المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب النكاح الحديث الأول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب دخول الخلاء والاستطابة

- ‌باب السواك

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في المذي وغيره

- ‌باب الغسل من الجنابة

- ‌باب التيمم

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌باب فضل الصلاة الجماعة ووجوبها

- ‌باب الأذان

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب الصفوف

- ‌باب الإمامة

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصلاة

- ‌باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب المرور بين يدي المصلي

- ‌باب جامع

- ‌باب التشهد

- ‌باب الوتر

- ‌باب الذكر عقب الصلاة

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب الصوم في السفر وغيره

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌باب ما يلبس المحرم من ثياب

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌باب التمتع

- ‌باب الهدي

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌باب الحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب ما نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌باب الربا والصرف

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا وغير ذلك

- ‌باب الفرائض

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب الصداق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب العدة

- ‌باب اللعان

- ‌كتاب الرضاع

- ‌كتاب القصاص

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الخمر

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌باب النذر

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

- ‌باب الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كتاب اللباس

- ‌كتاب الجهاد

- ‌كتاب العتق

- ‌باب بيع المُدَبَّر

الفصل: ‌ ‌كتاب النكاح الحديث الأول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

‌كتاب النكاح

الحديث الأول

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء)) .

(النكاح) في الشرع: عقد التزويج، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله - تعالى -:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، وقال - تعالى -:{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، وهو في اللغة: الضم والتداخل، قال الفارسي: إذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد وإذا قالوا: نكح زوجته فالمراد الوطْء.

قوله: ((يا معشر الشباب)) (المعشر) جماعة يشملهم وصف، و (الشباب) : جمع شاب، وهو اسم لِمَن بلغ حتى يكمل ثلاثين، ثم هي كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم شيخ.

قوله: ((مَن استطاع منكم البَاءَة فليتزوج)) ، المراد بالباءة هنا القدرة على مُؤَن النكاح، وهو في اللغة الجماع؛ أي: مَن استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوَّج، ومَن لم يستطع فليصم لدفع شهوته، والوجاء رضُّ الأنثيين، والإخصاء: سلهما، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة.

وفي الحديث إرشاد العاجز عن مُؤَن النكاح إلى الصوم؛ لأن شهوة الجماعة تابعة لشهوة الأكل، تقوَى بقوة الأكل وتضعف بضعفه، وفيه الحثُّ على غض البصر وتحصين الفرج بكلِّ ممكن، وعدم التكليف بغير المستطاع.

وأخرج ابن أبي شيبة وغيره

ص: 281

من حديث طاوس، قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: إنما يمنعك عن التزويج عجز أو فجور.

فائدة:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادمًا أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)) ؛ رواه ابن ماجه، والله الموفق.

* * *

الحديث الثاني

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فحمد الله وأثنى عليه وقال:((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مِنِّي)) .

قوله: "سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر" وفي رواية: "فلمَّا أُخبِروا بها كأنهم تقالُّوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فقال بعضهم

إلى آخره، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)) .

قوله: ((فمَن رغب عن سنتي فليس مِنِّي)) ؛ أي: مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مِنِّي؛ وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوَّى على الصوم، وينام ليتقوَّى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وفي

ص: 282

الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه، وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العمل، وبيان الأحكام للمكلفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب، وفيه النهي عن التعمُّق في الدين والتشبُّه بالمبتدعين؛ قال الله عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَاّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ

رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27] ، وبالله التوفيق.

* * *

الحديث الثالث

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل ولو أَذِن له لاختصينا".

المراد بالتبتل هنا: الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذِّ إلى العبادة، وأمَّا التبتُّل المأمور به في قوله - تعالى -:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل: 8] فالمراد به الإكثار من ذكره - تعالى - والانقطاع إليه، وإخلاص العبادة له والرغبة إليه، كما قال - تعالى -:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7- 8] ؛ أي: إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته وعبادته لتكون فارغ البال.

قوله: "ولو أَذِن له لاختصينا"؛ أي: لو أَذِن له بالتبتل وترك النكاح لاختصينا، وكان ذلك قبل تحريم الخصاء، قال القرطبي: الخصاء في غير بني آدم ممنوعٌ في الحيوان إلا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه، قال الحافظ: والنهي عن الخصاء نهي تحريم في بني آدم بلا خلاف.

* * *

الحديث الرابع

عن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان، فقال:((أوتحبين ذلك؟)) ، فقلت:

ص: 283

نعم، لست لك بمخلية، وأحبُّ مََن شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن ذلك لا يحلُّ لي)) ، قالت: فإنا نحدِّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال:((بنت أم سلمة؟)) ، قلت: نعم، فقال: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إنها

لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة مولاة لأبي لهب فلا تعرِضَنَّ عليَّ بناتكن ولا أخواتكن)) .

قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلمَّا مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرِّحِيبة، قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم خيرًا غير أني سقيت من هذه بعتاقتي ثويبة.

(الحِيبة) بكسر الحاء.

