الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه، ولا استقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء، وليس في السياق ما يدلُّ على أنه نواها مع الجمعة، وفيه علَم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء، وفيه الأدب في الدعاء؛ حيث لم يدعُ برفع المطر مطلقًا؛ لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي دفع الضرر وإبقاء النفع.
ويستنبط منه أن مَن أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخَّطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة، وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكُّل وإن كان مقام الأفضل التفويض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بما
وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضًا لربه، ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بيانًا للجواز وتقريرًا لسنة هذه العبادة الخاصة، انتهى.
وقال البخاري: "باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء"، وساق حديث أنس قال: "أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مُطِرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول، بَشِق المسافر ومنع الطريق
…
الحديث.
قوله: "بَشِق"، بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف؛ أي: ملَّ واشتدَّ عليه الضرر، والله أعلم.
* * *
باب صلاة الخوف
الحديث الأول
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي
فيها العدو، فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو، فصلَّى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا، وجاء الآخَرون فصلى بهم ركعة، وقضت الطائفتان ركعة ركعة".
سبب نزول هذه الآية ما قال مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: "كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال: ((لقد أصبنا غرَّة لو حملنا عليهم وهم في الصلاة)) ، فنزلت الآية بين الظهر والعصر".
قال الخطَّابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وبأشكال متباينة، يتحرَّى في كلها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفِقة المعنى، انتهى.
قوله: "في بعض أيامه التي لقي فيها العدو" وفي رواية: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد".
قوله: "فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا" وفي "الموطأ": "ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون".
قوله: "وجاء الآخَرون فصلى بهم ركعة وقضت الطائفتان ركعة ركعة"، ولأبي داود من حديث ابن مسعود:"ثم سلم فقام هؤلاء - أي: الطائفة الثانية - فقضَوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلُّوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا".
قال الحافظ:
واستدلَّ به على عظم أمر الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تُغتَفَر في غيرها، ولو صلَّى كلُّ امرئ منفردًا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، انتهى.
* * *
الحديث الثاني
عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات بن جبير، عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفَّت مع الإمام وطائفة وجاه العدو فصلَّى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وِجَاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلَّى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا وأتمُّوا لأنفسهم، ثم سلَّم بهم الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سهل بن أبي حثمة.
الفرق بين هذا الحديث وحديث ابن عمر: أن الطائفة الأولى أتمَّت لأنفسها مع بقاء صلاة الإمام وتوجَّهت للحراسة فارغة من الصلاة، والذي في حديث ابن عمر أن الطائفة الأولى توجَّهت للحراسة مع كونها في الصلاة.
قوله: "ثم سلم بهم" ظاهره أنه انتظرهم في التشهد ليسلموا معه، فالطائفة الأولى أحرموا معه، والأخرى سلموا معه.
قال البخاري، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف؛ يعني: حديث سهل.
* * *
الحديث الثالث
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف والعدو بيننا وبين القبله،
فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبَّرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفَع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخَّر في نحر العدو، فلمَّا قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدَّم الصف المؤخَّر وتأخَّر الصف المقدَّم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخَّر في نحر العدو، فلمَّا قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا.
قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم"؛ ذكره مسلم بتمامه، وذكر البخاري طرفًا منه: وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع.
هذا الحديث فيه صفة ثالثة لصلاة الخوف، قال النووي: وبهذا الحديث قال الشافعي وأبو يوسف وابن أبي ليلى إذا كان العدو في جهة القبلة، انتهى.
وقال الإمام أحمد: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: "كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع وأُقِيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم -
أربع وللقوم ركعتان"؛ متفق عليه.
وللشافعي والنسائي عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم، ثم صلى بآخرين ركعتين ثم سلم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف عام غزوة نجد، فقام إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورها إلى القبلة، فكبر فكبروا جميعًا الذين معه والذين مقابل العدو، ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيامًا مقابلي العدو، ثم قام وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابلة العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومَن معه، ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعًا، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل طائفة ركعتان"؛ رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وعن ثعلبة بن زَهْدَم رضي الله عنه قال "كنَّا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا"؛ رواه أبو داود والنسائي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض الله الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة"؛ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن ابن عمر: أنه وصف صلاة الخوف ثم قال: "فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها".
قال مالك، قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلَاّ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ رواه البخاري.
قال الشوكاني: وقد أخذ بكلِّ نوع من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أهل العلم؛ والحق الذي لا محيصَ عنه أنها جائزة على كلِّ نوع من الأنواع الثابتة، وقد قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا إلا صحيحًا انتهى، والله أعلم.
* * *