المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثمَّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ٤

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌خاتمة

- ‌(5) بَابُ التَّشَبُّه بِالصِّدِّيْقِيْنَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُم

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيْفَةٌ:

- ‌وأمرُ بلعام يحتمل وجهين:

- ‌فَصْلُ

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌خَاتِمَة

- ‌فَصَلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تتمة:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌ تَذْنِيْبٌ:

- ‌ تَذْيِيْلٌ:

- ‌خَاتمَة

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌(6) باب التشبه بالنبيين صلوات الله عليهم وسلامه عليهم أجمعين

- ‌1 - فمنها: العلم وطلبه، والرحلة في طلبه والاستزادة منه

- ‌2 - ومنها: تعليم العلم وإفادته، وإرشاد الناس إلى الخير

- ‌3 - ومنها: النطق بالحكمة

- ‌4 - ومنها: النصيحة

- ‌5 - ومنها -وهو من أخص أعمالهم وأغلب أحوالهم-: الدعاء إلى الله والإرشاد إليه

- ‌6 - ومنها: التوحيد، والإِسلام، والإيمان، والإحسان

- ‌7 - ومنها: شهود الأفعال من الله تعالى على وجه الحكمة

- ‌8 - ومنها: القيام بالحقوق وتأدية الأمانات

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌9 - ومنها: القضاء بالحق

- ‌10 - ومن أعمال الأنبياء عليهم السلام: مصابرة العبادة

- ‌11 - ومنها: إقامة الصلاة، والمحافظة عليها وعدم التهاون بها

- ‌ تنبِيْهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ فائِدَةٌ أخرى:

- ‌12 - ومنها: الفزع عند الأمور المهمة إلى الصلاة، وطلب الرزق والحاجة بها

- ‌13 - ومنها: الطهارة للصلاة

- ‌14 - ومنها: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌15 - ومنها: صلاة الضحى

- ‌16 - ومنها: الصلاة عند زوال الشمس

- ‌17 - ومنها: تعظيم يوم الجمعة

- ‌18 - ومنها: قيام الليل

- ‌19 - ومنها: الصدقة، والخروج عما يشغل عن طاعة الله تعالى لوجه الله تعالى

- ‌20 - ومنها: تلاوة كتاب الله تعالى

- ‌21 - ومنها: الصيام

- ‌22 - ومنها: تعجيل الفطر وتأخير السحور

- ‌23 - ومنها: إيثار الجوع

- ‌24 - ومن أعمال الأنبياء عليهم السلام: فطر يوم الفطر ويوم الأضحى

- ‌25 - ومنها: التضحية وإهداء الهدي

- ‌26 - ومنها: الاعتكاف في البيت الحرام وغيره من المساجد

- ‌27 - ومنها: الحج إلى البيت الحرام، وتأدية مناسكه كما هو مقرر في الشريعة

- ‌ تَنْبِيْهٌ لَطِيْفٌ:

- ‌28 - ومن أخلاق الأنبياء عليهم السلام وأعمالهم: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - ومنها: بر الوالدين

- ‌30 - ومنها: العفو والاحتمال، ومقابلة السيئة بالحسنة

- ‌31 - ومنها: الحلم وحسن الخلق

- ‌32 - ومنها: العود على النفس باللائمة إذا جهل أحدٌ عليهم

- ‌33 - ومنها: السَّخاء

- ‌34 - ومنها: الضيافة وإكرام الضيف

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ تَنْبِيْهٌ:

الفصل: ثمَّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ

ثمَّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].

وقد تعد النفس منعها عن شهواتها ومراداتها تلفاً وهلاكاً، فإنَّ منعها من حيث منعها الله تعالى فقد أحياها عند الله، وإن أماتها في نظرها.

ومتى فنيت في نظرها، وبقيت عند الله تعالى، فقد تحققت بمقام المقرب، وعاشت في دار المقامة، وحييت بالنعمة والكرامة.

*‌

‌ تنبِيْهٌ:

دليل التشبه بالمقربين معروف من أدلة التشبه بالصالحين والصديقين والسابقين.

وروى ابن جهضم عن الجنيد رحمه الله تعالى قال: إن الله ندب العباد إلى طلب القربة إليه، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]؛ قال: والإيمان بهذه العصابة من أفضل القربات؛ يعني: الإيمان بطريق الصوفية.

