المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ ‌مقدمة … بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا

‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وآله.

تقديم

لعل من الأمور الغريبة أن المؤرخين الإسلامين قد انصرفوا عن التاريخ العربي القديم، إلا أن يكون مقدمات لتواريخهم المفصلة الدقيقة للعصور الإسلامية، وحتى هذه المقدمات لم تكن مفصلة ولا دقيقة، وربما كان السبب في ذلك أنهم لم يعتمدوا فيما كتبوه على سند مدون، أو مأخوذ من نص مكتوب، وإنما كان عمادهم في ذلك أفواه الرجال، وهو أمر لا يمكن الاطمئنان إليه، ذلك أن رواة الأخبار، حتى وإن كانوا بعيدين عن الميول والأهواء، وحتى إن كانوا من أصحاب الملكات التي وهبت القدرة على التمييز بين الغث والسمين، فإن للذاكرة آمادًا ليست بقادرة على تجاوزها.

ومن ثم فإن المتصفح لما كتبه كبار المؤرخين الإسلامين -كالطبري والمسعودي والبلاذري والدينوري، وابن الأثير وابن خلدون وغيرهم- ليعجب للدقة والتحري الصحيح الذي عالجوا به تاريخ الإسلام، في معظم الأحايين، بقدر ما يأسف على الإهمال والخلط، الذي صحب كتاباتهم عن عصور ما قبل الإسلام1.

وهكذا كانت المبالغات -إن لم نقل الخرافات- التي أدخلها أهل الأغراض، أو الطامعون ممن دخل الإسلام من يهود أو نصارى، وبخاصة أولئك الذين كانت لهم ثقافة يهودية واسعة، وفي نفس الوقت كانوا يتمتعون بمكانة مرموقة، ومركز ملحوظ بين المسلمين، لأنهم -كما يقول ابن إسحاق- "أهل العلم الأول"، ومن ثم فقد كان العرب يستفتونهم في بعض ما غمض عليهم، فيفتونهم بما تعودوه

1 انظر: محمد مبروك نافع: تاريخ العرب -عصر ما قبل الإسلام- القاهرة 1952 ص5-6، وكذا D.S Margoliouth، Lectures On Arabic Historians، Calcutta، 1930 وكذا J. Sauvaget، Historiens Arabes، Paris، 1946

ص: 3

في كتبهم من المبالغة في ضخامة الأجسام وطول الأعمار، وكانت التوراة -والتلمود من بعدها- تشتمل على كثير مما جاء في القرآن الكريم من وقائع وأحداث تتصل بالمصطفين الأخيار، من أنبياء الله الكرام، ولكن بإسهاب وتفصيل، قد يغري في كثير من الأحوال عواطف العامة، أكثر مما يرضي عقول العلماء1.

وهكذا بدأت الأساطير اليهودية تنتشر بين الناس، ويصدقها ضعاف المؤرخين، فالقرآن الكريم -على سبيل المثال- لما ذكر عادًا، فإنه قال {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} 2، فأدخل المفسرون والمؤرخون في شرح هاتين الآيتين الكريمتين مبالغات، رواها كعب الأحبار ووهب بن منية، وغيرهما.

ومن ثم فقد وصل إلينا من أخبارها أن رجالها كانوا طوالا كالنخل، لم يكن للطبيعة تأثير على أبدانهم لغلظتها ومتانتها، وأن عادًا إنما تزوج من ألف امرأة، كما رأى كذلك البطن العاشر من أعقابه، وكان الملك من بعده في الأكبر من ولده -وهو شديد- الذي حكم 850 سنة، ثم جاء من بعده أخوه "شداد"، حيث حكم 950 سنة، سيطر فيها على كل ممالك العالم3، وبنى مدينة {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} .

1 مقدمة ابن خلدون ص439-440 تفسير الطبري 6/ 9 - 10، 17/ 10، 27/ 31، تفسير ابن كثير 3/ 102، معجم الأدباء 18/ 8.

2 سورة الفجر: آية 6-7، وانظر: تفسير الطبري 30/ 175-178 "طبعة الحلبي، القاهرة 1954"، تفسير الفخر الرازي 31/ 166-169، تفسير القرطبي 20/ 44-47 "دار الكتب المصرية، القاهرة 1950"، تفسير البيضاوي 2/ 557 "طبعة الحلبي، القاهرة 1968".

3 المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت 1973، 2/ 12-13، جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، القاهرة 1922، 3/ 65، ثم قارن: المقدسي: كتاب البدء والتأريخ، 3/ 37، تفسير روح المعاني 30/ 123، تفسير الطبري 30/ 176، تفسير القرطبي 20/ 44-46.

