المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الكتاب الأول) :في الكتاب ومباحث الأقوال - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: ‌(الكتاب الأول) :في الكتاب ومباحث الأقوال

وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْأُولَى كَمَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ الْفَرْضَ، وَإِنْ سَقَطَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا.

(وَ) قَدْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ (عَلَى الْبَدَلِ كَذَلِكَ) أَيْ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُفْأَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ مِنْهُ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ أَيْ: إنْ لَمْ تَزَوَّجْ مِنْ الْآخَرِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يُبَاحُ الْجَمْعُ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ السِّتْرُ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ أَيْ إنْ لَمْ تَسْتَتِرْ بِالْآخَرِ وَيُبَاحُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ أَوْ يُسَنَّ الْجَمْعُ كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاجِبٌ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ أَيْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ مِنْهَا كَمَا قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ نَظَرًا مِنْهُمْ لِلظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْقِيقُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَيُسَنُّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ.

(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :

فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

ــ

[حاشية العطار]

خِمَارَهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْأُولَى) أَيْ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُرَدَّ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ بِالْخَصْلَةِ الْأُولَى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَهَا.

(قَوْلُهُ: كَمَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ إلَخْ) تَنْظِيرٌ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجُوزُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إنْ لَمْ تُزَوَّجْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَدَلِيَّةِ هَاهُنَا قِيَامُ الْفَرْعِ أَوْ الْعِوَضِ مَقَامَ الْأَصْلِ أَوْ الْمُعَوَّضِ عَنْهُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ قِيَامُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِمَّا قَصَدَ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُفْأَيْنِ أَوْ قِيَامِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِيمَا قَصَدَ مِنْهَا مَقَامَ كُلٍّ مِنْهَا كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَاجِبٌ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.

(قَوْلُهُ: إلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ) حَيْثُ قَالُوا: الْوَاجِبُ الْإِطْعَامُ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الْكِسْوَةُ وَلَمْ يَقُولُوا: الْوَاجِبُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ.

[الْكِتَابُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ]

(قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهُ فِي مَبَاحِثِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ لَفْظُ مَبَاحِثَ وَيُضِيفُهَا لِلْكِتَابِ وَالْأَقْوَالُ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ حَذَفَ مَبَاحِثَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَلِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ فِي مَبَاحِثِ الْقُرْآنِ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ تَعْرِيفَ الْكِتَابِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ فِي تَفْرِيعِهِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ التَّعْرِيفِ وَمَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ يَرْجِعُ لِمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ أَوْ رَاجِعٌ لِتَوْضِيحِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْبَسْمَلَةِ مِنْهُ دُونَ مَا نُقِلَ آحَادًا مِمَّا يُمَيِّزُهُ بِذَلِكَ أَوْ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي التَّرْجَمَةِ اهـ.

وَالْإِنْصَافُ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَجِيهٌ وَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَحْضُ تَعَسُّفٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَقْدِيرَ لَفْظِ مَبَاحِثَ قَبْلَ الْكِتَابِ مَحْضُ تَكْرَارٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالتَّرْجَمَةِ بَلْ حَاصِلٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ وَقَضِيَّةُ تَقْدِيرِهِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا.

وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَلِّفِينَ تَخْصِيصَ التَّرَاجِمِ بِالْمَبَاحِثِ وَتَصْدِيرَ التَّعْرِيفِ قَبْلَهَا لِإِيضَاحِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ غَيْرَ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ تَعْرِيفٍ وَمُجَرَّدُ ذِكْرِهِ بَعْدَ التَّرْجَمَةِ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لِلْمَقَاصِدِ، وَالتَّعَارِيفُ لَيْسَتْ مِنْهُ بَلْ لَا تُعَدُّ مِنْ الْعُلُومِ رَأْسًا بَلْ مِنْ الْمَادِّيِّ كَمَا حَقَقْنَا ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ جَوَابٌ مَبْذُولٌ يَرْتَكِبُهُ كَثِيرًا مَنْ لَا بِضَاعَةَ لَهُ فِي الْمَعْقُولِ.

(قَوْلُهُ: وَمَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ) أَيْ الْقَضَايَا الَّتِي يَقَعُ الْبَحْثُ فِيهَا عَنْ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الْمَبَاحِثَ جَمْعُ مَبْحَثٍ بِمَعْنَى مَكَانِ الْبَحْثِ وَمَكَانُهُ الْقَضِيَّةُ إذْ هُوَ إثْبَاتُ النِّسْبَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالنِّسْبَةُ حَالَّةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَهِيَ مُتَعَلَّقُ الْإِثْبَاتِ فَالْمُكَاتَبَةُ مُتَخَيَّلَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ دَالٌّ عَلَى تِلْكَ النِّسَبِ عَلَى اعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ الَّتِي هِيَ الْقَضَايَا الَّتِي هِيَ مَوْضُوعَاتُهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إلَخْ وَمَحْمُولَاتُهَا أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ لَاحِقَةٌ لَهَا كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ أَتَمَّ الْبَيَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَذَكَرْنَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ هَذَا

ص: 289

الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ وَنَحْوِهَا (الْكِتَابُ) الْمُرَادُ بِهِ (الْقُرْآنُ) غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ (وَالْمَعْنِيُّ بِهِ) أَيْ الْقُرْآنُ (هُنَا) أَيْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ (اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ

ــ

[حاشية العطار]

تَقْرِيرُ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ الْمَنْطِقِيَّةُ لَا مَا قَرَّرَهُ سم وَتَبِعَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ سَلْبُهُ عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ السَّالِبَةَ تَقَعُ مَسْأَلَةً فِي الْعِلْمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِامْتِنَاعِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْمَبْحَثَ تَارَةً اسْمَ مَكَان وَتَارَةً مَصْدَرًا وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُكْشَفْ الْغِطَاءُ.

(قَوْلُهُ: الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا) صِفَةٌ لِلْأَقْوَالِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْكِتَابِ فَالصِّفَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ فَقَدْ جَرَى عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِبْرَازِ عِنْدَ أَمِنِ اللَّبْسِ، وَقَوْلُ سم يُمْكِنُ أَنَّهُ صِفَةُ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ مَرْدُودٌ بِلُزُومِ تَقْدِيمِ عَطْفِ النَّسَقِ عَلَى النَّعْتِ مَعَ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْهُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّعْتَ وَالْمَنْعُوتَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَبَيْنَهُمَا شِدَّةُ ارْتِبَاطٍ تَأْبَى الْفَصْلَ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِقِيَامِ الْمُعَارِضِ هُنَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِمَالَ الْكِتَابِ عَلَى تِلْكَ الْمَبَاحِثِ مِنْ قَبِيلِ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَيْ كُلُّ جُزْءٍ جُزْءٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْنَاهُ فِي لَفْظِ مَبَاحِثَ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا عَيْنُهُ لِلتَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ فِي مِثْلِهِ قَالَ النَّاصِرُ: ثُمَّ اشْتِمَالُ الْكِتَابِ عَلَى الْأَقْوَالِ كَافٍ فِي ذِكْرِ مَبَاحِثِهَا فِيهِ، وَإِنْ شَارَكَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِمَالِ اهـ.

يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهَا كِفَايَةٌ فِيهَا وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُفْهِمُ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي السُّنَّةِ أَيْضًا فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَعْلُومٍ.

(قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ) لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَاصِرًا فِي الْعُرْفِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فَسَّرَهُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: غَلَبَ) أَيْ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ مُقَارِنًا لِأَلْ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَإِنْ لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُعَرَّفَيْنِ، فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ.

وَقَدْ اخْتَارَ الرَّضِيُّ جَوَازَ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَا فِي الْآخَرِ وَزِيَادَةٌ كَمَا هُنَا بِدَلِيلِ يَا هَذَا وَيَا عَبْدَ اللَّهِ وَيَا اللَّهُ وَمَا قِيلَ أَنَّهَا تُنَكَّرُ، ثُمَّ تُعَرَّفُ بِحَرْفِ النِّدَاءِ لَا تُتِمُّ فِي يَا اللَّهُ وَيَا عَبْدَ اللَّهِ، وَمَا قِيلَ أَنَّ الْعَلَمَ كَبَقِيَّةِ الْمَعَارِفِ لَا يُضَافُ إلَّا إنْ نُكِّرَ مَمْنُوعٌ بَلْ يَجُوزُ عِنْدِي إضَافَتُهُ مَعَ بَقَاءِ تَعْرِيفِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ تَعْرِيفَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا.

(قَوْلُهُ: فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ) احْتَرَزَ عَنْ عُرْفِ النُّحَاةِ وَنَحْوِهِمْ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِغَلَبَ وَمِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُمْتَازًا بِهَذِهِ الْغَلَبَةِ لِشُهْرَتِهِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إذْ رُبَّمَا يُسْتَعْمَلُ الْكِتَابُ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَالْقُرْآنُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى الْمَقْرُوءِ أَظْهَرُ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْكِتَابِ إلَى الْمَقْرُوءِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنِيُّ بِهِ) أَيْ الْمَقْصُودُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ إلَخْ فَهُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ كَلَامُهُ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْجِنْسِ أَيْضًا فَلَهُ اسْتِعْمَالَانِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْبَعْضِ فِي أَوَّلِهَا وَعَلَيْهِ فِي ثَانِيهَا.

(قَوْلُهُ: فِي أُصُولِ الْفِقْهِ) احْتَرَزَ عَنْ الْمَعْنَى بِهِ فِي أُصُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَحْثَ الْأُصُولِيِّ عَنْ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ الْمُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِ أُصُولِ الدِّينِ، فَإِنَّ الْبَحْثَ فِيهِ عَنْ الْعَقَائِدِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْكَلَامُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ إذْ الْكَلَامُ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْقُيُودِ بَيْنَ الْمُرَادِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ فِي ذَاتِهِ لَفْظًا جَوَازُ إسْنَادِ اللَّفْظِ إلَيْهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ بَلْ يُقَالُ: قَالَ اللَّهُ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَ

ص: 290

عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ) يَعْنِي مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ هَذَا

ــ

[حاشية العطار]

الْقَوْلُ لَفْظًا إلَّا أَنَّهُ وَرَدَ الْإِذْنُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا اقْتَضَى هَذَا أَوْلَوِيَّةَ مَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ وَوَصَفَ اللَّفْظَ بِالْإِنْزَالِ مَعَ أَنَّهُ عَرَضٌ وَالْأَعْرَاضُ لَا تَنْتَقِلُ بِاعْتِبَارِ حَامِلِهِ وَمُبَلِّغِهِ فَهُوَ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّ نُزُولَ مُبَلِّغِهِ سَبَبٌ فِي وَصْفِهِ بِالنُّزُولِ وَلِشُيُوعِهِ وَقَعَ فِي التَّعْرِيفِ.