قال في "القاموس": الوسيلة والوسالة: المنزلة عند الملك، والدرجة، والقربة.

ووسل إلى الله توسيلاً: عمل عملاً يقرب إليه؛ كتوسل (1).

فهذه الآية دليل على إرشاد المؤمنين إلى طلب درجة المقربين،

(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص: 1379)(مادة: وسل).

ص: 244

[ ..... ](1) الترغيب في طلب مقام المقربين مما أعده الله لهم عند الموت بقوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 86 - 91].

قال الربيع بن خُثَيم رحمه الله تعالى في قوله: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 88، 89]، قال: هذا عند الموت، {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89]؛ قال: تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث.

وفي قوله: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة: 92، 93]، قال: هذا عند الموت، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94]، قال: تخبأ له الجحيم إلى يوم يبعث. رواه ابن أبي شيبة، والإمام أحمد في "الزهد"(2).

وقال أبو العالية رحمه الله: لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه، ثم يقبض. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (3).

(1) كلمة غير واضحة في "م". وفي "ت": "

إلى طلب درجة المقربين مما أعده الله لهم عند الموت

".

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34862) بمعناه. وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 36).

(3)

رواه الطبري في "التفسير"(27/ 212)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3335).

ص: 245

وفسر ابن عباس رضي الله عنهما الروح بالراحة، والريحان بالاستراحة (1).

ومجاهد [رحمه الله تعالى الروح بالفرح، والريحان بالرزق. رواهما ابن جرير](2).

وقال الحسن: أما والله إنهم ليبشرون بذلك عند الموت. روى ذلك عنهما عبد بن حميد، وغيره (3).

وروى ابن المنذر عن ابن عباس قال: الريحان الرزق (4).

وفي الآية تمييز المقربين عن أصحاب اليمين؛ فإنَّ أصحاب اليمين يسلمون من المكروهات عند الموت، ويشاركهم المقربون في السلامة، ويمتازون عليهم بالروح والريحان، وما لقيه الميت عند الموت فما بعده أبلغ من خير أو شر، إلا المؤمن العاصي فقد يخلص من ذنبه مما يلقاه عند الموت من كرب أو هول، وقد يبقى عليه بقية تكفر بما بعد الموت من الأهوال.

فأما أصحاب اليمين فإنَّهم يترقون فيما يجدونه عند الموت من الخير، والمقربون أولى بذلك.

(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3335).

(2)

ما بين معكوفتين غير واضح في "م". والأثران رواهما ابن جرير الطبري في "تفسيره"(27/ 211).

(3)

انظر: "شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور" للسيوطي (ص: 90).

(4)

انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 37).

ص: 246

ولحصول القربة للعبد علامة في العبد، وعلامة من الله تعالى للعبد:

فأمَّا علامة القرب في العبد فمحبة لقاء الله تعالى، والطمأنينة بذكره لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَه". رواه الشيخان، وغيرهما من حديث عبادة، وعائشة رضي الله عنهما (1).

ولما ادعى اليهود ولاية الله والقرب منه امتحنهم الله بتمني الموت، وعرَّفهم أنهم لا يتمنونه، وأكذبهم بعدم تمنيه، فقال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: 6، 7]؛ أي: من المعاصي التي هي سبب البعد والعداوة.

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 94 - 96].

ادَّعوا القرب فأكذبهم، وعرفهم أنهم غير مشتاقين إلى لقاء الله، ويؤثرون طول العمر على لقائه، ولو كانوا متقربين إليه لأحبوا لقاءه، فلما لم يحبوا لقاءه، وأحبوا البقاء في دار الدنيا، علم أنهم عملوا أعمالًا

(1) رواه البخاري (6142)، ومسلم (2683) عن عبادة رضي الله عنه.

ورواه البخاري (6142)، ومسلم (2684) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 247

أبعدتهم عنه، وطول العمر لو حصل لهم لم ينفعهم، ولم يزحزحهم عن البعد والتعذيب.

وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتَمَنَّيَن أَحَدُكُم الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بهِ"(1) من حيث إنَّ هذا التمني ليس الباعث عليه الشوق إلى لقاء الله، ولا القرب منه، وإنما هو التباعد عما لا يلائم النفس من الضر الذي يصيبه في الدنيا، ولعل ذلك الضر يكون سبباً في القرب من الله، ورفع المنزلة عنده.

