الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسِ، لَهُمُ الشَّرَفُ في الآخِرَةِ، يَا أَسَامَةُ! إِذَا رَأَيْتَهُم في بَلْدةٍ فَاعْلَم أَنَّهم أَمَانٌ لِتِلْكَ البَلْدَةِ، لا يُعَذِّبُ اللهُ تَعَالَى قَوْمَا هُمْ فِيْهِم، عَسَى أَنْ تنجُو بِهِم، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَأتِيَكَ الْمَوْتُ وَبَطْنُكَ جَائِعٌ وَكَبِدُكَ ظَمْآنٌ فَإِنَّكَ تُدْرِكُ بِذَلِكَ شَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَتَحُلُّ مَعَ النَّبِييْنَ، وَتَفْرَحُ بِقُدُوْمِ رُوْحِكَ الْمَلائِكَةُ، وَيُصَلي عَلَيْكَ الجبارُ" (1).
وروى ابن أبي شيبة عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة؛ فإنه ليس عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشيته فمسته النار أبدًا، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله فاقشعرَّ جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح، فتحاتَّت ورقها عنها إلا تحاتت خطاياه كما يتحاتُّ عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصاداً في سنَّة وسبيل خيرٌ من اجتهاد في غير سنة وسبيل، فانظروا أعمالكم فإن كانت اقتصاداً واجتهاداً أن تكونوا على منهاج الأنبياء وسنتهم (2).
1 - فمنها: العلم وطلبه، والرحلة في طلبه والاستزادة منه
.
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].
(1) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(347) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه. قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"(ص: 234): رواه الخطيب مطولاً عن سعيد بن زيد، وهو موضوع، وأكثر رجال إسناده لا يعرفون.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35526).
وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وقال: {عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113].
وقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31].
وقال في الخضر عليه السلام: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65].
وقال في داود عليه السلام: {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 251].
وقال فيه وفي أبيه داود عليهما السلام: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79].
وقال تعالى حكايته عن موسى والخضر عليهما السلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66].
وقال تعالى حكايةً عن يوسف عليه السلام: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37].
وجميع الأنبياء عليهم السلام علماء بأحكام الله تعالى، عارفون بصفاته تعالى، وعنهم يُورث العلم ويؤخذ.
وفي الحديث المتقدم: "إنَّ العُلَمَاءَ وَرثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوْا دِيْنَارًا وَلا دِرْهَمًا، وإنَّمَا وَرَّثُوْا العِلْمَ"(1).
(1) تقدم تخريجه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن سليمان عليه السلام خُيِّر بين العلم والمال والملك، فاختار العلم، فأعطي المال والملك (1).
وروى الطبراني في "الأوسط" من حديثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَاءَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ العِلْمَ لَقِيَ اللهَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّيْنَ إِلا دَرَجُةُ النّبُوَّةِ"(2).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن معن بن بجير رحمه الله قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: "يا داود! اتخذ نعلين من حديد وعصا من حديد، واطلب العلم حتى تنخرق نعلاك وتنكسر عصاك"(3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَةِ أَهْلُ العِلْمِ وَأَهْلُ الْجِهَادِ، أَمَّا أَهْلُ العِلْمِ فَدَلوا النَّاسَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجِهَادِ فَجَاهَدُوا بِأسْيَافِهِم عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل". رواه
(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2975)، وذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 54) عن ابن المبارك. قال الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار" (3/ 428): ذكره ابن عبد البر في كتاب العلم هكذا من غير سند وذكره أبو شجاع الديلمي في كتاب الفردوس عن ابن عباس مرفوعًا على اصطلاحه في حذف اسمه عليه السلام.
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(9454).
(3)
تقدم تخريجه.
أبو نعيم في "فضل العالم العفيف" عن ابن عباس رضي الله عنهما (1).
وأورده أبو طالب المكي في كتاب "القوت" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه (2).
ومن لطائف النكت: ما رواه الخطيب عن أبي صالح بن محمَّد البغدادي قال: كان ببغداد شاعران أحدهما صاحب حديث والآخر معتزلي، فاجتاز بي المعتزلي يومًا فقال لي: يا بني! كم تكتب يذهب بصرك، ويحدودب ظهرك، ويزداد فقرك؟ ثم أخذ كتابي وكتب عليه:[من مجزوء الكامل المرفل]
إِنَّ الْقِراءَةَ وَالتَّفَقْـ
…
ـهَ وَالتَّشاغُلَ بِالْعُلُوْمِ
أَصْلُ الْمَذَلَّةِ وَالإِضا
…
قَةِ وَالْمَهانَةِ وَالْهُمُوْمِ
قال: ثم ذهب وجاء الآخر، فقرأ هذين البيتين، فقال: كذب عدو نفسه، بل يرتفع ذكرك، وينتشر علمك، ويبقى اسمك مع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، ثم كتب هذين البيتين:[من مجزوء الكامل المرفل]
إِنَّ التَّشاغُلَ بِالدَّفا
…
تِرِ وَالْكِتابَةِ وَالدِّراسَة
أَصْلُ التَّفَقُّهِ وَالتَّزَهْ
…
هُدِ وَالرِّئاسَةِ وَالسِّياسَة (3)
(1) قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 12): رواه أبو نعيم في "فضل العالم العفيف" عن ابن عباس رضي الله عنهما، بإسناد ضعيف.
(2)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (1/ 241).
(3)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(9/ 323).