لَا يُقَالُ الْمَجَازُ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وَصْفِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ لِأَنَّا نَقُولُ: غَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى وَصْفِهِ بِذَلِكَ وَكَوْنُهُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ شَيْءٌ آخَرُ إنْ قُلْت: الْمُمْتَنِعُ انْتِقَالُ الْعَرَضِ بِذَاتِهِ أَمَّا بِالتَّبَعِ فَلَا قُلْنَا: يَلْزَمُ عَلَيْهِ بَقَاءُ الْعَرَضِ زَمَانَيْنِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْبَقَاءَ نَقُولُ: الْأَلْفَاظُ أَعْرَاضٌ سَيَّالَةٌ لَا بَقَاءَ لَهَا اتِّفَاقًا.

وَقَدْ يُقَالُ اللُّغَةُ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالُ حَقِيقِيٌّ وَمَسْأَلَةُ الْعَرَضِ إلَخْ مِنْ تَدْقِيقَاتِ الْفَلَاسِفَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُنَزَّلُ صُورَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ الْمُتَعَقِّلَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَلْفَاظِ الْحِسِّيَّةِ وَتِلْكَ الصُّورَةُ تَبْقَى وَتَتَعَقَّلُ فِي ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ الْمُقَيَّدَةِ بِخُصُوصِ الْمُحَالِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْخَارِجِيَّةِ لَا لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَيْلِ لِلْقَوْلِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي إثْبَاتِهِ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الَّذِي لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبَّك إلَّا هُوَ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مُحَمَّدٍ) قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِلِاحْتِرَازِ، فَإِنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - لَيْسَ لِلْإِعْجَازِ فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: لِلْإِعْجَازِ.

(قَوْلُهُ: لِلْإِعْجَازِ) أَيْ لِأَجْلِ الْإِعْجَازِ فَحِكْمَةُ التَّنْزِيلِ الْإِعْجَازُ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا كَبَيَانِ الْأَحْكَامِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ اخْتِيَارَ أَنَّ الْإِعْجَازَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّدَبُّرُ وَالتَّذَكُّرُ وَالْإِعْجَازُ تَابِعٌ لَازِمٌ لِأَبْعَاضٍ خَاصَّةٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا بِقَيْدِ سُورَةٍ وَلَا كُلِّ بَعْضٍ نَحْوَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: وَهُوَ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ اهـ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِعْجَازُ غَيْرَ مَقْصُودٍ مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي مَا يُصَدَّقُ إلَخْ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَيُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْجِنْسِيِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَبَيْنَ كُلِّ بَعْضٍ مِنْهُ لَهُ بِهِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ قُلْ وَافْعَلْ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْمِلْهُ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِغَرَضِ الْأُصُولِيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِالْأَبْعَاضِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ تَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا حَدُّوا الْقُرْآنَ مَعَ تَشَخُّصِهِ إلَخْ فَفِي الْعِنَايَةِ كَمَا فِي النَّاصِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُعْنَى بِالْقُرْآنِ الْمَعْنَى الْخَارِجِيُّ التَّشَخُّصِيُّ لَا مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ

ص: 291

مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى آخَرِ سُورَةِ النَّاسِ الْمُحْتَجُّ بِإِبْعَاضِهِ خِلَافَ الْمَعْنَى بِالْقُرْآنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ

ــ

[حاشية العطار]

مُنْحَصِرٌ فِي شَخْصٍ كَالشَّمْسِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُبَيِّنَ لِمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ مُسَمَّى الْقُرْآنِ وَجَهِلَ أَنَّهُ مُسَمَّاهُ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ الْمَعْرُوفَ بِصِفَةِ كَذَا هُوَ مَفْهُومُ الْقُرْآنِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ لَفْظِيًّا وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ وُقُوعَهُ بِالْمُفْرَدِ كَالْغَضَنْفَرِ الْأَسَدِ.

وَفِي سم كَلَامٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ تَفْسِيرَ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرَ الْقُرْآنِ بِمَا بَعْدَهُ يُسَمَّى حَدًّا اسْمِيًّا وَحْدًا لَفْظِيًّا.

وَقَالَ فِي قَوْلِ النَّاصِرِ الْمَعْنِيُّ بِالْقُرْآنِ الْمَعْنَى الْخَارِجِيُّ الشَّخْصِيُّ الْمُرَادُ بِالْخَارِجِ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا مَا يُرَادِفُ الْأَعْيَانَ وَإِلَّا نَافَى كَوْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّخْصِيِّ اعْتِبَارِيًّا؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّخْصُ الَّذِي هُوَ اعْتِبَارِيٌّ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا اعْتِبَارِيًّا وَقَالَ هُنَا: إنَّ التَّعْرِيفَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا لَفْظِيًّا أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ إلَخْ فَمُكَابَرَةٌ فِي الْمَحْسُوسِ كَيْفَ وَاللَّفْظُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَهُوَ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَمَا اسْتَنَدَ مِنْ تَرَكُّبِهِ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّخْصُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ كُلَّهَا أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ؛ لِأَنَّ لَهَا مَاهِيَّاتٍ كُلِّيَّةً هِيَ عِبَارَةٌ عَنْهَا وَعَنْ التَّشَخُّصِ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِ التَّشَخُّصِ اعْتِبَارِيًّا كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ: إنَّ التَّعْرِيفَ هُنَا لَفْظِيٌّ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا لَفْظِيًّا مُنَاقِضٌ لِمَا أَسْلَفَهُ قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْكِتَابُ الْقُرْآنُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ لَفْظِيٌّ اسْمِيٌّ مَعَ أَنَّ جَمْعَهُ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ النُّظَّارِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

قَالُوا: التَّعْرِيفُ إمَّا لَفْظِيُّ يُقْصَدُ بِهِ تَعْيِينُ مَعْنَى اللَّفْظِ لِسَامِعِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَعَانِي الْمَعْلُومَةِ لَهُ فَمَآلُهُ إلَى التَّصْدِيقِ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِكَذَا لُغَةً أَوْ اصْطِلَاحًا وَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ مُرَادِفٍ أَوْ أَعَمَّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمُفْرَدَةُ ذَكَرَ الْمُرَكَّبَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَعْيِينُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلُهُ، وَإِمَّا حَقِيقِيٌّ يُقْصَدُ بِهِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مَا يُقْصَدُ بِهِ تَفْصِيلُ مَفْهُومِ اللَّفْظِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَدْلُولُهُ.

وَقَدْ تَصَوَّرَهُ بِوَجْهِ مَا أَوْرَدَ تَصَوُّرَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ تَفْصِيلًا فَيُسَمَّى تَعْرِيفًا اسْمِيًّا وَتَعْرِيفًا بِحَسَبِ الِاسْمِ وَيَنْقَسِمُ إلَى الْحُدُودِ وَالرُّسُومِ وَقَالُوا: إنَّ تَعَارِيفَ الْأُمُورِ الْمَعْدُومَةِ وَالِاعْتِبَارِيَّة تَارَةً تَكُونُ لَفْظِيَّةً وَتَارَةً تَكُونُ اسْمِيَّةً وَلَيْسَ لَهَا تَعْرِيفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ إذْ لَا حَقَائِقَ لَهَا بَلْ مَفْهُومَاتٌ.

وَأَمَّا الْمَوْجُودَاتُ، فَإِنَّ لَهَا مَفْهُومَاتٍ وَحَقَائِقَ فَيَجُوزُ. أَنْ يَكُونَ لَهَا أَقْسَامُ التَّعْرِيفِ كُلِّهَا هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْمَنَاطِقَةِ وَالنُّظَّارِ وَالشَّيْخُ خَالَفَهُ بِلَا سَنَدٍ فَلَا يُتَّبَعُ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِلْمُسَمَّى بِالْقُرْآنِ شَرْعًا إلَّا هَذَا الشَّخْصُ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالْأَشْخَاصُ كُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ مَفَاهِيمَ كُلِّيَّةٍ حَتَّى قَالُوا: إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ كُلِّيٌّ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَالتَّعَقُّلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُ خَارِجًا لَيْسَ إلَّا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ.

وَقَدْ قَالُوا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ: إنَّهُ كُلِّيٌّ أَنْحَصَرَ فِي فَرْدٍ كَالشَّمْسِ، فَإِنَّ مَدَارَ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ عَلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصَوُّرَاتُ لَا حَجْرَ فِيهَا كُلُّ ذَلِكَ مُبَيَّنٌ أَتَمَّ بَيَانٍ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْمَنْطِقِيَّةِ وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّخْصِيِّ اعْتِبَارِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالتَّشَخُّصِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُنَاقِضُهُ مِنْ الْحَصْرِ الَّذِي ادَّعَاهُ فَتَدَبَّرْ وَلَا تَكُنْ أَسِيرَ التَّقْلِيدِ وَانْظُرْ لِمَا قَالَ لَا لِمَنْ قَالَ.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَوَّلُهُ سُورَةُ إلَخْ فَمِنْ لِلْبَيَانِ لَا لِلِابْتِدَاءِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ ثَابِتٌ لِمَجْمُوعِ الْقُرْآنِ لِأَوَّلِ سُورَةِ الْحَمْدِ.

(قَوْلُهُ: الْمُحْتَجُّ بِأَبْعَاضِهِ) كَالتَّعْلِيلِ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقُرْآنِ هُنَا اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ إلَخْ لَا الْمَدْلُولُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِأَبْعَاضِهِ وَالِاحْتِجَاجُ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ إذْ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مُسَمَّى الْقُرْآنِ هُوَ الْكُلُّ كَمَا قَالَهُ سم خِلَافًا لِلنَّاصِرِ.

(قَوْلُهُ: خِلَافُ الْمَعْنَى) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ هُنَا وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ مَدْلُولِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بِالدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أُضِيفَ لَهُ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ

إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا

جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا

ص: 292

عَنْ مَدْلُولِ ذَلِكَ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا حَدُّوا الْقُرْآنَ مَعَ تَشَخُّصِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ لِيَتَمَيَّزَ مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ عَمَّا لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ -

ــ

[حاشية العطار]

لَا بِالدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي حَقِّنَا وَوَجْهُ إضَافَتُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ صِفَتُهُ وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَهُ بِرُقُومِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَنَعَ السَّلَفُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَدَبًا وَتَحَرُّزًا عَنْ ذَهَابِ الْوَهْمِ إلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَدُّوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْأَشْخَاصُ لَا تُحَدُّ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا التَّعْرِيفُ وَالْأُصُولِيُّونَ كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيهِ وَالْمَحَافِظُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَنَاطِقَةُ.

