الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ تَجِدْ غَيًّا عَرانِي
…
فَهْوُ فِيْ التَّحْقِيْقِ رُشْدُ
لا بِرَحْبِ الدَّهْرِ صَبًّا
…
لِيْ إِلَىْ الْمَحْبُوْبِ وَجْدُ
فَهْوَ مَوْلايَ وإِنِّيْ
…
بَيْنَ أَقْرانِيْ لَعَبْدُ
عِنْدَهُ قَلْبِيْ وَإِنِّيْ
…
لَيْسَ لِيْ وَاللهِ عِنْدُ
وَلَهُ أَمْرِيْ وَكُلِّي
…
قَبْلَ تَبْرِيْحِيْ وَبَعْدُ
يا حَبِيْبِيْ جُدْ بِهِ لِيْ
…
إِنَّ شَوْقِيْ لا يُعَدُّ
*
تتمة:
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 18 - 21].
قال قتادة رحمه الله تعالى: عليّون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى.
{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 20]؛ قال: رقم لهم بخير.
{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21]؛ قال: المقربون من ملائكة الله. رواه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر (1).
وروي [عن] ابن عباس: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21]؛ كل أهل السماء (2).
وقال ابن جريج: هم مقربو أهل كل سماء إذا بهم عمل المؤمن شيعه مقربو كل سماء حتى ينتهي العمل إلى السماء السابعة، فيشهدون حتى يثبت في السماء السابعة. رواه ابن المنذر (3).
ثم قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22 - 28].
فروى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تسنيم أشرف شراب أهل الجنة، وهو صِرف للمقربين، وممزوج لأصحاب اليمين، وأصحاب اليمين هم الأبرار، وهم سائر أهل الجنة ممن سوى المقربين (4).
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 356)، والطبري في "التفسير"(30/ 102).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3409).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 448).
(4)
رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 357)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3410).
وروي مثل ذلك عن ابن مسعود، ومالك بن الحارث، وقتادة، وغيرهم (1).
وروى ابن المنذر عن حذيفة رضي الله عنه قال: تسنيم عين في عدن يشرب بها المقربون في عدن صرفاً، وتجري تحتهم أسفل منهم إلى أصحاب الممين، فتمزج بها أشربتهم كلها؛ الماء، والخمر، واللبن، والعسل، تطيب بها أشربتهم (2).
وقد روي مما ذكر أنَّ المقربين في الآية الأولى غير المقربين في الآية الثانية؛ فالأولون الملائكة، والآخرون سادات أهل الجنة وسابقوهم.
وقد وصف الله الملائكة بالقربة في قوله: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172]، والصفة تحتمل أن تكون لازمة فكل الملائكة مقربون كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206]؛ يعني: الملائكهَ.
ويحتمل أن تكون مخصصة، وفسر مقربو الملائكة بالكَرُوبيين (3)،
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 452).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 452).
(3)
قال الألوسي في "روح المعاني"(24/ 46): الكروبيون جمع كروبي - بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة، وتشديدها خطأ، ثم واو بعدها باء موحدة ثم ياء مشددة - من كرب بمعنى قرب، وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب، وأثبته أبو علي الفارسي واستشهد له بقوله:
كروبية منهم ركوع وسجد =
وهم حملة العرش، أو هم ومن حوله.
وروى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير رحمه الله تعالى في قوله:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12]؛ قال: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خرَّ ترعد فرائصه، حتى إنَّ إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه، ويقول: يا رب! لا أملك اليوم إلا نفسي (1).
وروى أبو نعيم عن كعب قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ونزلت الملائكة [فصارت] صفوفاً، فيقول الله لجبريل عليه السلام: اِيت بجهنم، فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مئة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه، ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر، وتذهل العقول، فيفزع كل امرئٍ إلى عمله، حتى إنَّ إبراهيم يقول: بِخُلَّتِيْ لا أسألك إلا نفسي، ويقول موسى: بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول عيسى:
= وفيه دلالة على المبالغة في القرب؛ لصيغة فعول، والياء التي تزاد للمبالغة، وقيل: من الكرب بمعنى الشدة والحزن، وكأن وصفهم بذلك لأنهم أشد الملائكة خوفاً، وزعم بعضهم: أن الكروبيين حملة العرش وأنهم أول الملائكة وجوداً، ومثله لا يعرف إلا بسماع.
(1)
رواه عبد الرزاق في "التفسير"(3/ 67)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2668)، وكذا رواه الطبري في "التفسير"(18/ 187).
بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي، لا أسألك مريم والدتي، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول:"أمتي أمتي، لا أسألك اليوم نفسي، [إنما أسألك اليوم أمتي] "، فيجيبه الجليل جل جلاله:"إنَّ أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي [وجلالي] لأقرن عينك في أمتك"، ثم تقف الملائكة بين يدي الله ينتظرون ما يؤمرون (1).
ففي هذا الأثر، والذي قبله تقييد الملك بوصف التقريب، والأنبياء بوصف الرسالة إشارة إلى أنَّ غيرهم أولى بأن يرتاع لهذا الهول العظيم.
وفي أثر كعب تبشير لأهل القربة من هذه الأمة - وهم الأولياء - بأن لا خوف عليهم إذ ذاك ولا حزن.
وجعل الأستاذ أبو طالب المكي المقربين في قوله: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21]، وفي قوله:{يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 28] بمعنى واحد، وفسرهم في الآيتين بالمحبين لله تعالى، الذين أخلصوا وجودهم لله حقاً، فيعبدونه حقاً لأجله صرفاً، فنعيمهم في الجنة صرف.
قال: {وَمِزَاجُهُ} ؛ يعني: مزاج شراب الأبرار {مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 27، 28][أي: يشربها المقرَّبون] صرفاً، وممزوجاً لأصحاب اليمين، فما طاب شراب الأبرار إلا بمزاج من شراب المقربين.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 373).
قال: فعبر عن جملة نعيم الجنان بالشراب، كما عبر عن العلوم والأعمال بالكتاب، فقال:{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18]، ثم قال:{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21].
فما حسن عملهم (1)، ولا صفت أعمالهم، ولا علا كتابهم إلا بشهادة المقربين لما قرب كتابهم منهم، وحضروه، كذلك كانوا في الدنيا تحسن علومهم بعلومهم، وترتفع أعمالهم بمشاهدتهم، ويجدون المزيد في مزيدهم (2) بقربهم منهم (3). انتهى.
وفيه سياق الآيتين على نسق واحد.
والمعنى أنَّ الأبرار لما كانوا يأخذون في الدنيا بسبب من أنفاس المقربين، وحبل من أعمالهم، غير أنهم لم يستقيموا كاستقامتهم؛ إذ لم يخلوا من تخليط ما في أعمالهم، نفعهم هذا الاتصال بالمقربين يوم الدين، فشهدوا أعمالهم، وزكوهم عند الله تعالى، وكانت شهادتهم لهم شفاعة لهم، ثم كانت عاقبتهم أن مزج شرابهم بشرابهم، وطاب نعيمهم بمزاح نعيمهم، ولو أخلصوا في حبهم في دار الدنيا؛ أعني: المحبة الخاصة التي تنشأ عن التعارف، وتثمر التآلف، لألحقهم الله بهم في كل ما لهم بدليل الحديث المتقدم:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"؛ فافهم!
(1) في "قوت القلوب": "علمهم" بدل "عملهم".
(2)
في "قوت القلوب": "في نفوسهما بدل "في مزيدهم".
(3)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 94).
ولقد سبق قول شيخ الإسلام الجد رضي الله عنه مقتبسا للحديث: [من الخفيف]
إِنْ تَكُنْ عَنْ مَقامِ الَّذِيْن اجْتَباهُمْ
…
رَبُّهُمْ عاجِزاً وَتَطْلُبُ قُرْبا
حِبَّ مَوْلاكَ وَالَّذِيْن اجْتَباهُمْ
…
تَبْقَ مَعْهُمْ فَالْمَرْءُ مَعْ مَنْ أَحَبَّا
ثم اعلم أنَّ عليين اسم لأعلى الجنة فيه كتب الأبرار، وفيه مساكن المقربين.
قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 19 - 21].
وإنما يشهدوا به لأنه مستودع في مساكنهم، وإنما كانت كتب الأبرار عندهم ليشهدوا لهم، ويطلعوا على منازلهم لأن الأعمال تدل على المنازل والمقامات، فهم مطلعون على منازل الأبرار، ولا يطلع الأبرار على منازلهم، وليس لهم من علمها إلا الترائي إليها كما يتراءى أهل الأرض نجوم السماء.
وقد روى الإمام أحمد، والشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيتَرَاءَوْنَ أَهْلَ (1) الغُرَفِ كَمَا تَرَاءَوْنَ
(1) كلمة: "أهل" ليست في مصادر التخريج.