4 عن مدينة إرم ذات العماد: انظر: كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني"، تاريخ ابن خلدون 2/ 19-20، دائرة المعارف الإسلامية 3/ 15-16، ياقوت 1/ 155-157، مروج الذهب 2/ 13، 410-411، تفسير الفخر الرازي 31/ 167، تفسير القرطبي 20/ 46-47، تفسير روح المعاني 30/ 123، البكري 1/ 140، 2/ 408-409، طبقات ابن سعد 1/ 19، محمود أبو ريه: أضواء على السنة المحمدية ص158-159 جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام ص64-66، الهمداني: صفة جزيرة العرب ص80، الإكليل 8/ 33، عصر ما قبل الإسلام ص34-35، وكذا El، I، P.121. وكذا Basor، 73، 1939، P.13

ص: 4

ثم زاد الأمر صعوبة بالنسبة للمؤرخين الإسلامين في تدوين تاريخهم، أن الخط العربي لم يكن في أول أمره منقوطًا، وأن أول من فعل ذلك، إنما كان "أبو الأسود الدؤلي"؛ بإرشاد من الإمام علي -كرم الله وجهه، ورَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه- أو نصر بن عاصم بمشورة من الحجاج الثقفي1، والأمر كذلك بالنسبة إلى الكتابة النبطية التي يرجح أن الخط العربي مشتق منها، ومتطور عنها2، إذ كانت هي الأخرى لا تعرف النقط والإعجام3، وقد أدى ذلك كله إلى التباس غير قليل في قراءة الأسماء4.

على أن التفسير التقليدي لإهمال التاريخ العربي القديم وعدم تدوينه، هو أن الإسلام قد اتجه إلى استئصال كل ما يمت إلى الوثنية في بلاد العرب بصلة، اعتمادًا على

1 عبد الصبور شاهين: تاريخ القرآن ص68، 73، أبو أحمد العسكري: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، القاهرة 1963 ص13، القفطي: إنباء الرواة على أنباء النحاة، القاهرة 1950 1/ 4-5، 3/ 343-344، أبو عمرو الداني: المحكم في نقط المصاحف، دمشق 1960 ص3-4، ثم قارن: حفي ناصف: حياة اللغة العربية، القاهرة 1958 ص67-70، حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/ 467، حيث إن هناك اتجاهًا إلى أن النقط والإعجام لم يكونا بدعًا في العصر الأموي، والظاهر أنهما موضوعان مع الحروف، وأن هناك بردية ترجع إلى عام 22هـ "أيام الفاروق رضي الله عنه وأرضاه" مكتوبة باللغتين العربية والونانية، وأن بعض حروفها منقوط معجم، فضلا عن نقش وجد في الطائف، ويرجع إلى عام 58هـ "أي إلى أيام معاوية بن أبي سفيان" وأكثر حروفه التي تحتاج إلى نقط منقوطة معجمة "انظر: تاريخ القرآن ص71-72، مصادر الشعر الجاهلي ص40".

2 عن تطور الخط العربي عن الخط النبطي، انظر: مقالنا: "العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة" مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، الرياض 1976 ص315، فيليب حتى: تاريخ العرب، الجزء الأول ص18-19، جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام ص81، عباس العقاد: إبراهيم أبو الأنبياء ص136-137، عبد الرحمن الأنصاري: لمحات عن القبائل البائدة في الجزيرة العربية ص89، ناصر النقشبندي، منشأ الخط العربي وتطوره لغاية عهد الخلفاء الراشدين، مجلة سومر، 1947 ص129: وكذا

M. Sprenling، The Alphabet، Its Rise And Development From The Sinai Inscri - Ptions، Chicago، 1931، P.52 وكذا Eb، I، P، 684 وكذا Nabia Abbot، The Rise Of The North Arabic Script.، P.2

ثم قارن: عبد الصبور شاهين: تاريخ القرآن ص61-63، ديتلف نلسن: التاريخ العربي القديم ص40-41.

3 خليل يحيى نامي: أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد الأول، مايو 1935، ص87.

4 انظر أمثلة في: جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام ص16.

ص: 5

الحديث الشريف: " الإسلام يهدم ما قبله "، ومن ثم فقد انصرف العلماء عن الدراسات المتصلة بالجاهلية، مما أدى آخر الأمر إلى ضياع الكثير من أخبارها، وبالتالي نسيانها، وإلى ابتداء التاريخ عند المسلمين بعام الفيل1.

