الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتكلم الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله على هذه الأربعة في "فتوحاته"، ثم أفرد الكلام عليها في مؤلف لطيف سمَّاه "حلية الأبدال"، وحكى فيه وفي "الفتوحات" عن صاحبٍ له كان بمراشانة الزيتون ببلاد الأندلس اسمه عبد المجيد بن سلمة، وكان فقيهًا ورعاً، أنَّه اجتمع برجل من الأبدال في قصة طويلة، وسمَّاه ابن العربي معاذ بن الأشرس، قال عبد المجيد: فقلت: يا سيدي! بماذا تصير الأبدال أبدالاً؟ فقال لي: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب المالكي في "القوت": الصمت، والعزلة، والجوع، والسهر، انتهى (1).
وقال شيخ الإِسلام الجد في منظومته المسماة بِـ: "الدرر اللوامع": [من الرجز]
وَحِلْيَةُ الأَبْدالِ مِثْلُ ما اشْتَهَرْ
…
صَمْتٌ وَعُزْلَةٌ وَجُوْعٌ وَسَهَرْ
*
تنبِيْهٌ:
قال سهل التستري: الخليفة إذا كان صالحًا فهو من الأبدال.
وبعضهم ينقل عنه أنه قال: السلطان إن كان جائراً فهو من الأبدال، وإن كان عادلاً فهو القطب (2).
قال أبو طالب المكي: قوله: "من الأبدال" يعني: أبدال
(1) انظر: "الفتوحات المكية" لابن العربي (2/ 10).
(2)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 209).
المسلك (1) كما حدثنا عن جعفر الصادق رحمه الله قال: أبدال الدنيا سبعة على مقاديرهم يكون الناس [في كل زمان](2) من العلماء، والعباد، والتجار، والخليفة، والوزير، وأمير الجيش، وصاحب الشرطة، والقاضي وشاهداه (3)، انتهى (4).
[وقسم](5) من ذلك -مع ما تقدم - الأبدال على قسمين:
- أبدال عن الأنبياء: وهم أبدال الملكوت، ولا يكونون إلا صديقين مقربين عارفين بالله.
- وأبدال الملك: وهم أبدال الدنيا لا تقوم عمارة الدنيا إلا بهم ولا بدَّ للناس منهم؛ سُمُّوا أبدالاً لأنهم كلما فقد واحد منهم أبدل مكانه غيره، ثم عيَّن جعفر الصادق مراتبهم، وسماهم الخليفة والوزير، وأمير الجيش وصاحب الشرطة، والقاضي وشاهداه، والعلماء يشترطون في هؤلاء الكمال كل واحد بما يليق به، وهو بالرحمة والعدل والشجاعة.
ثم لكل واحد منهم أوصاف وآداب تليق به، فالكمالُ مشروطٌ فيهم، لكن يكفيهم منه أن يكونوا أبرارًا وإن لم يبلغوا درجة الصديقين.
ثم إن كانوا -أو أحدهم- بخلاف ذلك نفذت أحكامهم للضرورة،
(1) في "م" و "ت": "الملك".
(2)
زيادة من "قوت القلوب".
(3)
في "قوت القلوب": "وشهوده" بدل "وشاهداه".
(4)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (2/ 210).
(5)
غير واضح في "م" و "ت".
وانقادت الناس لهم خيفة من تفرق الكلمة، فالرعية مأمورون بالطاعة وهم مأزورون بالجور والخروج عن حد الاعتدال في الدين.
وهذا بخلاف القسم الأول -أعني: الأبدال عن الأنبياء-؛ فإنهم لا يكونون إلا صديقين، وعدتهم أربعون كما سبق، وهؤلاء عدتهم سبعة.
ومن ثم نفهم معنى قول أبي يزيد البسطامي حين قيل له: أنت من الأبدال السبعة؟ فقال: أنا كل الأبدال السبعة (1)؛ لأنَّ الصديق قد استوفى جميع أخلاق الأبرار، والسبعة المشار إليهم قد يتمحضون أبراراً، فالصديق واحد يقوم مقامهم بل يفوق عليهم.
فقوله: "أنا كلُّ السبعة"؛ أي: أنا قائم مقام السبعة، وهذا منه من باب التحديث بالنعمة (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 37).
(2)
قال الإِمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(13/ 89) في ترجمة أبي يزيد البسطامي رحمه الله: سلطان العارفين، وأحد الزهاد، له كلام نافع ونكت مليحة، وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والغيبة، فتطوى ولا يحتج لها؛ إذ ظاهرها إلحاد؛ مثل: ما النار؟ لأستندنَّ إليها غدًا، وأقول: اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتها، ونحو ذلك.
قال السلمي في "تاريخ الصوفية": توفي أبو يزيد عن ثلاث وسبعين سنة، وله كلام حسن في المعاملات، ثم قال: ويحكى عنه في الشطح أشياء، منها ما لا يصح، أو يكون مقولًا عليه، وكان يرجع إلى أحوال سنية، انتهى.