الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها قالت: "أمرنا - تعني: النبي، صلى الله عليه وسلم أن نُخرِج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين"
وفي لفظ: "كنَّا نُؤمَر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحُيَّض، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطُهرَتَه".
"العواتق": جمع عاتق، وهي مَن بلغت الحلم، أو قاربت، أو استحقَّت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة.
"والخدور": جمع خدر، وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي.
وفي الحديث مشروعية صلاة العيدين في الصحراء، واستحباب خروج النساء يوم العيد، وحضور الحيَّض واعتزالهن المصلى، والله أعلم.
* * *
باب صلاة الكسوف
الحديث الأول
عن عائشة رضي الله عنها: أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديًا ينادي: الصلاة جامعة فاجتمعوا، وتقدَّم فكبَّر وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات.
(الكسوف والخسوف) : شيء واحد، وكلاهما قد وردت به الأخبار، وقال - تعالى -:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7- 8] ، وفي الحديث مشروعية صلاة الكسوف جماعة ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان.
* * *
الحديث الثاني
عن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوِّف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحدٍ من الناس ولا لحياته، فإذا رأيتم منها شيئًا فصلُّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) .
فيه دليل على مشروعية الصلاة لكسوف الشمس أو القمر، وعلى مشروعيتها في أيِّ وقت حدث فيه الكسوف، وفيه الأمر بالدعاء والتضرُّع إلى الله - تعالى - قوله:((وأنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته)) .
قال الحافظ: وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، وهو نحو قوله في الحديث الآخر:((يقولون: مُطِرنا بنوء كذا)) .
قال الخطابي: كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يُوجِب حدوث تغيُّر في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخَّران ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما.
قوله: ((يخوف الله بهما عباده)) قال الحافظ: فيه ردٌّ على مَن يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم؛ إذ لو كان كما يقولون لم يكن ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر.
وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: ((يخوِّف الله بهما عباده)) وليس
بشيء؛ لأن لله أفعالاً على حسب العادة وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كلِّ سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت فالعلماء بالله لقوَّة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء، إذا وقع شيء غريب حدَث عندهم الخوف لقوَّة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلا أن يشاء الله خرقها.
وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقًّا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوِّفًا لعباد الله - تعالى - والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خُسِفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مثلما فعَل في الركعة الأولى، ثم انصرف وقد تجلَّت الشمس، فخطَب الناس فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال:((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّروا وصلُّوا وتصدَّقوا)) ، ثم قال: ((يا
أمة محمد، والله ما من أحد أَغْيَر من الله - سبحانه - أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد،
والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا)) .
وفي لفظ: "فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات".
هذا الحديث مشتمِل على صفة صلاة الكسوف، وفيه دليلٌ على مشروعية الخطبة والموعظة بعدها، وفيه الأمر بالصدقة وكثرة الذكر والدعاء والاستغفار.
قوله: "ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول"، في رواية:"ثم قال: ((سمع الله لِمَن حمده، ربنا ولك الحمد)) ".
قوله: ((ما من أحد أَغْيَر من الله - سبحانه - أن يزني عبده أو تزني أمته)) ، وقيل: غيرة الله - تعالى - ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه، ومنه قوله - تعالى -:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] .
وقال ابن دقيق العيد: أهل الشريعة في مثل هذا على قولين: إمَّا ساكت، وإما مؤوِّل، على أن المراد بالغَيْرَة شدَّة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة التي قلت، والسكوت في هذا المقام ونحوه أسلم من الخوض في ذلك، فتفسيرها إمرارها كما وردت، ولما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرًا في إثارة النفوس وغلَبَة الغضب، ناسَب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة مَن حرَّم الفواحش وحماها.
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على غلَبَة مقتضى الخوف، وترجيح الخوف في الموعظة على الإشاعة بالرخص؛ لما في ذلك من التسبُّب إلى تسامح النفوس لما جُبِلت عليه من الإخلاد إلى الشهوات وذلك مرضها الخطر، والطبيب الحاذق يقابل العلة بضدِّها لا بما يزيدها، انتهى.
قال الحافظ: وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدَّم المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف، والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء، والتحقُّق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله، وفيه الرد على مَن زعم أن للكواكب تأثيرًا في الأرض؛ لانتفاء ذلك عن الشمس
والقمر فكيف بما دونهما؟ وبيان ما يُخشَى اعتقاده على غير الصواب، ومن حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة، وصورة عقاب مَن لم يذنب، والتنبيه على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب، ثم كشف ذلك عنه ليكون المؤمن من ربه على خوف ورجاء.
وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأي مَن يعبد
الشمس أو القمر، وحمل بعضهم الأمر في قوله:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] على صلاة الكسوف؛ لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتها، لما يظهر فيهما من التغيير والنقص المنزَّه عنه المعبود - جلَّ وعلا وسبحانه وتعالى.
* * *
الحديث الرابع
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام فصلى بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاته قطُّ، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسلها الله - تعالى - لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوِّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئًا فافزعوا إلى ذكره وإلى دعائه واستغفاره)) .
فيه دليلٌ على مشروعية تطويل صلاة الكسوف، وفيه الندب إلى الذكر والدعاء والاستغفار؛ لأنه مما يدفع به البلاء.
قوله: "فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة" قدر صلى الله عليه وسلم وقوعها لولا ما أعلمه الله - تعالى - بأنها لا تقع قبل الأشراط تعظيمًا منه لأمر الكسوف؛ ليبين لِمَن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع.
قوله: ((فافزعوا إلى ذكره)) ؛ أي: التجئوا وتوجَّهوا، وفيه أن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سببٌ لمحو ما فرط من العصيان يرجى به زوال
المخاوف، وأن الذنوب سببٌ للبلايا والعقوبة العاجلة والآجلة، نسأل الله - تعالى - رحمته وعفوه وغفرانه.
* * *