الكَوْاكِبَ (1) فِي السَّمَاء" (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، والطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، وابن عساكر عن ابن عمر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ العُلَى لَيَرَاهُمْ منْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُم كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَ أَبَا بَكْرِ وَعُمَرَ مِنْهُم، وَأَنْعِمَا! "(3).
وروى ابن عساكر عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّيْنَ لَيَشْرُفُ أَحَدُهُم إِلَى الْجَنَّةِ فَيُضِيءُ وَجْههُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يُضِيْءُ القَمَرُ لَيْلَةَ البَدْرِ لأَهْلِ الدُّنْيَا، وَإِنَ أَبَا بَكْرِ وعُمَرَ مِنْهُم، وَأَنْعِمَا! "(4).
(1) في مصادر التخريج: "الكوكب" بدل "الكواكب".
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 340)، والبخاري (6188)، ومسلم (2830).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 72)، والترمذي (3658) وحسنه، وابن ماجه (96)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2065) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه.
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 185) عن ابن عمر، و (30/ 200) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 184).5
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنَّ لأهل عليين كوى يشرفون منها، فإذا أشرف أحدهم أشرقت الجنة، فيقول أهل الجنة: قد أشرف رجل من أهل عليين (1).
وعن محمد بن كعب رحمه الله قال: يرى في الجنة كهيئة البرق، فقيل: ما هذا؟ قيل: رجلٌ من أهل عليين تحول من غرفة إلى غرفة (2).
وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيراءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقهِم كَمَا تتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِن الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُم"، قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يدخلها غيرهم؟ قال: "بَلى، وَالَّذِي نفسِي بِيَدهِ، رِجَالٌ آمَنُوْا بِاللهِ، وَصَدَّقُوْا الْمُرْسَلِيْنَ"(3).
وروى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَةِ فِي الْجَنَّةِ يَقُوْلُ الَّذِيْنَ أَسْفَلَ مِنْهُم: أَي رَبِّ! بِمَ بَلَغَ عِبَادُكَ هَذهِ الكَرَامَةَ كُلَّهَا؟ فَيُقَالُ لَهُم: كَانُوْا يُصَلُّوْنَ بِاللَّيْلِ وَكُنْتُم تَنَامُوْنَ، وَكَانُوْا يَصُوْمُوْنَ وَكُنتم تأكلُوْن، وَكَانُوْا يُنْفِقُوْنَ وَكُنْتُم تَبْخَلُوْن، وَكَانُوْا يُقَاتِلُوْن وَكُنْتُم تَجْبُنُوْن"(4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 37).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنّف"(7/ 39).
(3)
رواه البخاري (3083)، ومسلم (2831).
(4)
تقدم تخريجه.
وروى ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةَ يَرْفَعْهُ اللهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَمَنْ يَتَكَبَّرْ عَلَى اللهِ دَرَجَةً يَضَعْهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِيْنَ"(1).
وروى ابن المبارك في "الزهد" عن أبي المتوكل الناجي - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الدَّرَجَةَ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الدَّرَجِةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ بَرْقٌ يَكَادُ يَخْطَفُ بَصَرَهُ، فَيَفْزَعَ لِذلِكَ، فَيَقُوْلُ: مَا هَذَا؟ فَيقالُ: هَذَا نُوْرُ أَخِيْكَ فُلان، فَيَقُوْلُ: أَخِي فُلان؟ كُنَّا نَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا جَمِيْعًا، وَقَد فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلاً، ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ الرِّضَا حَتَّى يَرْضَى"(2).
قلت: وهذه أعظم نعمة في الجنة على كل واحد من أهلها أن يلقيَ اللهُ الرِّضا في قلبه حتى يرضى بمقامه ومنزلته فيها، وهذا أثر من آثار رضوان الله تعالى عنهم، ومن ثمَّ وصف الله تعالى أهل ولايته وتقريبه بقوله:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8].
وأقول في هذا المعنى، والحجة عليه قوله تعالى:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72][من الخفيف]
(1) رواه ابن ماجه (4176)، وابن حبان في "صحيحه"(5678) واللفظ له.
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 33).
أَعْظَمُ ما فِيْ الْجِنانِ عِنْدِيْ
…
لِكُلِّ عَبْدٍ لَهُ كَرامَة
رِضْوانُ مَوْلاهُ حَتَّىْ يَرْ
…
ضَىْ مِمَّا نالَ مِنْ مَقامَه
إِنَّ الرِّضَا أَصْلُ كُلِّ خَيْر
…
فِيْ هَذِهِ الدَّارِ وَالْقِيامَة