الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى اعْتِدَالِهِمَا خِلَافَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى النَّفْيِ وَبِذِكْرِ الْقَاضِي مِنْ النَّافِينَ إلَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْمُثْبِتِينَ كَالْآمِدِيِّ لَمْ يُحَرِّرْ النَّقْلَ عَنْهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالنَّفْيِ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ
ــ
[حاشية العطار]
بِاسْتِقْرَاءِ جُزْئِيَّاتِ الْفَاعِلِ مَثَلًا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ هِيَ أَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ مَرْفُوعٌ فَإِذَا رَفَعْنَا فَاعِلًا لَمْ نَسْمَعْ رَفْعَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا؛ لِانْدِرَاجِهِ فِيهَا وَأُورِدَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّهُ كَيْفِيَّةُ اللَّفْظِ فَلَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي هِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْمَعَانِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْإِعْرَابَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَرَكَاتِ، وَهِيَ أَحْرُفٌ صَغِيرَةٌ تَأْتِي بَعْدَ الْحَرْفِ فَيَضْمَحِلُّ سُكُونُهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، فَالْمُرَادُ كَالْفَاعِلِ مِنْ حَيْثُ رَفْعُهُ وَيَرُدُّ عَلَى الْجَوَابِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَلْفَاظِ الْإِفْرَادِيَّةِ مِنْ حَيْثُ مَعَانِيهَا، وَالرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّرْكِيبِيَّةِ.
وَقَدْ يُدَّعَى شُمُولُ اللُّغَةِ لَهَا فَيَنْدَفِعُ، أَوْ أَنَّ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ وَأُورِدَ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعْنَى مَعَ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ كَمَا يَأْتِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَيْ: الشُّمُولِ وَاَلَّذِي مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ الْعُمُومُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إرَادَتِهِ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَوَصْفُ الْمَعْنَى بِهِ مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: إلَى اعْتِدَالِهِمَا) إنْ أَرَادَ التَّسَاوِي مِنْ حَيْثُ الْقَائِلُ فَفِيهِ أَنَّ الْمُثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَمَنْ أَثْبَتَ الْأَكْثَرِيَّةَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَدَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ التَّسَاوِي مِنْ حَيْثُ الْقَوْلُ، فَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ لَا بِالْقَائِلِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُثْبَتِ مُقَدَّمًا عَلَى النَّافِي عِنْدَ جَهْلِ الْوَاقِعِ أَمَّا إذَا عُلِمَ الْوَاقِعُ وَأَنَّ الْقَائِلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَالنَّافِي لِأَكْثَرِيَّةِ الْقَائِلَيْنِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبَتِ وَأَنَّ مَحَلَّ التَّرْجِيحِ بِالدَّلِيلِ لَا بِالْقَائِلَيْنِ إذَا أَبْدَى أَحَدُ الْقَائِلَيْنِ مَطْعَنًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبْدِ، فَالتَّرْجِيحُ بِعَدَدِ الْقَائِلِ،
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ خِلَافَ قَوْلِ إلَخْ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْقِيَاسِ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَإِلَيْهِ عَزَاهُ الشَّارِحُ ثَمَّ وَرَجَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ.
(قَوْلُهُ: قَوْلِ بَعْضِهِمْ)، وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (قَوْلُهُ: كَالْآمِدِيِّ) تَمْثِيلٌ لِمَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْمُثْبِتِينَ لَا لِلتَّنْظِيرِ مَعَ الْقَاضِي.
[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]
(قَوْلُهُ: اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إلَخْ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الِاسْمَ صَالِحٌ لَأَنْ يَنْقَسِمَ إلَى الْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى الْمُتَوَاطِئِ، وَالْمُشَكِّكِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَالْحَرْفِ كَمَا أَفْصَحَ بِسِرِّ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ.
وَأَمَّا الِانْقِسَامُ إلَى الْمُشْتَرَكِ، وَالْمَنْقُولِ بِأَقْسَامِهِ، وَإِلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ فَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا كَخَلَقَ بِمَعْنَى أَوْجَدَ وَافْتَرَى، وَعَسْعَسَ بِمَعْنَى أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ.
وَقَدْ يَكُونُ مَنْقُولًا كَصَلَّى، وَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَقَتَلَ؛ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا بِمَعْنَى ضَرَبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَكَذَا الْحَرْفُ أَيْضًا كَمِنْ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ، وَالتَّبْعِيضِ، وَقَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَفِي إذَا اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى
(وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا)، أَيْ: كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا
ــ
[حاشية العطار]
الظَّرْفِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا كَفِي إذَا اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى عَلَى، ثُمَّ إنَّ الِاشْتِرَاكَ، وَالنَّقْلَ، وَالْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ فِي الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَادَّةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ كَالْمُضَارِعِ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ وَصِيَغِ الْعُقُودِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ الْمَاضِي إلَى الْإِنْشَاءِ وَصِيَغِ الْمَاضِي الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاشْتِرَاكِ، وَالنَّقْلِ، وَالْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ تَعَدُّدُ الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ كَوَضْعِ الْمَادَّةِ، وَمِنْ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا فِي الْهَيْئَةِ.
وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لَيْسَ فِيهَا تَعَدُّدُ الْوَضْعِ أَصْلًا لَا شَخْصِيًّا وَلَا نَوْعِيًّا فَلَا تَدْخُلُ فِي الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا وُهِمَ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَنَقُولُ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ إخْلَالٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا عَدَمُ الْحَصْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْقُولَ بِأَقْسَامِهِ وَلَا التَّسَاوِيَ وَلَا الْعُمُومَ، وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ يَرْجِعُ لِلْمَعْنَى فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَبَعْضَهَا لِلَّفْظِ وَبَعْضَهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مَعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحَالَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ فَشَمِلَ الْمُرَكَّبَ، وَالْمُفْرَدَ مَعَ اخْتِصَاصِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِالِاسْمِ وَبَعْضِهَا يَتَعَدَّاهُ إلَى أَخَوَيْهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ الْمُفْرَدَ، ثُمَّ إنَّ الْبَعْضَ مِنْ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ حَقِيقِيٌّ، وَالْبَعْضَ اعْتِبَارِيٌّ.
وَقَدْ تَفَطَّنَ لِهَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الْكَمَالُ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلْمُفْرَدِ، وَإِنَّهُ تَقْسِيمٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ إجْمَالًا عَلِمْته مِمَّا قَرَرْنَاهُ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الْمُصَنِّفَ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الِاخْتِصَارِ فَلَمْ يُبَالِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِهَا أَهَمُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ اللَّفْظِ وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ سم فَإِنَّهُ لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ أَخَذَ يَتَعَقَّبُ الْكَمَالَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ حُجِبَ عَنْ التَّمَتُّعِ بِمَا أَبْدَاهُ مِنْ الْوَجْهِ الْحَسَنِ، وَالْحَقُّ مَعَ الْكَمَالِ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي خِلَالِ كَلَامِهِ مُقَدَّمَاتٍ لَا تَتِمُّ لَهُ كَقَوْلِهِ إنَّ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَالْحَرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا مَعْنَاهُمَا غَيْرُ خَالٍ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَقَابِلَانِ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنًى عَنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِبَارِ الْمُقَسَّمِ فِي الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الِانْقِسَامَ إلَى الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ جَارٍ فِي الْمُرَكَّبَاتِ أَيْضًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَعْلِ التَّقْسِيمِ لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِلْمُرَكَّبِ إشَارَةً إلَى جَرَيَانِهِ فِيهِ أَيْضًا وَأَنَّ تَدَاخُلَ الْأَقْسَامِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.
وَأَقُولُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاطِلٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عِبَارَةَ السَّيِّدِ الْمُوَجَّهَةَ لِتَخْصِيصِ التَّقْسِيمِ إلَى الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ بِمَعْنَى الِاسْمِ الَّتِي أَقَرَّهَا الْمُحَقِّقُونَ حَاوَلَ الْقَوْلَ بِجَرَيَانِهِمَا فِي أَخَوَيْهِ مُعَلِّلًا بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ، بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنًى عَنْهُمَا قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ، وَالتَّقَابُلُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَارِيًا فِي سَائِرِ الْمَوَادِّ، بَلْ مُتَقَابِلَانِ فِيمَا اخْتَصَّا بِهِ، وَهُوَ الِاسْمُ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّ مَعْنَاهُ عَنْهُمَا لَا خُلُوُّ كُلِّ مَعْنًى عَنْهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي تَقَابُلُ التَّضَادِّ.
وَقَدْ نَصَّ السَّيِّدُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَ الْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ، فَالْعَمَى، وَالْبَصَرُ مُتَقَابِلَانِ فِي زَيْدٍ الْأَعْمَى لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ هُنَا وَأَمَّا الثَّانِي فَمُخَالِفٌ لِمَا طَفَحَتْ بِهِ كُتُبُ الْمَعْقُولِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُقَسَّمِ مَلْحُوظَةٌ فِي كُلِّ قِسْمٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْكُلِّيِّ وَاَلَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْأَقْسَامُ حِصَصُهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا إنَّ التَّقْسِيمَاتِ تَتَضَمَّنُ تَعَارِيفَ الْأَقْسَامِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ جَرَيَانَ الْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ فِي مُرَكَّبٍ مَا نَادِرٌ كَمَا فِي الْجِسْمِ النَّامِي مَثَلًا، وَالنَّادِرُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِتَأْوِيلِ مِثْلِهِ بِمُفْرَدٍ لِيَطَّرِدَ الْبَابُ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ فَإِنَّ تَدَاخُلَ الْأَقْسَامِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ إذْ سَائِرُ التَّقْسِيمَاتِ
(فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ)، أَيْ: مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (الشَّرِكَةَ) فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَجُزْئِيٌّ)، أَيْ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ يُسَمَّى جُزْئِيًّا كَزَيْدٍ (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فِيهِ (فَكُلِّيٌّ) سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فَرْدٌ مِنْهُ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ
ــ
[حاشية العطار]
الِاعْتِبَارِيَّةِ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى تَقْسِيمِ اعْتِبَارٍ مَحْضٍ، وَالِاعْتِرَاضُ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ تَخْلِيطُ التَّقْسِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاعْتِبَارِ، وَمِثْلُهُ لَا يَغْتَفِرُهُ أَرْبَابُ التَّدْقِيقِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمَرَامِ وَتَثَبُّتِ الْإِفْهَامِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى) هِيَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الذِّهْنِ الْأَوَّلِ بِوُجُودٍ أَصْلِيٍّ، وَالثَّانِي بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ، وَالْمُنْقَسِمُ لِلْكُلِّيِّ، وَالْجُزْئِيّ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِلْمَعْلُومِ.
(قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ) الِاتِّحَادُ صَيْرُورَةُ الشَّيْئَيْنِ، أَوْ الْأَشْيَاءِ شَيْئًا وَاحِدًا وَلَمَّا كَانَ هَذَا غَيْرَ مُرَادٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ إلَخْ، وَمَا فِي النَّاصِرِ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ إسْنَادِ الِاتِّحَادِ إلَى مَجْمُوعِ الشَّيْئَيْنِ وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُنَا فَلَا يُفِيدُهُ، بَلْ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَا مُتَعَدِّدٌ، وَقَدْ رَمَزَ الشَّارِحُ إلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ بِقَوْلِهِ، أَيْ: كَانَ كُلُّ إلَخْ اهـ.
مَبْنِيٌّ عَلَى تَخَيُّلٍ بَعِيدٍ فَإِنَّ مَادَّةَ الِاتِّحَادِ يَتَبَادَرُ مِنْهَا ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ صَرْفٌ لِلْمُتَبَادِرِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ) إسْنَادُ الْمَنْعِ لِلتَّصَوُّرِ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ، وَإِلَّا، فَالْمَانِعُ النَّفْسُ، وَمَعْنَاهُ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: فَجُزْئِيٌّ)، أَيْ: حَقِيقِيٌّ فَإِنَّ الْإِضَافِيَّ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الشَّرِكَةَ فَيَصْدُقُ بِالْكُلِّيِّ أَيْضًا، وَإِنَّمَا نَكَّرَهُ، وَمَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ انْحِصَارُ الْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَعَدِّدًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدًا وَعَكْسُهُ الْأَوَّلُ كَإِنْسَانٍ وَبَشَرٍ، وَالثَّانِي كَلَفْظِ الْعَيْنِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْكُلِّيِّ، وَمِثْلُهُ الْجُزْئِيُّ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّقْسِيمِ فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ الْحَصْرُ قُلْت مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الطَّرَفَيْنِ؛ إذْ التَّقْدِيرُ، فَهُوَ، أَيْ: اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدُ الْجُزْئِيِّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ اللَّفْظُ إلَخْ) اقْتَضَى صَنِيعَهُ جَعْلُ الْكُلِّيَّةِ، وَالْجُزْئِيَّةِ وَصْفَيْنِ لِلَّفْظِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، وَالْمَوْصُوفُ بِهِمَا حَقِيقَةُ الْمَعْنَى، وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ عَدَمُ خُرُوجِ التَّقْسِيمِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْسِيمِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ لِمَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُلِّ فَذَلِكَ الْمَعْنَى جُزْئِيٌّ إلَخْ وَلْيُطَابِقْ قَوْلَهُ فِيمَا بَعْدُ فَمُتَرَادِفٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فَذَلِكَ اللَّفْظُ مُتَرَادِفٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَمْتَنَعَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ هِيَ هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ أَمْ لَا تَعْطِفُ إلَّا عَلَى مَدْخُولِهَا وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَمَحْذُوفَةٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا قَالَهُ النَّاصِرُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ إذْ قَدْ يَجُوزُ حَذْفُ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَتَكُونُ الْمَوْجُودَةُ هِيَ هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَصْرِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَمْ قَدْ تَقَعُ بَعْدَ غَيْرِ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمْ بِهَا اعْطِفْ إثْرَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ) أَيْ وُجُودُ فَرْدٍ مُطَابِقٍ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لِلْكُلِّيِّ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ، وَإِلَّا، فَالْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ خَارِجًا، وَإِلَّا لَتَشَخَّصَ فَيَكُونُ جُزْئِيًّا عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ فِي وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ.
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِامْتِنَاعِ وَنَحْوِهِ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ أَوْسَعُ دَائِرَةً مِنْ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ الذِّهْنَ يَتَصَوَّرُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّ الذِّهْنَ إنَّمَا يَنْتَزِعُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ هَذَا الْحَصْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ الِانْتِزَاعِيِّ دُونَ الِاخْتِرَاعِيِّ، وَالْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ مُنْقَسِمٌ إلَيْهِمَا فَيَلْزَمُ بِمُقْتَضَى الْحَصْرِ الِانْحِصَارُ فِي الِانْتِزَاعِيِّ.
