المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شكر هذا، وكفر هذا، قال: رب! أي عبادك أبغض إليك - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٤

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌خاتمة

- ‌(5) بَابُ التَّشَبُّه بِالصِّدِّيْقِيْنَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُم

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌وأمرُ بلعام يحتمل وجهين:

- ‌فَصْلُ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌خَاتِمَة

- ‌فَصَلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تتمة:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَذْنِيْبٌ:

- ‌ تَذْيِيْلٌ:

- ‌خَاتمَة

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌(6) باب التشبه بالنبيين صلوات الله عليهم وسلامه عليهم أجمعين

- ‌1 - فمنها: العلم وطلبه، والرحلة في طلبه والاستزادة منه

- ‌2 - ومنها: تعليم العلم وإفادته، وإرشاد الناس إلى الخير

- ‌3 - ومنها: النطق بالحكمة

- ‌4 - ومنها: النصيحة

- ‌5 - ومنها -وهو من أخص أعمالهم وأغلب أحوالهم-: الدعاء إلى الله والإرشاد إليه

- ‌6 - ومنها: التوحيد، والإِسلام، والإيمان، والإحسان

- ‌7 - ومنها: شهود الأفعال من الله تعالى على وجه الحكمة

- ‌8 - ومنها: القيام بالحقوق وتأدية الأمانات

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌9 - ومنها: القضاء بالحق

- ‌10 - ومن أعمال الأنبياء عليهم السلام: مصابرة العبادة

- ‌11 - ومنها: إقامة الصلاة، والمحافظة عليها وعدم التهاون بها

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ أخرى:

- ‌12 - ومنها: الفزع عند الأمور المهمة إلى الصلاة، وطلب الرزق والحاجة بها

- ‌13 - ومنها: الطهارة للصلاة

- ‌14 - ومنها: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌15 - ومنها: صلاة الضحى

- ‌16 - ومنها: الصلاة عند زوال الشمس

- ‌17 - ومنها: تعظيم يوم الجمعة

- ‌18 - ومنها: قيام الليل

- ‌19 - ومنها: الصدقة، والخروج عما يشغل عن طاعة الله تعالى لوجه الله تعالى

- ‌20 - ومنها: تلاوة كتاب الله تعالى

- ‌21 - ومنها: الصيام

- ‌22 - ومنها: تعجيل الفطر وتأخير السحور

- ‌23 - ومنها: إيثار الجوع

- ‌24 - ومن أعمال الأنبياء عليهم السلام: فطر يوم الفطر ويوم الأضحى

- ‌25 - ومنها: التضحية وإهداء الهدي

- ‌26 - ومنها: الاعتكاف في البيت الحرام وغيره من المساجد

- ‌27 - ومنها: الحج إلى البيت الحرام، وتأدية مناسكه كما هو مقرر في الشريعة

- ‌ تَنْبِيْهٌ لَطِيْفٌ:

- ‌28 - ومن أخلاق الأنبياء عليهم السلام وأعمالهم: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - ومنها: بر الوالدين

- ‌30 - ومنها: العفو والاحتمال، ومقابلة السيئة بالحسنة

- ‌31 - ومنها: الحلم وحسن الخلق

- ‌32 - ومنها: العود على النفس باللائمة إذا جهل أحدٌ عليهم

- ‌33 - ومنها: السَّخاء

- ‌34 - ومنها: الضيافة وإكرام الضيف

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

الفصل: شكر هذا، وكفر هذا، قال: رب! أي عبادك أبغض إليك

شكر هذا، وكفر هذا، قال: رب! أي عبادك أبغض إليك بعد هذا؟ قال: عبد استخارني في أمر فخرت له، فلم يرض به (1).

*‌

‌ فائِدةٌ:

وفي قوله: "شكر هذا وكفر هذا" إشارة إلى أنه أراد بالكافر كافر النعمة، فيدخل فيه الفاسق، فبطل ما قد يزخرفه الشيطان لأهل الخذلان من الاحتجاج بمثل هذا الأثر على استحسان اللمح إلى المرد الحسان والنظر، وكذلك الجميل الصورة إذا كان بالغاً، ورضي بمعاشرة الرجال، لذلك كان من أبغض خلق الله تعالى إليه؛ لأنه كفر نعمة الجمال، بل كل من مكن من الاستمتاع بجماله من لا يحل له الاستمتاع به من أمرد بالغ، أو امرأة، كافرٌ لهذه النعمة، غيرُ شاكرٍ لها.

ومن لطيف ما اتفق لي مع بعض خطباء العصر، وعلماء الوقت: أن ذُكِرَ له وأنا حاضر ما يفعله الفسقة من حمل المرد على الشرب من آنية القهوة البنية، ثم يشربون عقب الأمرد ويسمونه زمزمة، فأنكرت ذلك، فاعترضني الخطيب، وقال لي متعجباً: يا مولانا الشيخ! "سؤر المؤمن شفاء"(2)، فلم أزده في الجواب على أن قلت له: وأين المؤمن؟ فحملت المؤمن في هذا اللفظ على تقدير أنه حديث على أن المراد به الكامل الإيمان.

(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 55).

(2)

قال الشيخ أحمد الغزي في "الجد الحثيث"(ص: 116): ليس بحديث.

ص: 288

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، والطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه؛ كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللهِ الْمُوَفُّوْنَ الْمُطَيَّبُوْنَ"(1).

وقوله: "الموفون" جمع موفى - بضم الميم وفتح الواو مع التشديد، وبإسكان الواو مع التخفيف، والأول أولى -: وهو من اتبع ملة إبراهيم حنيفاً حيث وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37].

قال ابن عباس: سهام الإسلام ثلاثون سهماً، لم يتمها (2) أحد قبل إبراهيم؛ قال الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]. رواه الحاكم وصححه، وابن مردويه (3).

وفي رواية له قال: وفى بسهام الإسلام كلها، ولم يوفها أحد غيره - يعني: قبله - قال: وهي ثلاثون سهماً؛ عشرة في براءة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الآيات كلها.

وعشرة في الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآيات كلها.

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 268) عن عائشة رضي الله عنها، والطبراني في "المعجم الصغير"(1045)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 290) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

(2)

في "المستدرك": "يتممها" بدل "يتمها".

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(3753).

ص: 289

وستة في: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]، من أولها الآيات كلها.