وأمَّا الطمأنينة بذكر الله تعالى فلأنها ناشئة عن الأنس به، والأنس لا يتحقق إلا بتحقق القرب.

روى ابن جهضم عن أبي سعيد الخزَّاز قال: حدثني بعض العلماء قال: بينما عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام يسيران جرى ذكر شيء من العلم بينهما، فصاح يحى وقال: إن لله عباداً إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم، وكادت أن تتقطع أوصالهم.

فقال عيسى: إنَّ لله عباداً ألطف من هؤلاء، وأسكن؛ إذا ذكروا الله لم يصبهم ذلك لأنهم معه يسمعون كلامه من قرب لا من بعد، فبم يطيشون؟

فقال يحيى: لقد سقيتني بكأس أرويتني، وأزويت بعض خيري.

وعن الفتح بن شخرف رحمه الله قال: رأيت سعدون قائماً على حلقة ذي النون رحمة الله عليهما، وعليه جبة صوفٍ ضيقة الكمين، على

(1) رواه البخاري (5990)، ومسلم (2680) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 248

ظهره وصدره مكتوبٌ عليها: لا تباع ولا تشترى، وذو النون يتكلم على من حوله، فناداه سعدون: يا أبا الفيض! متى يكون القلب أميراً بعد ما كان أسيراً؟ فقال ذو النون: إذا اطَّلع الخبير على الضمير، فلا يرى إلا حبه اللطيف، فصرخ سعدون وخرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق قال: يا أبا الفيض! أمن القلوب قلوبٌ تستغفر قبل أن تذنب؟ قال: نعم؛ تلك قلوب تُثَابُ قبل أن تطيع، فقال: اشرح لي، فقال: يا سعدون! أولئك قومٌ أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين، وأنست أبصارهم بصدق الناظرين، ثمَّ ولَّى - يعني: سعدون - وهو يقول: [من البسيط]

أَهْلُ الْمَحَبَّةِ ما نالُوْا الَّذِيْ وَجَدُوْا (1)

حَتَّىْ بِخِدْمَتِهِ فِيْ لَيْلٍ انْفَرَدُوْا

هُمُ الْمُرِيْدُوْنَ وَالْمَوْلَىْ مُرادُهُمُ

وَهُمْ سِواهُ مِنَ الأَحْبابِ لَمْ يُرِدُوْا

حَثُّوْا الْمَطايا سِراعاً نحو سيِّدهمْ (2)

وَاستمسكوا بالمليك الحي واعتمدوا (3)

(1) في "مشيخة ابن البخاري": "نالوا الذي بلغوا" بدل "ما نالوا الذي وجدوا".

(2)

في "م" و"ت""وربهم قصدوا"، والمثبت من "مشيخة ابن البخاري".

(3)

في "م" و"ت""واعتصموا بالجليل واعتضدوا"، والمثبت من "مشيخة ابن البخاري".

ص: 249

وَلَمْ تَزَلْ خَطَراتُ الْعِزِّ (1) تَصْرَعُهُمْ

حَتَّىْ مِنَ الْحُزْنِ (2) أَعْلَىْ مَوْرِدٍ وَرَدُوْا

إِذا تَدانوا مِنَ الْمَحْبُوْبِ (3) مَنْزِلَةً

وَدُّوْا بأَنَّهمُ مِنْ خَلْقِهِ بَعُدُوْا

نُوْرُ السَّكِيْنَةِ عالٍ فَوْقَ رُووْسِهِمُ

فما لخلقٍ (4) عَلَىْ أَنْوارِهِمْ جَلَدُ

فَلَوْ تَراهُمْ عَلَىْ نُجْبٍ إِذا رَكِبُوْا

مِنَ الجَواهِرِ نَحْوَ اللهِ قَدْ قَصَدُوْا

وَجِبْرئيلُ لَدَىْ طُوْبَىْ يُرَتِّبهُم

مِنْهُ عَلَىْ قَدْرِ (5) ما فِيْ الْخِدْمَةِ اجْتَهَدُوْا (6)

(1) في "مشيخة ابن البخاري": "الشوق " بدل "العز".

(2)

في "مشيخة ابن البخاري": "إلى الحور" بدل "من الحزن".

(3)

في "مشيخة ابن البخاري": "الرحمن" بدل "المحبوب".

(4)

في "م" و"ت""فالعين"، والمثبت من "مشيخة ابن البخاري".