وإني لأظن -وليس كل الظن إثمًا- أن أصحاب هذا الرأي قد جانبهم الصواب إلى حد كبير، فالحديث الشريف إنما كان ردًّا على أسئلة بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- عما ارتكبوه في جاهليتهم، مما لا يتفق وشرائع الإسلام، أو بالأحرى كان ردًّا على "عمرو بن العاص"، حين اشترط قبل مبايعته سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يغفر له، فقال الحبيب المصطفى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ:" أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله"2.

وهكذا يبدو بوضوح -لا لبس فيه ولا غموض- أنه ليست هناك صلة بين الحديث الشريف، الذي يدعو إلى أن "الإسلام يهدم ما كان قبله"، وبين إهمال التاريخ العربي القديم، بصورة لم يهمل بها أي تاريخ آخر، من تواريخ الأمم، التي كتب لها أن تعتنق الإسلام، وتؤمن بالقرآن، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

ثم إذا كان أصحاب هذا الرأي على صواب فيما يقولون، فمن أين إذن جاء "ابن الكلبي" بمادة كتابه "الأصنام" بل كيف يتفق ذلك، والقرآن الكريم قد تعرض لحياة العرب في جاهليتهم، من نواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فالقرآن الكريم يتعرض لذكر بعض المعبودات الوثنية، حيث يقول سبحانه وتعالى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 3، وحين يقول: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ

1 جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 1/ 108-111، مرجليوث: دراسات عن المؤرخين العرب ص53، فؤاد حسنين: التاريخ العربي القديم ص246-247.

2 صحيح مسلم 1/ 78 "باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج".

3 سورة نوح: آية 23 وانظر: تفسير الطبري 29/ 69-73، تفسير الطبري 29/ 98-100، تفسير ابن كثير 7/ 126-128. تفسير أبي السعود 5/ 198، في ظلال القرآن 29/ 3716، تفسير القرطبي 18/ 307-310، تفسير الكشاف 4/ 164-165، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6/ 269-260.

ص: 6

إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 1، ويقول:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} 2، هذا فضلا عن أن القرآن الكريم إنما يشير إلى أن ملكة سبأ وقومها، إنما كانوا {يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} 3.

هذا إلى جانب ذكر القرآن لحياة العرب في الجاهلية ومثلهم، وما كانوا يقومون به -ولو شرًّا باطلا- فضلا عما في كتب التفسير والحديث والسير والأخبار، من أوصاف لبعض أصنام الجاهلية وهيآتها وشكل محجاتها وأوقات الحج إليها4، ثم ألم يتعرض الإسلام إلى عرف العرب وتقاليدهم في الجاهلية، فأقرَّ بعضًا، وأنكر بعضًا، وعدل بعضًا5.

ثم ألم يكن للصديق رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ- علمٌ بأنساب كل قبيلة، ومحامد السابقين منها ومسالبهم، ولا سيما قريش ومن جاورها، ولهذا كانوا يقولون كلما سمعوا أبياتًا من الشعراء المسلمين يردون بها الهجاء على المشركين "هذا تلقين ابن أبي قحافة"، لأنه كان في هذا العلم بين قريش عامة بغير نظير.

ثم ألم يكن الفاروق رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ- من العالمين بالشعر، والحافظين له، البصيرين به، ثم أليس عمرُ هو القائل "عليكم بديوانكم لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا، قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم6".

1 سورة فصلت: آية 37، وانظر: تفسير روح المعاني 2/ 125-126، تفسير النسفي 4/ 33-34، تفسير ابن كثير 6/ 178-179، تفسير أبي السعود 4/ 282، تفسير القرطبي 15/ 363-365، الكشاف 3/ 454، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 5/ 295-296، تفسير البيضاوي 2/ 349، تفسير الطبري 24/ 23-26، تفسير الطبري 24/ 121، في ظلال القرآن 23/ 3004-3012.

2 سورة النجم: آية 19-22 وانظر: تفسير البيضاوي 2/ 430، تفسير الطبري 27/ 58-62، تفسير الطبري 27/ 44-51، تفسير روح المعاني 27/ 54-58.

3 انظر القصة كاملة في سورة النمل: آية 20-44، تفسير الطبري 29/ 143-170، تفسير القرطبي 13/ 176-213، الكشاف 3/ 143-151، تفسير روح المعاني 19/ 182-210، تفسير الطبرسي 19/ 208-230، تفسير ابن كثير 3/ 360-366، في ظلال القرآن 19/ 2631-2643، تفسير أبي السعود 4/ 127-134، تاريخ الطبري 1/ 489-495، ابن الأثير 1/ 234-238، ابن كثير 2/ 18-42.

4 جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1/ 114.

5 أحمد أمين: فجر الإسلام ص227 "بيروت 1969".