وأربعة في {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج: 1]، و {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج: 26، 27] الآيات كلها، فذلك ثلاثون سهماً؛ فمن وافى الله بسهم منها فقد وافاه بسهم من سهام الإسلام، ولم يوافه بسهام الإسلام كلها إلا إبراهيم عليه السلام؛ قال الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37](1).

فالموفون هم الذين اجتمعت فيهم هذه الخصال، وهم المطيبون - بفتح الياء المثناة تحت - من طيبه: إذا زكاه؛ أي: المزكون في ألسنة الناس كما زكَّى الله تعالى إبراهيم عليه السلام في ألسنة الناس، وأشار إلى ذلك بقوله:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84].

قال مجاهد: يعني الثناء الحسن. رواه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وغيرهما (2).

فهؤلاء لما كانوا على قدم إبراهيم عليه السلام، فوفوا بما وفى كما وفى، زكَّاهم الله تعالى على ألسنة الناس كما زكاه، وكانوا خيار الناس.

كما روى الإمام أحمد، وابن ماجه، والدارقطني في "الأفراد"، والطبراني في "الكبير"، والبيهقي، وغيرهم عن أبي زهير الثقفي رضي الله عنه قال:

(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 660) إلى ابن مردويه.

(2)

رواه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2781).

ص: 290

خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناء، أو البناوة - قال: والبناوة في الطائف - قال: "يُوْشِكُ أَنْ تَعْرِفُوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِن أَهْلِ النَّارِ، وخِيَارَكُم مِن شِرَارِكُم"، قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟ قال: "بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، والثَّنَاءِ السَيئِ؛ أَنتم شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ بَعْضُكُم عَلَى بَعْضٍ"(1).

وروى الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" عن ابن مسعود رضي الله عنه، وابن ماجه عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، أو أسأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا سَمِعْتَ جِيْرَانَكَ يَقُوْلُوْنَ أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وإِذا سَمِعْتَهُم يَقْوْلُوْنَ: قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ"(2).

وعن كُلثوم الخزاعي (3)، ولفظه: قال رضي الله عنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله! كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني قد أحسنت، وإذا أسأت أني قد أسأت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا قَالَ جِيْرَانُكَ: إِنَّكَ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وإِذَا قَالُوْا: قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ"(4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 416)، وابن ماجه (4220)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 178)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 123).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 402)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10433)، وابن ماجه (4223).

(3)

وهو مختلف في صحبته. قال ابن الأثير في "أسد الغابة"(4/ 521): ذُكر في الصحابة، ولا يصح.

(4)

رواه ابن ماجه (4222) عن كلثوم الخزاعي.

ص: 291

واللفظ الأول كان يدل على أن شرط ذلك سماع المشهود له بالإحسان أو بالإساءة، وأما اللفظ الثاني فإنه يدل على أن مجرد شهادة الجيران تكفي، سواء سمع أم لا، وهو كذلك.

والمراد معظم الجيران، أو خيارهم وأتقياؤهم.

وقد سبق عن سفيان: أنَّ الرجل إذا أثنى عليه كل جيرانه كان غير مرضي، ووجهه: أنه يمالئ كل واحد منهم على ما يكون عليه من حَسَن أو قبيح، فلو أنكر على من يقع منه المنكر منهم لغضب منه، فلم يتفقوا على الثناء عليه.

وروى الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِيْنَ رَجُلٌ سَمْحُ البَيع، سَمْحُ الشِّرَاءِ، سَمْحُ القَضَاءِ، سَمْحُ الاقْتِضَاءِ"(1).

وروى الشيخان، وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال رسول الله:"دَعُوْهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالاً"، ثم قال:"أَعْطُوْهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ"، قالوا: يا رسول الله! لا نجد إلا أمثلَ من سنه، قال:"أعطُوْهُ؛ فإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنَكُم قَضَاءً"(2).

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7544). وروى نحوه الترمذي (1319) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:"إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء".

(2)

رواه البخاري (2183)، ومسلم (1601).

ص: 292

وقد روي هذا الحديث من طرق، وبألفاظ.

وفي بعض ألفاظه: "إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً"(1).

وقال شيخ الإسلام والدي رضي الله عنه عاقداً لهذا الحديث، مورِّياً بالقضاء بمعنى الحكم، وهو فهم لطيف كما تقدم نظيره عن ابن ميمون رضي الله عنه:[من الوافر]

حَكَمْتَ فَلَمْ تَجُرْ فِيْ الْحُكْمِ يَوْماً

وَقَدْ أَحْسَنْتَ فِيْ الْقَرْضِ الأَداءَ

فَأَنْتَ مِنَ الْخِيارِ فَقَدْ رَويْنا

خِيارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضاءَ

وقلت في حاكم جائر من شأنه الجحود والمطل بالحقوق: [من الوافر]

حَكَمْتَ فَجُرْتَ ثُمَّ جَحَدْتَ حَقَّا

وَلَمْ تُحْسِنْ عَنِ الْقَرْضِ الأَداءَ

فَأَنْتَ مِنَ الشّرارِ لأَنَّ جَوْراً

وَجَحْداً شَرُّ ما فِيْ الْمَرْءِ جاءَ

وَمَفْهُوْمُ الْحَدِيْثِ كَما عَلِمْنا

شِرارُ النَّاسِ أَسْوَؤُهُمْ قَضاءَ

(1) رواه البخاري (2262).

ص: 293

وروى الطبراني في "الأوسط" عن علي رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خِيَارُ أُمَّتِيْ أَحِدَّاؤُهُمْ؛ الذِيْنَ إِذا غَضِبُوْا رَجَعُوْا"(1).

وفي "الكبير" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْحِدَّةُ تَعْتَرِي خِيَارَ أُمَتِي"(2).

وروى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْحِدَّةُ لا تَكُوْنُ إِلا فِي صَالِحِيْ أُمَّتِي وَأَبْرَارِهَا، ثُمَّ تَفِيْءُ"؛ أَي: ترجع (3).

وروى ابن عدي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي قال: "الْحِدَّةُ تَعْتَرِيْ حَمَلَةَ (4) القُرْآنِ لِغَيْرَةِ (5) القُرْآنِ فِيْ أَجْوافِهِمْ"(6).