تحريم الربيبة منصوصٌ عليه في القرآن مع المحرَّمات في النكاح وكذلك الجمع بين الأختين.

قوله: ((أوَتحبين ذلك؟)) هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يزوج غيرها مع ما طُبِع عليه النساء من الغيرة.

قوله: ((لست لك بمخلية)) ؛ أي: بمنفردة بك ولا خالية من ضرَّة.

قوله: ((وأحبُّ مَن شاركني في خيرٍ أختي)) وفي رواية: ((وأحبُّ مَن شركني فيك أختي)) .

قوله: "فإنا نحدِّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة" اسمها (درة) ، واسم أخت أم حبيبة (عزة) .

قوله: ((بنت أم سلمة؟)) هو استفهام إثبات لرفع الإشكال أو استفهام إنكار، والمعنى: أنها إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين، وإن كانت من غيرها فمن وجه واحد.

قوله: ((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي)) ؛ أي: لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها مانعان.

قوله: ((في حجري)) خرج مخرج الغالب ولا مفهوم له

ص: 284

عند الجمهور، و (الربيبة) : بنت زوجة الرجل، مشتقَّة من الرب وهو الإصلاح؛ لأنه يقوم بأمرها غالبًا.

قوله: ((فلا تعرِضَنَّ عليَّ بناتَكن ولا أخواتكن)) قال القرطبي: جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنتين وهما: أم حبيبة وأم سلمة؛ ردعًا وزجرًا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك.

قوله: ((وثويبة مولاة لأبي لهب)) قال أبو نعيم: لا نعلم أحدًا ذكر إسلامها غير ابن منده، والذي في السِّيَر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها وكانت تدخل عليه بعدما تزوَّج خديجة، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح.

قوله: "فلمَّا مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرِّحِيبه"؛ أي: سوء حال، وذكر السهيلي أن العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شرِّ حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفَّف عنِّي في كل يوم اثنين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشَّرت أبا لهب بمولده فأعتقها.

قوله: "غير أني سقيت من هذه بعتاقتي ثويبة" في رواية: "وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه" وفي أخرى: "وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها" وفي ذلك حقارة ما سقي من الماء.

* * *

الحديث الخامس

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع الرجل بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها)) .

قوله: ((لا يجمعُ)) بالرفع على الخبر عن المشروعية، وهو يتضمَّن النهي، فإنْ جمع بينهما بعقد بطل نكاحهما معًا، وإن كان مرتَّبًا بطل الثاني، وقال الترمذي بعدما أخرج الحديث: العمل على هذا عند عامَّة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا أنه لا يحلُّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمَّتها أو خالتها، ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، اهـ.

وخصَّ العلماء بهذا الحديث عموم قوله - تعالى -: {وَأُحِلَّ لَكُمْ

ص: 285

مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وهو دليلٌ على جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، والحكمة في النهي عن الجمع بينهما ما يقع بسبب المضارَّة من التباغض والتنافر فيفضي ذلك إلى قطيعة الرحم، والله أعلم.

* * *

الحديث السادس

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحقَّ الشروط أن توفُّوا به ما استحللتم به الفروج)) .

أي: أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأن أمره أحوط وبابه أضيق، قال الخطابي: الشروط في النكاح مختلفة: فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا؛ وهو ما أمر الله به من إمساكٍ بمعروف أو تسريحٍ بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يُوفى به اتفاقًا؛ كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختُلِف فيه؛ كاشتراط أن لا يتزوج أو لا يتسرَّى أو لا ينقلها من منزلها، اهـ.

قال الموفق: وإن شرط لها طلاق ضرَّتها، فقال أبو الخطاب: هو صحيح، ويحتمل أنه باطل؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها)) ، اهـ.

وعن عبد الرحمن بن غنم قال: "كنت مع عمر حيث تمسُّ ركبتي ركبته، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، تزوجت هذه وشرطت لها دارها، وإني أجمع لأمري أو لشأني أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا، فقال له: اشرطها، فقال الرجل: هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم"؛ أخرجه سعيد بن منصور.

والحديث دليلٌ على لزوم الوفاء بالشروط وإن لم تكن من مقتضى العقد، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة، منهم عمر قال:

"إذا تزوج الرجل المرأة وشرط أن لا يخرجها لزم"، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.

* * *

ص: 286

الحديث السابع

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار"؛ والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق.

قوله: "والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق" في حديث جابر مرفوعًا: "نهى عن الشغار، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بضع هذه صداق هذه، وبضع هذه صداق هذه"؛ رواه البيهقي.

قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته، فالجمهور على البطلان، وفي رواية عن مالك:"يفسخ قبل الدخول لا بعده" وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل، اهـ.

وقال النووي: أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك، والله أعلم.

* * *

الحديث الثامن

عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية".

نكاح المتعة: هو تزوج المرأة إلى أجل، وقد أُبِيح ذلك ثم نُسِخ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث)) ؛ أخرجه ابن حبان في "صحيحه".

وعن سبرة الجهني قال:

ص: 287

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين الركن والباب وهو يقول: ((يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة)) ؛ رواه مسلم.