6 العقد الفريد 6/ 93، الأغاني 8/ 199، ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1/ 93، ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ص152.

ص: 7

ثم ألم يحدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه ما فسر آية إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وأنه كان حريصًا على الشعر الجاهلي، وأنه كان يحث الناس على تعلمه وطلبه لتفسير القرآن الكريم، وأنه كان يقول:"إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب"1.

وهكذا يمكننا القول أن الإسلام لو تعمد طمس الجاهلية، والقضاء على معالمها، لما أشار القرآن الكريم إليها، ولتحرج المسلمون من الإشارة إليها كذلك.

ثم إن الأمر -فيما يبدو لي- لو كان بسبب الإسلام، لما اقتصر على بلاد العرب، وإنما كان يجب أن يتعداه إلى البلاد الإسلامية جمعاء -إلى مصر وسورية والعراق وغيرها- ولرأينا في هذه الحالة طمسًا لتاريخ مصر على أيام الفراعين، ولتاريخ العراق على أيام السومريين والأكديين والآشوريين والبابليين، والأمر كذلك بالنسبة إلى تاريخ الأموريين والكنعانيين والفينيقيين والآراميين وغيرهم في سورية، ولكن الواقع غير ذلك تمامًا، فتاريخ مصر -على سبيل المثال- أوضح من تاريخ العرب بكثير.

إذن، لابد وأن تكون هناك أسباب أخرى، لطمس هذا التاريخ العربي القديم، والرأي عندي أن السبب إنما يكمن أولًا في الجاهليين أنفسهم، لقد كان القوم -في معظمهم- أميين، لا يكتبون على الأقل في العصور القريبة من الإسلام، حتى أننا لا نجد في مكة عشية ظهور الإسلام، إلا بضعة عشر نفرًا يقرءون ويكتبون، حددهم "البلاذري" بسبعة عشر، فضلا عن فئة قليلة من الأوس، إلى جانب قلة نادرة من النساء، منهن "الشفاء بنت عبد الله البدرية" -من رهط عمر بن الخطاب وهي التي علمت أم المؤمنين حفصة بنت عمر الكتابة2.

وأخيرًا فإليك الحديث الشريف: "إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب3".

1 السيوطي: المزهر في علوم اللغة 2/ 302، ناصر الدين الأسد: المرجع السابق ص152-153.

2 البلاذري: فتوح البلدان 3/ 580-583، العقد الفريد 3/ 242، الجاحظ: الحيوان 2/ 71، ناصر الدين الأسد: المرجع السابق ص45-46 عبد العزيز سالم: دراسات في تاريخ القرآن ص45-53، ص66-76.

3 صحيح البخاري 4/ 108-109 "كتاب الصوم، باب 13"، ورواه كذلك مسلم وأبو داود والنسائي، كما في الجامع الصغير للسيوطي رقم 2521، وانظر: تفسير الطبري 2/ 257-259، تفسير روح المعاني 9/ 79.

ص: 8

وهكذا كانت الأمية هي الصفة الغالبة على العرب عشية ظهور الإسلام، حتى وإن كان الحديث الشريف -كما أراد البعض أن يفسره- لا ينفي الكتابة والحساب نفيًا شاملا، لأنه جاء في حديث الصيام ورؤية الهلال، وهو في نصه الكامل:"إنا أمة لا تكتب ولا تحسب الشهر هكذا وهكذا"، وإنما ينفي الحديث الشريف أن تكون الكتابة وأن يكون الحساب نظامًا عامًا متبعًا في كل الشئون، كما كان ذلك عند بعض الأمم الأخرى ذات التقاويم الفلكية1.

وهناك سبب آخر، وأعني به تلك الآفة الخبيثة التي ابتليت بها أمة العرب في كل أمصارها ذات التاريخ المجيد -في مصر وسورية والعراق، وفي بلاد العرب نفسها- تلك الآفة هي هدم المباني القديمة، واستخدام أنقاضها في مبان جديدة، بل ليت الأمر اقتصر على ذلك، وإنما تعداه إلى تحطيم كثير من الآثار، والعبث بعدد وافر من المقابر، بحثًا عن كنوز قد يجدها هؤلاء العابثون هنا وهناك، أو سرقة لعدد من التحف الأثرية ثم بيعها لمن يطلبها بثمن بخس دراهم معدودة في أغلب الأحايين، ولكنها في كل الحالات ثروة تاريخية لا تقدر بثمن، أيا كان هذا الثمن.