(قَوْلُهُ:، أَوْ أَمْكَنَ) هَذَا الْإِمْكَانُ هُوَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ مُقَيَّدًا بِجَانِبِ الْوُجُودِ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ لِلْمُمْتَنِعِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ سَلْبَ ضَرُورَةِ الْعَدَمِ يَعُمُّ الْوُجُوبَ دُونَ الِامْتِنَاعِ كَمَا أَنَّ الْإِمْكَانَ الْعَامَّ مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ مَعْنَاهُ سَلْبُ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الِامْتِنَاعَ وَأَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْجَمِيعَ، فَهُوَ مُطْلَقُ الْإِمْكَانِ يَعْنِي: سَلْبَ الضَّرُورَةِ عَنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ: الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ، فَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْمُمْتَنِعِ مُقَابِلًا لَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ فَلَا يَنْدَرِجُ
أَوْ وُجِدَ وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ كَالْإِلَهِ، أَيْ: الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ، أَوْ وُجِدَ كَالْإِنْسَانِ، أَيْ: الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَدْلُولِ بِالْجُزْئِيِّ، وَالْكُلِّيِّ هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَمَا هُنَا مَجَازٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الدَّالِّ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ (مُتَوَاطِئٌ) ذَلِكَ الْكُلِّيِّ (إنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ) كَالْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ مُتَسَاوِي الْمَعْنَى فِي أَفْرَادِهِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا. أُسْمِيَ مُتَوَاطِئًا مِنْ التَّوَاطُؤِ، أَيْ: التَّوَافُقِ لِتَوَافُقِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ فِيهِ (مُشَكِّكٌ إنْ تَفَاوَتَ) مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ بِالشِّدَّةِ
ــ
[حاشية العطار]
تَحْتَهُ الْوَاجِبُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وُجِدَ) أَيْ الْفَرْدُ.
(قَوْلُهُ: كَالْإِلَهِ) فَإِنَّ امْتِنَاعَ الشَّرِكَةِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ تَصَوُّرِ مَعْنَاهُ فِي الذِّهْنِ، بَلْ نَظَرِ الدَّلِيلِ الْخَارِجِيِّ؛ وَلِهَذَا ضَلَّ كَثِيرٌ بِالِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَتْ وَحْدَانِيُّتُهُ تَعَالَى بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ عَاقِلٍ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَفِي ذِكْرِ الْمَنَاطِقَةِ هَذَا الْمِثَالَ نَوْعُ إسَاءَةِ أَدَبٍ.
وَقَدْ كَانَ اللَّائِقُ بِالشَّارِحِ تَرْكَ هَذَا التَّقْسِيمِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَتَرَكَ سَادِسًا، وَهُوَ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ، أَوْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَتْ أَفْرَادُهُ خَارِجًا إمَّا أَنْ تَنَاهَى تِلْكَ الْأَفْرَادُ كَالْإِنْسَانِ، أَوْ لَا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْثِيلُهُ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِمَوْجُودٍ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بِاعْتِبَارِ شُمُولِهَا لِكِمَالَاتِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى.
وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ، وَالْحُكَمَاءُ مَثَّلُوا لَهُ بِالنُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ قِدَمِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ الْقَوْلِ بِالتَّنَاسُخِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَرِسْطَاطَالِيسُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النُّفُوسُ النَّاطِقَةُ الْمُفَارِقَةُ عَنْ الْأَبَدَانِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ أَفْلَاطُونُ مِنْ التَّنَاسُخِ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مُتَنَاهِيَةٌ، ثُمَّ إنَّهُ أُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ أَنَّ الْكُلِّيَّ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْحَصِرًا فِي فَرْدٍ مَعَ امْتِنَاعِ غَيْرِهِ أَوْ لَا وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا لِأَفْرَادٍ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْ لَا؟ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصْرُ الْأَقْسَامِ الْمُحَقَّقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَا ذُكِرَ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ عَقْلِيٍّ.
(قَوْلُهُ: إنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُ إلَخْ) بِأَنْ يَكُونَ صَدَقَةُ عَلَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ، فَالْأَفْرَادُ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْعَقْلُ يَفْرِضُهَا مُتَّفِقَةً مَعَ الْفَرْدِ الْخَارِجِيِّ الْمَوْجُودِ فِي جَمِيعِ مَا عَدَا التَّشَخُّصَ؛ إذْ لَا مَبْدَأَ لِانْتِزَاعِ مُقَوِّمٍ لِتِلْكَ الْأَفْرَادِ مُخَالِفٍ لِمُقَوِّمِ الْفَرْدِ الْمَوْجُودِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا أَشَدُّ، أَوْ أَقْوَمُ، أَوْ، أَوْلَى بِالْإِنْسَانِيَّةِ مِنْ عَمْرٍو عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَهْمَنْيَارَ أَنَّ مِعْيَارَ التَّشْكِيكِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ فِي أَفْرَادِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ، وَالتَّفَاوُتَ مِمَّا يُسْنَدُ إلَى مُتَعَدِّدٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَابِتٌ لِلْأَفْرَادِ فِي أَنْفُسِهَا.
وَأَمَّا ثُبُوتُهُ لِلْمَعْنَى فَبِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِي الْأَفْرَادِ وَاتِّفَاقِهِ فِيهَا فَيَصِحُّ إسْنَادُ ذَلِكَ إلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالشَّارِحُ جَارَى عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ فَإِنَّهُ مُتَسَاوِي الْمَعْنَى وَرَاعَى الْحَقِيقَةَ فَقَالَ: آخِرُ التَّوَافُقِ إفْرَادُ مَعْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: كَالْإِنْسَانِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ، وَهِيَ الْمَاصَدَقَ، أَوْ إلَى حِصَصِهِ أَيْضًا الَّتِي هِيَ أَفْرَادُ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَالْمُتَوَاطِئُ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ، وَالْمَبَادِئِ وَأَمَّا التَّشْكِيكُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقَّاتِ فَقَطْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَنَاطِقَةِ.
(قَوْلُهُ: مُشَكِّكٌ) شُكَّ فِيهِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ كَانَ مُشْتَرَكًا، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا فَمُتَوَاطِئٌ.
وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي
أَوْ التَّقَدُّمِ كَالْبَيَاضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ، وَالْوُجُودِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي الْوَاجِبِ قَبْلَهُ فِي الْمُمْكِنِ سُمِّيَ مُشَكِّكًا لِتَشْكِيكِهِ النَّاظِرَ فِيهِ فِي أَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ نَظَرًا إلَى جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَفْرَادِ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، أَوْ غَيْرُ مُتَوَاطِئٍ نَظَرًا إلَى جِهَةِ الِاخْتِلَافِ.
(وَإِنْ تَعَدَّدَا)، أَيْ: اللَّفْظُ، وَالْمَعْنَى كَالْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسِ (فَمُتَبَايِنٌ)، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَبَايِنٌ لِتَبَايُنِ مَعْنَاهُمَا
ــ
[حاشية العطار]
وَهُوَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي وُقُوعِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ وَحُصُولِهِ فِيهَا فَاعْتُبِرَ قِسْمًا عَلَى حِدَةٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُقَابِلًا لِمَا لَيْسَ فِيهِ هَذَا التَّفَاوُتُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ التَّقَدُّمِ) أَيْ بِالذَّاتِ؛ إذْ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّقَدُّمِ الزَّمَانِيِّ فِي التَّشْكِيكِ قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ فَسَقَطَ قَوْلُ النَّاصِرِ، أَوْ بِالزَّمَانِ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُشَكَّكًا لِتَقَدُّمِ أَفْرَادِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَفِيدِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَشَدِّيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَفْرَادِ، أَوْ كَمَالِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْمُتَوَاطِئِ كَالْإِنْسَانِ؛ إذْ بَعْضُ أَفْرَادِهِ كَنَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام أَكْثَرُ وَأَكْمَلُ بِحَسَبِ الْخَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالْإِدْرَاكِ مِنْ غَيْرِهِ كَيَحْيَى عليه الصلاة والسلام، فَمِمَّا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَهَجَ بِنَقْلِهِ سم فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الْأَشَدِّيَّةَ بِأَكْثَرِيَّةِ آثَارِ الْمَاهِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَأُورِدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْكِيكَ فِي الذَّاتِيَّاتِ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا؛ لِأَنَّ الذَّاتِيَّاتِ لَا تَقْبَلُ التَّفَاوُتَ.
وَأَجَابَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ أَحَدَ الْفَرْدَيْنِ أَشَدَّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الْعَقْلُ بِمَعُونَةِ الْوَهْمِ أَمْثَالَ الْأَضْعَفِ وَيُحَلِّلُهُ إلَيْهَا بِضَرْبٍ مِنْ التَّحْلِيلِ فَمَفْهُومُ الْأَسْوَدِ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ عَلَى أَسْوَدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّوَادَ فِي أَحَدِهِمَا أَزْيَدُ مِنْ الْآخَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ بِمَعُونَةِ الْوَهْمِ يَنْتَزِعُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمْثَالَ الْآخَرِ اهـ.
وَمِمَّا يَخْدِشُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ بَهْمَنْيَارَ سَابِقًا. نَعَمْ نَقَلَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ عَبْدُ الْعَلِيِّ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْجَوْهَرُ يَشْتَدُّ أَمْ لَا قَالَ الْإِشْرَاقِيُّونَ نَعَمْ بِمَعْنَى كَمَالِ الْمَاهِيَّةِ، وَالْمَاهِيَّةُ الْجَوْهَرِيَّةُ فِي الْفِيلِ أَكْمَلُ مِنْ الْبَعُوضَةِ لِظُهُورِ آثَارِ الْكَثْرَةِ فِي الْفِعْلِ دُونَهَا.
وَقَدْ ادَّعَوْا فِيهِ الْمُشَاهَدَةَ بِالرِّيَاضَاتِ وَقَالَ الْمَشَّاءُونَ لَا يَشْتَدُّ الْجَوْهَرُ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا، بَلْ بَنَوْا عَلَى مَجْرَى الْعُرْفِ حَيْثُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى جَوْهَرٍ أَشَدَّ مِنْ جَوْهَرٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: كَالْوُجُودِ) جَعَلَهُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ مِثَالًا لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ، وَالشِّدَّةِ، وَالضَّعْفِ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَفْرَادِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَوَافُقُ الْأَفْرَادِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّوَاطُؤِ.
(قَوْلُهُ: فَمُتَبَايِنٌ) قَالَ النَّاصِرُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَعَدُّدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّبَايُنِ لِصِدْقِهِ عَلَى نَحْوِ الْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ، وَالْفَرَسِ اهـ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَعَدِّدِ الْمَعْنَى وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَلَا تَبَايُنَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ لَفْظِ الْفَرَسِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُتَبَايِنٌ قَالَ سم وَيَنْبَغِي أَنْ يُرِيدَ أَعَمَّ مِنْ التَّبَايُنِ كُلِّيًّا، أَوْ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى يَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ وَجْهٍ، وَإِلَّا لَزِمَ خُرُوجُ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَكَانَ نَاقِضًا لِلتَّقْسِيمِ. اهـ.
وَأَقُولُ: اسْتِعْمَالُ التَّبَايُنِ فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّبَايُنِ الْجُزْئِيِّ شَائِعٌ وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْمُطْلَقِ فَفِي دُخُولِهِ تَحْتَ التَّبَايُنِ فِي الْجُمْلَةِ تَوَقُّفٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَايِنَ الْمَجْمُوعُ لَا أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّفَاعُلَ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ، وَإِنَّمَا الْأَحَدُ مُبَايِنٌ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مُبَايِنٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعَ تَقَوُّمٍ مَقَامَ الْوَاوِ، وَإِنْ كَانَ الْفَصِيحُ الْوَاوُ، وَلَكِنَّ الْأَنْسَبَ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلُهُ مَعَ الْآخَرِ عَنْ قَوْلِهِ مُتَبَايِنٌ، وَمَا قَالَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفِعْلِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَتَى أَسْنَدَ الْفِعْلَ مِنْهُ إلَى أَحَدِ الْفَاعِلَيْنِ لَزِمَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ الْآخَرَ بِالْوَاوِ لَا غَيْرُ اهـ.
فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ تَبَايَنَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو الثَّانِي أَنَّ تَفَاعَلَ إذَا أُسْنِدَ إلَى أَحَدِ الْفَاعِلَيْنِ
(وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ) كَالْإِنْسَانِ، وَالْبَشَرِ فَمُتَرَادِفٌ، أَيْ: فَأَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَثَلًا مَعَ الْآخَرِ مُتَرَادِفٌ لِتَرَادُفِهِمَا أَيْ تَوَالِيهِمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ (وَعَكْسُهُ) ، وَهُوَ أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظُ وَيَتَعَدَّدُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَكُونَ لِلَّفْظِ مَعْنَيَانِ (إنْ كَانَ) أَيْ اللَّفْظُ (حَقِيقَةً فِيهِمَا)، أَيْ: فِي الْمَعْنَيَيْنِ مَثَلًا كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ (فَمُشْتَرَكٌ) ؛ لِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ
ــ
[حاشية العطار]
لَزِمَ عَطْفُ الْآخَرِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ مُنَازَعٌ فِيهِ.
(قَوْلُهُ:، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الذَّاتَ دَخَلَ الْمُتَسَاوِيَانِ كَالْإِنْسَانِ، وَالضَّاحِكِ فِي هَذَا الْقِسْمِ؛ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى بِمَعْنَى الذَّاتِ فِيهِمَا دُونَ اللَّفْظِ وَلَيْسَا مِنْهُ؛ لِاشْتِرَاطِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ فِيهِ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومُ دَخَلَا فِي التَّبَايُنِ وَلَيْسَا مِنْهُ أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ الْأَعَمُّ مِنْ الذَّاتِ، وَالْمَفْهُومِ دَخَلَا فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَفْهُومَ فَيَدْخُلَانِ فِي التَّبَايُنِ، أَوْ الذَّاتَ فَيَدْخُلَانِ فِي التَّرَادُفِ وَيَكُونُ ذَلِكَ اصْطِلَاحًا مِنْهُ هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَطَالَ بِهِ سم وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْنَى مَا هُوَ أَعَمُّ يَلْزَمُ فَسَادٌ فِي التَّقْسِيمِ بِالْإِيهَامِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَبِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَسَاوِيَانِ قِسْمًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ.
الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَهُ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُشَاحَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ارْتِفَاعُ الثِّقَةِ بِالْحَقَائِقِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ خُصُوصًا الْمَفَاهِيمَ الَّتِي يَسْتَعْلِمُهَا أَرْبَابُ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا.
وَقَدْ شَنَّعَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ مِثْلَ السَّيْفِ، وَالصَّارِمِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ لِصِدْقِهِمَا عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ إنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ هُوَ الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ لَا الِاتِّحَادُ فِي الذَّاتِ نَعَمْ الِاتِّحَادُ فِي الذَّاتِ مِنْ لَوَازِمِ اتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ دُونَ الْعَكْسِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ وَعَبْدُ الْحَكِيمِ وَبَقِيَّةُ حَوَاشِيهِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِذِكْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَإِخْلَالِهِ بِذِكْرِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ، وَالْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ إنْ أَدْخَلَ الْأَخِيرَيْنِ تَحْتَ التَّبَايُنِ بِالتَّأْوِيلِ السَّابِقِ، وَقَدْ نَبَّهْنَاك فِي صَدْرِ الْمَبْحَثِ عَلَى أَنَّ التَّقْسِيمَ لَا يَخْلُو عَنْ خَلَلٍ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ تَغْيِيرِ الِاصْطِلَاحَاتِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) عَكْسًا لُغَوِيًّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَاللَّفْظِ مَعَ بَقَاءِ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ فِي مَحَلِّهِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الِاتِّحَادِ وَالْعَدَدِ مَعَ بَقَاءِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِحَالِهِمَا وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ الْعَكْسِ اللُّغَوِيِّ فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ عَلَى قِيَاسِ سَابِقَةِ تَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: مَعْنَيَانِ)، أَوْ مَعَانٍ؛ وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْكَافِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَى) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مِنْ الْحَذْفِ، وَالْإِيصَالِ، وَهَاهُنَا أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْضُوعِ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصِّ كَالضَّمَائِرِ، وَالْمَوْصُولَاتِ وَأَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ مِمَّا اتَّحَدَ فِيهِ الْوَضْعُ وَتَعَدَّدَ الْمَعْنَى لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ لِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِيهِ وَاتِّحَادِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
الثَّانِي: الْمَنْقُولُ فَإِنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ تَعَدَّدَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ، وَالْمَنْقُولُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُجَابُ أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ السَّعْدِ، وَمَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ الْوَضْعِيَّةِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ مَا مَوْضُوعُهُ كُلِّيٌّ، أَوْ يَقُولُ بِمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي اسْتَحْدَثَهُ الْعَضُدُ وَتَبِعَهُ فِيهِ السَّيِّدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا جُزْئِيَّاتٌ وَضْعًا وَاسْتِعْمَالًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِتَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحُكْمِيِّ.
