الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - ومنها: النطق بالحكمة
.
قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20].
وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81].
اللام في قوله: "لما آتيتكم" توطئة للقسم؛ لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف كأنه استحلفهم بما آتاهم من الكتاب والحكمة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إن بُعِثَ وهم أحياء.
ففي الإقسام بالحكمة على هذا الأمر العظيم تفخيم لأمر الحكمة، وجميع الأنبياء ينطقون بالحكمة، ولم يكن لقمان نبيًا ولكن كان حكيمًا، فأثنى الله عليه باسمه في القرآن العظيم كما أثنى على الأنبياء عليهم السلام بأسمائهم، ولقد قال: ألا إنَّ يد الله على أفواه الحكماء، لا يتكلم أحدهم إلا ما هيَّأَ الله له. رواه الإِمام أحمد في "الزهد" عن عبد الله بن زيد قال: قال لقمان؛ فذكره (1).
وقد أشبعنا الكلام في الحكمة في صدر هذا الباب.
4 - ومنها: النصيحة
.
قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: 62].
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 516).
وعن هود عليه السلام: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 68].
وعن صالح وشعيب عليهما السلام: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الأعراف: 79] و [الأعراف: 93].
وفي الحديث الصحيح: "الدِّيْنُ النَّصِيْحَة"(1)، وهي كلمة جامعة لجملة إرادة الخير.
وروى عبد الله بن المبارك، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَحَبُّ مَا يَعْبُدُنِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي"(2).
وروى أبو الحسن بن جهضم عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أنه ساح في بداية أمره، فلقيه [رجل] حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فقال له: يا غلام! من أين وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدنيا إلى الآخرة، قال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم، فقال لي الشيخ: فصلى ركعتين خفيفتين وسلم، فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء، قال: فقال: كُلْ، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ربي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل؛ فإنَّ العجلة من الشيطان، وإيّاك والتمرد على الله تعالى؛ فإنَّ العبد إذا تمرَّد على الله
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البغوي في "شرح السنة"(13/ 96)، وكذا رواه الإِمام أحمد في "المسند" (5/ 254). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 87): فيه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف.
أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرزق، ولا يبالي الله في أي وادٍ هلك، يا غلام! إنَّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل له في قلبه سراجاً يفرق به بين الحق والباطل والناس فيهما متشابهون، يا غلام! إني معلمك اسم الله الأكبر -أو قال: الأعظم-، فإذا أنت جُعْمتَ فادع الله حتى يُشبعك، وإذا عطشت فادع الله حتى يرويك، وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضا يطؤونك؛ فإن الله يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم، يا غلام! خذ كذا حتى آخذ كذا، قال إبراهيم: فلم أبرح، فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني، فلم أدرِ أين ذهب، فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني، فلقيني رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب، فأخذ بحجزتي وقال: حاجتك ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعلمني كذا وكذا، فبكى، فقلت: أقسمت عليك بالله مَنْ ذاك الشيخ؟ فقال: ذاك إلياس عليه السلام أرسله الله إليك ليعلمك أمر دينك، فقلت له: فأنت يرحمك الله مَنْ أنت؟ قال: أنا الخضر (1).
وهذه الحكاية من لطائف نصائح الأنبياء عليهم السلام، وفيها إشارة إلى حياة إلياس والخضر (2) عليهما السلام.
(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(6/ 228).
(2)
قال الحافظ ابن حجر في ختام "الزهر النضر في أخبار الخضر"(ص: 162): والذي تميل إليه النفس، من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام، من استمرار حياته، ولكن ربما عرضت شبهة من جهة كثرة الناقلين للأخبار الدالة على استمراره، فيقال: هب أن أسانيدها واهية، =
والذي عليه المحققون أنَّ أربعة من الأنبياء أحياء إلى قيام الساعة؛ اثنان في السماء وهما إدريس وعيسى عليهما السلام، واثنان في الأرض وهما إلياس والخضر عليهما السلام (1).
وقد روى أبو حفص بن شاهين عن خصيف رحمه الله قال: أربعة من الأنبياء أحياء؛ اثنان في السماء: عيسى وإدريس، واثنان في الأرض: الخضر وإلياس، فأما الخضر فإنه في البحر، وأما صاحبه فإنَّه في البر (2).
= إذ كل طريق منها لا يسلم من سبب يقتضي تضعيفها، فماذا يصنع في المجموع؛ فإنه على هذه الصورة قد يلتحق بالتواتر المعنوي الذي مثَّلوا له بجود حاتم.
فمن هنا مع احتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقائه، كآية:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] وكحديث: "رأس مئة سنة". وغير ذلك مما تقدم بيانه.
وأقوى الأدلة على عدم بقائه، عدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانفراده بالتعمير، من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي.
والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته، ولو ثبت أنه ملك من الملائكة لارتفع الإشكال، كما تقدم، والله أعلم.
(1)
قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 142): روى أبو بكر النقاش: أن محمَّد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد".
(2)
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(2/ 293): رواه ابن شاهين بسند ضعيف، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 432).