وهناك سبب ثالث، ذلك أن الجاهليين -خاصة في وسط بلاد العرب، في الحجاز ونجد- لم يكونوا يدونون تاريخهم بل كانوا يتذاكرون أيامهم وأحداثهم وما يقع لهم، وليس من المنطق أن نطالب الذاكرة أن تعي كل التاريخ وكل الشعر، أجيالا بعد أجيال، دون تدوين أو تسجيل، ومن ثم فعندما أتى العصر الأموي "41-132هـ = 661-750م"، وبدأ القوم في التسجيل، كان التاريخ العربي القديم قد اختلطت فيه القصص بالأساطير، وهذه بحقائق التاريخ، وبات من الصعب على القوم أن يفرقوا بين رواية صادقة، وأخرى كذوب، مما أدى آخر الأمر، إلى أن تخلوا كتاباتهم -إلى حد كبير- من الصفة التاريخية، وتبعد -كما يقول ابن خلدون- عن الحس والمنظور التاريخيين، اللذين يعتمدان على النقد والتحليل والنظر والتحقيق2.

1 ناصر الدين الأسد: المرجع السابق ص46، إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ، القاهرة 1958 ص183-188، عبد الصبور شاهين: تاريخ القرآن ص53، ثم قارن: مدخل إلى القرآن الكريم ص139-140.

2 مقدمة ابن خلدون ص209، عبد المنعم ماجد: مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي ص32، هاملتون جب: دراسات في حضارة الإسلام ص144، جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: بيروت 1968، 1/ 116.

ص: 9

وكان رابع الأسباب يكمن في اليهودية -والنصرانية من بعدها- ذلك أن أصحاب هاتين الديانتين، قد عملوا على نشرهما في بلاد العرب، ومن ثم فقد بذلت يهود -بادئ ذي بدء- الجهد، كل الجهد، في نشر قصص التوراة، -وبخاصة ما يتصل منها بالملك سليمان- ثم جاء الإسلام، واعترف بسليمان عليه السلام نبيًّا من رب العالمين، ثم سرعان ما ربطت يهود بين هذا، وبين ما جاء في القرآن الكريم بشأن قصة سليمان مع ملكة سبأ، وأخذت تذيع كل ما في التوراة -وما في غير التوراة- من قصص عن سليمان وملكه، وتأثر المؤرخون الإسلاميون بذلك وظهر ما عرف بالإسرائيليات، حيث أخذوا ينسبون إلى سليمان -وهو هنا سليمان النبي، أكثر منه سليمان الملك- كل مدينة لا يعرفون صاحبها، بل إنهم بالغوا في ذلك إلى درجة أنهم كانوا -كما يقول بعض الأخباريين- ينسبون كل مستظرف من البناء إلى سليمان، وأنهم كانوا إذا رأوا بناءً عجيبًا جهلوا بانيه، أضافوه إلى سليمان، وربما إلى الجن كذلك1.

ومضى حين من الدهر، وظهرت المسيحية في بلاد العرب، ومن ثم فقد بدأت تنافس اليهودية في نشر نفوذها الديني والثقافي في بلاد العرب، وتعاون أصحاب الديانتين -بقصد أو بغير قصد- على طمس معالم التاريخ العربي القديم، وبدأ القوم يعرضون عن ثقافتهم القديمة -وفي جملتها خط المسند- مما أدى آخر الأمر، إلى انقطاع القوم عن ثقافتهم العربية -والجنوبية بالذات2-.

ومرت الأيام، وجاء جيل من المؤرخين الإسلاميين، لا يكاد الواحد منهم يقرأ كلمة بخط المسند، أو يفقه جملة بالثمودية أو المعينية، فضلا عن السبئية والحضرمية، وغيرها من الكتابات العربية، وبقي الأمر كذلك، حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، فاتجهت أنظار الباحثين الغربيين إلى ارتياد النقوش، بصفتها المصدر الحقيقي الذي يمكن الاعتماد عليه في التعرف على لغات العرب القدامى، من سبئيين ومعينيين، وديدانيين ولحيانيين وثموديين وصفويين وغيرهم.

وأخيرًا فإن سيادة النظام القبلي في بقية شبه الجزيرة العربية، إنما أدى بطبيعة الحال إلى عدم وجود تاريخ مكتوب، واقتصار القوم على رواة الأخبار، يتحدثون

1 ياقوت 2/ 17. قارن: الدينوري: الأخبار الطوال ص20.

2 جواد علي 1/ 121-122.

ص: 10

عن قبيلتهم وعن علاقتها بالقبائل الأخرى، وعن حوادثها وأيامها، فضلا عن رواة الأنساب، لما للنسب من أهمية في المجتمع القبلي، تفوق أهميته في أي مجتمع آخر، وليس من شك في أن تاريخًا من هذا النوع لا يعيش إلا بقدر ما يعيش رواته، ثم هو غالب الأحايين أقربُ إلى القصص والأساطير، منه إلى التاريخ الحقيقي1.