وقد تقدم أن حملة القرآن خيار الناس.

والحدة دون سوء الخلق، والفرق بين سوء الخلق والحدة: أن سوء

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5793). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 26): فيه يغنم بن سالم بن قنبر، وهو كذاب.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11471). قال الهيثمي في "مجمع

الزوائد" (8/ 26): فيه سلام بن مسلم الطويل، وهو متروك.

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2775).

(4)

في "الكامل": "جُمَّاع" بدل "حملة".

(5)

في "الكامل": "لقوة" بدل "الغيرة"، وفي بعض الكتب:"لعزة".

(6)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/ 66) من طريق أبي البختري وهب بن وهب، ثم قال: وهو ممن يضع الحديث.

ص: 294

الخلق لا يسلم صاحبه من الإثم بخلاف الحدة؛ فإنَّه يرجع قبل أن يدركه الإثم، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث علي:"الَّذِيْنَ إِذَا غَضِبُوْا رَجَعُوْا"، وفي حديث معاذ:"ثُمَّ تَفِيْءُ"؛ أي: ترجع قبل أن يدركها الإثم.

وفي "القاموس" تفسير الحد والحدة بالنزق، ثم فسر النزق بالطيش والخفة (1)، ولعلهما طيش وخفة مخصوصان بحال الغضب.

لكن يرشد حال المحتد بخلاف سيئ الخلق؛ فإنه يعبِّر على حاله وينتقل من الخفة إلى التهور.

ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سُوْءُ الخُلُقِ شُؤْمٌ". رواه أبو حفص بن شاهين في "أفراده" عن ابن عمر رضي الله عنهما، والخطيب عن عائشة رضي الله عنها، وزاد فيه:"وَشِرَارُكُمْ أَسْوَؤُكُمْ خُلُقًا"(2).

وروى الإمام أحمد ورواته رواة الصحيح، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَبكمْ إِليَّ وأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا، وإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِليَّ وأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ أَسْوَؤُكُمْ أَخْلاقًا"، الحديث (3).

(1) انظر: "القاموس المحيط"(ص: 352)(مادة: حدد).

(2)

رواه ابن شاهين في "أفراده"(1/ 7) عن ابن عمر رضي الله عنه.

ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 276) عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 193)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 221)، وابن حبان في "صحيحه" (5557). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 21): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.

ص: 295

وهو وما قبله مع حديثي ابن عباس وأنس السابقين في الحدة: يدل على أن بينهما فرقاً، والفرق هو ما ذكرناه؛ لأن المحتد يرجع آخراً عما هم به أو وقع فيه بخلاف سيئ الخلق، كما وقع بيان ذلك فيما رواه الأصبهاني في "الترغيب" عن ميمون بن مهران رحمه الله مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ ذَنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ سُوْءِ الخُلُقِ، وذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَهُ لا يَخْرُجُ مِنْ ذَنْبِ إِلا دَخَلَ فِيْ ذَنْبٍ"(1).

وروى الطبراني في "الصغير"، والأصبهاني بإسناد ضعيف، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنْ شَيْءِ إِلا لَهُ تَوْبَةٌ إِلا صَاحِبَ سُوْءِ الخُلُقِ؛ فإِنَّه لا يَتُوْبُ مِنْ ذَنْبِ إِلا عَادَ فِيْ شَرٍّ مِنْهُ"(2).

وروى الطبراني في "الأوسط" عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خَيْرُ أُمَّتِيْ الذِيْنَ إِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا، وإِذَا أَحْسَنُوْا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا سَافَرُوا قَصَّرُوْا، وأفطَرُوْا"(3)؛ يعني: أخذاً برخصة الله تعالى، وتيسيراً في الدين؛ لأن الدين يسر.

وعليه يحمل ما رواه ابن لال في "مكارم الأخلاق" عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أَفْضَلُ أُمَّتِيْ الذِيْنَ يَعْمَلُوْنَ بِالرُّخَصِ"(4).

(1) ورواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس"(ص: 86).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(553). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 25): فيه عمرو بن جميع، وهو كذاب.

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(6558). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 157): فيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

(4)

ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(1443).

ص: 296

أي: ولا يتحرجون في دينهم ولا يشادونه.

وليس المراد منه تتبع كل رخصة من كل مذهب؛ فإن هذا حرام، والطريق الموصلة إلى الله تعالى حسنة بين السيئتين، وقصد بين الإفراط والتفريط، وهما الطرفان اللذان قيل فيهما:

كلا طرفي قصدِ الأمورِ ذَميمُ (1)

وروى ابن السمعاني في "ذيل تاريخ بغداد" بسند ضعيف عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الأُمُوْرِ أَوْسَاطُهَا"(2).

وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي قلابة، وهو والبيهقي عن مطرِّف، وابن جرير عنه، وعن يزيد بن مرة الجعفي من طريقهم (3).

وروى أبو داود عن سراقة بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) رواه الخطابي في "العزلة"(ص: 97 - 98) من قول علي بن غنام. ثم أنشد الخطابي:

تسامح ولا تستوف حقك كله

وأبق فلم يستوف قط كريم

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد

كلا طرفي قصد الأمور ذميم

(2)

قال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(ص: 332): رواه ابن السمعاني في "ذيل تاريخ بغداد" بسند مجهول عن علي رضي الله عنه مرفوعاً.

(3)

ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 286) عن أبي قلابة، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6601) عن مطرف. وانظر:"المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: 332). و"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 352).

ص: 297

"خَيْرُكُمْ الْمُدَافِعُ عَنْ عَشِيْرَتهِ مَا لَمْ يَأثَمْ"(1).

وروى الخطيب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ لَمْ يتْرُكْ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ، ولا دُنيَاهُ لآخِرَتهِ، ولَمْ يَكُنْ كَلًّا عَلى النَّاس"(2).

قلت: فيه إشارة إلى أن العبد إذا اكتفى عن الناس ولم يكن كلًّا على أحد منهم، فلا يضره في آخرته تناول دنياه، وإن كان ترك دنياه لآخرته أفضل إذا قدر على ذلك، واستقامت معه معيشته.

