَدْرَجُوا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ وَالْمَخْصُوصُ بِالْكَوْنِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان مَوْصُوفٍ بِالِاسْتِقْرَارِ فِيهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ الصِّفَةُ كَالسَّائِمَةِ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الصِّفَةَ مَجْمُوعُ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا بَعْدَ الْكَافِ هُوَ الْمِثَالُ (قَوْلُهُ: قَدَّمَ) أَيْ لَفْظَ السَّائِمَةِ فِي الثَّانِي وَأُضِيفَ إلَى الْمَوْصُوفَةِ فَسَقَطَتْ مِنْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ فِي الْمَوْجُودِ فِي الثَّانِي سَائِمَةً بِالتَّنْكِيرِ لَا السَّائِمَةَ بِالتَّعْرِيفِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي، وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ

(قَوْلُهُ: وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ) بَدَلٌ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَيْ وَفِي شَأْنِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ وَفِي سَائِمَتِهَا بَدَلٌ (قَوْلُهُ: إنْ رُوِيَ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَقَدْ تَتَبَّعْت مَظَانَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْحَدِيثِيَّةِ فَلَمْ أَظْفَرْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ فَائِدَةَ أُخْرَى غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَفِيهِ مَا سَتَسْمَعُ (قَوْلُهُ: بِدُونِهِ) أَيْ السَّائِمَةِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَوْصُوفِ

(قَوْلُهُ: فَيُفِيدُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَابَلَ الْأَظْهَرَ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَظْهَرَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْوَصْفِ صَادِقٌ بِهِ غَايَتُهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُقَدَّرٌ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ اهـ.

وَبِهِ يُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الْكُورَانِيُّ أَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ مَرْدُودٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْوَصْفِ صَادِقٌ، غَايَتُهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مُقَدَّرٌ وَذِكْرُ الْمَوْصُوفِ وَتَقْدِيرُهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ اهـ. فَتَوَرُّكُ سم عَلَيْهِ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ سَائِمَةَ الْغَنَمِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ فَغَيْرُ سَائِمَةِ الْغَنَمِ أَعَمُّ مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ لِصِدْقِ الثَّانِي بِالْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ بِهَا وَسَائِمَةُ غَيْرِ الْغَنَمِ وَمُقْتَضَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ لَهَا عَكْسُ ذَلِكَ

ص: 327

(قَوْلَانِ) :

الْأَوَّلُ: وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ إلَى السَّوْمِ فِي الْغَنَمِ وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ فَقَطْ لِتَرْتِيبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ لَفْظُ الْغَنَمِ عَلَى وِزَانِهَا فِي مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ كَمَا سَيَأْتِي فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ وَأَنْ تَثْبُتَ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ يُعِيدُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ إلَى الْأَذْهَانِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (الْعِلَّةُ) نَحْوُ أَعْطِ السَّائِلَ لِحَاجَتِهِ أَيْ الْمُحْتَاجَ دُونَ غَيْرِهِ (وَالظَّرْفُ) زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ وَاجْلِسْ أَمَامَ فُلَانٍ أَيْ لَا وَرَاءَهُ (وَالْحَالُ) نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى الْعَبْدِ مُطِيعًا أَيْ لَا عَاصِيًا (وَالْعَدَدُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَيْ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ

ــ

[حاشية العطار]

وَأَجَابَ بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَيْدًا حُذِفَ لِلْعِلْمِ وَالتَّقْدِيرُ غَيْرَ سَائِمَتِهَا مِنْهَا وَلَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ الظَّاهِرِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) مَيْلُ الشَّارِحِ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَنْظُرُ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ اعْتِرَاضِيَّةٌ أَيْ أَنَّ الْأَوَّلَ يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ السَّوْمَ مُضَافًا لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِ سَائِمَتِهَا

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ) أَيْ يَعْتَبِرُ السَّوْمَ فَقَطْ غَيْرَ مُضَافٍ لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا وَيُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي السَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بَلْ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَعْنَى بِالصِّفَةِ التَّقْيِيدَ كَانَ الْمُقَيَّدُ فِي قَوْلِنَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةً إنَّمَا هُوَ الْغَنَمُ.

