الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَابِع
(4)
بَابُ التَّشَبُّه بِالشُّهَدَاءِ
*
تَنْبِيْهٌ:
مهما أخذ الإنسان بحظه من العلم الشرعي بحيث يقدم الأهم فالأهم - كما تقدم - فلا بأس بالنظر في غير ذلك من العلوم التي لا تذم؛ فإن الإنسان إذا تفنن في العلوم عَظُم قدره، وزَكَى طبعه، واتسعت معرفته.
وروينا في "الحلية"، وغيرها عن الربيع بن سليمان رحمه الله قال: قال لي الشافعي رضي الله عنه: يا ربيع! رضى الناس غاية لا تُدرَك، فعليك بما يصلحك فألزمه؛ فإنه لا سبيل إلى رضاهم، واعلم أنَّ من تعلم القرآن جَلَّ في عيون الناس، ومن تعلم الحديث قويت حجته، ومن تعلم النحو هيب، ومن تعلم العربية رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل (1) رأيه، ومن تعلم الفقه نَبُل قدره، ومن لم يضر نفسه لم ينفعه عليه، وملاك ذلك كله التقوى (2).
(1) في "حلية الأولياء": "جلَّ" بدل "جزل".
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 123).
وأراد الشافعي رضي الله عنه بالعربية كل علم يتعلق بكلام العرب؛ كاللغة، والشعر، والفصاحة، والبلاغة، وتوابعها، والتصريف، والهجاء.
وأمَّا ما رويناه في "الحلية" - أيضا - عن أبي محمد ابن بنت الشافعي قال: سألت أبي - يعني: الشافعي -، فقلت له: يا أب! أيُّ العلم أطلب؟ فقال: يا بني! أمَّا الشعر فيضع الرفيع ويرفع الخسيس، وأمَّا النحو فإذا بلغ صاحبه الغاية صار مؤدباً، وأمَّا الفرائض فإذا بلغ فيها صاحبها غاية صار معلم صبيان (1)، وأما الحديث فباقي (2) بركته وخيره عند فناء العمر، وأما الفقه فللشاب وللشيخ فهو سيد العلم (3).
فإنما أرشده في هذا الكلام إلى البداءة بالأهم، وهو كذلك كما علمت، ولم ينهه عن أصل تلك العلوم، بل عن الاكتفاء بها عما هو أهم منها، والتبحر فيها، والأمر كذلك.
وأمَّا العلوم المهمة - وهي علوم الشرع تفسيرًا، وحديثاً، وفقهاً - فإنَّ الاستكثار منها خصوصاً ما ينفع منها في الآخرة كعلم السلوك، ومعرفة طريق الآخرة، وتهذيب النفس من أخلاق المؤمنين؛ قال الله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) في "حلية الأولياء": "حساب" بدل "صبيان".
(2)
في "حلية الأولياء": "فتأتي" بدل "فباقي".
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(19/ 125).
قال: "النَّاسُ مَعَادِنُ؛ فَخِيَارُهُمْ فِيْ الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِيْ الإِسْلامِ إِذَا فَقُهُوْا"(1).
وروى الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لنْ يَشْبَعَ المُؤْمِنُ مِنْ خَيْر يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُوْنَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّةَ"(2).
وروى البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن عدي عن أنس رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْهُوْمَانِ لا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْمٍ، وَطَالِبُ دَنْيَا"(3).
وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا قال: منهومان لا يشبعان: صاحب علم، وصاحب دنيا، ولا يستويان؛ فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن، ثم قرأ:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وأمَّا صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، ثم قرأ:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7](4).
وأخرجه الطبراني في "الكبير" مرفوعًا، ولفظه: "مَنْهُوْمَانِ لا يَشْبَعُ
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 367). وأصل الحديث عند البخاري (3203)، ومسلم (2526) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه الترمذي (2686) وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"(903).
(3)
رواه البزار في "المسند"(4880)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 295).
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3450).