وهكذا يبدو لنا بوضوح أن الإسلام الحنيف، لم يكن هو السبب في إهمال التاريخ العربي القديم، فضلا عن اضطرابه وغموضه، وإنما هناك أسباب أخرى، لا صلة للإسلام بها من قريب أو بعيد، وإن كان للمؤرخين الإسلاميين دون شك، دور فيها، ذلك لأنهم كانوا ينظرون إليه على أساس أنه عصر همجية وإفلاس حضاري، وتدهور أخلاقي، وانحطاط في مجال السياسة والدين، فشوه هؤلاء المؤرخون تاريخ عصر ما قبل الإسلام في قسوة ظاهرة، وربما كان السبب في ذلك هو الرغبة في تمجيد الإسلام ورفع شأنه، ولكنهم أخطئوا الطريق، وأتاحوا للمغرضين من المستشرقين الفرصة في الطعن في الإسلام، واتهامه بما هو براء منه، ناسين أن هذا الدين العظيم، إنما جاء ليحطم البداوة واتجاهاتها الفردية، وليقضي على العصبية المذمومة، وليحل محلها رابطة الدين والعقيدة2.

وناسين كذلك أن العرب قبل الإسلام كانت لهم حضارة، ربا لا تقل -في بعض النواحي- عن حضارة معاصريهم من الروم والفرس، وأن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم باللسان العربي، لما له من قدرة على التعبير عن الرسالة، ثم ظهور الإسلام في مهد العرب، دليل على ما لأهل هذه الجزيرة العربية من قدرة على حمل الرسالة ومتابعة نشرها في الأرجاء3.

وهنا لعل الذين يكيلون الذم جزافًا للعرب وتاريخهم فيما قبل الإسلام، يتذكرون أن الإسلام في حقيقته ليس دعوة سماوية جاءت للعرب خاصة، وإنما للناس عامة، وأن اختيار العرب لحمل هذه الدعوة العالمية للناس جميعًا لم يكن عبثًا، وإنما كان لأن القوم الذين يحملون الدعوة العالمية، لا بد وأن تتوافر فيهم صفات تناسب هذه المهمة الضخمة في الصبر والتحمل والمخاطرة والشجاعة، واحترام العهود

1 عبد الرحمن الطيب الأنصاري: لمحات عن القبائل البائدة في الجزيرة العربية، ص91-92.

2 محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص د.

3 يحيى الخشاب: من مقدمة كتاب "اللغة العربية في عصور ما قبل الإسلام" ص12.

ص: 11

والنجدة والمروءة، وحب الحرية وتعشق الشرف والسؤدد، والتمرن على التنقل وتعود الهجرات وعدم التبرم بحياة التقشف ورقة العيش والتطلع إلى النهوض إذا يسرت سبله، إلى غير ذلك من المؤهلات الخلقية العظيمة1.

والعربي في هذه الناحية كان فارس الحلبة، لا يبارى في هذه الصفات التي تتطلبها الحياة المستقبلة، وتحدثنا الأخبار أن القرشين كانوا -حفاظًا على شرف نسبهم ورفعة حسبهم- يتجنبون ألوان الخساسة في طلب الرزق فكانوا إذا استعصى على أحدهم الارتزاق من طرق شريفة آثر الموت جوعًا على الحياة من طريق خسيسة، وفي هذا المعنى يروي "أبو الحسين أحمد بن فارس" أن أحدهم كان إذا جاع جرى هو وعياله إلى موضع معروف، فضرب عليه وعلى عياله خباء حتى يموتوا، وما زال أمرهم على ذلك، حتى كان "عمرو بن عبد مناف" سيد زمانه، وكان له ابن يقال له أسد، وكان لأسد هذا ترب من بني مخزوم يحبه ويلعب معه، وذات يوم قال له: نحن غدًا نعتفد2، قال أبو الحسين فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربه من بني مخزوم، فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق عاشوا به أيامًا.

ثم إن ترب أسد أتاه مرة أخرى، فقال له مثل ما كان قد قال، وفعل أسد كما فعل، فاشتد ذلك على "عمرو بن عبد مناف"، فقام خطيبًا في قريش وكان فيهم سيدًا مطاعًا؛ فقال: إنكم أحدثتم حدسًا تقلون فيه وتكثر العرب، وأنتم أهلُ حرم الله جَلَّ وعَزَّ، وأنتم أشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتفاد أن يأتي عليكم"؛ فقالوا له: نحن لك تبع، فقال: ابتدئوا بهذا الرجل فأغنوه عن الاعتفاد -يعني أبا ترب أسد- ففعلوا، ثم إنه نحر البدن وذبح الكبائش والمعز، ثم هشم الثريد وأطعم الناس، ومن أجل ذلك، سمي "هاشمًا"3 وهو جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يقول الشاعر:

_________

1 عطية صقر: الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه، القاهرة 1970 "مجمع البحوث الإسلامية" ص135-136.