وَفِي قَوْلِنَا: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ السَّائِمَةُ فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الَّتِي لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِالسَّوْمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ الْغَنَمِ وَمَفْهُومُ الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَالْبَقَرِ مَثَلًا الَّتِي لَوْلَا تَقْيِيدُ السَّائِمَةِ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْغَنَمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ السَّائِمَةِ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ نَاظِرٌ إلَى إضَافَةِ السَّائِمَةِ إلَى الْغَنَمِ لَا إلَى لَفْظِ الْغَنَمِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ قَوْلُهُ عَلَى وِزَانِهَا إلَخْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا جَلِيًّا، فَإِنَّ الْغَنِيَّ مُشْتَقٌّ يَصِحُّ وُقُوعُهُ نَعْتًا وَالْغَنَمُ بِخِلَافِهِ اهـ.

لَا وُرُودَ لَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ التَّقْيِيدَ بِالْغَنَمِ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى السَّائِمَةِ، فَإِنَّ السَّائِمَةَ بِدُونِهِ تَعُمُّ الْغَنَمَ وَغَيْرَهَا فَإِذَا ذَكَرَ الْغَنَمَ كَانَ السَّوْمُ خَاصًّا بِهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى وِزَانِهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ فَالنَّظَرُ إلَى الْقَيْدِ وَعَدَمِهِ لَا إلَى الِاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَهِمَهُ النَّاصِرُ أَخْذًا بِظَاهِرِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ

(قَوْلُهُ: عَلَى وِزَانِهَا) أَيْ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمِ لَا أَنَّ غَيْرَ الْمَطْلِ لَيْسَ بِظُلْمٍ فَعَلَى مَا جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْإِضَافَةِ، وَإِنَّ ثَبَتَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ) تَعْلِيلٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ التَّبَادُرِ نَفْسُ الْبُعْدِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) وَهُوَ لَفْظٌ مُقَيَّدٌ إلَخْ وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْعِلَّةِ بِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ مُكَمِّلَةً لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَ لِلسَّوْمِ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ فِي الْوُحُوشِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ وَهِيَ مَعَ السَّوْمِ أَتَمُّ مِنْهَا مَعَ الْعَلَفِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحْتَاجِ) أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي الْعِلَّةِ حَتَّى تُدْرَجَ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَلَا شَيْئًا مِنْ بَقِيَّةِ جِهَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِخَلْفِهِ لَكَانَ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ تَكُونُ بِمَعْنَى قُدَّامَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أَيْ أَمَامَهُمْ

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَكْثَرَ) ذَكَرَ هُنَا الْأَكْثَرَ دُونَ الْأَقَلِّ وَفِيمَا بَعْدَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ احْتِبَاكًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ فَرُبَّمَا تُتَوَهَّمُ فِيهِ الْكَثْرَةُ وَفِي الثَّانِي الْقِلَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ

ص: 328

(وَشَرْطٌ) عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ نَحْوُ {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] أَيْ فَغَيْرَ أُولَاتِ الْحَمْلِ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ (وَغَايَةٌ) نَحْوُ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أَيْ فَإِذَا نَكَحَتْهُ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ (وَإِنَّمَا) نَحْوُ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ (وَمِثْلُ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى نَفْيٍ وَاسْتِثْنَاءٍ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، مَنْطُوقُهُمَا نَفْيُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُمَا إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ لِزَيْدٍ

(وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ) نَحْوُ {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَيْ نَاصِرٍ (وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ) عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَيَانِيِّينَ كَالْمَفْعُولِ وَالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَحْوُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أَيْ لَا غَيْرَك {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] أَيْ لَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَعْلَاهُ) أَيْ أَعْلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) أَيْ مَفْهُومُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ أَيْ صَرَاحَةً لِسُرْعَةِ تَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ مَا قِيلَ) إنَّهُ (مَنْطُوقٌ) أَيْ (بِالْإِشَارَةِ)