وعلى ذلك فقوله: "ولم يكن كلًّا على الناس" جملة حالية من الضمير في قوله: "ولا دنياه لآخرته"، والواو للحال لا للعطف؛ فإنَّه لا كلام في تفضيل الزاهدين في الدنيا على الراغبين فيها، كما روى البيهقي في "الشعب" عن الحسن رحمه الله مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ أَزْهَدُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وأَرْغَبُكُمْ فِي الآخِرَةِ"(3).

وروى الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحَبكُّم إِلى اللهِ أقلُّكُمْ طُعْمًا وأَخَفُّكُمْ بَدَناً".

(1) رواه أبو داود (5120) وقال: أيوب بن سويد ضعيف.

(2)

رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 221). وفيه يغنم بن سالم بن قنبر، قال ابن حبان في "المجروحين" (3/ 145): شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك رضي الله عنه، روى عنه بنسخة موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه، إلا على سبيل الاعتبار.

(3)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(10521).

ص: 298

وروى أبو حفص بن شاهين، وأبو موسى المديني عن الجذع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ أُمَّتِيْ الذِيْنَ لَمْ يُعْطَوْا فَيبَطَرُوْا، ولَمْ يُمْنَعُوْا فَيَسْألوْا".

وفي رواية: "ولَمْ يُقتَّرْ عَليْهِمْ فَيَسْأَلوْا"(1).

أي: لم يعطوا من الدنيا ما يبطرهم فيبطروا، ولم يمنعوا مما يحتاجون إليه، ولم يضيق عليهم في معيشتهم فيسألوا، بل رزقهم كفاف، ومعيشتهم على قدر كفايتهم.

كما روى ابن أبي شيبة عن أبي الصَّهباء رحمه الله قال: طلبت المال من حلِّه فأعياني إلا رزق يوم بيوم، فقلت: إنه قد خير لي؛ فأيم الله! ما من عبد أتى برزق يوم بيوم فلم يظن أنه قد خير له إلا كان عاجزاً أو غبي الرأي (2).

وروى الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ فَقِيْرٌ يُعْطَى جُهْدَه"(3).

وهو بفتح الجيم، وضمها، كما في "القاموس"؛ أي: طاقته (4).

(1) ورواه المحاملي في "أماليه"(ص: 406)، وذكره ابن الأثير في "أسد الغابة" (ص: 403) من طريق ابن شاهين.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35490).

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2893)، ورواه الطيالسي في "مسنده" (1852) ولفظه:"أفضل الناس رجل يعطي جهده".

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 351)(مادة: جهد).

ص: 299

فأما أنه يتكلف ما لا طاقة له به فليس هذا من شأن الأخيار؛ لما سبق أنَّ الأتقياء برآء من التكلف.

وروى الإمام أحمد، والترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس فقال: "أَلا أُخْبِرُكُم بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟ " قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال:"خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وُيؤْمَنُ شَرُّهُ، وشَرُّكُمْ مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلا يُؤْمَنُ شَرُّهُ"(1).

وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: قيل للقمان: أي الناس خير؟ قال: المؤمن الذي إن احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه اكتفى.

وعن الحسن رحمه الله مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ العِبَادِ إِلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِه".

وروى القضاعي في "مسند الشهاب" عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ للنَّاسِ"(2).

وقال صاحبنا العلامة شهاب الدين أحمد بن أحمد بن أحمد بن بدر الطيبي إمام الجامع الأموي بدمشق، وابن إمامه تلميحاً بذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ، مَا كَانَ العَبْدُ فِي

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 378)، والترمذي (2263).

(2)

رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(1234).

ص: 300

عَوْنِ أَخِيْهِ" (1)، كما رواه مسلم، والأربعة:[من الطويل]

وَخَيْرُ عِبادِ اللهِ أَنْفَعُهُمْ لَهُ

رَواهُ عَنِ الأَثْباتِ كُلُّ نبَيْهِ

وَإِنَّ إِلَهَ الْعَرْشِ جل جلاله

يُعِيْنُ الْفَتَىْ ما كانَ عَوْنَ أَخِيْهِ

وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم وصححه، عن صهيب رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ورَدَّ السَّلام"(2).

وروى الديلمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُ أُمَّتِي مَنْ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَلَيْسَ فِيْهِ رِيَاءٌ وَلا سُمْعَةٌ، ومَنْ أَطْعَمَ طَعَامًا فِيْهِ رِياءٌ وسُمْعَةٌ جَعَلَهُ اللهُ تَعَالى ناَرًا فِي بَطْنِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الحِسَاب"(3).

ومن شواهد هذا المعنى حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا خَيْرَ فِيْ مَنْ لا يُضِيْف". رواه الإمام أحمد ورجاله رجال

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 16)، والحاكم في "المستدرك"(7739).

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2870).

ص: 301

الصحيح إلا ابن لهيعة، وقد اختلف فيه (1).

والمراد من يمتنع عن الضيافة بخلاً وشحاً.

وإذا نفى عنه الخير ثبت الخير لمن يطعم الطعام ويضيف الضيفان.

والضيافة وإكرام الضيف، وإطعام الطعام من أخلاق إبراهيم عليه السلام.

وروى أبو نعيم عن وهب: أنَّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: "هل تدري يا داود من أسرع مَرًّا على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكري، هل تدري يا داود أي المؤمنين أعظم منزلة عندي؟ الذي هو بما أعطى أشد فرحاً مما حبس، هل تدري أي الفقراء أفضل؟ الذين يرضون بحكمي وبقسمتي، ويحمدونني على ما أنعمت عليهم من المعاش، هل تدري أي المؤمنين أحب إلي أن أطيل حياته؛ الذي إذا قال: لا إله إلا الله اقشعرَّ جلده. فإني أكره لذلك الموت كما يكره الوالد لولده"(2).

وروى الترمذي، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لنِسَائِهِم"(3).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 155).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 46).

(3)

رواه الترمذي (1162) وصححه، وابن حبان في "صحيحه"(4176)، والحاكم في "المستدرك"(1). وكذا رواه أبو داود (4682).

ص: 302

وروى الترمذي، والحاكم وصححاه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وأَلطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ"(1).

والأهل: خاصة الرجل من زوجة، وولد، وقريب، وخادم.

وروى ابن حبان في "صحيحه" عن عائشة، وابن ماجه عن ابن عباس، والطبراني في "الكبير" عن معاوية رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْليْ"(2).