(5)

في "مشيخة ابن البخاري": "على مقادير ما" بدل "منه على قدر".

(6)

ورواها أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 371) لكن بسياق مختلف، ولم يذكر هذه الأبيات، وذكر الأبيات دون القصة جمال الدين الظاهري في "مشيخة ابن البخاري"(2/ 1269).

ص: 250

وأما علامة القرب من الله تعالى للعبد فتوفيق العبد لطاعة أخرى سوى الطاعة التي تقرب إليه بها أولاً، ولطفه به، وتأييده فيها كما قال الله تعالى في حديث البخاري: "وَمَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ

".إلى آخره (1).

فالمقرب المؤيد في الحركات والسكنات، ومحال أن يتقرب العبد إلى الله تعالى بإخلاص وصدق، ولا يتقرب الله منه لقوله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].

ولما رواه البخاري عن أنس، وعن أبي هريرة، والطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ العَبْدُ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وإذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وإنْ أتانِي مَشْياً أتيْتُهُ هَرْوَلَةً"(2).

وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: ابنَ آدَمَ! إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي، وإنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُم، وَإِنْ دَنْوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوتُ مِنْكَ ذرَاعًا،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (6970) ومسلم (2675) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه البخاري (7098) عن أنس رضي الله عنه.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(6141) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.

ص: 251

وإِنْ أتَيْتَنِي تَمْشِي أتيْتُكَ أُهَرْوِل" (1).

واعلم أنَّ التقرب ذراعاً أو باعاً، والهرولة في الحديثين ليس المراد بهما قرب المسافة، ولا الحركة؛ فانَّ الله تعالى منزه عن ذلك، ولكنه على سبيل التمثيل والتقريب، والتعبير عن سرعة ظهور الفضل من الله تعالى، والإحسان على العبد في مقابلة إقباله على الله تعالى، وتقربه منه سبحانه بأبلغ عبارة، وأوضحها في تأدية المقصود.

وفي "حلية أبي نعيم" عن ابن أبي الحواري: حدثني إسحاق بن خلف، قال: مرَّ عيسى بن مريم عليهما السلام بثلاثة من الناس قد نحلت أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: الخوف من النيران، قال: مخلوقاً خِفتم، وحقاً على الله أن يؤمن الخائف.

ثم جاوزهم إلى ثلاثة فإذا هم أشد تغير ألوان، وأشد نحول أبدان، فقال: ما الذي بلغ بلغكم ما أرى؟ قالوا: الشوق إلى الجنان، فقال: مخلوقاً اشتقتم، وحقاً على الله أن يعطيكم ما رجوتم.

قال: ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحول أبدان، وأشدُّ تغير أبدان، [كأن على وجوههم المرآة من النور] فقال: ما الذي بلغكم ما أرى؟ قالوا: الحب لله، قال: أنتم المقربون، أنت المقربون (2).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 138). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 78): رجاله رجال الصحيح.

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 8).

ص: 252

قلت: كذلك التحقيق أن أهل هذه الأحوال الثلاث كلهم محمودون لأنهم كلهم في طاعة الله، وهم متصلون بالله؛ الأولون يخافون عذاب الله، والذين يلونهم يرجون رحمته، والآخرون يحبهم ويحبونه.

والخائف من النار مستجير بالله منها، مستعيذ به، وناهيك بمن هو في جوار الله تعالى، وقد أوصى بالجار.

ومن اشتاق إلى الجنة إنما يطلبها ويرجوها من الله تعالى، وقد قالوا: من قصد إلينا وجب حقه علينا.

ومن أحب الله أحبه الله؛ إذ ما جزاء من يحب إلا أن يُحب، غير أنَّ هؤلاء أعظم اتصالاً من الذين قبلهم، ثم قال عيسى عليه السلام عنهم: أولئك المقربون، أولئك المقربون.

وروى ابن جهضم، وغيره عن أحمد بن أبي الحواري قال: سأل محمود أبا سليمان الداراني رضي الله عنه وأنا حاضر: ما أقرب ما يتقرب به إلى الله؟ فبكى أبو سليمان، ثم قال: مثلي يسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا إياه (1).

وروى ابن باكُويه الشيرازي في "الألقاب"، وغيره عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال: حججت على الوحدة، فجاورت بمكة، فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف، فإذا بجارية تطوف وتقول:[من الطويل]

(1) ورواه ابن الجوزي في "ذم الهوى"(ص: 77)، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 84) مختصراً.