وَقَدْ نَصَّ السَّيِّدُ عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ الِاحْتِيَاجُ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ دَقَّقْنَا النَّظَرَ وَرَجَعْنَا إلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ لَفْظِيٌّ وَنِزَاعُ الْعِصَامِ فِي تَعَدُّدِ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهِ مُطْلَقًا وَتَحْقِيقُهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ
(وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ) كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَلِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَمْ يَقُلْ، أَوْ مَجَازَانِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ الْآتِي كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ.
(، وَالْعِلْمُ مَا)، أَيْ: لَفْظٌ (وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ) خَرَجَ بِالنَّكِرَةِ (لَا يَتَنَاوَلُ)، أَيْ: اللَّفْظُ (غَيْرَهُ)، أَيْ: غَيْرَ الْمُعَيَّنِ خَرَجَ مَا عَدَا الْعَلَمِ
ــ
[حاشية العطار]
لِلْعِصَامِ فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَوَاشِي.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا، وَهَذِهِ، وَقَدْ نَصَّ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْجَلَالِ عَلَى التَّهْذِيبِ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ فِي الْمَنْقُولِ، هُوَ النَّقْلُ وَالشُّهْرَةُ قَالَ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى الْمَجَازَاتِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ قِبَلِ الْحَقَائِقِ اهـ.
أَوْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَنْقُولَ قَبْلَ الشُّهْرَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ تَأَمَّلْ لَا يُقَالُ اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لِنَفْسِهِ بِتَبَعِيَّةِ وَضْعِهِ لِلْمَعْنَى فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ؛ وَلِأَنَّا نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْوَضْعِ الْوَضْعُ الْقَصْدِيُّ وَوَضْعُ اللَّفْظِ لِنَفْسِهِ تَبَعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تُوَزَّعَ فِي كَوْنِ هَذَا وَضْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اسْتِعْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ إلَخْ) لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَجَازُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَجَازِ، وَالْكِنَايَةِ مَجَازًا.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ، أَوْ مَجَازَانِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَا يَنْحَصِرُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، بَلْ يَصْدُقُ بِالْمَجَازَيْنِ أَيْضًا، ثُمَّ الْمُرَادُ، أَوْ مَجَازَانِ لَا حَقِيقَةَ لَهُمَا بِدَلِيلِ آخِرِ الْكَلَامِ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ) قَالَ النَّاصِرُ قَدْ ثَبَتَ وُجُودُهُ فَإِنَّ عَسَى مَوْضُوعَةٌ لِلرَّجَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ فَلَا تَكُونُ حَقِيقَةً، بَلْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي كَلَامِ الْخَلْقِ لِلرَّجَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الزَّمَنِ وَفِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ الْمُجَرَّدِ، فَهُمَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ بِدُونِ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ، وَمُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّا نَمْنَعُ وَضْعَ عَسَى لِلزَّمَانِ فَإِنَّهُ نَقَلَ السَّيِّدُ عِيسَى الصَّفَوِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا وُجِدَ فِيهِ خَوَاصُّ الْفِعْلِ قَدَّرَ فِيهِ ذَلِكَ إدْرَاجًا لَهُ فِي نَظْمِ أَخَوَاتِهِ فَيَكُونُ وَضْعُهُ لِلزَّمَانِ تَقْدِيرِيًّا، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ لَهُ الْمُقَدَّرِ وَلَوْ سُلَّمَ فَكَوْنُهَا فِي كَلَامِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لِلْعِلْمِ، وَإِنْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مَمْنُوعٌ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّهَا فِي كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ لِلرَّجَاءِ بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِ كَمَا أَنَّ لَعَلَّ لِلتَّرَجِّي، وَالْإِشْفَاقِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَنَقَلَهُ الرَّضِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ لِلرَّجَاءِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَكَلَامِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ مَجَازَانِ، بَلْ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُطْلَقُ الرَّجَاءِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ، أَوْ الْمُخَاطَبِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّرَجِّي بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطِبِينَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ إنْشَاءِ التَّرَجِّي فَلَزِمَ أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ:، وَالْعِلْمُ مَا وُضِعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ، فَهْمَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَعَانِي مُتَمَيِّزَةً مُعَيَّنَةً عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا دَلَّ الِاسْمُ عَلَى مَعْنًى فَإِنْ لُوحِظَ كَوْنُهُ مُتَمَيِّزًا مَعْهُودًا عِنْدَ السَّامِعِ مَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ مَعَهُ، فَهُوَ نَكِرَةٌ فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ التَّعْيِينُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَعَارِفِ هُوَ التَّعْيِينُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ لَا الْوَاضِعِ وَلَا الْمُسْتَعْمِلِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاضِعِ مُتَسَاوِيَةُ الْأَقْدَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَكِرَتِهَا، وَمَعْرِفَتِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَضْعَ لِلشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَعْمِلِ فَإِنَّهُ يُورِدُ الْكَلَامَ مُلَاحِظًا فِيهِ حَالَ الْمُخَاطَبِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي النِّكَاتَ الْمُقْتَضِيَةَ لَا يُرَادُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَعَ اخْتِلَافِ طُرُقِ التَّعْرِيفِ؛ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا حَقِيقَةُ التَّعْرِيفِ الْإِشَارَةُ إلَى مَا يَعْرِفُهُ مُخَاطَبُك.
وَقَالَ اللَّيْثِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ الْمَعْرِفَةُ يُقْصَدُ بِهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ السَّامِعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَيَّنٌ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَيُقْصَدُ بِهَا الْتِفَاتُ الذِّهْنِ إلَى الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَلَا يُلَاحَظُ فِيهَا تَعَيُّنُهُ، وَإِنْ كَانَ.
مِنْ أَقْسَامِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُضِعَا لِمُعَيَّنٍ
ــ
[حاشية العطار]
مُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّ بَيْنَ مُصَاحَبَةِ التَّعَيُّنِ، وَمُلَاحَظَتِهِ فَرْقٌ جَلِيٌّ اهـ.
فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَوَائِدِ الْغِيَاثِيَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْمُطَوَّلِ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ وَكُتُبُ مُحَقِّقِي الْأَعَاجِمِ مَشْحُونَةٌ بِذِكْرِهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَلَا اطِّلَاعَ عَلَى كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْمُرَادَ ذِهْنُ الْوَاضِعِ وَبَعْضُ ذِهْنِ الْمُسْتَعْمِلِ وَآخَرُ يَجْعَلُ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً فَيَقُولُ هَلْ الْمُرَادُ ذِهْنُ الْمُسْتَقْبِلِ، أَوْ السَّامِعِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَلَّامَةِ سم، وَالْمُحَقِّقِ النَّاصِرِ حَيْثُ غَفَلَا عَنْ ذَلِكَ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِمَا فَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّ النَّكِرَةَ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ أَيْضًا؛ إذْ الْوَاضِعُ إنَّمَا يَضَعُ لِمُعَيَّنٍ فَقَوْلُهُ خَرَجَ النَّكِرَةُ مَمْنُوعٌ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِهِ فَخَرَجَ النَّكِرَةُ فَإِنَّهُ وَإِنْ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَيُّنُهُ وَقَالَ الثَّانِي عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ، أَيْ: عِنْدَ الْمُسْتَعْمِلِ اهـ.
فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ الثَّانِي عَلَى التَّعْرِيفِ مِنْ عَدَمِ شُمُولِهِ الْعَلَم بِالْغَلَبَةِ وَصِدْقِهِ عَلَى الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا اهـ.
فَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِينَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْوَضْعِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَوَائِدِ الضِّيَائِيَّةِ فَيَدْجُلُ الْعَلَمُ بِالْغَلَبَةِ بِشُمُولِ الْوَضْعِ لِلتَّحْقِيقِيِّ، وَالْحُكْمِيِّ.
وَعَنْ الثَّانِي بِمَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ مِنْ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ حَرْفٌ وُضِعَ لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ هُوَ تَعْيِينُ مَدْخُولِهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، أَوْ لِتِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَاهُ أَعْنِي الْمَاهِيَّةَ، أَوْ الْفَرْدَ الْمُنْتَشِرَ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ، وَالْمَجْمُوعُ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ التَّرْكِيبِيِّ لِمُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ هُوَ مَفْهُومُ مَدْخُولُهُ، أَوْ حِصَّتِهِ مِنْهُ فَأَفَادَ أَنَّ فِيهِ وَضْعَيْنِ فَيُفَارِقُ الْعَلَمَ بِأَنَّ الْوَضْعَ فِيهِ شَخْصِيٌّ بِخِلَافِهِ فَلَا يَدْخُلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ إذْ الْمَعْنَى مَا وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا شَخْصِيًّا، وَالْمُعَرَّفُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَدْخُلْ ولسم هُنَا كَلَامٌ طَوِيلُ الذَّيْلِ قَلِيلُ النَّيْلِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَقْسَامِ) مِنْ لِلْبَيَانِ الْمَشُوبِ بِالتَّبْعِيضِ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ النَّاصِرِ لَفْظَةَ بَاقِي لِإِخْرَاجِ الْعَلَمِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَوَقَعَ كَثِيرًا مِثْلُهُ فِي حَوَاشِي الْمُتَأَخِّرِينَ حَتَّى صَارَ قَوْلُهُمْ إنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ الْمَشُوبِ بِالتَّبْعِيضِ سُلَّمًا يَرْتَقُونَ بِهِ لِتَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبَيَانَ مُغَايِرٌ للِتَّبْعِيضِ فَكَيْفَ يُجَامِعُهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ مُسْتَقِلَّةٍ فِي مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إنَّ الْبَعْضِيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي مِنْ هِيَ الْبَعْضِيَّةُ فِي الْأَجْزَاءِ دُونَ الْأَفْرَادِ عَلَى خِلَافِ التَّنْكِيرِ الَّذِي يَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَبِهِ تُفَارِقُ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَنَعْرِفُهَا أَيْ نَعْرِفُ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ مِنْ أَوْ بَعْدَهَا مُبْهَمٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ بِمِنْ تَفْسِيرًا لَهُ وَيَقَعُ ذَلِكَ الْمَجْرُورُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبْهَمِ كَمَا يُقَالُ مَثَلًا لِلرِّجْسِ إنَّهُ الْأَوْثَانُ وَلَعِشْرُونَ إنَّهَا الدَّرَاهِمُ وَلِلضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِك عَزَّ مِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِيَّةِ فَإِنَّ الْمَجْرُورَ بِهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ
وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بَدَلًا عَنْهُ فَأَنْتَ مَثَلًا وُضِعَ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ أَيِّ جُزْئِيٍّ وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيًّا آخَرَ بَدَلَهُ
ــ
[حاشية العطار]
بَعْضُ الْمَجْرُورِ وَاسْمُ الْكُلِّ وَيَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنْ قُلْتَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَشَرْت بِالدَّرَاهِمِ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ بَعْضُهَا، وَإِنْ قَصَدْت بِالدَّرَاهِمِ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ، فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْمَجْرُورِ عَلَى الْعِشْرِينَ. اهـ.
كَلَامُ الرَّضِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ إلَخْ) فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَعَارِفَ مَا عَدَا الْعَلَمِ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصِّ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ، وَمِنْهُمْ التَّفْتَازَانِيُّ يَجْعَلُونَهَا مَوْضُوعَةً لِلْكُلِّيَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي عَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ لِلْحَقِيقَةِ وَلَا احْتَاجَ مَنْ نَفَى الِاسْتِلْزَامَ إلَى أَمْثِلَةٍ نَادِرَةٍ اهـ.
وَنَظَرَ فِيهِ الْمَوْلَى مِيرْ زَاهِدْ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْجَلَالِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجَازِ الَّذِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ حِينَ الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ اهـ.
وَأَقُولُ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَأَوْرَدَ مِيرْ زَاهِدْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الْمَجَازِيَّةِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ خُصُوصًا فِي إطْلَاقِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا إلَى الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَأُورِدَ عَلَى التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ دُونَ الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ فِي الذِّهْنِ هِيَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الصَّادِقَةَ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَالَ وَكَأَنَّ مُرَادُهُمْ بِالصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ هَاهُنَا نَفْسُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ حَاصِلًا فِي الذِّهْنِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَجْهٍ مَا وَلِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ لِتُسْتَعْمَلَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا لِذَلِكَ الْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ حَقِيقَةً وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجَازٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الرَّأْيَيْنِ لَفْظِيٌّ اهـ.
، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْجُزْءِ مَا يَشْمَلُ الْجُزْئِيَّ الْحَقِيقِيَّ، وَالْإِضَافِيَّ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ إنَّ كَلِمَةَ هُوَ مَوْضُوعَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ قَوْلِنَا كُلُّ غَائِبٍ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ جُزْئِيَّاتٍ حَقِيقَةً، أَوْ إضَافِيَّةً اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيًّا آخَرَ بَدَلَهُ) قَالَ سم قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَلَا عَلَى جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيُّ جُزْئِيٍّ؛ إذْ لَيْسَتْ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ وَلَا عَلَى جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ أَيُّ جُزْئِيٍّ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْجُزْئِيَّاتِ لَيْسَتْ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ مَعَ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَعَانِي الْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَقِيقَةِ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ لَا فِي نَفْسِ الْجُزْئِيَّاتِ عَلَى مَا حُقِّقَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ، أَوْ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ مَعَانِيهِ، وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُعَيَّنُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا فِيهِ أَلْ الَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِالِاصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقَةُ فِي ضِمْنِ فَرْدٍ مَا فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُعَيَّنِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ
وَهَلُمَّ، وَكَذَا الْبَاقِي (فَإِنْ كَانَ التَّعَيُّنُ) فِي الْمُعَيَّنِ (خَارِجِيًّا فَعَلَمُ الشَّخْصِ) ، فَهُوَ مَا وُضِعَ
ــ
[حاشية العطار]
الْحَقِيقَةُ لَمْ يَصْدُقْ قَوْلُهُ، وَهُوَ أَيُّ جُزْئِيٍّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، أَوْ الْفَرْدُ لَمْ يَصْدُقُ قَوْلُهُ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَيُّنُ الْفَرْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِمَا ذُكِرَ أَيْضًا، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الْقِسْمُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْبَيَانِ اهـ.