(قَوْلُهُ: مَعَ تَشَخُّصِهِ) أَيْ وَذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ حَدِّهِ إذْ لَا يَقَعُ فِيهِ اشْتِرَاكٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَقْرَأَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَيُقَالُ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَكَوْنُ الْقُرْآنِ وَاحِدًا بِالشَّخْصِ وَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ هُوَ مَا حَقَّقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الْمُؤَلَّفِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَلَفِّظِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِ جِبْرِيلَ عليه السلام وَلَوْ كَانَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْقَائِمِ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ لَكَانَ هَذَا مُمَاثِلًا لَهُ لَا عَيْنَهُ ضَرُورَةً أَنَّ الْأَعْرَاضَ تَتَشَخَّصُ بِمُحَالِهَا فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُحَالِ اهـ.

أَيْ فَهَذَا التَّعَدُّدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْكَلَامِ الْمُلْتَزَمِ فِيهِ نِظَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ هَذَا التَّعَدُّدَ كَانَ عِلْمَ جِنْسٍ فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلِ الْكُورَانِيِّ إنَّ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَ لَفْظَانِ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَبَيْنَ اللَّفْظِ الْمَتْلُوِّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ الْحَادِثِ وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلْمُ شَخْصٍ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الثَّانِي عِلْمُ جِنْسٍ لِاخْتِلَافِ الْمُحَالِ وَهِيَ أَلْسِنَةُ الْعِبَادِ إذْ اخْتِلَافُ الْمُحَالِ يُنَافِي التَّشَخُّصَ.

(قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِحَدُّوا.

(قَوْلُهُ: لِيَتَمَيَّزَ) أَيْ لَا لِتَصَوُّرِ مَاهِيَّتِه.

(قَوْلُهُ: مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ) أَيْ مَعَ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ ضَبْطِ كَثْرَةِ أَجْزَائِهِ بِبَيَانِ اشْتِرَاكِهَا فِي الِاتِّصَافِ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِفَائِدَةٍ ثَانِيَةٍ لِحَدِّهِ.

(قَوْلُهُ: عَمَّا لَا يُسَمَّى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِيَتَمَيَّزَ أَيْ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ مَدْلُولِ عَمَّا لَيْسَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ

ص: 293

مِنْ الْكَلَامِ فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى قُرْآنًا بِالْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مَثَلًا وَبِالْإِعْجَازِ أَيْ إظْهَارُ صِدْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَاهُ الرِّسَالَةَ.

مَجَازًا عَنْ إظْهَارِ عَجْزِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ الْأَحَادِيثَ الرَّبَّانِيَّةَ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» إلَخْ وَغَيْرِهِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِعْجَازِ، وَإِنْ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَيْ أَيِّ سُورَةٍ كَانَتْ مِنْ جَمِيعِ سُوَرِهِ حِكَايَةً لِأَقَلَّ مَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْجَازُ الصَّادِقُ بِالْكَوْثَرِ أَقْصَرِ سُورَةٍ وَمِثْلُهَا فِيهِ قَدْرُهَا مِنْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا

ــ

[حاشية العطار]

وَالْإِعْجَازَ وَالسُّورَةَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِتَمْيِيزِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِلْإِعْجَازِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ذَاتِيًّا أَوْ عَرَضِيًّا وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ السُّورَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَيَدُورُ فَهَذَا التَّمْيِيزُ كَمَا قَالَ النَّاصِرُ تَمْيِيزٌ فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحَقِيقَةِ اهـ.

وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا وسم حَاوَلَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَذَلِكَ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالتَّمْيِيزِ فِي التَّسْمِيَةِ غَايَةُ التَّعَسُّفِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِنْ الْمُتَعَسِّفِ، فَإِنَّا لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْعِبَارَاتُ كَثِيرًا مَا يُتَسَامَحُ فِيهَا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بَلْ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْإِتْيَانُ بِنُقُولٍ كَثِيرَةٍ وَكَلَامٍ طَوِيلٍ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا تَسَامُحٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْكَلَامِ) مِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ لِمَا بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ أَوْ ابْتِدَائِيَّةٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ لِيَتَمَيَّزَ عَمَّا لَيْسَ بِاسْمِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا وَنَاشِئًا مِنْ الْكَلَامِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُ مَا ذَكَرَ عَنْ التَّسْمِيَةِ لَا عَنْ الْحَقِيقَةِ.

(قَوْلُهُ: بِالْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ وَاحِدٌ خَرَجَ بِهِ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَاَلَّذِي أَفَادَهُ أَرْبَابُ الْحَوَاشِي أَنَّ قَوْلَهُ الْمُنَزَّلُ خَرَجَ بِهِ الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَفْظًا مُنَزَّلًا إذْ الْمُنَزَّلُ مَعْنَاهَا وَالْمُعَبِّرُ عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِذَلِكَ جَوَّزُوا رِوَايَتَهَا بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ؛ وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ بِاجْتِهَادِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَرَجَ بِهِ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ غَيْرُ الْقُرْآنِ.

(قَوْلُهُ: الْأَحَادِيثُ غَيْرُ الرَّبَّانِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْكِيَّةً عَنْ اللَّهِ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) زَادَهَا لِإِدْخَالِ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ وَالصُّحُفِ.

(قَوْلُهُ: مَجَازًا عَنْ إظْهَارِ عَجْزِ الْمُرْسَلِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْإِعْجَازِ لُغَةً وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ وَإِنَّمَا صُرِفَ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّ التَّنْزِيلَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ حَقِيقَةٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ مَجَازٍ عَنْ حَقِيقَةٍ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي الْأَصْلِ إثْبَاتُ الْعَجْزِ، ثُمَّ نُقِلَ لِإِظْهَارِهِ ثُمَّ لِإِظْهَارِ صِدْقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ: الْأَحَادِيثُ الرَّبَّانِيَّةُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَنْزَلَ لَفْظَهَا وَقِيلَ النَّازِلُ الْمَعْنَى وَالْمُعَبِّرُ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ الْمُنَزَّلُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) كَالْمَوَاعِظِ وَالْأَحْكَامِ وَالتَّدَبُّرِ لِلْآيَاتِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمَوَاعِظُ وَالْأَحْكَامُ وَالتَّدَبُّرُ فَقَدْ شَارَكَهُ فِيهَا الْأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ:) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ حِكَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ سُوَرِهِ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْعِلْمِيُّ فَلَا يَرِدُ صِدْقُ التَّعْرِيفِ عَلَى بَعْضٍ.

(قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالْكَوْثَرِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ الْكَوْثَرُ، وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْإِعْجَازَ وَقَعَ بِكُلِّ الْقُرْآنِ وَبِعَشْرِ سُوَرٍ وَبِسُورَةٍ مِنْهُ فَالسُّورَةُ أَقَلُّ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ الْقُرْآنِ وَالْعَشْرُ وَذَلِكَ الْأَقَلُّ صَادِقٌ بِسُورَةِ الْكَوْثَرِ وَلَمْ يَقَعْ الْإِعْجَازُ بِخُصُوصِهَا بَلْ بِمَا يُصَدَّقُ بِالسُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْهَا وَالصَّادِقَةُ بِهَا.

(قَوْلُهُ: أَقْصَرِ سُورَةٍ) مَجْرُورُ بَدَلٍ مِنْ الْكَوْثَرِ أَنْ قَرَأَ سُورَةً بِهَاءِ التَّأْنِيثِ وَنَعْتٍ أَيْضًا أَنْ قَرَأَ بِهَا الضَّمِيرَ.

(قَوْلُهُ: قَدْرُهَا) أَيْ فِي عَدَدِ الْآيَاتِ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الصَّادِقِ بِآيَتَيْنِ وَبِآيَةٍ وَبِدُونِهَا لِيُوَافِقَ قَوْلَهُمْ الْإِعْجَازُ إنَّمَا يَقَعُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا دُونَهَا) فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: 34] وَهُوَ صَادِقٌ بِالْآيَةِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ كَمَا يُصَدَّقُ بِذَلِكَ يُصَدَّقُ بِالْكُلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ اهـ.

وَنَقَلَ زَكَرِيَّا عَنْ الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّ الْإِعْجَازَ يَقَعُ بِالْآيَتَيْنِ وَبِالْآيَةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا بِهِ التَّعْجِيزُ لَا فِي كَثَمَّ نَظَرٌ

ص: 294

وَفَائِدَتُهُ كَمَا قَالَ دَفْعُ إيهَامِ الْعِبَارَةِ بِدُونِهِ أَنَّ الْإِعْجَازَ بِكُلِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَبِالْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ أَيْ أَبَدًا مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ كَمَا قَالَ مِنْهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِلْحَاجَةِ فِي التَّمْيِيزِ إلَى إخْرَاجِ ذَلِكَ زَادَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِهِ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ.

(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ (الْبَسْمَلَةُ أَوَّلُ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ)

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهُ) أَيْ فَائِدَةُ حِكَايَةِ أَقَلِّ مَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْجَازُ أَيْ مِنْ فَوَائِدِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْكُلِّ دُونَ أَبْعَاضِهِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ دَفْعُ إيهَامٍ إلَخْ أَيْ لِلِاحْتِرَازِ وَلَا لِلْبَيَانِ، فَإِنَّ الْقُيُودَ فِي التَّعْرِيفِ تَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ أَبَدًا) إنَّمَا زَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ تَعَبَّدَ بِهِ فِيمَا مَضَى، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ التَّأْبِيدَ إلَّا بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا فِي حَيَاتِهِ لِجَوَازِ نَسْخِهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ قُيُودٌ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُ مَنْ أُلْقِيَتْ إلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ شَرْطٌ لِاسْتِمْرَارِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا لِثُبُوتِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الثُّبُوتِ حَاصِلٌ بِنُزُولِهِ.

(قَوْلُهُ: مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَعَبَّدَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلِحَاجَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ) لِأَنَّ التَّعَبُّدَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِإِفَادَةِ التَّصَوُّرِ وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَصَوُّرُهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ الدُّورُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَدَّ كَمَا يُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُ التَّصَوُّرِ قَدْ يُرَادُ بِهِ تَمْيِيزُ تَصَوُّرٍ حَاصِلٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مِنْ بَيْنِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْمُرَادُ بِتَحْدِيدِ الْقُرْآنِ تَمْيِيزُ مُسَمَّاهُ عَمَّا عَدَاهُ بِحَسَبِ الْوُجُودِ وَالشَّيْءُ قَدْ يُمَيَّزُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ لِمَنْ تَصَوَّرَهُ بِأَمْرٍ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا هَذَا، فَإِنَّ تَحْدِيدَ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ إلَخْ حَدَّ لَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ وَالْإِعْجَازَ مَعَ بَقِيَّةِ الْقُيُودِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْقُرْآنِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْبَسْمَلَةُ) عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَعَلَيْهِ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَفُقَهَاؤُهُمَا وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَخَالَفَهُمْ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَفُقَهَاؤُهَا وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إنَّهَا آيَةُ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ. وَلَمْ يَنُصَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ بِشَيْءِ وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْرَؤُهَا الْمُصَلِّي وَيُسِرُّهَا.