2 الاعتفاد: هو أن يغلق الرجل بابه على نفسه، فلا يسأل أحدًا حتى يموت جوعًا، وليس يعرف الناس صورة تسامي هذه الصورة أو تدانيها في استرخاص الحياة إيثارًا للترفع عن الدنايا من أجل الحرص على الحياة.

3 انظر: تفسيرات أخرى لهذه التسمية في هذه الدراسة.

ص: 12

عمرو العلا هشم الثريد لقومه

قوم بمكة مسنتين عجاف1

ومن ناحية أخرى، فلقد أثبت التاريخ ما كان عليه أعظم الدول -قبل بعثة المصطفى، صلى الله عليه وسلم من أخلاق صبغها الترف بصبغته الرخوة الناعمة، وأنس أهلُها إلى الذل والعبودية، بعبادة ملوكها وتقديس عظمائها، وتسلطت عليهم الأفكار والميول التي خلفها متنبؤوهم وفلاسفتهم.

والمأثور من شعراء الجاهلية وأخبار الأولين يفيض بصفات النبل التي كان يفخر بها العربي ويحرص عليها، لأنه يراها عنوان الشرف والكمال، كما كان العربي يمتاز بصفات العقل وتوقد القريحة وقوة الحجة والفصاحة والبيان والاستنتاج والاستدلال، وهي أمور لابد منها لمن يقومون بنشر الدين العالمي الذي يتطلب شرحًا وتفسيرًا وجدلا ونقاشًا.

وعلى هذا الوجه يمكن أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختار خلقه، فاختار منهم آدم، ثم اختار بني آدم، فاختار منهم العرب، ثم اختارني من العرب، فلم أزل خيارًا في خيار، ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم2".

ثم أليس في بلاد العرب هذه "بيت الله العتيق" أول بيت وضع للناس، بناه جد العرب إبراهيم الخليل، والذي تنظر إليه الكتب المقدسة جميعًا، على أنه الأب الروحي لكل المؤمنين3، ومن ثم فإن أمم الأرض جميعًا إنما تتبارك به4، ويعتبر الإنجيل المسيح من سلالته5، وينظر إليه القرآن الكريم، على أنه أبو الأنبياء، فقد أخرج الله من صلبه أنبياء بررة، حملوا الراية وتوارثوا المشعل6، ومن ثم فهو الأسوة الحسنة للمؤمنين جميعًا

1 أحمد حسن الباقوري: مع القرآن، القاهرة 1970 ص306-307، قارن: تاريخ الطبري 2/ 251-252، ابن هشام 1/ 145-146، أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 85، ابن سعد 1/ 43-46، المقدسي 4/ 128-129، الاشتقاق 1/ 13.

2 رواه الطبراني عن ابن عمر، وروى الترمذي مثله، وقال حديث حسن، كما وردت أحاديث مشابهة أو مقاربة تبين فضل العرب الذين اختار الله منهم نبيه، ففي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت في خير قرن بني آدم فقرنا قرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه".

3 أشعياء 51: 2، سورة الحج: آية 78.

4 تكوين 12: 3، 18:18.

5 متى: 1: 2-16، لوقا 3: 33-34.

6 سورة الأنعام: آية 84-87.

ص: 13

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} 1، ومن هنا فإن الأديان السماوية الكبرى -اليهودية والمسيحية والإسلام- إنما تحيط الخليل بهالة من الاحترام والإجلال، وتشرف جميعًا بالانتساب إليه.

هذا إلى أن الجزيرة العربية قد عرفت في تاريخها الطويل أنواعًا من الرسالات، ولم تكن رسالة الإسلام وحدها هي التي بدأت فيها، فكان هود في الأحقاف، وكان صالح في ثمود، وكان شعيب في مدين، وكان موسى الذي نادى ربه بجانب الطور الأيمن، على حدود الجزيرة العربية، ومن قبل كان إبراهيم الذي بنى البيت، وإسماعيل الذي رعاه وورثه أولاده من بعده2، فهذه الجزيرة بامتدادها إنما كانت مهبط الوحي منذ القدم، ولها عهد بالرسالات وقد تتابعت فيها على مر العصور3.