وأخرجه ابن عساكر عن علي رضي الله عنه، وزاد فيه:"مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلا كَرِيْمٌ، ولا أَهَانَهُنَّ إِلا لئِيْمٌ"(3).

وأخرج الحاكم حديث ابن عباس، ولفظه:"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ للنِّسَاءِ"(4).

(1) رواه الترمذي (2612) وصححه، والحاكم في "المستدرك"(173).

(2)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(4177)، وكذا رواه الترمذي (3895) وصححه عن عائشة رضي الله عنها.

ورواه ابن ماجه (1977) عن ابن عباس رضي الله عنه.

وروى الطبراني الشطر الأول من الحديث في "المعجم الكبير"(853) عن معاولة رضي الله عنه.

(3)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/ 313)، وسنده ضعيف.

(4)

رواه الحاكم في "المستدرك"(7327).

ص: 303

وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما، ولفظه:"خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لنِسَائِهِمْ"(1).

والطبراني في "الكبير" عن أبي كَبشة الأَنْماري رضي الله عنه، ولفظه:"خِيَارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ"(2).

وروى البيهقي في "الشعب" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لنِسَائِهِ ولبَنَاتِهِ"(3).

وروى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَفْضَلُ الدَّنَانِيْرِ دِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى عِيَالِهِ، ودِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى دَابَّتِهِ، ودِيْنَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيْلِ الله"(4).

قال أبو قلابة رحمه الله وهو أحد رواته -: بدأ بالعيال، ثم قال: وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال له صغار، ويعفهم

(1) رواه ابن ماجه (1978).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 341). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 303): فيه عمر بن رؤبة، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة.

(3)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8720).

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 284)، ومسلم (994)، والترمذي (1966)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9182)، وابن ماجه (2760).

ص: 304

الله به، ويغنيهم الله به (1).

روى أبو الفرج بن الجوزي في "صفوة الصفوة" عن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى قال: لا يقع موقع الكسب على العيال شيء ولا الجهاد في سبيل الله (2).

وروى غيره عنه أنه كان في الغزو فبات ليلة هو وأصحابه كالِّين من قتال العدو، فقال عبد الله لهم: هل تعرفون أحداً بات في مثل هذا الليل على أفضل من عملنا هذا؟ قالوا: لا، قال: إني لأعرفه؛ رجل استيقظ فنظر إلى عيال له صغار وقد تكشف بعضهم، وتحول بعضهم عن فراشه - أي: وساده - فأصلح من شأنهم؛ فإنه على عمل أفضل مما نحن فيه.

وروى الديلمي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِلمَمَالِيْك"(3)؛ أي: أكثرهم نفعاً وإحساناً إليهم، وذلك بأن يطعمهم مما يأكل، ويلبسهم مما يلبس، ويرفق بهم، ولا يسيء إليهم، ولا يشتمهم، ويصونهم عن الفاحشة.

فأما من يتخذ المماليك الذكور الحسان المرد للفاحشة فلا خير فيه أصلاً، بل هو شر مالك لمملوك - وإن ألبسه أفخر ملبوس، وأطعمه أطيب مطعوم - كما هو دأب فسَّاق المالكين مع المماليك في هذه

(1) رواه مسلم (994).

(2)

رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(4/ 139).

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2854).

ص: 305

الأعصار، وكم من مشتر لمملوك بهذه النية، ومقتن له بها عاد وَبَالُه عليه، وانقلب له عدواً ولو بعد حين، فربما ذهب بماله، وربما سطا على أحد جنى عليه فوصل ضر إلى سيده، أو فَسَقَ به فآل أمره إلى سوء، فسيء سيده به.

والتاجر في المماليك - ولو واحداً - متعرض متسبب في الفسق، فإن باعه لمن يغلب على ظنه أنه يفسق به كان [قيادة](1) وحرم عليه ذلك كما يحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، وإذا سامه منه تقيٌّ بشيء، وسامه منه فاسق بأكثر منه، فرغب في بيعه للفاسق، فقد أساء وعصى، ولهذا المقتضي الغالب في هذه الأزمنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"شَرُّ المَالِ (2) فِي آخِرِ الزَّمَانِ المَمَاليِك" كما رواه أبو نعيم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (3).

ومن حمل المملوك على الفاحشة، أو باعه ممن يحمله عليها فقد أساء إليه، وكان سيئ الملكة.

وقد روى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ سيَىِّءُ المَلكَةِ"(4).

(1) غير واضح في "م"، والمثبت من "ت".

(2)

في "حلية الأولياء": "شر الناس" بدل "شر المال".

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 94).

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 7)، والترمذي (1946) وقال: هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختياني وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه، وابن ماجه (3691).

ص: 306

وسيئ الملكة: من يسيء الصنعة إلى مماليكه كما نقله الأصبهاني في "ترغيبه" عن أهل اللغة في تفسير الحديث.

وفي "القاموس": ساءَهُ سَوْءاً وسَوَاءً وسَوَاءَةً وسَوَايَةً [وسَوَائِيَةً] ومَسَاءَةً ومَسَائِيَةً: فَعَلَ به ما يَكْرَهُ (1).

ويدخل في ذلك فعل الفاحشة، بل هي أسوء مكروه يفعل بالمملوك.

والسوءة الفاحشة، والخلة القبيحة لأنها تسوء، كما سميت العورة سوءة لأنها تسوء الناظر والمنظور.

فلو قيل: إن سيئ الملكة في الحديث من يفعل الفاحشة بالمملوك لم يبعُد، إلا أن التعميم أولى.

قلت: [من البسيط]

مَنْ رامَ فاحِشَةً مِنْ أَمْرَدٍ مَلَكَه

فَذاكَ أَسْوَا عُبِيْدٍ سَيِّءِ الْمَلَكَةْ

فَقَدْ باءَ بِالْعار ثُمَّ النَّار آخِرَةً

وَوَرَّطَ النَّفْسَ بِالآثامِ فِيْ الْهَلَكَةْ

لا تَعْبَأنَّ بِما يَلْهُوْ بِهِ زَمَناً

عَلَىْ طَرِيْقٍ مِنَ الْعَمْياءِ قَد سَلَكَهْ

(1) انظر: "القاموس المحيط"(ص: 54)(مادة: سوأ).

