الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
الحديث الأول
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيَّظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسَّها، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل) ، وفي لفظ: ((حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلَّقها فيها)) ، وفي لفظ: "فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(الطلاق) : حل قيد النكاح، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله - تعالى -:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1]، وقال - تعالى -:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] .
قالت عائشة رضي الله عنها: "لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدَّة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال: والله لأتركنك لا أيمًا ولا ذات زوج، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مرارًا، فأنزل الله عز وجل فيه: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، فوقَّت الطلاق ثلاثًا لا رجعة فيه بعد الثالثة حتى تنكح زوجًا غيره"؛ أخرجه ابن مردويه.
قال البخاري: "وطلاق السنة أن يطلقها
طاهرًا من غير جماع، ويشهد شاهدين".
قوله: "طلق امرأته وهي حائض"، ولمسلم:"تطليقة واحدة فتغيَّظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال ابن عباس: "الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام: فأمَّا اللذان هما حلال أن يطلق الرجل امرأته طاهرًا من
غير جماع، أو يطلقها حاملاً مستبينًا حملها، وأمَّا اللذان هما حرام: فأن يطلقها حائضًا، أو يطلقها عند الجماع لا يدري أشتمل الرحم على ولد أم لا"؛ رواه الدارقطني.
قوله: ((ليراجعها)) فيه دليلٌ على وجوب المراجعة لِمَن طلَّق في الحيض لأنه حرام، وفي رواية:((مُرْهُ فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا - أو حاملاً)) .
قوله: ((ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر)) ، في رواية:((مُرْهُ أن يراجعها، فإذا طهرت مسَّها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها)) ، والحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق.
قوله: ((فتلك العدة كما أمر الله عز وجل) ؛ أي: في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] .
قوله: "فحسبت من طلاقها"، في لفظ:"حسبت عليَّ بتطليقة"، وفي رواية: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: ((هي واحدة)) ؛ رواه الدارقطني.
وفي الحديث من الفوائد أن الرجعة يستقلُّ بها الزوج دون الولي ورضا المرأة كما قال - تعالى -: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228] .
وفيه تحريم الطلاق في الحيض أو في طهر جامَعَها فيه، وفيه أن الطلاق يقع بالحائض ويُحسَب عليه بتطليقة واحدة، والله أعلم.
* * *
الحديث الثاني
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب"، وفي رواية: "طلقها ثلاثًا، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:((ليس لك عليه نفقة)) .
وفي لفظ: ((ولا سكنى)) ، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أم شريك، ثم قال:((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني)) ، قالت: فلمَّا حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد)) ، فكرهته، ثم قال:((انكحي أسامة بن زيد)) ، فنكحته فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت به.
قوله: "طلقها ألبتة وهو غائب"؛ وفي رواية: "طلقها ثلاثًا"، في روايةٍ لمسلم:"أن زوجها خرج مع عليٍّ رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها".
قوله: ((ليس لك عليه نفقة)) فيه دليل لقول الجمهور: أن المطلقة البائن لا نفقة لها.
قوله: "وفي لفظ ولا سكنى" فيه دليل لمذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور: أنه لا نفقة لها ولا سكنى أيضًا.
قوله: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي)) ؛ أي: يزورونها لصلاحها.
قوله: ((أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) ، في رواية:((أنه ضرَّاب للنساء)) .
وفي الحديث دليلٌ على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند النصيحة، وأنه لا يكون من الغيبة المحرمة، وفيه استعمال المبالغة وجواز نكاح القرشية للمولى، والله أعلم.
* * *