الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَظَرًا هُنَا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَهُنَاكَ إلَى أَنَّهُ كَلَامٌ.
(وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ
ــ
[حاشية العطار]
عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي مُرَادَفَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِمَا عَدَا الْإِبَاحَةَ مَعَ أَنَّ التَّرَادُفَ الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ وَالِاتِّحَادُ مَفْقُودٌ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَبَ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ أَخَذَ بِشَرْطِ الْجَزْمِ وَفِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأُولَى أَخَذَ بِشَرْطِ عَدَمِهِ وَفِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَخْذٌ لَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَغَايَةُ مَا هُنَاكَ التَّسَاوِي فِي الْمَاصَدَقِ لَا الِاتِّحَادُ فِي الْمَفْهُومِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَدَّعِ التَّرَادُفَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَفْهُومُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ اهـ.
وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ تَامٍّ فَإِنَّ الشَّارِحَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ إلَخْ عَلَى أَنَّ اتِّحَادَ الْحَدِّ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحْدُودِ وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْمَحْدُودَ هُوَ الْمَفْهُومُ لَا الْأَفْرَادُ فَالشَّارِحُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّرَادُفِ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُكَابَرَةٌ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ إلَخْ مُشَاغَبَةٌ فَإِنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِاللَّفْظِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنًى جُزَيْئًا أَوْ كُلِّيًّا فَالْأَوَّلُ يُرَادُ مِنْهُ الذَّاتُ إذْ هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَلَفْظُ زَيْدٍ مَثَلًا يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ الْمُشَخِّصَةُ.
وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَجِيءُ قَصْدُ الذَّاتِ أَيْ الْإِفْرَادِ عِنْدَ انْعِقَادِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقَضَايَا الْمَحْصُورَةِ وَقَدْ يُرَادُ الْمَفْهُومُ نَفْسُهُ كَمَا فِي الْمُعَرَّفِ، وَالْقَضِيَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ مُحَقِّقِي الْمَنَاطِقَةِ حَقَّقَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَحْصُورَاتِ عَلَى مَفْهُومِ الْكُلِّيِّ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ شَهِيرَةٌ حَتَّى إنَّنَا فَرَدْنَاهَا بِرِسَالَةٍ فَتَمَّ إيرَادُ النَّاصِرِ.
نَعَمْ تَمْهِيدُهُ لِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَاهِيَّةَ قَدْ تُؤْخَذُ بِشَرْطِ شَيْءٍ إلَخْ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ بَيَانُهُ يَسْتَدْعِي تَطْوِيلًا فَمَنْ رَجَعَ لِحَوَاشِينَا الْكُبْرَى عَلَى الْمَقَالَاتِ عَلِمَ مَا فِيهِ وَقَوْلُ بَعْضِ مَنْ كَتَبَ مُجِيبًا عَنْ اعْتِرَاضِ النَّاصِرِ إنَّ الْوَجْهَ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ مَنْعُ قَوْلِهِ: لَا اتِّحَادَ هُنَا فِي الْمَفْهُومِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَّعَى اتِّحَادُ الْأَمْرِ وَمَجْمُوعُ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَاتِّحَادِ النَّهْيِ وَمَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَمْرِ وَمَفْهُومَ مَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ أَيْ الْمَفْهُومَ الَّذِي يَجْمَعُ وَيَعُمُّ الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ وَمَفْهُومُ النَّهْيِ وَمَفْهُومُ مَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى أَيْ الْمَفْهُومُ الَّذِي يَجْمَعُ وَيَعُمُّ الثَّلَاثَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اقْتِضَاءُ التَّرْكِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْأَمْرِ مُرَادِفًا لِمَجْمُوعِ لَفْظَيْ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَلَفْظُ النَّهْيِ مُرَادِفًا لِمَجْمُوعِ أَلْفَاظٍ ثَلَاثَةٍ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مَجْمُوعَ لَفْظِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَفْظٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّرَادُفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْأَمْرِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّانِي وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَفْهُومِ اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ وَمَفْهُومِ اقْتِضَاءِ التَّرْكِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّدْبِ مُغَايِرٌ لِصَاحِبِهِ بِقَيْدٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَكَذَا الثَّلَاثَةُ فَانْدِرَاجُهَا تَحْتَ اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ انْدِرَاجُ النَّوْعِ تَحْتَ الْجِنْسِ وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ اتِّحَادَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ الْمَفْهُومِ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ بَلْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَمَفْهُومُ الْأَمْرِ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْمَفَاهِيمُ مُقَيَّدَةٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يُرَادِفُ الْمُقَيَّدَ وَأَيْضًا الْمَفْهُومُ الَّذِي يَعُمُّ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ لَمْ يُعَبَّرْ عَنْهُ بِلَفْظٍ مُفْرَدًا سم لِأَنَّ التَّرَادُفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بَلْ دُلَّ عَلَيْهِ بِمُرَكَّبٍ إضَافِيٍّ فَاتِّحَادُ مَفْهُومِهِ بِمَفْهُومِ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ لَا يَنْفَعُ فِي دَعْوَى التَّرَادُفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: نَظَرًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِلْمُعَبَّرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ وَاحِدٌ وَاخْتَلَفَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ فِيهِمَا لِلْمُنَاسَبَةِ فَعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالْإِيجَابِ وَغَيْرِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ وَالْإِيجَابِ وَغَيْرُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ وَعُبِّرَ عَنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ يُنَاسِبُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ.