ص: 307

فَقَدْ يَرَىْ [عبد](1) فِيْما يَرَىْ حَزَناً

إِذا أَدارَ عَلَيْهِ دَهْرُهُ فَلَكَهْ

فَكَمْ فَتًى كانَ ذا أَصْلِ وَذا حَسَبٍ

فَصارَ بِالْفِسْقِ فِيْ أَقْرانِهِ هَلَكَةْ

إِنَّ التَّقِيْ لَضِياءٌ يُسْتضاءُ بِهِ

وَفِيْ الْهَوَىْ ظُلْمَةُ الْخِذْلانِ وَالْحَلَكَة

فَارْبَأ بِنَفْسِكَ عَنْ سَفْسافِ كُلِّ هَوَىَ

حَتَّىْ تَكُوْنَ بِما زَكَّيْتَها مَلَكَة

وَاتْرُكْ مِنَ الذنْبِ ما تَخْشَىْ عَواقِبَهُ

إِنَّ السَّعِيْدَ مِنَ الأَشْخاصِ مَنْ تَرَكَه

وَلا تَمِلْ عَنِ التَّقْوَىْ لِطُوْلِ مَدًى

إِنَّ التُّقَىْ فِيْهِ كُلُّ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَة

وَسَلْ مِنَ اللهِ تَوْفِيْقاً إِلَىْ عَمَلِ

حَتَّىْ تَكُوْنَ حَمِيْدَ السَّعْيِ وَالْحَرَكَة

إِنَّ الْمُوَفَّقَ قَدْ تَمَّتْ سَعادَتُهُ

مُسَدَّدُ الأَمْرِ فِيْ الأَفْعالِ وَالْمَلَكَة

(1) غير واضح في "م"، والمثبت من "ت".

ص: 308

روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان، والحاكم - وصححاه - عن أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ"، قيل: كيف يستعمله؟ قال: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْت، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَليْهِ"(1).

وروى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس:"ما رَأْيُكَ فِيْ هَذا؟ " فقال: رجل من أشراف الناس، هذا حَرِيٌّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ " قال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلِ هَذَا"(2).

وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم في "المستدرك" عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ أَغْبَطَ النَّاسِ عِنْدِيْ لَمُؤْمِنٌ خَفِيْفُ الْحَاذِ ذُوْ حَظٍّ مِنَ الصَّلاةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وأَطَاعَهُ فِيْ السِرِّ، كَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لا يُشَارُ إِليْهِ بِالأَصَابعِ، وكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا،

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 106)، والترمذي (2142) وصححه، وابن حبان في "صحيحه"(341)، والحاكم في "المستدرك"(1257).

(2)

رواه البخاري (6082)، قال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (1/ 554): ذكره أبو مسعود في المتفق عليه. وكذا عزاه ابن الأثير إلى مسلم في "جامع الأصول"(9/ 231).

ص: 309

عُجلَتْ مَنِيِّتُهُ، وقَلَّ تُرَاثُهُ، وقَلَّتْ بَوَاكِيْهِ" (1).

روى ابن أبي الدنيا في "العزلة" عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ أَعْجَبَ النَّاسِ إِليَّ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ ورَسُوْلهِ، ويُقِيْمُ الصَّلاةَ، وُيؤْتِيْ الزَّكَاةَ، وُيعَمرُ مَالَهُ، ويَحْفَظُ دِيْنَهُ، وَيعْتَزِلُ النَّاسَ"(2).

وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ"، قال:"ثم من؟ " قال: "رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ".

وفي رواية: "يَتَّقِي اللهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ"(3).

وقد سبق بلفظ آخر.

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن وهب بن منبه قال: قال موسى عليه السلام: "أي ربِّ! أي عبادك أحب إليك؟ " قال: "من أُذْكَرُ برؤيته"، قال:"ربِّ! أي عبادك أحب إليك؟ " قال: "الذين يعودون المرضى، ويعزون الثَّكلى، ويشيعون الهلكة"(4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 255)، والترمذي (2347)، وابن ماجه (4117)، والحاكم في "المستدرك"(7148).

(2)

رواه ابن أبي الدنيا في "العزلة والانفراد"(ص: 51).

(3)

رواه البخاري (2634)، ومسلم (1888).

(4)

رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 74).

ص: 310

ويجمع بين هذا وبين ما ورد في فضل العزلة بأن العزلة عند خوف الفتنة، والاختلاط عند حصول الفائدة.

وروى ابن أبي شيبة عن عروة: أنَّ موسى عليه السلام قال: "يا رب! أخبرني بأكرم خلقك عليك" قال: "الذي يسرع إلى هواي إسراع النسر إلى هواه، والذي يَكْلَف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس، والذي يغضب إذا انتهكت محارمي غضب النمر لنفسه؛ فإنَّ النمر إذا غضب لم يبال أَكَثُر الناس أم قلوا"(1).

وروى الإمام أحمد، والترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وأَدْناَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَام عَادِلٌ، وأَبْغَضُ النَّاسِ إِلى اللهِ تَعَالى وأَبْعَدُهُم مِنْهُ إِمَامٌ جَائِرٌ"(2).

وروى مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِيْنَ تُحِبُّونَهُم ويُحِبُّوْنَكُم، وتُصَلُّوْنَ عَلَيْهِم وُيصَلُّوْنَ عَلَيْكُم، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِيْنَ تُبْغِضُوْنَهُم وُيبْغِضُونَكُم، وتَلْعَنُونَهُم وَيَلْعَنُونَكُم"، قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: "لا، مَا أقامُوا فِيْكُمُ الصَّلاةَ، وإِذَا رَأَيْتُم مِنْ وُلاتِكُم شَيْئاً تَكْرَهُوْنهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، ولا تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ"(3).

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34284).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 311

وفي رواية: "أَلا مَنْ وَلِي عَلَيْهِ وَالٍ فَرآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيُنْكِرْ مَا يَأتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعةٍ"(1).

وروى ابن النجار في "تاريخه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيارُ أُمَّتِيْ مَنْ دَعا إِلَىْ اللهِ وَحَبَّبَ عِبادَهُ إِلَيْهِ، وَشِرارُ أُمَّتِيْ التجَّارُ؛ مَنْ كَثُرَتْ أَيْمانُهُ وَإِنْ كانَ صادِقاً"(2).

وفي كتاب الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] الآية.