وَقَالَ يَعْلَى سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْهَا فَقَالَ: مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قُرْآنٌ، فَقُلْت فَلِمَ سَرَّهُ؟ فَلَمْ يُجِبْنِي. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: تَوَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ.

وَقَالَ الْفَنَاِريُّ الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: لَعَلَّ عَدَمَ إجَابَتِهِ لِظُهُورِ وَجْهِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْحَنَفِيَّةِ الْإِخْفَاءُ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ غَفِيرٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي إخْفَائِهَا اهـ.

قِيلَ وَالْأَصَحُّ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا آيَةٌ فَذَّةٌ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَالتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا فَلِذَلِكَ أُخِّرَتْ عَنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَكُتِبَتْ بِقَلَمِ الْوَحْيِ وَحَبَّرَهُ وَخَطَّهُ فِي الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِعَاذَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنْ بِتَغْلِيبٍ، فَإِنَّ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلُ الْفَاتِحَةِ قُرْآنٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا أَوْ حُكْمًا لَا قَطْعًا وَجْهَانِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الثَّانِي.

وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعْنَى الْحُكْمِ هُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِئًا لِلسُّورَةِ بِكَمَالِهَا إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنًا بِقَاطِعٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحِجْرُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا خَارِجَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْهُ بِقَاطِعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ لَا مَا نَقَلَ آحَادًا وَلِاقْتِصَارِ الشَّارِحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ هُنَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إلَخْ وَبِكَوْنِهَا قُرْآنًا حُكْمًا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْقُرْآنَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوَاتُرِ فَمَنْ زَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ يُكَفِّرُ وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهُ يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيرَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّ قُرْآنِيَّتَهَا حُكْمِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ

ص: 295

لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ كَذَلِكَ بِخَطِّ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ مَعَ مُبَالَغَتِهِمْ فِي أَنْ لَا يُكْتَبَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى النَّقْطُ وَالشَّكْلُ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَتْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ لِابْتِدَاءِ الْكِتَابِ عَلَى عَادَةِ اللَّهِ فِي كُتُبِهِ وَمِنْهُ سُنَّ لَنَا ابْتِدَاءُ الْكُتُبِ بِهَا وَفِي غَيْرِهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهِيَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ النَّمْلِ إجْمَاعًا وَلَيْسَتْ مِنْهُ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

لَا قَطْعِيَّةٌ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، وَالظَّنُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّوَاتُرِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْآحَادُ إلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَفْيِ الْقُرْآنِيَّةِ عَمَّا نُقِلَ آحَادًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَوْصِيَةَ الصَّحَابَةِ وَمُبَالَغَتَهُمْ فِي تَجْدِيدِ الْمُصْحَفِ عَمَّا لَيْسَ بِقُرْآنِ عَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَابِتَةٌ بِالتَّوَاتُرِ مُنَادِيَةً أَنَّ نَقْلَ التَّسْمِيَةِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى قُرْآنِيَّتِهَا.

وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ عَادَةٌ مِثْلُهَا وَهِيَ أَنَّهَا فِي الشَّرِيعَةِ شِعَارُ الْفَصْلِ وَعِنْوَانُ التَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا فَلِمُعَارَضَةِ الْعَادَتَيْنِ فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ لَمْ يُكَفِّرْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ الشُّبْهَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ دَلِيلِ كُلِّ طَائِفَةٍ قَوِيَّةٌ فِي حَقِّ الْأُخْرَى.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْهُ لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَالْحَقُّ مَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْبَسْمَلَةِ بِالتَّوَاتُرِ لَكِنْ لَا عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهَا قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُ قُرْآنٍ كَيْفَ وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلَى افْتِتَاحِ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ إلَخْ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قُرْآنِيَّتهَا لِاحْتِمَالِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَأَمَّا تَعَيُّنُ قِرَاءَتِهَا فِي الْفَاتِحَةِ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ التَّالِي بِتَعَمُّدِ تَرْكِهَا عِنْدَنَا فِيهَا فَلِمَعْنَى يَخُصُّ الصَّلَاةَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ إلَخْ) دَلِيلٌ اقْتِرَانِيٌّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ الشَّارِحُ صُغْرَاهُ وَطَوَى الْكُبْرَى وَذَكَرَ دَلِيلَهَا تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْبَسْمَلَةُ مَكْتُوبَةٌ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ بِخَطِّ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ قُرْآنٌ فَالْبَسْمَلَةُ قُرْآنٌ أَمَّا الصُّغْرَى فَبَدِيهِيَّةٌ، وَأَمَّا الْكُبْرَى فَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهَا بِقَوْلِهِ: إنَّ الصَّحَابَةَ بَالَغُوا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بِخَطِّ السُّوَرِ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ: إنَّ أَسْمَاءَ السُّوَرِ كَذَلِكَ مَكْتُوبَةٌ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا بِغَيْرِ خَطِّ الْمُصْحَفِ بَلْ مُتَمَيِّزَةٌ بِخَطٍّ آخَرَ وَمِدَادٍ آخَرِ.

(قَوْلُهُ: فِي مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ) نُسِبَ إلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا نُسِبَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي جَمْعِهِ.

(قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكْتُبَ فِيهَا لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ بِخَطِّ السُّوَرِ فَحُذِفَ الْقَيْدُ مِنْ هَذَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ أَسْمَاءَ السُّوَرِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى النُّقَطُ وَالشَّكْلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا الْمَجْرُورَةُ فِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ وَهُوَ غَايَةٌ فِي الْمُبَالَغَةِ أَيْ انْتَهَتْ مُبَالَغَتُهُمْ إلَى عَدَمِ كِتَابَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِ كِتَابَةِ آمِينَ وَالِاسْتِعَاذَةِ أَيْضًا مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ سُنَنِ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ تَرَاجِمَ السُّوَرِ وَكَذَا النَّقْطُ وَالشَّكْلُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ لَنَا أَيْضًا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«فَاتِحَةُ الْكِتَابِ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْلَاهُنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» .

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي) هُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ لِتَقْوِيَةِ مَذْهَبِهِ.

(قَوْلُهُ: لَيْسَتْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ إلَخْ) مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ كِتَابَتِهَا فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرَ لَمَا سَاغَ كِتَابَتَهَا بِخَطِّ السُّوَرِ لِمُبَالَغَةِ الصَّحَابَةِ فِي تَجْرِيدِ الْقُرْآنِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَكُتِبَتْ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ وَمَا ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ نَفَى كَوْنَهَا قُرْآنًا بَلْ قَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَثْبَتَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي نُزُولِهَا قُرْآنًا فَمُحْتَمَلٌ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِالْقَاطِعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كِتَابَتِهَا بِخَطِّ السُّوَرِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَجْرِيدِ الْقُرْآنِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ زَكَرِيَّا وَيُقَوِّيهِ مَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ

ص: 296

لِنُزُولِهَا بِالْقِتَالِ الَّذِي لَا تُنَاسِبُهُ الْبَسْمَلَةُ الْمُنَاسِبَةُ لِلرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ (لَا مَا نُقِلَ آحَادًا) قُرْآنًا كَإِيمَانِهِمَا فِي قِرَاءَةِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا إيمَانَهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ (عَلَى الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِإِعْجَازِهِ النَّاسَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَفْسِهِ تَوَاتُرًا وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لِعَدَالَةِ نَاقِلِهِ وَيَكْفِي التَّوَاتُرُ فِيهِ.

(وَ) الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ

ــ

[حاشية العطار]

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَنْ تَرَكَهَا أَيْ الْبَسْمَلَةَ فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْعَادَةِ وَذَكَرَ بِتَأْوِيلِهَا بِالِاعْتِيَادِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِلْفَصْلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْرَفُ إلَخْ) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِهَا لِلْفَصْلِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهَا مِمَّا بَعْدَهَا وَلِعَدَمِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ مِنْهُ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ) الْمُنَاسِبُ وَلَمْ تُوجَدْ لِإِيهَامِ عِبَارَتِهِ أَنَّهَا وُجِدَتْ أَوَّلُ بَرَاءَةٍ لَكِنْ لَيْسَتْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ قَالَ سم وَلَمْ يَقُلْ إجْمَاعًا لَعَلَّهُ لِتَرَدُّدِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ نِسْبَةَ الشَّارِحِ لِلتَّرَدُّدِ فِي مِثْلِهِ مِمَّا يَقْدَحُ فِي سَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْسُبُهُ لِسَعَةِ الِاطِّلَاعِ فِي مَوَاضِعَ يُخَالِفُ فِيهَا الْجَمَّ الْغَفِيرَ مَعَ نِسْبَةِ التَّرَدُّدِ إلَيْهِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْهُ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْإِجْمَاعِ لِظُهُورِهِ وَلَا غِنَاءَ ذَكَرَهُ قَبْلَهُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَالرِّفْقِ) عَطْفُ مُرَادِفٍ وَالرَّحْمَةُ وَالرِّفْقُ مُنَافِيَانِ لِلْقِتَالِ الَّذِي تَضَمَّنَتْ الْأَمْرَ بِهِ.

(قَوْلُهُ: لَا مَا نُقِلَ آحَادًا) أَيْ غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا نُقِلَتْ آحَادًا لِيَصِحَّ الْعَطْفُ بِلَا، فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَ أَحَدُ مُتَعَاطِفَيْهَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ سم وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْت.

(قَوْلُهُ: تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي) أَيْ تَكْثُرُ وَضَمِنَهُ مَعْنَى تَجْمَعُ فَعَدَّاهُ بِعَلَى.

(قَوْلُهُ: تَوَاتُرًا) فَلَوْ كَانَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا لِتَوَاتُرِ نَقْلُهُ.