وَأَقُولُ: ذِكْرُ الْإِضَافَةِ هُنَا دَخِيلٌ فَإِنَّ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا الْعَهْدُ، وَإِنَّمَا تَوَسَّعُوا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ وَاَلَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ وَاَلَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَحَاصِلُ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَيُّ جُزْئِيٍّ إلَخْ نَظَرًا لِغَالِبِ الْمَعَارِفِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ شُمُولِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَتَخْتَصُّ الَّتِي لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ مَسْبُوقٌ بِهِ فَإِنَّ الْعَلَّامَةَ أَبَا اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيَّ، أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعَارِفَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ إلَخْ فَقَالَ مَا نَصُّهُ الْوَضْعُ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِيُسْتَعْمَلَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ مُشْكِلٌ فِي الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَعْنِي الْحَقِيقَةَ الْمُتَّحِدَةَ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْلُومَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَصْدُ إلَى الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ فِي ضِمْنِ الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ اهـ.
وَتَصَرَّفَ فِيهِ سم بِمَا سَمِعْت وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَرَّفٌ فَاللَّامُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، وَهُوَ مَفْهُومُ مَدْخُولِهِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ السَّامِعِ بِشَرْطِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ أَعْنِي هَذَا الْمَفْهُومَ، وَذَاكَ الْمَفْهُومَ، وَكَذَا الْعَهْدِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ هُنَا أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ، وَهِيَ جُزْئِيَّاتٌ إضَافِيَّةٌ بِالنَّظَرِ إلَى انْدِرَاجِهَا تَحْتَ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ.
وَقَدْ عَلِمْت تَخْصِيصَ الْجُزْئِيَّاتِ بِالْحَقِيقَةِ فَمَفْهُومُ مَدْخُولِهِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ السَّامِعِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ تَحْتَهُ مَفَاهِيمُ هِيَ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ أَيْضًا كَالْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسِ، وَالْحِمَارِ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْكُلِّيُّ بِشَرْطِ الِاسْتِعْمَالِ فِي جُزْئِيٍّ وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ آلَةً؛ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ وَيُوضَعُ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا فَذَلِكَ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَوْضُوعٌ لَهُ وَعَلَى الثَّانِي آلَةُ الْمُلَاحَظَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ سم فَغَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّعَارِيفِ الْعُمُومُ.
(قَوْلُهُ: وَهَلُمَّ)، أَيْ: يَتَنَاوَلُ ثَالِثًا بَدَلًا عَنْهُمَا، وَهَكَذَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ إلَخْ) بَيَّنَ بِهَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ عَلَمَيْ الشَّخْصِ، وَالْجِنْسِ وَسَكَتَ عَنْ بَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ، وَهِيَ تُشَارِكُهُمَا فِي التَّعْيِينِ وَتُفَارِقُهُمَا بِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِمَا بِالْوَضْعِ وَفِيهَا بِالْقَرِينَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: خَارِجِيًّا) الْمُرَادُ بِهِ التَّعَيُّنُ الشَّخْصِيُّ، فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قِيلَ الْعَلَمُ مَا وُضِعَ لِشَيْءٍ مَعَ مُشَخِّصَاتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُشَخِّصَاتِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ أَمَارَاتُ التَّشَخُّصِ لَا مُوجِبَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّشَخُّصَ هُوَ الْوُجُودُ عَلَى النَّحْوِ الْخَاصِّ، أَوْ حَالَةَ تَتْبَعُهُ، أَوْ تُقَارِنُهُ مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَالصِّفَاتِ، فَالشَّكْلُ، وَالْكَيْفُ، وَالْكَمُّ أَمَارَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا التَّشَخُّصُ فَتَبَدُّلُ الْمُشَخِّصَاتِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ الشَّخْصِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْبَحْثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَلَمِ فِي الصِّغَرِ بَعْدَ صِغَرِهِ مَجَازٌ لِتَغَيُّرِ الْمُشَخِّصَاتِ، وَالْأَجْزَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُغَايَرَةَ لَا تُعْتَبَرُ عُرْفًا فَإِنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الصَّغِيرُ عُرْفًا وَاعْتِبَارُ تِلْكَ الْمُغَايَرَةِ تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ وَبِهِ يُجَابُ عَنْ مِثْلِ أَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ، وَالْبُلْدَانِ فَإِنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ؛ إذْ لَمْ تَنْحَصِرْ فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ؛ إذْ الْمُرَادُ التَّعَيُّنُ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ أَيْضًا بِالْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَوْلُودِ الْغَائِبِ فَإِنَّ الْوَاضِعَ يَسْتَحْضِرُهُ بِوُجُوهٍ كُلِّيَّةٍ مُنْطَبِقَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَهَذَا كَافٍ فِي وَضْعِ الْعِلْمِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَتَنَاوَلُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ، وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ زِيَادَةُ قَوْلِهِمْ بِوَاضِعٍ وَاحِدٍ لِئَلَّا تَخْرُجَ الْأَعْلَامُ الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاوِلَةً غَيْرَهَا لَكِنْ لَا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ اهـ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهَا لِلْغَيْرِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ عُرُوضُ وَضْعٍ ثَانٍ لِهَذَا الْغَيْرِ
لِمُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ الْعَلَمُ الْعَارِضُ الِاشْتِرَاكِ كَزَيْدٍ مُسَمًّى بِهِ كُلٌّ مِنْ جَمَاعَةٍ (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعَيُّنُ خَارِجِيًّا بِأَنْ كَانَ ذِهْنِيًّا (فَعَلَمُ الْجِنْسِ) ، فَهُوَ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الذِّهْنِ، أَيْ: مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ كَأُسَامَةَ عَلَمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ الْحَاضِرَةِ فِي الذِّهْنِ (وَإِنْ وُضِعَ) اللَّفْظُ (لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ)، أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ، أَوْ الذِّهْنِ (فَاسْمُ الْجِنْسِ) كَأَسَدٍ اسْمٌ لِلسَّبْعِ، أَيْ: لِمَاهِيَّتِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ كَأَنْ يُقَالُ أَسَدٌ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ كَمَا يُقَالُ أُسَامَةُ أَجْرَأُ مِنْ ثُعَالَةٍ، وَالدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِعَلَمِ الشَّخْصِ عَلَيْهِ حَيْثُ مَثَلًا مُنِعَ الصَّرْفَ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: فَلَا يَخْرُجُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَمُ الْجِنْسِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ فَيَتَنَاوَلُ النَّوْعَ فَإِنَّ الْأَسَدَ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ نَوْعٌ لَا جِنْسٌ.
(قَوْلُهُ: لِمُعَيَّنٍ فِي الذِّهْنِ) فَعَلَمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُسْتَحْضَرَةِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا وَاسْمُ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَأَمَّا أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِ شَرْطٌ، أَوْ شَطْرٌ فَمِمَّا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ فِي حَدِّ عَلَمِ الشَّخْصِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا فِي الذِّهْنِ يُخْرِجُ مَا يَخْرُجُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ وَيُخْرِجُ أَيْضًا عَلَمَ الشَّخْصِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: مُلَاحَظِ الْوُجُودِ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ مُلَاحَظِ التَّعَيُّنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الذِّهْنِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِهِ عَنْ سَائِرِهَا، بَلْ بِالْمُشَخِّصَاتِ الذِّهْنِيَّةِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الذِّهْنِ يَلْزَمُهُ التَّعَيُّنُ فَيَلْزَمُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْوُجُودِ مُلَاحَظَةُ التَّعَيُّنِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُ إلَخْ مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا لَكَانَ مَوْجُودًا فِي الْجِنْسِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ، أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّشَخُّصِ اهـ.
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ الذِّهْنِيَّةَ كُلَّهَا صُوَرٌ شَخْصِيَّةٌ لِتَشَخُّصِهَا بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ كَمَا بَيَّنَ فِي الْحِكْمَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَيَّنَ) الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ تَعَيُّنُهَا فِي الذِّهْنِ؛ إذْ التَّعَيُّنُ فِي الذِّهْنِ لَازِمٌ لِجَمِيعِ مَا وُجِدَ فِيهِ كَمَا سَمِعْت.
(قَوْلُهُ: وَاسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ)، أَيْ: فِي الْمَاهِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرْدِ أَيْضًا وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الْجِنْسِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ.