وعن سلمة بن الأكوع قال: "رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها"؛ رواه أحمد ومسلم.

قال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعَا مرتين، فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أُبِيحت عام الفتح وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا.

وقال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة في نكاح المتعة، ولا أعلم اليوم أحدًا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقولٍ يخالف كتاب الله وسنة رسوله.

وقال عياض: وأمَّا ابن عباس فرُوِي عنه أنه أباحها، ورُوِي عنه أنه رجع عن ذلك، اهـ.

وعن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان؛ وقال فيها الشعراء - يعني: في المتعة - فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحلُّ إلا للمضطر"؛ أخرجه الخطابي والفاكهي.

وعن جعفر بن محمد: "أنه سُئِل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه"؛ نقله البيهقي.

ومتى وقع نكاح المتعة بطل سواء كان قبل الدخول أو بعده، قال عياض: وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط، فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدَّة صحَّ نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله، واختلفوا هل يحد بنكاح المتعة أو يعزر على قولين.

قوله: "وعن لحوم الحمر الأهلية" ظاهر النهي التحريم والتقييد بالأهلية يُخرِج الحمر الوحشية، ولا خلاف في إباحتها، والله أعلم.

* * *

الحديث التاسع

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنكح الأيم حتى تُستَأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستَأذن)) ، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:((أن تسكت)) .

ص: 288

قوله: ((لا تنكح)) بكسر الحاء للنهي وبرفعها للخبر، وهو أبلغ في المنع، والأيِّم هي الثيِّب التي فارَقَت زوجها بموت أو طلاق، والاستئمار طلب الأمر.

وفي روايةٍ عند ابن المنذر: ((الثيب تشاور)) ؛ والمعنى: لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها، والاستئذان طلب الإذن من البكر.

وعن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، البكر تستحي، قال:((رضاها صمتها)) ، ولمسلم من حديث ابن عباس:((والبكر يستأذنها أبوها في نفسها)) .

والحديث دليلٌ على أنه لا يجوز للأب ولا غيره من الأولياء تزويج الثيب والبكر إلا برضاهما، ويجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا تعرف الإذن لحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهي بنت ست سنين، وأُدخِلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعًا؛ رواه البخاري.

قال في "الاختيارات": والجد كالأب في الإجبار وهو رواية عن الإمام أحمد، وليس للأب إجبار بنت التسع بكرًا كانت أو ثيبًا، وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر، ورضا الثيب الكلام، والبكر الصمات، اهـ، والله أعلم.

* * *

الحديث العاشر

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلَّقني فبَتَّ طلاقي، فتزوَّجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عُسَيلَته ويذوق عُسَيلَتك)) ،

قالت: وأبو بكر عنده وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر، ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 289

قولها: ((فطلَّقني فبَتَّ طلاقي)) في رواية: أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات.

قولها: "وإنما معه مثل هدبة الثوب"؛ تعني: في الاسترخاء أو عدم الانتشار، وفي رواية:"فلم يقربني إلا هنة واحدة ولم يصل مِنِّي إلى شيء"، وفي رواية: "فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد رفاعة، قال: ((فإن كان ذلك لم تحلَّ له

)) الحديث.

قوله: ((لا، حتى تذوقي عُسَيلَته ويذوق عُسَيْلَتك)) العُسَيْلَة: حلاوة الجماع، ويكفي من ذلك ما يوجب الحد ويفسد الحج، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحلَّ للأول إلا سعيد بن المسيب، اهـ.

قال عياض: اتَّفق كافَّة العلماء على أن للمرأة حقًّا في الجماع، فيثبت الخيار لها إذا تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما، ويضرب للعنين أجل سنة لاحتمال زوال ما به، وفي الحديث ما كان الصحابة عليه من سلوك الأدب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وإنكارهم على مَن خالف ذلك بفعله أو قوله.

* * *

الحديث الحادي عشر

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "من السنَّة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم"، قال أبو قلابة:"ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

قوله: "من السنَّة"؛ أي: سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "ولو شئت لقلت إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم"؛ أي: لأنه في حكم المرفوع.

وعن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوَّجها أقام عندها ثلاثًا، وقال:((إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي)) ؛ رواه مسلم، وفي روايةٍ له:((إن شئت ثلَّثت ثم درت)) .

* * *

ص: 290

الحديث الثاني عشر

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، فإن قُدِّر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا)) .

قوله: ((لم يضره الشيطان أبدًا)) ؛ أي: لم يسلط عليه لأجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قال الله فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]، قال مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمى يلتفُّ الشيطان على إحليله فيُجامِع معه، قيل للبخاري: مَن لا يحسنها بالعربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم.

وفي الحديث استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك في كل حال حتى في حالة الملاذِّ، وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان، والتبرُّك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله.

* * *

الحديث الثالث عشر

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء)) ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:((الحمو الموت)) ، ولمسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب قال: "سمعت الليث يقول: (الحمو) أخو الزوج، وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه.

ص: 291