وروى أبو داود، والبيهقي في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُكُمْ أليَنُكمْ مَنَاكِبَ (3) فِيْ الصَّلاةِ"(4).

وروى البيهقي في "الشعب"، والديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال

(1) رواه مسلم (1855)، والإمام أحمد في "المسند"(26/ 24).

(2)

روى قريباً منه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 143) بلفظ: "إن خيار الصديقين من دعا إلى الله، وحبب عباده إليه، ومن شر الفجار من كثرت أيمانه، وإن كان صادقاً، وإن كان كاذباً لم يدخل الجنة".

(3)

أراد بلين المناكب: لزوم السكينة في الصلاة وأن لا يلتفت فيها، وقيل: أراد به: أن لا يمنع لي من أراد أن يدخل بين الصفوف ليسد الخلل، أو يضيق المكان، فيمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه، لتتراص الصفوف، ويتكاثف الجمع. انظر:"جامع الأصول" لابن الأثير (5/ 611).

(4)

رواه أبو داود (672)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4969).

ص: 312

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفْتَنٍّ تَوَّابٍ (1) "(2).

وروى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ القَانِعُ، وَشَرُّهُمُ الطَّامعُ"(3).

وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والحاكم - وصححاه - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِيْنَ التَّوَابُوْنَ"(4).

وروى الطبراني في "الكبير"، والحاكم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللهِ الَّذِيْنَ يُرَاعُوْنَ الشَّمْسَ، وَالقَمَرَ، وَالنُّجُوْمَ، وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى"(5).

(1) قال ابن حجر في "فتح الباري"(13/ 471): ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة، لا من قال: أستغفر الله بلسانه، وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار.

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7121)، والديلمي في "مسند الفردوس"(2862). وضعف العراقي إسناد البيهقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 1001).

(3)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2885) لكن عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه أحمد في "المسند"(3/ 198)، وابن ماجه (4251)، والترمذي (2499) وقال: غريب، والحاكم في "المستدرك"(7617).

(5)

رواه الطبراني في "الدعاء"(1876)، والحاكم في "المستدرك"(163).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 327): رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول.

ص: 313

وروى الطبراني في "الكبير" - أيضًا - عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إِن أَفْضَلَ عِبادِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الحَمَّادُوْنَ"(1).

وروى ابن ماجه، وغيره عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ ذُوْ القَلْبِ الْمَحْمُوْمِ (2)، واللسَانِ الصَّادِقِ"، قيل: قد عرفنا اللسان الصادق، فما القلب المحموم؛ قال:"هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لا إِثْمَ فِيْهِ، ولا بَغْيَ وَلا حَسَدَ"، قيل: فمن على أثره؟ قال: "الَّذِي يَشْنأُ الدُّنْيَا، وُيحِبُّ الآخِرَةَ"، قيل: فمن على أثره؟ قال: "مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ"(3).

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "قضاء الحوائج"، وأبو الشيخ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللهِ إِلى اللهِ مَنْ حُبِّبَ إِليْهِ المَعُرُوفُ، وَحُبِّبَ إِليْهِ أَفْعَالُه"(4).

وروى ابن أبي شيبة عن يزيد بن ميسرة رحمه الله وكان قد قرأ

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 124).

(2)

لعل الصواب: "المخموم" بدل "المحموم" بالخاء معجمة، ومن لا يضبط يرويه:"محموم القلب" بالحاء غير المعجمة، يقال: خممت البيت: إذا كنسته، والخمامة مثل الكناسة. انظر:"تصحيفات المحدثين" للعسكري (1/ 244).

(3)

رواه ابن ماجه (4216) لكن بلفظ مختصر. وصحح إسناده العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 713). ورواه بلفظ الأصل: البيهقي في "شعب الإيمان"(5/ 264).

(4)

رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج"(ص: 22).

ص: 314

الكتب -: إنَّ الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: "إن أحب عبادي إلي الذين يمشون لي في الأرض بالنصيحة، والذين يمشون على أقدامهم إلى الجمعات، والمستغفرون بالأسحار؛ أولئك إن أردت أن أصيب أهل الأرض بعذاب، ثم رأيتهم كففت عذابي، وإنَّ أبغض عبادي إلي الذي يقتدي بسيئة المؤمن، ولا يقتدي بحسنته"(1).

وروى عبد الرزاق عن معمر عن جماعة (2): أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِيْ إِلَيَّ الْمُتَحَابِّيْنَ فِيَّ، الَّذِيْنَ يَعْمُرُونَ مَسَاجِدِي، وَيَسْتَغْفِرُوني بِالأَسْحَارِ؛ أَوَلئِكَ الَّذِيْنَ إِنْ أَرَدْتُ خَلْقِي بِعَذَابٍ ذَكَرْتُهُم، فَصَرَفْتُ عَذَابِيَ عَنْ خَلْقِي"(3).

وقوله: "المتحابين في" كذا في نسختي من مصنف عبد الرزاق، وهي نسخة صحيحة قديمة، وهو محمول على أنه صفة لعبادي، وخبر أنَّ ما بعده.

وروى عبد الله بن المبارك في "الزهد" عن خالد بن معدان رحمه الله قال: قال الله تعالى: "إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِليَّ الْمُتَحَابُّوْن بِحُبِّي، والْمُعَلَّقَةُ قُلُوْبُهُم فِي الْمَسَاجِدِ، والْمُسْتَغْفِرُوْنَ بِالأَسْحَارِ؛ أَوَلَئِكَ الَّذِيْنَ إِنْ أَرَدْتُ أَهْلَ الأَرْضِ بِعُقُوْبَةٍ ذَكَرْتُهُم، فَصَرَفْتُ العُقُوْبَةَ عَنْهُم بِهِم"(4).

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34290).

(2)

في "المصنف": "عن رجل من قريش وغيره".

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(4740).

(4)

رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 139).