(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي التَّوَاتُرُ فِيهِ) أَيْ الْعَصْرِ الْأَوَّلُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ الْأَوَّلِ غَيْرَ قُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لِانْقِطَاعِ تَوَاتُرِهِ وَالْكَلَامُ فِي الْقُرْآنِ الْمُسْتَمِرَّةُ قُرْآنِيَّتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَزْمَانِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ فِي الْمَنْقُولِ قُرْآنًا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ

(قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ إلَخْ) هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا آحَادٌ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ وَالْمُرَادُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ عَنْ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ الْمَخْصُوصِ بِتَمَامِهَا كَنَافِعٍ مَثَلًا بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ آحَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْإِلْزَامُ نَفْيُ التَّوَاتُرِ عَنْ الْقُرْآنِ كُلِّهِ وَالْإِجْمَاعُ خِلَافُهُ وَهُنَا بَحْثَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَسَانِيدَ إلَى الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَأَسَانِيدِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْقِرَاءَةِ آحَادٌ لَا تَبْلُغُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّوَاتُرُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ انْحِصَارَ الْأَسَانِيدِ الْمَذْكُورَةِ فِي طَائِفَةِ لَا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا نُسِبَتْ الْقِرَاءَةُ إلَى الْأَئِمَّةِ وَمَنْ ذُكِرَ فِي أَسَانِيدِهِمْ وَالْأَسَانِيدُ إلَيْهِمْ لِتَصَدِّيهِمْ لِضَبْطِ الْحُرُوفِ وَحِفْظِ شُيُوخِهِمْ فِيهَا وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي طَبَقَتِهِ مَا يَبْلُغُهَا عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ تَلَقَّاهُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ دَائِمًا مَعَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لِقِرَاءَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِالْقَبُولِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ لَمَا تَعَارَضَتْ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ

ص: 297

الْمَعْرُوفَةُ لِلْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ (مُتَوَاتِرَةٌ) مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَيْنَا أَيْ نَقَلَهَا عَنْهُ جَمْعٌ يَمْتَنِعُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لِمِثْلِهِمْ وَهَلُمَّ (قِيلَ) يَعْنِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (فِيمَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ) أَيْ فَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ بِأَنْ كَانَ هَيْئَةً لِلَّفْظِ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ وَذَلِكَ (كَالْمَدِّ) الَّذِي زِيدَ فِيهِ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا عَلَى أَصْلِهِ حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ أَلِفَيْنِ فِي نَحْوِ جَاءَ وَمَا أَنْزَلَ وَوَاوَيْنِ فِي نَحْوِ: السُّوءُ، وَقَالُوا: أَنُؤْمِنُ، وَيَاءَيْنِ فِي نَحْو: جِيءَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِنِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِنِصْفٍ أَوْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ طُرُقٌ لِلْقُرَّاءِ (وَالْإِمَالَةُ) الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ مَعَ الْفَتْحِ مَحْضَةٌ أَوْ بَيْنَ بَيْنَ بِأَنْ يُنَحِّيَ بِالْفَتْحَةِ فِيمَا يُمَالُ كَالْغَارِ نَحْوَ الْكَسْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبِ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْفَتْحَةِ.

(وَتَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ) الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ مِنْ التَّحْقِيقِ نَقْلًا نَحْوَ {قَدْ أَفْلَحَ} [المؤمنون: 1] وَإِبْدَالًا نَحْوَ يُؤْمِنُونَ وَتَسْهِيلًا نَحْوَ أَيِنَّكُمْ وَإِسْقَاطًا نَحْو {جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: 61](قَالَ أَبُو شَامَةَ وَالْأَلْفَاظُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ) أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَدَاءِ الْكَلِمَةِ يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ كَأَلْفَاظِهِمْ فِيمَا فِيهِ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ نَحْوَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] بِزِيَادَةٍ عَلَى أَقَلِّ التَّشْدِيدِ مِنْ مُبَالَغَةٍ أَوْ تَوَسُّطٍ وَغَيْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَبِي شَامَةَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا قَالَاهُ وَالْمُصَنِّفُ

ــ

[حاشية العطار]

وَجَوَابُهُ أَنَّا نَمْنَعُ التَّعَارُضَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ بِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ لَا يُنْكِرُ الْأُخْرَى وَلَا يَتَأَتَّى التَّعَارُضُ إلَّا لَوْ نَفَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِ وَشُهْرَتُهُ بِرِوَايَتِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْفِي غَيْرَهَا كَأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ.

(قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفَةُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ.

(قَوْلُهُ: يَمْتَنِعُ عَادَةً) أَيْ يُحِيلُ الْعَقْلُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ تَوَافُقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ كَانَ التَّوَافُقُ قَصْدًا أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ) لِأَنَّ الْهَيْئَةَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا مِنْ قِرَاءَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ الْكُورَانِيِّ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ نَقْلَةَ الْمُدُودِ هُمْ نَقَلَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ الْمَدُّ وَنَحْوُهُ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ لَزِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ أَصْلُ الْمَدِّ وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ مَا يَتَحَقَّقُ اللَّفْظُ بِدُونِهِ وَهُوَ مَا زِيدَ فِي الْمَدِّ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الَّذِي زِيدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِنِصْفِ إلَخْ) فَيَكُونُ ثَلَاثُ حَرَكَاتٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ اثْنَيْنِ) فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ حَرَكَاتٍ.

(قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ) ، وَأَمَّا أَصْلُ الْإِمَالَةِ فَمُتَوَاتِرٌ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْفَتْحِ) بَيَانٌ لِلْأَصْلِ وَقَوْلُهُ: نَفْلًا إلَخْ حَالٌ مِنْ التَّخْفِيفِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو شَامَةَ وَالْأَلْفَاظِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمَدِّ.

(قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ وَسَيَظْهَرُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَجْهُ الْعِنَايَةِ.

(قَوْلُهُ: كَأَلْفَاظِهِمْ) أَيْ تَلَفُّظِهِمْ وَنُطْقِهِمْ فَصَحَّتْ الظَّرْفِيَّةُ.

(قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ) حَالٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْيَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَقَلِّ التَّشْدِيدِ) الَّذِي هُوَ مُتَوَاتِرٌ.

(قَوْلُهُ: هِيَ مُبَالَغَةٌ أَوْ تَوَسُّطٌ) بَيَانٌ لِلزِّيَادَةِ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى وَجْهِ ضَعْفِهِ وَأَنَّهُ قَوْلٌ لَا سَلَفَ لَهُمَا فِيهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي أَوَّلِ النَّشْرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ عَلَى تَوَاتُرِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَافَقَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا ضَعَّفَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ تَوَاتُرِ كُلٍّ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إمَّا جَزْمًا أَوْ تَرَدُّدًا.

(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) هُوَ الْمَدُّ وَالثَّانِي الْإِمَالَةُ وَالثَّالِثُ التَّخْفِيفُ وَالرَّابِعُ الْأَلْفَاظُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ.

(قَوْلُهُ: وَمَقْصُودُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْعِنَايَةُ السَّابِقَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ

ص: 298

وَافَقَ عَلَى عَدَمِ تَوَاتُرِ الْأَوَّلِ وَتَرَدَّدَ فِي تَوَاتُرِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِتَوَاتُرِ الثَّالِثِ بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ فِي الرَّابِعِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَمَقْصُودُهُ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي شَامَةَ الْمُتَنَاوِلُ بِظَاهِرِهِ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ زِيَادَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الَّتِي مَثَّلَهَا بِمَا تَقَدَّمَ.

عَلَى أَنَّ أَبَا شَامَةَ لَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ إذْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ مَا شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُقْرِئِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ نَقُولُ بِهِ فِيمَا اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ نُفِيَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ لَا سِيَّمَا كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ وَالْمَشَارِقَةِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نَلْتَزِمُ التَّوَاتُرَ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَيْ بَلْ مِنْهُمَا الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ مَا اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمْ وَغَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَهُوَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ وَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ، وَإِنْ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ) أَيْ مَا نُقِلَ قُرْآنًا آحَادًا لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجِهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَكَانَ قَارِئُهُ عَامِدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ وَقِرَاءَاتُ يَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا (وِفَاقًا لِلْبَغَوِيِّ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ رَسْمَ السَّبْعِ مِنْ صِحَّةِ السَّنَدِ وَاسْتِقَامَةِ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ

ــ

[حاشية العطار]

تَوْطِئَة لِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: الْمُتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ) وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى نَقْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْ أَبِي شَامَةَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ فِيهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَهُوَ اعْتِرَاضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ حَيْثُ نُقِلَ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْ الْقُرَّاءِ وَاَلَّتِي اخْتَلَفَتْ وَهُوَ قَائِلٌ بِالثَّانِي فَقَطْ، وَحَيْثُ خَصَّ كَلَامَهُ بِمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ بِظَاهِرِهِ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: فِي كِتَابِهِ الْمُرْشِدِ) هُوَ الْمُرْشِدُ اخْتَصَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ.

(قَوْلُهُ: فِيمَا اتَّفَقَتْ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ كَلَامُ الْقُرَّاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهُ.

(قَوْلُهُ: دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ) كَأَنْ نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ قَارِئٍ وَنَفَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الطُّرُقِ) هُمْ رُوَاةُ الرُّوَاةِ كَرُوَاةِ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ أَبِي شَامَةَ وَآخِرُهُ قَوْلُهُ: بَيْنَ الْقُرَّاءِ.

(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) بِأَنْ نُفِيَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الطُّرُقُ.

(قَوْلُهُ: يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ إلَخْ) أَيْ وَالْمُصَنِّفُ خَصَّهُ بِمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ فَقَدْ خَصَّصَ فِي مَوْضِعِ التَّعْمِيمِ وَعَمَّمَ فِي مَوْضِعِ التَّخْصِيصِ

(قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ) أَيْ يَمْتَنِعُ قِرَاءَتُهُ مَعَ اعْتِقَادِ قُرْآنِيَّتِهِ بَلْ مُجَرَّدُ اعْتِقَادِ قُرْآنِيَّتِهِ كَذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ قِرَاءَتِهِ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ إلَّا إنْ خَلَطَهُ بِالْقُرْآنِ وَقَرَآهُمَا مَعًا عَلَى مَسَاقٍ يَدُلُّ عَلَى قُرْآنِيَّةِ الْجَمِيعِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَا نُقِلَ قُرْآنًا آحَادًا) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنَاطَ الْجَوَازِ التَّوَاتُرُ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَنْقُولِ آحَادًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ السَّنَدِ ذَا وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ إلَخْ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ اللَّائِقُ بِالشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فِي مَا سَيَأْتِي فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ بَدَلُ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ إلَخْ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِتَوَاتُرِ الثَّلَاثِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ اهـ.

فَقَدْ خَلَطَ الشَّارِحُ طَرِيقَةَ الْأُصُولِيِّينَ بِطَرِيقَةِ الْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَفَادَهُ الْكَمَالُ وَسَيَأْتِي الِاعْتِذَارُ عَنْ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْمَعْنَى) أَيْ إنْ زَادَ حَرْفًا أَوْ نَقَصَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدَ سم الزِّيَادَةَ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى قَالَ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الزِّيَادَةِ لَا تُبْطِلُ، وَإِنْ لَمْ تَرِدْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُمْ فَكَيْفَ إذَا وَرَدَتْ.