ــ

[حاشية العطار]

مَا يَحْصُلُ بِهِ

(قَوْلُهُ: وَشَرْطٌ) عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ فَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ أَيْ الْمَفْهُومُ صِفَةٌ وَشَرْطٌ وَغَايَةٌ وَيُقَالُ أَيْضًا مَفْهُومُ صِفَةٍ وَمَفْهُومُ شَرْطٍ وَمَفْهُومُ غَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ مَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ بِأَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ وَإِذَا وَبِمَفْهُومِ الْغَايَةِ مَا فُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِأَدَاةِ غَايَةٍ كَإِلَى وَحَتَّى وَاللَّامِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَعَطْفُ ذَلِكَ عَلَى صِفَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الصِّفَةَ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهَا فَالْأَوْجَهُ عَطْفٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَتَعْرِيفُهُ بِأَلْ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ

(قَوْلُهُ: أَيْ فَغَيْرُهُ) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] فَمَحَلُّ النُّطْقِ فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ وَالْمَنْطُوقُ هُوَ الْأُلُوهِيَّةُ، وَمَحَلُّ السُّكُوتِ غَيْرُ اللَّهِ وَالْمَفْهُومُ هُوَ انْتِفَاءُ الْأُلُوهِيَّةِ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى انْحِلَالِ إنَّمَا بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْطُوقُ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَالْمَفْهُومُ ثُبُوتُهَا لَهُ تَعَالَى.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا نَطَقَ بِأَدَاةِ النَّفْيِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ جَعَلَ الْمَنْطُوقَ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَنْطِقْ بِهِمَا مَعَ إنَّمَا بَلْ بِالْجُمْلَةِ الْمُوجِبَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنْطُوقِ نَفْيُ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إذْ الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ

(قَوْلُهُ: وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ صِحَّةَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْآيَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْإِلَهِ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ إذْ لَوْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْمَعْبُودِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْبُودَاتِ بِالْبَاطِلِ كَثِيرَةٌ

(قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُهَا إثْبَاتُ الْعِلْمِ إلَخْ) هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ الْآتِي إذَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ إلَخْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَرَجَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ قَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا لَهُ عَلَيَّ إلَّا دِينَارٌ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالدِّينَارِ وَلَوْ كَانَ بِالْمَفْهُومِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَقَارِيرِ. اهـ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْثَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ إذْ كَيْفَ يُقَالُ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى إثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ بِالْمَفْهُومِ اهـ.

وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ نَفْيُ مَا خَالَفَنَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ لَا إثْبَاتُ مَا وَافَقُونَا عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَوَّلِ الْمَنْطُوقَ وَلِلثَّانِي الْمَفْهُومَ وَمَحَلُّ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَقَارِيرِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْحَصْرِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُمْ

(قَوْلُهُ: وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ) أَيْ الْمُنَكَّرُ نَحْوُ زَيْدٌ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو أَيْ لَا غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ فَالْحَصْرُ فِيهِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْخَبَرِ لَا مِنْ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ زَيْدٌ هُوَ الْفَاضِلُ كَانَ تَأْكِيدًا لِلْحَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ فِي تَمْثِيلِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] تَسَامُحًا وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَضَمِيرُ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالْحَصْرُ إثْبَاتٌ وَهُوَ مَنْطُوقٌ وَنَفْيٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَيَأْتِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ: أَيْ إعْلَامًا) ذُكِرَ إشَارَةً إلَى وَجْهِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ جَمِيعٌ (قَوْلُهُ: أَيْ صَرَاحَةً) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ مَا قِيلَ إنَّهُ مَنْطُوقٌ

ص: 329