ص: 315

وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: أنَّ أصحابه كانوا ينتظرونه، فلما خرج قالوا: ما أبطأك عنَّا أيها الأمير؟ قال: أما إني سوف أحدثكم أن أخاً لكم ممن كان قبلكم وهو موسى عليه السلام قال: "يا رب حدثني بأحب الناس إليك"، قال:"ولم؟ " قال: "لأحبه بحبك إياه"، قال:"عبد في أقصى الأرض، أو في طرف الأرض سمع به عبد آخر في أقصى الأرض أو في طرف الأرض لا يعرفه، فإن أصابته مصيبة فكأنما أصابته، وإن شاكته شوكة فكأنما شاكته، لا يحبه إلا لي، فذلك أحب خلقي إلي"، قال:"يا رب! خلقت خلقاً تدخلهم النار أو تعذبهم؟ " فأوحى الله إليه: "كلهم خلقي"، ثم قال:"ازرع زرعًا"، فزرعه، فقال:"اسقه"، فسقاه، ثم قال:"قم عليه"، فقام عليه أو ما شاء الله من ذلك، فحصده، ورفعه، فقال:"ما فعل زرعك يا موسى؟ " قال: "فرغت منه ورفعته" قال: "ما تركت منه شيئاً؟ " قال: "ما لا خير فيه، أو ما لا حاجة لي فيه"، قال:"كذلك أنا لا أعذب إلا ما لا خير فيه"(1).

ومن لطائف ما يلحق بهذا الباب: ما رواه ابن الأنباري عن الأصمعي قال: خرج أعرابي من أهله مبكراً يغدو في حاجة له، فاجتاز بمسجد تقام فيه الصلاة، فدخل يصلي مع القوم تبركاً بالجماعة، فأطال الإمام القراءة والصلاة حتى استيأس الأعرابي من حاجته، وعلم أن قد فاته الذي غدا في طلبه، فلما قضيت الصلاة وجلس الإمام في محرابه جاءه الأعرابي حتى وقف بين يديه، ثم أنشأ يقول:[من الوافر]

(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 87).

ص: 316

أَلا خَيْرُ الأَئِمَّةِ غَيْرَ شَكٍّ

أَخَفُّهُمُ صَلاةً فِيْ تَمامِ

أترْغَبُ فِيْ وَصِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ

صَلاةُ اللهِ تُقْرَنُ بِالسَّلامِ

أَما تَخْشَىْ الإلهَ وَتتَّقِيْهِ

أَمْ أَنْتَ مُبَرَّأ مِنْ كُلِّ ذامِ

لِنَفْسِكَ قُمْ إِذا صَلَّيْتَ حَتَّىْ

يَدُقَّ اللهُ صُلْبَكَ بِالْقِيامِ

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ"(1).

وأخرجه الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" عن ابن عباس، وعن معاوية، والطبراني عن أم هانئ، وأخرجه ابن أبي شيبة عن مكحول مرسلاً، وزاد فيه "ولَوْ عَلِمْتُ أَنَّ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ رَكِبَتْ بَعِيْرًا مَا فَضَّلْتُ عَلَيْهَا أَحَدًا"(2).

وروى الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم في "المستدرك" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي تَسَرُّهُ إِذَا نَظَرَ - يعني:

(1) رواه البخاري (3251)، ومسلم (2527).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 318)، والطبراني في "المعجم الكبير"(13014) عن ابن عباس رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 342) عن معاوية رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 436) عن أم هانئ رضي الله عنها.

ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(32402) عن مكحول مرسلاً.

ص: 317

الزوج -، وتُطِيْعُهُ إِذَا أَمَرَ، ولا تُخَالِفُهُ فِيْ نَفْسِهَا وَلا مَالِهَا بَمَا يَكْرَهُ" (1) - يعني: ما لم يأمر بمعصية الله -، وَلا تَكْمُلُ خِيْرَتُهَا إِلَاّ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى.

وروى أبو القاسم البغوي في "معجمه"، والبيهقي في "سننه" عن أبي أذينة من أهل مصر - قال البغوي: ولا أدري صحبة أم لا - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ الوَلُوْدُ الوَدُوْدُ، الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلاُتُ وهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلا مِثْلُ الغُرَابِ الأَعْصَمِ"(2).

وسبق تفسير الأعصم في التشبه بالصالحين.

وقوله: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ الوَلُوْد" يحتمل أن يكون هذا في كل وقت، ويحتمل أن يكون هذا في غير الزمان السوء؛ لما رواه أبو عمرو الداني في "الفتن" عن الأوزاعي معضلاً رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأتِي زَمَانٌ خَيْرُ أَوْلادِكُمْ فِيْهِ البَنَاتُ، وخَيْرُ نِسَائِكُمُ العَقِيْمُ، وخَيْرُ دَوابَّكُمُ الْحَمِيْرُ"(3).

وعن معاوية بن يحيى - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ سَنَةُ خَمْسِيْنَ ومِئَةِ فَخَيْرُ نِسَائِكُمْ كُلُّ عَقِيْمٍ"(4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 432)، والنسائي (3231)، والحاكم في "المستدرك"(2682).

(2)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 82).

(3)

رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(3/ 670).

(4)

رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(3/ 664).

ص: 318

ومن شواهده: ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ أَفْضَلُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانُ كُلُّ خَفِيْفِ الْحَاذِ"، قيل: يا رسول الله! ومن خفيف الحاذ؟ قال: "قَلِيْلُ العِيَالِ"(1).

وروى أبو يعلى، والبيهقي في "الشعب"، والخطيب، وابن عساكر عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُم فِيْ الْمِئتَيْنِ كُلُّ خَفِيْفِ الْحَاذِ"، قيل: يا رسول الله! وما الخفيف الحاذ؟ قال: "الَّذِي لا أَهْلَ لَهُ وَلا وَلَدَ"(2).

والحاذ - بالحاء المهملة، والذال المعجمة -: الظهر؛ كذا في "القاموس".

وقال: وخفيف الحاذ: قليل المال والعيال (3).

وإنما فسره في الحديث بعدم الولد والأهل لأن خفة الظهر إنما تتحقق بذلك.

وإذا كانت هذه الخيرية لم تتحقق لأحد في المئتين إلا بخفة الحاذ كما دل عليه الحديث - وإن كان ضعيفاً - فكيف بما بعد الألف بسنين،

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(37/ 295).

(2)

أورده ابن حجر في "المطالب العالية"(17/ 617) من طريق أبي يعلى، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10350)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(6/ 197)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 55). قال أبو حاتم: هذا حديث منكر. انظر: "علل الحديث" لابن أبي حاتم (2/ 420).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آباد (ص: 424)(مادة: حوذ).

ص: 319