[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ) أَيْ هَذَانِ اللَّفْظَانِ إذْ التَّرَادُفُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَانْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِمَا
مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي نَفْيِهِ تَرَادُفَهُمَا حَيْثُ قَالَ هَذَا الْفِعْلُ إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَالْقُرْآنِ فَهُوَ الْفَرْضُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَبِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الثَّابِتَةِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا هَلْ يُسَمَّى وَاجِبًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيِّ كَمَا يُسَمَّى وَاجِبًا هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ جَعْلِ الْإِيجَابِ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الَّذِي إذَا أُضِيفَ إلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ سُمِّيَ وَاجِبًا وَوُجُوبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَوَّلًا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُقَالُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَاجِبَ.
(قَوْلُهُ: مُتَرَادِفَانِ) أَيْ اصْطِلَاحًا لَا لُغَةً وَلَعَلَّ الْحُكْمَ بِالتَّرَادُفِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ تَسَمُّحٌ لِمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا الْأَحْكَامَ اللَّفْظِيَّةَ مُتَفَرِّعَةً عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُمَا بِحَسَبِهِ لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَمُتَرَادِفٌ بِمَعْنَى مُرَادِفٍ أَيْ مُرَادِفٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ شَرْطَ التَّثْنِيَةِ صَلَاحِيَةُ الْمَعْنَى لِلتَّجْرِيدِ وَهُوَ هُنَا لَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تَفَاعُلٌ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ أَيْضًا يَصِحُّ إطْلَاقُ مُتَرَادِفٍ عَلَى الْوَاحِدِ بِقَيْدِ مَعَ فَيُقَالُ مُتَرَادِفٌ مَعَ الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ: لِمَعْنًى وَاحِدٍ) أَيْ مَفْهُومٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّرَادُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ وَهِيَ مَفَاهِيمُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لَك.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ وَقَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ إلَخْ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ عِلْمُ ذَاتِهِ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ وَاحِدًا سُمِّيَ بِلَفْظَيْنِ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِمَّا سَبَقَ ذَاتُهُ لَا بِهَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّشْبِيهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَعْلُومَ هُنَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ لَا شَيْءٌ آخَرُ يُشْبِهُ الْمَعْلُومَ مِنْهُ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَيُجَابُ بِتَغَايُرِهِمَا اعْتِبَارًا فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ مُشَبَّهٌ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِهِ هُنَا مُشَبَّهٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تُجْعَلَ الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِ مِنْ حَدِّ الْإِيجَابِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) ظَرْفٌ لِنَفْيِهِ وَالْحَيْثِيَّةُ تَعْلِيلِيَّةٌ فَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ التَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا بَلْ لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: هَذَا الْفِعْلُ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا جَازِمًا.
(قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ إلَخْ) هَذَا الِاصْطِلَاحُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ يَكْثُرُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ وَهُوَ إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ وَالْوَاجِبِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَقَوْلِهِمْ الْوِتْرُ فَرْضٌ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ فَرْضًا عَمَلِيًّا لَا عِلْمِيًّا يَلْزَمُ اعْتِقَادُهُ حَقِيقَةً وَكَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى التَّسْمِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ لِلتَّسْمِيَةِ مَدْخَلًا فِي عَدَمِ الْفَسَادِ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا يُسَمَّى إلَخْ) الْعَامِلُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَمَا بَعْدَ هَلْ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ هَلْ ضَعِيفَةٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ لِتَطَفُّلِهَا فِيهِ فَلَيْسَتْ كَالْهَمْزَةِ الْعَرِيقَةِ فِيهِ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ
فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا لِلْفَرْضِ مِنْ فَرَضَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى حَزَّهُ أَيْ قَطَعَ بَعْضَهُ، وَلِلْوَاجِبِ مِنْ وَجَبَ الشَّيْءُ وَجْبَةً سَقَطَ. وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَاقِطٍ مِنْ قِسْمِ الْمَعْلُومِ. وَعِنْدَنَا نَعَمْ أَخْذًا مِنْ فَرَضَ الشَّيْءَ قَدَّرَهُ، وَوَجَبَ الشَّيْءُ وُجُوبًا ثَبَتَ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُقَدَّرِ وَالثَّابِتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ وَمَأْخَذُنَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُ أَيْ دُونَنَا لَا يَضُرُّ فِي أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ فِقْهِيٌّ
ــ
[حاشية العطار]
وَهَلْ فِي الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ وَجَدْ
…
مَعْمُولُ مَا بَعْدُ لِضَعْفٍ فَاعْتَمِدْ
(قَوْلُهُ: فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا إلَخْ) عِنْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِلَا لِتَضَمُّنِهَا لِمَعْنَى الْفِعْلِ أَيْ انْتَفَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَأَخْذًا مَفْعُولٌ لَهُ لَا لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى حَزَّهُ) أَيْ قَطَعَ بَعْضَهُ أَيْ فَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ أَيْ الْمَقْطُوعِ بِهِ وَاعْتَرَضَ النَّاصِرُ الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَوْجِيهَهُمْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أُرِيدَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَكِنَّ أَمْثِلَتَهُمْ تُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْقَطْعَ بِالْأَحْكَامِ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ الْمُعَرَّفِ بِالْعِلْمِ أَيْ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْأَوَّلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لَهُ عَنْهُمْ بَلْ وَلَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ بِجَامِعِ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ احْتِمَالُهُ نَاشِئًا عَنْ الدَّلِيلِ كَمَا نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي أُصُولِهِمْ.