(قَوْلُهُ: عَالِمًا) أَيْ بِالْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ رَسْمَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ التَّعْرِيفُ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِضَابِطٍ لِلْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَكُلُّ قِرَاءَةٍ اجْتَمَعَتْ فِيهَا هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فَهِيَ مُعْتَمَدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَمْ لَا وَكُلُّ قِرَاءَةٍ اخْتَلَّ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْهَا فَهِيَ شَاذَّةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ

ص: 299

وَمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْعَزْوِ إلَى الْبَغَوِيّ عَدَمُ ذِكْرِهِ خَلَفًا، فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ الْقِرَاءَاتِ التِّسْعَةِ إذْ لَهُ فِي كُلِّ حَرْفٍ مُوَافِقٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَيْئَةٌ لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَجُعِلَتْ قِرَاءَةٌ تَخُصُّهُ (وَقِيلَ) الشَّاذُّ (مَا رَوَاهُ السَّبْعَةُ) فَتَكُونُ الثَّلَاثُ مِنْهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا عَلَى هَذَا، وَإِنْ حَكَى الْبَغَوِيّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِخَلَفٍ كَمَا تَقَدَّمَ (أَمَّا إجْرَاؤُهُ مَجْرَى) الْأَخْبَارِ (الْآحَادِ) فِي الِاحْتِجَاجِ (فَهُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ

ــ

[حاشية العطار]

وَحَيْثُ مَا يَخْتَلُّ رُكْنٌ أَثْبِتَ

شُذُوذَهُ لَوْ أَنَّهُ فِي السَّبْعَةِ

وَعَلَى هَذَا دَرَجَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الْبَغَوِيّ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْقِرَاءَةَ إلَى مُتَوَاتِرَةٍ وَهِيَ مَا تَوَاتَرَ نَقْلُهَا وَصَحِيحَةٍ وَهِيَ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ وَشَاذَّةٌ وَهِيَ مَا سِوَاهُمَا، وَجَوَّزُوا الْقِرَاءَةَ بِالْأَوَّلِينَ.

وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَلَا يَكْتَفُونَ بِذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِطُونَ التَّوَاتُرَ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْقِرَاءَةُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ هَذَا.

وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ ضَبْطَ الْقُرَّاءِ بِاسْتِقَامَةِ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَائِلًا: إنْ أَرَادُوا الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ الْجَادَّةُ لَزِمَ شُذُوذُ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] ، وَإِنْ أَرَادُوا وَجْهًا وَلَوْ بِتَكَلُّفِ شُذُوذِ خُرُوجٍ عَنْ الْأُصُولِ فَمُمْكِنٌ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ اهـ.

قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ لَكِنْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ أَمَّا مَا تَوَاتَرَ فَتَجُوزُ بِهِ الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يَقْطَعُ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّوَقُّفُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ.

وَفِي الْكَشَّافِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ بِرَفْعِ الْقَتْلِ وَنَصْبِ الْأَوْلَادِ وَجَرِّ الشُّرَكَاءِ عَلَى إضَافَةِ الْقَتْلِ إلَى الشُّرَكَاءِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الظَّرْفِ فَشَاذٌّ قَالَ: وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ شُرَكَائِهِمْ مَكْتُوبًا بِالْيَاءِ وَلَوْ قَرَأَ بِجَرِّ الْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لَوَجَدَ فِي ذَلِكَ مَنْدُوحَةً عَنْ هَذَا الِارْتِكَابِ اهـ.

وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ سَقَطَاتِهِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ لَا بِطَرِيقِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا رَأَيْنَا تَرْكَهُ خَيْرًا مِنْ ذِكْرِهِ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَمُوَافَقَةُ خَطِّ) وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الطُّرُقِ.

(قَوْلُهُ: الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ) هُوَ مُصْحَفُ عُثْمَانَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْمَصَاحِفِ وَقُدْوَتُهَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمَوْجُودَ أَوَّلَ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ ذِكْرُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ دُونَ خَلَفٍ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الْجَوَابِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ.

(قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَرْفٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا الْقِرَاءَةُ.

(قَوْلُهُ: فَجُعِلَتْ قِرَاءَةً تَخُصُّهُ) فَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ وَالْبَغَوِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِرَاءَةً مُسْتَقِلَّةً.

(قَوْلُهُ: مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) أَيْ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَنْ السَّبْعَةِ إمَامًا وَافَقَ فِيهِ غَيْرَ وَاحِدٍ قَطْعًا مِنْ السَّبْعَةِ فَمُتَوَاتِرٌ.

(قَوْلُهُ: فَتَكُونُ الثَّلَاثُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّاذِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ اعْتِمَادُهُ لَكِنَّ أَئِمَّةَ الْقُرَّاءِ عَلَى إنْكَارِهِ أَشَدُّ إنْكَارٍ حَتَّى لَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَظَّرَ الْقِرَاءَةَ بِالثَّلَاثِ الزَّائِدَةِ عَلَى السَّبْعِ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَى الْبَغَوِيّ الِاتِّفَاقَ) أَيْ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّ الشَّاذَّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ.

(قَوْلُهُ: مُجْرَى) بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرُّبَاعِيِّ، ثُمَّ لَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ آحَادًا وَإِنَّمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهَا مَعَ أَنَّهُ آحَادٌ بَيْنَ الشَّارِحِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْأَخْبَارُ إلَخْ وَقَرِينَةُ هَذَا الْمَحْذُوفِ إشْعَارُ لَفْظِ الْآحَادِ بِهَا، فَإِنَّ مَوْصُوفَهَا الْمَنْقُولَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ خَبَرًا.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ قُلْنَا: الشَّاذُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ فَغَايَرَ الصَّحِيحُ السَّابِقَ وَالْأَحْسَنُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا إجْرَاؤُهُ لِلشَّاذِّ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الْكُورَانِيُّ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَذْهَبَ الرَّاوِي وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ قَطْعَ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لَا يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ ثُبُوتِ رَفْعِهِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ اهـ.

وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَرْفُوعٌ قَطْعًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ تَحْرِيرُ كَوْنِهِ مَذْهَبَ الرَّاوِي، بَلْ لَوْ سُلِّمَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ عَدَمُ تَصْرِيحِ الرَّاوِي بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إذْ

ص: 300

خُصُوصِ قُرْآنِيَّتِهِ انْتِفَاءُ عُمُومِ خَبَرِيَّتِهِ، وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ قُرْآنًا وَلَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ احْتِجَاجُ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَائِنَا عَلَى قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ أَيْمَانِهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بِقِرَاءَةِ مُتَتَابِعَاتٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها نَزَلَتْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ.

(وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ مَا لَا مَعْنَى لَهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْقُرْآنِيَّةُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الرَّفْعِ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنه اسْتَدَلَّ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا قِرَاءَةً شَاذَّةً، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الِاحْتِجَاجَ بِهَا فِيمَا حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ التَّتَابُعَ إلَخْ فَقَدْ دَفَعَهُ الشَّارِحُ وَبَقِيَ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ السُّنَّةِ أَنَّ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ الْمَنْقُولُ آحَادًا إذَا كَانَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّاذَّ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ آحَادًا وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا فَمَعَ الْقَطْعِ بِكَذِبِهِ كَيْفَ يَصِحُّ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَكَيْفَ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ صِحَّةُ السَّنَدِ وَاسْتِقَامَةُ الْوَجْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ الْمُصْحَفِ الْإِمَام، وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ.

وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إمَّا بِأَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَ الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُرْآنِيَّةُ لَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا كَانَتْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا فَإِذَا سَقَطَتْ سَقَطَتْ مُطْلَقًا إذْ لَيْسَ لَهَا جِهَتَانِ حَتَّى تَسْقُطَ إحْدَاهُمَا وَتَبْقَى الْأُخْرَى وَإِمَّا بِأَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا إنَّمَا يَقْتَضِي نَقْلَهُ تَوَاتُرًا فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَالَةُ نَاقِلِيهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَطْعُ بِكَذِبِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِكَذِبِهِ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاتِرًا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ احْتِمَالًا لَهُ مُنْشَأٌ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ قُرْآنِيَّتِهِ قَطْعًا لَا فِي ثُبُوتِهَا فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ أَفَادَهُ سم.

(قَوْلُهُ: انْتِفَاءُ عُمُومِ خَبَرِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْخَاصِّ انْتِفَاءُ الْعَامِّ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ ادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِيهِ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ: لِأَنَّ نَاقِلَهَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَّا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُتْ خَبَرًا اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ قُرْآنًا) أَيْ لَا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ حَتَّى لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِ الْقُرْآنِيَّةِ نَفْيُ الْخَبَرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثْبُتْ) أَيْ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ فَلَا تَثْبُتُ خَبَرِيَّتُهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخَبَرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ) إنَّمَا أَتَى بِالْكَانِيَّةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النَّسْخَ لِلتِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: فَسَقَطَتْ) أَيْ نُسِخَتْ تِلَاوَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ دُونَ نَسْخٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ وُرُودُ مَا لَا مَعْنَى لَهُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوُرُودَ وَعَدَمَهُ لَيْسَ فِي قُدْرَتِنَا وَقَدْ تَرْجَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ لَا يُخَاطِبُ اللَّهُ بِمُهْمَلٍ وَهِيَ أَوْلَى وَإِنْ اسْتَلْزَمَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجِهَةِ عُمُومِهِ فَإِنَّ وُرُودَ مَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْقُرْآنِ شَامِلٌ لَأَنْ يَكُونَ خِطَابًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُهْمَلِ اللَّفْظُ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى أَصْلًا أَوْ مَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَيْفَ وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي أَعْلَا طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا فَصَاحَةُ الْكَلَامِ وَوُقُوعُ مَا يُخِلُّ بِالْفَصَاحَةِ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْهَا فَكَيْفَ بِالْمُهْمَلِ، وَأَيْضًا لَوْ تَلَفَّظَ وَاحِدٌ مِنَّا فِي خِطَابِهِ بِمُهْمَلٍ نُسِبَ إلَى هَذَيَانٍ وَعَبَثٍ فَكَيْفَ بِالْحَضْرَةِ الْعَلِيَّةِ، وَأَيْضًا لَوْ فُرِضَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ لَلَزِمَ إفْحَامُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يُخَاطِبُ بِهِ مَصَاقِعَ الْبُلَغَاءِ وَأَعَاظِمَ الْفُصَحَاءِ الَّذِينَ هُمْ نَقَدَةُ الْكَلَامِ وَحَاكَّةُ بُرَدَهُ وَقَدْ تَطَأْطَأَتْ رُءُوسُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَغْمَزًا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ لَفْظٌ مُهْمَلٌ لَسَارَعُوا إلَى الْمُبَادَرَةِ بِالطَّعْنِ فِيهِ وَأَيْضًا التَّمْثِيلُ الْمُورَدُ بِفَوَاتِحِ السُّوَرِ يَأْبَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْكُورَانِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ قَالَا: إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَقَالَ

ص: 301

فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خِلَافًا لِلْحَشَوِيَّةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ قَالُوا لَوَجَدُوهُ فِيهِ كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ أَوَائِلَ السُّوَرِ وَفِي السُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكِتَابِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرُوفَ أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ

ــ

[حاشية العطار]

الْآمِدِيُّ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً لَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا وَلَا إلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ وَاقِعٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ لَا يُقَالُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُقُوعُ لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِقْدَامُ عَلَى تَجْوِيزِ مِثْلِهِ تَجَاسُرٌ غَيْرُ لَائِقٍ فَإِنَّهُ نَقْصٌ وَالنَّقْصُ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ مُحَالٌ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ أَنْجَزَ آخِرًا إلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ قَالُوا لِوُجُودِهِ إلَخْ.