ص: 253

أَبَىْ الْحبُّ أَن يَخْفَىْ وَكَمْ قَدْ كَتَمْتُهُ

فَأَصْبَحَ عِنْدِي قَدْ أَناخَ وَطَنَّبا

إِذا اشْتدَّ شَوْقيْ هامَ قَلْبِيْ بِذِكْرِهِ

فَإِنْ رُمْتُ قُرْباً مِنْ حَبِيْبِيْ تَقَرَّبا

وَيَبْدُوْ فَأَفْنَىْ ثُمَّ أَحْيَىْ بِهِ لَهُ

ويُسْعِدُنِيْ حَتَّىْ ألَذَّ وَأَطْرَبا

قال: فقلت لها: يا جارية! أما تتقين الله في مثل هذا المكان تتكلمين بهذا الكلام؟ فالتفتت إليَّ وقالت: يا جنيد! [من مجزوء الرجز]

لَوْلا التُّقَىْ لَمْ تَرنيْ

أَهْجُرُ طِيْبَ الْوَسَن

إِنَّ التُّقَىْ شَرَّدَنِيْ

كَما تَرَىْ عَنْ وَطَنِي

أَهِيْمُ مِنْ وَجْدِيْ بِه

فَحبُّهُ هَيَّمَنِيْ

ثم قالت: يا جنيد! تطوف بالبيت، أم برب البيت؟ فقلت: أطوف بالبيت، فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت: سبحانك! سبحانك! ما أعظم مشيئتك في خلقك، خلقاً كالأحجار يطوفون بالأحجار، ثم أنشأت تقول:[من الطويل]

ص: 254

يَطُوْفُوْنَ بِالأَحْجارِ يَبْغُوْنَ قُرْبةً

إِلَيْكَ وَهُمْ أَقْسَىْ قُلُوْباً مِنَ الصَّخْرِ

وَتاهُوْا فَلَمْ يَدْرُوْا مِنَ التِّيْهِ مَنْ هُمُ

وَحَلُّوْا مَحَلَّ الْقُرْبِ فِيْ باطِنِ النُّكْرِ (1)

فَلَوْ أَخْلَصُوْا فِيْ الْوُدِّ غابَتْ صِفاتُهُمْ

وَقامَتْ صِفاتُ الْوُدِّ لِلْحَقِّ بِالذِّكْرِ

قال الجنيد: فغشي عليَّ من قولها، فلما أفقت لم أرها (2).

وقد تكلمتُ على حال القرب في كتاب "منبر التوحيد" بما فيه مقنع، وليس عليه مزيد، ولي فيه أبيات لطيفة تشتمل على معان شريفة، وهي:[من مجزوء الرمل]

لِيْ إِلَىْ وَجْهِ حَبِيْبِي

مِنْ صَلاةِ الْقُرْبِ وِرْدُ

لِيْ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ

نِيَّةٌ حُسْنَىْ وَقَصْدُ

فَسُهُوْدِيْ فِيْ سُجُوْدِيْ

بِوُجُوْدِيْ يَسْتَبدُّ

(1) في "صفة الصفوة": "الفكر" بدل "النكر".

(2)

انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 419).

ص: 255

وَمَقامِيْ فِيْ قِيامِيْ

عِنْدَهُ شُكْرٌ وَحَمْدُ

فِيْ مُناجاتِيْ نَجاتِيْ

عَنْ سِوَى عَنْهُ يَصُدُّ

قَدْ عَزَفْتُ الْغَيْرَ عَنِّيْ

كُلُّ غَيْرٍ فَهْوَ رَدُّ

لَيْسَ لِيْ فِيْ غَيْرِ حِبِّيْ

فِيْ صَمِيْمِ الْقَلْبِ وَجْدُ

صُمْتُ إِذْ صَوَّمْتُ سِرِّيْ

وَالْهَوْى لا شَكَّ جِدُّ

عَنْ هَوَىْ الأَغْيارِ حَتَّىْ

لَيْسَ لِيْ فِيْهِنَّ عَهْدُ

وَتَفَرَّدْتُ بِحُبِّيْ

فَأنا فِيْ الْحُبِّ فَرْدُ

[ ..................... ](1)

إِنَّما تَحْدُوْ وَتَشْدُوْ

(1) ثلاث كلمات في "م" و"ت" غير واضحة.

ص: 256