الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهبوها، فنذرت إن سلمت أن تنحرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)) .
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نذر في معصية، وكفَّارته كفَّارة يمين)) ؛ رواه الخمسة، واحتجَّ به أحمد وإسحاق.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن نذر نذرًا ولم يسمِّه فكفَّارته كفَّارة يمين، ومَن نذر نذرًا لم يطقه فكفارته كفارة يمين)) ؛ رواه أبو داود وابن ماجه، وزاد ((ومَن نذر نذرًا أطاقه فليفِ به)) .
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف؟ فقال:((أوفي بنذرك)) ؛ أخرجه أبو داود، زاد أحمد والترمذي في حديث بريدة: أن ذلك وقت خروجه في غزوة، فنذرت إن ردَّه الله - تعالى - سالمًا، وعند أحمد:((إن كنتِ نذرتِ فاضربي، وإلا فلا)) .
قوله: ((لَعْنُ المؤمن كقتلِه)) ؛ أي: لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك، وقيل: يشبهه في الإثم، والله أعلم.
* * *
باب النذر
الحديث الأول
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة - وفي رواية: يومًا - في المسجد الحرام قال: ((فأوفِ بنذرك)) .
النذر في اللغة: التزام خير أو شر، وفي الشرع: التزام المكلف شيئًا لم يكن عليه منجزًا أو معلقًا، قال قتادة في قوله - تعالى -:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] : كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وممَّا افترض عليهم فسمَّاهم الله أبرارًا وقال القرطبي: النذر من العقود المأمور بالوفاء بها المثنى على فاعلها، وأعلى أنواعه ما كان غير معلَّق على شيء؛ كمَن يُعافَى من مرض، فقال: لله عليَّ أن أصوم
كذا أو أتصدَّق بكذا شكرًا لله - تعالى - ويليه المعلق على فعل طاعة؛ كإن شفى الله مريضِي صمتُ كذا أو صليت كذا، وما عداهما من أنواعه كنذر اللجاج؛ كمَن يستثقل عبده فينذر أن يعتقه ليتخلَّص من صحبته فلا يقصد القربة في ذلك أو يحمل على نفسه فينذر صلاة كثيرة أو صومًا مما يشقُّ عليه فعله، فإن ذكره يكره، وقد يبلغ بعضه التحريم، اهـ.
وفي الحديث لزوم النذر في القربة من كلِّ أحد حتى قبل أن يسلم، قال الحافظ: أصل الجاهلية ما قبل البعثة، والمراد بقول عمر:"في الجاهلية" ما قبل إسلامه؛ لأن جاهلية كلِّ أحد بحسبه، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النذر وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستَخرج به من البخيل)) .
قوله: "نهى عن النذر"، في رواية للبخاري: "أو لم ينهوا عن النذر؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن النذر لا يُقدِّم شيئًا ولا يؤخِّره، وإنما يُستَخرج به من البخيل)) ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم:((فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا)) .
قال الخطابي: هذا بابٌ من العلم غريب، وهو النهي عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبًا.
قوله: ((وإنما يستخرج به من البخيل)) في حديث أبي هريرة: ((فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج)) ، قال البيضاوي: عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرَّة، فنهى عنه لأنه فعل البخلاء؛ إذ السخي إذا أراد أن يتقرَّب بادَرَ إليه، والبخيل لا تُطاوِعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عِوَض يستوفيه أولاً فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له، وذلك
لا يُغنِي من القدر شيئًا، فلا يسوق إليه خيرًا لم يقدَّر له ولا يردُّ عنه شرًّا قُضِي عليه، لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه، اهـ.
وفي الحديث الردُّ على القدرية، وأمَّا ما أخرجه الترمذي من حديث أنس: أن الصدقة تدفع ميتة السوء؛ فمعناه: أن الصدقة تكون سببًا لدفع ميتة السوء والأسباب مقدَّرة كالمسببات، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما سُئِل عن الرقي:((هل تردُّ من قدَر الله شيئًا؟)) ، قال:((هي من قدر الله)) ؛ أخرجه أبو داود، ونحوه قول عمر: نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله.
وفيه الحثُّ على الإخلاص في عمل الخير وذم البخل، وفيه أن كلَّ شيء يبتدئه المكلَّف من وجوه البرِّ أفضل ممَّا يلتزم بالنذر، والله أعلم.
* * *
الحديث الثالث
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "نذرتْ أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال:((لتمشِ ولتركب)) .
الحديث دليلٌ على صحة النذر بإتيان البيت الحرام، وعن أنس رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا يهادي بين ابنيه، قال: ((ما بال هذا؟)) ، قالوا: نذر أن يمشي، قال: ((إن الله عن تعذيب هذا نفسَه لغني)) ، وأمره أن يركب"، وعن عقبة بن عامر رفعه:((كفارة النذر كفارة اليمين)) ؛ أخرجه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ((جاء رجل فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحجَّ ماشية، فقال: ((إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، لتحجَّ راكبة ثم لتكفِّر يمينها)) ؛ أخرجه الحاكم.
وعنه: "أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى البيت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديًا"؛ أخرجه أبو داود، والله أعلم.
* * *
الحديث الرابع
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمه، تُوفِّيت قبل أن تقضيه، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقضيه عنها)) .
فيه دليلٌ على قضاء الحقوق الواجبة على الميت، وقد ذهب الجمهور إلى أن مَن مات وعليه نذر ماليٌّ أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوصِ به، إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، وفيه فضل برِّ الوالدين بعد الوفاة والتوصُّل إلى براءة ما في ذمتهم.
وعن عائشة: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال:((نعم، تصدق عنها)) .
وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، لا سيَّما إن كان من الولد، وهو مخصوص من عموم قوله - تعالى -:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} [النجم: 39] ، والله أعلم.
* * *
الحديث الخامس
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أمسِك عليك بعض مالك؛ فهو خيرٌ لك)) .