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ لَزِمَ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ يُسَمَّى فِقْهًا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ تَفَاسِيرِ الْفِقْهِ عِنْدَهُمْ مَا يَتَنَاوَلُ الْقَطْعِيَّ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِهِمْ.
(قَوْلُهُمْ سَاقِطٌ مِنْ قِسْمِ الْمَعْلُومِ) لِأَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَلِذَا يُسَمُّونَ مَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ بِالْفَرْضِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ بِالْفَرْضِ عَمَلًا فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا نَعَمْ) يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ فَعِنْدَهُ لَا أَخْذًا.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الشَّيْءُ وُجُوبًا ثَبَتَ) مِمَّا يُرَجِّحُ أَخْذَنَا لِلْوَاجِبِ مِنْ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ وَمَأْخَذُهُ فِي الْمَصْدَرِ فَإِنَّ مَصْدَرَ كُلٍّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ أَخْذِهِمْ لَهُ مِنْ وَجَبَ بِمَعْنَى سَقَطَ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ عَلَيْهِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْوَاجِبِ الْوُجُوبُ وَمَصْدَرُ مَأْخَذِهِ عِنْدَهُمْ الْوَجْبُ أَوْ الْوَجْبَةُ أَفَادَهُ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ: وَمَأْخَذُنَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا) أَيْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ فَرْضٍ لُغَةً بِمَعْنَى قَدْرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ بِمَعْنَى حَزٍّ وَاسْتِعْمَالَ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ أَكْبَرُ مِنْهُ بِمَعْنَى سَقَطَ فَاصْطِلَاحُنَا أَوْلَى فَهَذَا بَيَانٌ لِمُرَجِّحِ مَأْخَذِنَا الَّذِي عَارَضَهُ مَأْخَذُهُمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُلْت قَدْ فَرَّقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقُ فَرْضٌ عَلَيَّ.
وَفِي الْحَجِّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَالرُّكْنُ بِخِلَافِهِ وَالْفَرْضُ يَشْمَلُهُمَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ قُلْت ذَلِكَ لَيْسَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا بَلْ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَلِاصْطِلَاحٍ آخَرَ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ فِي الطَّلَاقِ لَيْسَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ بَلْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مَعَ أَنَّ أَصْحَابَنَا نَقَضُوا أَصْلَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا جَعْلُهُمْ مَسْحَ رُبْعِ الرَّأْسِ وَالْقَعْدَةِ آخِرَ الصَّلَاةِ فَرْضَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ.
(قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الثَّابِتِ بِالْقَطْعِيِّ وَالثَّابِتِ بِالظَّنِّيِّ تَفَاوُتٌ فِي الرُّتْبَةِ إذْ التَّفَاوُتُ فِي الرُّتْبَةِ لَا يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ فِي التَّسْمِيَةِ فَاتِّحَادُهُمَا تَسْمِيَةٍ لَا يُوجِبُ اتِّحَادَهُمَا رُتْبَةً كَمَا لَا يُوجِبُ اتِّحَادُ دَلِيلِهِمَا رُتْبَةً قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ عَائِدٌ إلَى التَّسْمِيَةِ فَنَحْنُ نَجْعَلُ اللَّفْظَيْنِ اسْمًا لِمَعْنًى وَاحِدٍ لِتَفَاوُتِ أَفْرَادِهِ وَهُمْ يَخُصُّونَ كُلًّا مِنْهُمَا بِقِسْمٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَجْعَلُونَهُ اسْمًا لَهُ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُمَا مُتَرَادِفَيْنِ جَعَلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الظَّنِّيَّ بَلْ الْقِيَاسَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ فِي مَرْتَبَةِ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ حَيْثُ جَعَلَ مَدْلُولَهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ اهـ.
وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ كَالسُّيُوطِيِّ فِي طَبَقَاتِ النُّحَاةِ مِنْ أَنَّ السَّعْدَ التَّفْتَازَانِيَّ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُهُ فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْتَصِرُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا السَّيِّدُ فَحَنَفِيٌّ بِاتِّفَاقٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ) لَمْ يَقُلْ وَيَأْثَمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ أَمْرٌ فِقْهِيٌّ أَيْ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي عَمِلَهَا وَهُوَ الْفِقْهُ وَجَعَلَ كَوْنَ صَلَاةِ تَارِكِهَا