(قَوْلُهُ: أَسَدٌ أَجْرَأُ مِنْ ثَعْلَبٍ) هَذَا الْمِثَالُ يُفِيدُ أَنَّ أَسَدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْفَرْدِ لَا فِي الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ الْمَاهِيَّةُ فِي ضِمْنِ الْفَرْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ خَارِجًا (قَوْلُهُ كَمَا يُقَالُ أُسَامَةُ إلَخْ) تَنْظِيرٌ فِي مُطْلَقِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِلَّا فَذَاكَ لَا تَعْيِينَ فِيهِ وَفِي هَذَا تَعْيِينٌ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَيُّنِ إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مُلَاحَظِ الْوُجُودِ فِيهِ صَوَابُهُ مُلَاحَظِ التَّعَيُّنِ فَإِنَّهُ نَاصِرٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ إنَّ عَلَمِيَّتَهُ تَقْدِيرِيَّةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ وَفِي الرَّضِيِّ إنَّ عَلَمِيَّةَ عَلَمِ الْجِنْسِ لَفْظِيَّةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ فِي الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ تَسْتَلْزِمُ التَّعْرِيفَ وَثُبُوتُ الْمَلْزُومِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اللَّازِمِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ مَثَلًا) مُقَدَّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، أَيْ: حَيْثُ مُنِعَ الصَّرْفَ مَثَلًا
وَأُوقِعَ الْحَالُ مِنْهُ نَحْوَ هَذَا أُسَامَةُ مُقْبِلًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّعْيِينِ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ الْأَسَدُ أَجْرَأُ مِنْ الثَّعْلَبِ كَمَا أَنَّ مِثْلَ النَّكِرَةِ فِي الْإِبْهَامِ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمَعْنَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ نَحْوُ إنْ رَأَيْت الْأَسَدَ، أَيْ: فَرْدًا مِنْهُ فَفِرَّ مِنْهُ وَاسْتِعْمَالُ عَلَمِ الْجِنْسِ، أَوْ اسْمِهِ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا فِي الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمُبْهَمِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ حَقِيقِيٌّ نَحْوُ هَذَا أُسَامَةُ، أَوْ الْأَسَدُ، أَوْ أَسَدٌ، أَوْ إنْ رَأَيْت أُسَامَةَ، أَوْ الْأَسَدَ، أَوْ أَسَدًا فَفِرَّ مِنْهُ وَقِيلَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ وَرَجُلٍ وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ
ــ
[حاشية العطار]
وَأَدْخَلَ بِهِ مَنْعَ إدْخَالِ أَلْ وَالْإِضَافَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأُوقِعَ الْحَالُ مِنْهُ)، أَيْ: بِدُونِ مُسَوِّغٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْحَالَ تَأْتِي مِنْ النَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِمُسَوِّغٍ.
(قَوْلُهُ: هَذَا أُسَامَةُ مُقْبِلًا) فَاسْتُعْمِلَ فِي الْفَرْدِ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ مِنْ صِفَاتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي التَّعْيِينِ)، أَيْ: فِي اعْتِبَارِ مُطْلَقِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ مِنْ ذَاتِ الْكَلِمَةِ وَفِي الْمُعَرَّفِ مِنْ أَلْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ مِثْلَ النَّكِرَةِ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ الْمُعَرَّفُ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، وَقَدْ أَشَارَ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمَعْنَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَبَيْنَ النَّكِرَةِ بِقَوْلِهِ إنَّ النَّكِرَةَ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ بَعْضٌ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ أَدْخُلُ سُوقًا بِخِلَافِ الْمُعَرَّفِ نَحْوِ أَدْخُلُ السُّوقَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الْحَقِيقَةِ، وَالْبَعْضِيَّةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْقَرِينَةِ كَالدُّخُولِ مَثَلًا، فَهُوَ كَعَامٍّ مَخْصُوصٍ بِالْقَرِينَةِ، فَالْمُجَرَّدُ، وَذُو اللَّامِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ سَوَاءٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَانِ (قَوْلُهُ: مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا) رَاجِعٌ إلَى اسْمِ الْجِنْسِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ) خَرَجَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَإِنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْخَاصَّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ يُغَايِرُ الْعَامَّ مِنْ حَيْثُ عُمُومُهُ.
(قَوْلُهُ: حَقِيقِيٌّ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ التَّعْيِينَ الذِّهْنِيَّ مُعْتَبَرٌ فِي وَضْعِ عَلَمِ الْجِنْسِ، وَالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْدِ فَكَيْفَ يَكُونَانِ فِيهِ حَقِيقَةً اهـ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ إطْلَاقَهُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِشَرْطِهَا، وَهُوَ الِاسْتِحْضَارُ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي ضِمْنِ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمُبْهَمِ.
(قَوْلُهُ: هَذَا أُسَامَةُ) ، أَوْ الْأَسَدُ، أَوْ أَسَدٌ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمُفْرَدِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ حَاصِلًا مَقْصُودًا مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَفِي الثَّانِي عَارِضًا مِنْ (أَلْ) وَفِي الثَّالِثِ حَاصِلًا غَيْرَ مَقْصُودٍ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْفَرْدِ هُوَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ الْفَرْدُ، وَالْمَحْمُولُ فِيمَا ذُكِرَ مُرَادٌ بِهِ مَفْهُومُهُ الْوَضْعِيُّ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْطِقِ لَا أَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ كَذِبًا اهـ.
وَجْهُ الْبَحْثِ أَنَّ تَصْحِيحَ الْمَحَلِّ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِالْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْفَرْدِ فَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ؛ لِاسْتِعْمَالِ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ:
الْأُولَى: امْتِنَاعُ حَمْلِ الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ، وَإِنْ اخْتَارَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْجَلَالَ الدَّوَانِيَّ صَحَّحَهُ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سِينَا، وَالْفَارَابِيِّ صِحَّةَ حَمْلِ الْجُزْئِيِّ وَأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِذَلِكَ.
الثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَمْلَ بِمَعْنَى الصِّدْقِ لَا الِاتِّحَادِ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ قَوْلُهُمْ الْمُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الْمَوْضُوعِ الْإِفْرَادُ وَفِي جَانِبِ الْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَايَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعُلُومِ، وَهِيَ الْمَحْصُورَاتُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ بِمَعْنَى الِاتِّحَادِ لَلَزِمَ الْكَذِبُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَوْضُوعِ الْفَرْدُ وَبِالْمَحْمُولِ الْمَفْهُومُ، وَالْحَمْلُ هُنَا حَمْلُ مُوَاطَأَةٍ، وَهُوَ حَمْلٌ هُوَ هُوَ يَلْزَمُ أَنَّ الْفَرْدَ هُوَ الْمَفْهُومُ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ، وَهَذِهِ أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاتِّحَادِ فِي الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّ وُجُودَ الْفَرْدِ هُوَ وُجُودُ الْمَفْهُومِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ هَذَا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَفْهُومُ بِنَاءً عَلَى مُخْتَارِ السَّيِّدِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَرْدُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَا هُوَ مَدْلُولُ أُسَامَةَ، أَوْ أَسَدٍ وَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَفِي الْخَارِجِ قَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مَنَاطُ الْحَمْلِ هُوَ الِاتِّحَادُ فِي ظَرْفٍ، وَالتَّغَايُرُ فِي ظَرْفٍ آخَرَ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي الْكُلِّيَّاتِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ فِي كُلِّيَّةِ الْمَحْمُولِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إنْ رَأَيْت إلَخْ) فَإِنَّ الْمُفْرَدَ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
(قَوْلُهُ: وُضِعَ لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ) قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ وَعَلَيْهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيٌّ فَإِنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ وَاسْمَ الْجِنْسِ لِلْفَرْدِ الْمُبْهَمِ عَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارِيٌّ قَالَ