وَقَدْ يُقَالُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَأَنَّ الْمَعْنَى بِالْمُهْمَلِ مَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ بِحَسَبِ مُرَادِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَ فَهْمُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ أَنَّ اللَّفْظَ الْخَالِيَ عَنْ الْبَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مُهْمَلٌ اهـ.

وَقَدْ اسْتَدَلَّتْ الْحَشَوِيَّةُ أَيْضًا بِآيَةٍ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] بِالْوَقْفِ فَقَالُوا: لِكَوْنِ الْمُتَشَابِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ لَنَا فَقَدْ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِمَا لَا نَفْهَمُهُ وَهُوَ الْمُهْمَلُ نَقَلَهُ الْخُجَنْدِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَوَاتِحَ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَإِنْ فُهِمَ لَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِأَنَّهُ مُرَادُ قَائِلِهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ سَلَكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا حَيْثُ قَالُوا فِي الْفَوَاتِحِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَلَمَّا رَأَى الْحَشَوِيَّةِ أَنَّ مِثْلَهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ، وَمِنْهُ مُرَادُ قَائِلِهِ نَفَوْا الْمَعْنَى عَنْهُ أَصْلًا، وَقَالُوا: إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ بَلْ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَا فِي وُسْعِي مِنْ تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ كَتَبَ هَاهُنَا كَلَامًا شَافِيًا وَالشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ سَحَبَ ذَيْلَ الْقَوْلِ وَأَكْثَرَ النُّقُولَ وَارْتَكَبَ التَّأْوِيلَاتِ انْفَصَلَ عَلَى أَنْ لَا طَائِلَ مِنْ تَطْوِيلِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ

(قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْجَمَةَ الْمَسْأَلَةِ بِلَا يُخَاطِبُ اللَّهَ بِمُهْمَلٍ وَبِهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ بِشَيْءٍ وَلَا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ دُونَ السُّنَّةِ وَالشَّارِحُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَحْصُولِ وَحُكْمُ الرَّسُولِ فِي الِامْتِنَاعِ كَحُكْمِهِ تَعَالَى، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ نَقْصًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ نَقْصًا فِي حَقِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ جَائِزَانِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّنَّةِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ أُمُورٍ جُوِّزَتْ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرِ قَادِحَةٍ فِي الْعِصْمَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ ذِكْرُ السُّنَّةِ وَجَعَلَهَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا

(قَوْلُهُ: كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ) أَيْ كَأَسْمَائِهَا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْأَسْمَاءُ قَالَ فِي الْكَشَّافِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُتَهَجَّى بِهَا أَسْمَاءٌ مُسَمَّيَاتُهَا الْحُرُوفُ الْمَبْسُوطَةُ الَّتِي مِنْهَا رَكَّبْت الْكَلِمَ فَقَوْلُك ضَادٌ اسْمٌ مُسَمًّى بِهِ ضَهْ مِنْ ضَرَبَ إذَا تَهَجَّيْته.

وَقَدْ رُوعِيَتْ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُسَمَّيَاتِ لَمَّا كَانَتْ أَلْفَاظًا كَأَسَامِيهَا وَهِيَ حُرُوفُ وُجْدَانٍ، وَالْأَسَامِي عَدَدُ حُرُوفِهَا مُرْتَقٍ إلَى الثَّلَاثَة اتَّجَهَ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى أَنْ يَدُلُّوا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمُسَمَّى فَلَمْ يَعْقِلُوهَا وَجَعَلُوا الْمُسَمَّى صَدْرَ كُلِّ اسْمٍ مِنْهَا سِوَى الْأَلْفِ فَإِنَّهُمْ اسْتَعَارُوا الْهَمْزَةَ مَكَانَ مُسَمَّاهَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا سَاكِنًا وَهِيَ أَسْمَاءٌ مُعْرَبَةٌ وَإِنَّمَا سُكِّنَتْ سُكُونَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ حَيْثُ لَا يَمَسُّهَا إعْرَابٌ لِفَقْدِ مُقْتَضِيهِ وَمُوجِبِهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُكُونَهَا وَقْفٌ وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ أَنَّهَا لَوْ بُنِيَتْ لَحُذِيَ بِهَا حَذْوَ كَيْفَ وَأَيْنَ وَهَؤُلَاءِ وَلَمْ نَقُلْ صَادْ قَافْ نُونْ مَجْمُوعًا فِيهَا بَيْنَ سَاكِنَيْنِ اهـ.

وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ فِي التَّمْثِيلِ بِهَا لِمَا لَا مَعْنَى لَهُ شَيْئًا إذْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْحُرُوفُ الَّتِي هِيَ مَعَانِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّفْظِ الْمُنْتَظِمِ مِنْهَا مَعْنًى اهـ.

وَأَقُولُ: هَذَا الْإِيرَادُ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا إذْ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَلْ الْمُرَادُ الْمَعَانِي الْمُرَادَةُ مِنْهَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي بَيَانِهَا الْمُفَسِّرُونَ فَقَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ مِنْهَا إلَخْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ مِنْهَا وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَبَيْنَ مَا يُرَادُ مِنْهُ وَالْعَجَبُ مِنْ سم كَيْفَ سَلِمَ لَهُ الْإِيرَادُ وَاعْتَذَرَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ نَاقِلٌ لِعِبَارَةِ الْحَشَوِيَّةِ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا لَا مَسِيسَ لَهُ بِالْمَقَامِ

(قَوْلُهُ: وَفِي السُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَتِمُّ (قَوْلُهُ: أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ) فِيهِ أَنَّ جَعْلَهَا

ص: 302

كطه ويس وَسُمُّوا حَشَوِيَّةً مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَمَّا وَجَدَ كَلَامَهُمْ سَاقِطًا وَكَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَتِهِ أَمَامَهُ رَدًّا وَهَؤُلَاءِ إلَى حَشْيِ الْحَلْقَةِ أَيْ جَانِبِهَا

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (مَا يَعْنِي بِهِ غَيْرَ ظَاهِرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ)

ــ

[حاشية العطار]

أَسْمَاءً لِلسُّوَرِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى لِأَنَّ الِاسْمَ جُزْءٌ لِلْمُسَمَّى وَالْجُزْءُ لَا يُغَايِرُ كُلَّهُ وَلَا يُغَايِرُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَكَوْنُ الِاسْمِ مُتَّحِدًا مَعَ الْمُسَمَّى بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ عَلَامَةً مَوْضُوعَةً لِنَفْسِهِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُسَمَّى بِالرُّتْبَةِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْجُزْءَ مُتَقَدِّمٌ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَهُوَ دَوْرٌ.

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ مَبْنَاهُ وَهِيَ الْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ أَنَّ الْجُزْءَ لَا يُغَايِرُ الْكُلَّ بَلْ يُغَايِرُهُ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا قُلْنَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَجْمُوعُ السُّورَةِ، وَالِاسْمُ جُزْؤُهَا فَلَا اتِّحَادَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجُزْءَ مُتَقَدِّمٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَمُؤَخَّرٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ اسْمًا فَلَا دَوْرَ (فَائِدَةٌ)

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ {الم} [البقرة: 1] مُشْتَمِلٌ عَلَى الْهَمْزَةِ مِنْ أَوَّلِ الْمَخَارِجِ مِنْ الصَّدْرِ وَاللَّامِ مِنْ وَسَطِهَا وَهِيَ أَشَدُّ الْحُرُوفِ اعْتِمَادًا عَلَى اللِّسَانِ، وَالْمِيمُ مِنْ آخِرِ الْحُرُوفِ مَخْرَجًا وَهُوَ الشَّفَةُ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى الْبِدَايَةِ وَالْوَسَطِ وَالنِّهَايَةِ وَكُلُّ سُورَةٍ اُفْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَدْءِ الْخَلْقِ وَنِهَايَتِهِ مِنْ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَعَلَى الْوَسَطِ مِنْ التَّشْرِيعِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَتَأَمَّلْهَا وَتَأَمَّلْ الْحُرُوفَ الْمُفْرَدَةَ فَإِنَّهَا سُورَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَنَحْوُ {ق} [ق: 1] إذْ ذُكِرَ فِيهَا الْخَلْقُ وَتَكْرِيرُ الْقَوْلِ وَمُرَاجَعَتُهُ وَالْقُرْبُ وَتَلَقِّي الْمِلْكِ وَالْقَرِينُ وَالْإِلْقَاءُ فِي جَهَنَّمَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعَانِيهَا مُنَاسِبَةٌ لِشِدَّةِ الْقَافِ وَجَهْرِهَا وَعُلُوِّهَا وَانْفِتَاحِهَا وَ {ص} [ص: 1] ذُكِرَ فِيهَا الْخُصُومَاتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالِاخْتِصَامُ عِنْدَ دَاوُد عليه السلام، فَإِذَا تَأَمَّلْت عَلِمْت أَنَّهُ يَلِيقُ بِكُلِّ سُورَةٍ مَا بُدِئَتْ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْرَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] فَإِنَّ ذَلِكَ مُهْمَلٌ لَا مَوْضُوعَ لَهُ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُهْمَلٌ كَيْفَ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ مَعْنًى وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ غَيْرَ أَنَّ الرَّأْسَ هَاهُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلرَّأْسِ الْحَقِيقِيِّ وَهَاهُنَا اُسْتُعْمِلَ فِي أَمْرٍ وَهْمِيٍّ كَأَنْيَابِ الْأَغْوَالِ وَأَظْفَارِ الْمَنِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ لَا مُهْمَلٌ

(قَوْلُهُ: رَدًّا وَهَؤُلَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّاقِطَ يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ سَمَاعُهُ (قَوْلُهُ: إلَى حَشَا) فَعَلَى هَذَا حَشَوِيَّةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتُسَكَّنُ أَيْضًا نِسْبَةً لِلْحَشْوِ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا وُقُوعَهُ فِي الْقُرْآنِ وَبِالْوَجْهَيْنِ ضَبَطَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْفَتْحَ غَلَطٌ

(قَوْلُهُ: إلَّا بِدَلِيلٍ) فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لَا يَعْنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَعْنًى يَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَيْ نَصْبِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ.

وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ الدَّلِيلُ مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ بِمَعْنَى نَصْبِ الْقَرِينَةِ، وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ الدَّلِيلَ بِالْمُخَصَّصِ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا فَسَقَطَ مَا فِي سم أَنَّهُ إنْ أَرَادَ دَلِيلًا قُرْآنِيًّا بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ مِمَّا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِظُهُورِ عَدَمِ إطْرَادِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَثِيرًا مَا يُبَيِّنُ بِالنِّسْبَةِ، وَالْإِجْمَاعُ دُونَ الْقُرْآنِ وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ الْقُرْآنِيِّ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ دَلِيلَ الْمُرْجِئَةِ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ هُوَ دَلِيلُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ التَّرْهِيبُ فَلَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ تَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ التَّرْدِيدِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ الصَّحِيحُ قُلْنَا إنْ أُرِيدَ اعْتِبَارُهُ وَصِحَّتُهُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَذَا لَا يَلْزَمُ تَحَقُّقُهُ لِغَيْرِ الْمُرْجِئَةِ أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ وَإِنْ أُرِيدَ بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ أَوْ أَعَمَّ فَهَذَا مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا لِظُهُورِ أَنَّ مَا اسْتَنَدُوا إلَيْهِ مُعْتَبَرٌ صَحِيحٌ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أُرِيدَ بِحَسَبِ زَعْمِنَا دُونَ زَعْمِهِمْ فَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ اهـ.

فَإِنَّ الشِّقَّ الثَّانِيَ مِنْ التَّرْدِيدِ بَاطِلٌ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ أَنَّ الْمُرَادَ دَلِيلٌ مِنْ الْمُخَاطَبِ وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ دَلِيلُ الْقَائِلِ وَهُوَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُتَعَلِّقَتَانِ بِالْخِطَابِ وَمُحَصِّلُهُمَا هَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يُخَاطِبَنَا الرَّبُّ بِمُهْمَلٍ أَوْ بِلَفْظٍ عَنَى بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَلَا ارْتِبَاطَ الثَّانِيَةِ

ص: 303

يُبَيِّنُ الْمُرَادَ كَمَا فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُتَأَخِّرٍ (خِلَافًا لِلْمُرْجِئَةِ) فِي تَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ حَيْثُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الظَّاهِرَةِ فِي عِقَابِ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ التَّرْهِيبُ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ وَسُمُّوا مُرْجِئَةً لِإِرْجَائِهِمْ أَيْ تَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ (وَبَقَاءُ الْمُجْمَلِ) فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْأَتْي مِنْ وُقُوعِهِمْ فِيهِمَا (غَيْرُ مُبَيَّنٍ) أَيْ عَلَى أَحْمَالِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَى وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: لَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ قَبْلَ وَفَاتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

بِالْأُولَى ذُكِرَتْ عَقِبَهَا فِي كُتُبِهِمْ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَى الشَّيْخِ مِثْلُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ أَيْ نَصْبُ قَرِينَةٍ وَهَلْ تَكُونُ الْقَرِينَةُ إلَّا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَهُ مُسْتَنِدٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ كَالشَّرْحِ لِلْكِتَابِ فَرَجَعَ الدَّلِيلُ فِيهِ إلَى الْكِتَابِ.

وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لِظُهُورِهِ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ نَصْبِ الْقَرِينَةِ وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ كَثِيرًا بِالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ مُعْتَمَدٌ فِيهِ عَلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ

(قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ بِحَسَبِ الظُّهُورِ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُفِيدَ الْمُرَادَ قَطْعًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالدَّلِيلِ مَا يَشْمَلُ الْعَقْلَ لِأَنَّهُ صَارِفٌ لِلْمُتَشَابِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِمَّا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَمِنْ الصَّارِفِ عَنْ الظَّاهِرِ فَيَشْمَلُ مَذْهَبَيْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فِي الْمُتَشَابِهِ

(قَوْلُهُ: بِمُتَأَخِّرٍ) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا هُوَ الشَّأْنُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ أَوْ قَارَنَ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِحْسَانِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ الْمَلَاهِي وَالظُّلْمِ كَيْ لَا يَخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ اهـ.

فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِرْجَاءَ وَقَعَ فِي آيَاتِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَا الْوَعِيدِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِتَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا) أَيْ الْآيَاتِ عَنْ اعْتِبَارِ مَعْنَاهَا لِصَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمَعْصِيَةِ أَوْ تَأْخِيرِ ضَرَرِهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ فَمُرْجِئَةٌ بِالْهَمْزِ مِنْ أَرْجَأَ بِمَعْنَى أَخَّرَ أَوْ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الرَّجَاءَ بِقَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ مُرَجِّيَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَمُقَدِّمَةٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجَيْت وَأَخْطَيْت وَتَوَضَّيْت نَقَلَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ارْتِفَاعُ الْوُثُوقِ بِخَبَرِهِ تَعَالَى إذْ لَا كَلَامَ إلَّا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ) .

قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ بَقِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُجْمَلٌ قُلْنَا اضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمَنَعَ مَانِعُونَ هَذَا وَاسْتَرْوَحُوا إلَى قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَأَيْضًا لَوْ سَاغَ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَتَطَرَّقَ إلَى الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وُجُوهٌ مِنْ الْمَطَاعِنِ.

وَقَالَ قَائِلُونَ لَا يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى مُجْمَلَاتٍ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا إلَّا اللَّهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ التَّكْلِيفُ فِي الْعَمَلِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِمْرَارُ الْإِجْمَالِ فِيهِ وَاسْتِئْثَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَسِرَ فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّرْعُ مِمَّا يُنَاقِضُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَلَى إجْمَالِهِ) قَالَ النَّاصِرُ الْبَقَاءُ هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ وَتَحْقِيقُهُ الْوُجُودَ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَمُتَعَلِّقُهُ فِي قَوْلِهِ وَفِي بَقَاءِ الْمُجْمَلِ غَيْرَ مُبَيَّنٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَهُوَ عَدَمِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِوُجُودِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ.

أَقُولُ: مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعْنًى وُجُودِيٌّ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَغَيْرَ مُبَيَّنٍ حَالٌ مِنْ الْمُجْمَلِ الْعَامِلِ فِيهِ الْبَقَاءُ وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَهُوَ عَدَمِيٌّ لِكَوْنِ النَّفْيِ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْبَقَاءَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ وُجُودِيٌّ نَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْيِيدِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ فَهَذِهِ الْحَالُ فِي مَعْنَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّهْوِيلِ وَلَا لِمَا سَلَكَهُ سم مِنْ التَّطْوِيلِ

(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا لَا) أَيْ مُطْلَقًا كُلِّفْنَا بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ لَا كَالْقُرْءِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدِ فِي الثَّانِي وَأُورِدُ عَلَيْهِ الْمُتَشَابِهَ فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ: إنَّهُ مُبَيَّنُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى لِصِدْقِ هَذَا

ص: 304

لِقَوْلِهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ثَانِيهَا نَعَمْ قَالَ تَعَالَى فِي مُتَشَابِهِ الْكِتَابِ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] إذْ الْوَقْفُ هُنَا كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (ثَالِثُهَا الْأَصَحُّ لَا يَبْقَى) الْمُجْمَلُ (الْمُكَلَّفُ بِمَعْرِفَتِهِ) غَيْرَ مُبَيَّنٍ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ حَذَرًا مِنْ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَلَى أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ بِالْعَمَلِ بِهِ

ــ

[حاشية العطار]

بِمَا قَبْلَ الْوَفَاةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ لَهُ وَالْآيَةُ الْمُسْتَدَلُّ بِهَا تُفِيدُ أَنَّ الْإِكْمَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَصَلَ وَوَقْتُ نُزُولِهَا سَابِقٌ عَلَى الْوَفَاةِ.

وَقَدْ بُيِّنَتْ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِكْمَالِ الدِّينِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتِيعَابُ أُصُولِهِ وَمَا بُيِّنَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مِنْ فُرُوعِ تِلْكَ الْأُصُولِ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّفْسِيرِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] بِالنَّصْرِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا أَوْ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى أُصُولِ الشَّرَائِعِ وَقَوَانِينِ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: إذْ الْوَقْفُ هُنَا) أَيْ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونُ {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] مُسْتَأْنَفًا وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهِ لَكَانَ {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَيَكُونُ يَقُولُونَ آمَنَّا حَالًا أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ.

ثُمَّ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَجْمُوعِ الْمُتَعَاطِفِينَ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمَعْطُوفِ وَلَا يَصِحُّ لِمُخَالَفَتِهِ قَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةِ.

وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ حَيْثُ لَا لَبْسَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ يَعْقُوبَ نَافِلَةً لِظُهُورِ أَنَّ النَّافِلَةَ أَيْ وَلَدَ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ عليهم السلام إنَّمَا هُوَ يَعْقُوبُ دُونَ إِسْحَاقَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْوَقْفُ عَلَى اللَّهِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُؤَكِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ تَأْوِيلَهُ إلَّا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَيَقُولُ {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [النساء: 162] وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ رُسُوخِهِمْ أَنْ آمَنُوا بِالْمُتَشَابِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى عِلْمُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ

(قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ) وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى عَطْفِ وَالرَّاسِخُونَ عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَاَلَّذِي اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ هُوَ عِلْمُ تَفْصِيلِهِ ذَاتًا وَزَمَنًا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ أَصْلًا فَلَا يُنَافِيهِ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَاسِطَةٍ أَوْ إلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ وَلَا يَلْزَمُ اللَّغْوُ وَالْعَبَثُ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ لِجَوَازِ كَوْنِ بَعْضِ الْقُرْآنِ لَا لِلْإِفْهَامِ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَسْرَارِ بِعِلْمِهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ الثَّوَابُ فِي تِلَاوَتِهِ وَابْتِلَاءُ الرَّاسِخِينَ بِمَنْعِهِمْ عَنْ التَّفْكِيرِ فِيمَا يُوَصِّلُهُمْ إلَى مَبْلَغِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا تُبْتَلَى الْجَهَلَةُ بِتَحْصِيلِهِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ) قَالَ ابْنُ يَعْقُوبَ فِيهِ أَنَّ نَفْيَ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْقَائِلِ بِالتَّسَاوِي وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُطَالِبُ بِالدَّلِيلِ وَقِيَاسُ أَنَّهُ لَا فَارِقَ لَا يُسَلِّمُ نَعَمْ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ بَيِّنٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ) فِيهِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مِنْهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَوَقِّفِ مَعْرِفَتُهُ عَلَى التَّبْيِينِ مَعَ انْتِفَاءِ التَّبْيِينِ وَمِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً وَهُوَ مَقْدُورٌ فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ إذْ الْمُكَلَّفُ هُنَا لَيْسَ بِغَافِلٍ لِأَنَّهُ يَدْرِي وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ وَذَاكَ لَا يَدْرِي هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي سم.

وَأَقُولُ: لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ فَالتَّصْحِيحُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ إلَّا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُصَحِّحَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا يَمْنَعُ التَّكَلُّفَ بِمَا لَا يُطَاقُ إذْ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْمَنْعِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا إلَخْ وَذِكْرُ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ وَطَرِيقَةُ صَاحِبِ الْبُرْهَانِ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اسْتِقَامَةِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ أَحْسَنُ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَا كُلِّفَ بِمَعْرِفَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِيَعْمَلَ بِهِ أَوْ يَعْلَمُ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَشْمَلُ

ص: 305