ثم أليس في اختيار العرب لحمل الرسالة العالمية معنى كريمًا، يستحق منا دراسة تاريخ هؤلاء القوم الذين أكرمهم ربهم -دون غيرهم- بدعوتين، لأبيهم إبراهيم الخليل توجه بهما إلى ربه، إحداهما، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} 4، والثانية {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 5.

وقد استجاب الله لإبراهيم فجعل البيت مثابة للناس وأمنًا، ثم انبعث في ذريته محمد، صلى الله عليه وسلم، وكانت قريش هي القبيلة التي ولد فيها محمد صلى الله عليه وسلم، وانبعث منها محمد عليه الصلاة والسلام وكان اختيار هذا النبي على سنة الله في اصطفائه رسله وأنبياءه، من أكرم البيوت وأشرف الظهور، وأطهر البطون، وأبعدها عن الدنايا، وألصقها بمكارم الأخلاق6، على ما يقول

1 سورة الممتحنة: آية 4، وانظر: تفسير روح المعاني 28/ 69-73، تفسير الفخر الرازي 29/ 300-301، تفسير الطبري 28/ 672-63، مجمع البيان 28/ 47-49، الكشاف 4/ 90، تفسير القرطبي ص6535، تفسير القاسمي 16/ 5765-5766، تفسير ابن كثير 8/ 113.

2 انظر عن هذه الرسالات، كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني" - الجزء الأول، في بلاد العرب.

3 عطية صقر: المرجع السابق ص143.

4 سورة البقرة: آية 126، وانظر تفسير القرطبي ص502-505، تفسير ابن كثير 1/ 247-253، تفسير المنار 1/ 383-386، تفسير الطبري 3/ 44-56، تفسير الكشاف 1/ 186.

5 سورة البقرة: آية 129، وانظر: تفسير ابن كثير 1/ 268-279، تفسير المنار 1/ 388-389 "1972"، تفسير القرطبي ص516-517 "دار الشعب، القاهرة 1969"، تفسير الطبري 3/ 82-88 "دار المعارف" تفسير الكشاف 1/ 186-189.

6 أحمد حسن الباقوري: مع القرآن ص309-310.

ص: 14

الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1، وعلى ما يقول جل شأنه:{للَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 2.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله الشريف: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار"3.

ولا أظن -بعد هذا كله- أن هناك من يكابر في ضرورة الاهتمام بدراسة تاريخ هؤلاء القوم الذين تضافرت عوامل شتى على إهمال تاريخهم، فضلا عن التقليل من شأنه، حتى أن معلوماتنا عن تاريخ العرب قبل الإسلام، ظلت -حتى حوالي قرن مضى- تعتمد فقط على ما جاء في التوراة، وعلى ما كتبه القدامى من مؤرخي الإغريق والرومان وجغرافيهم، وكان هذا كله لا يشفي غليل العلماء، حتى لو أضفنا إليه ما كتبه العرب عن تاريخهم قبل الإسلام، أو ما نستطيع أن نحصل عليه من معلومات إذا درسنا الشعر الجاهلي.

غير أنه من حسن الحظ أن بدأت الصورة تتغير، عندما أخذت النقوش اليمنية طريقها إلى أيدي العلماء، وقد أصبح عددها الآن أكثر من خمسة آلاف نقش، فيها الكثير من المعلومات عن ممالك جنوب اليمن، كما وصل إلى أيدي العلماء كذلك عشرات الآلاف من "المخربشات" القصيرة على واجهات الصخور في شمال بلاد العرب بين ثمودية ولحيانية وسبئية وغيرها4، فضلا عن تلك التي وجدت

1 سورة آل عمران: آية 33-34، وانظر: تفسير الطبري 6/ 326-328؛ تفسير روح المعاني 3/ 130-133، تفسير الكشاف 1/ 354-355؛ تفسير مجمع البيان 3/ 61-63.

2 سورة الأنعام: آية 124، وانظر: تفسير القرطبي ص2515-2516، تفسير المنار 8/ 32-35، تفسير الطبري 12/ 95-96 "دار المعارف - القاهرة 1957"، تفسير الكشاف 2/ 48-49، تفسير أبي السعود 2/ 280، تفسير روح المعاني 8/ 21-23، تفسير الفخر الرازي الرازي 13/ 175-176، تفسير الطبرسي 7/ 185-188، تفسير ابن كثير 3/ 323-336.

3 رواه مسلم والترمذي، وانظر: المواهب للقسطلاني 1/ 13، ابن كثير: السيرة النبوية 1/ 191 "القاهرة 1964"، عبد الحليم محمود: دلائل النبوة ومعجزات الرسول، القاهرة 1974 ص68، محمد محمد أبو شهبه: السيرة النبوية 1/ 189 "القاهرة 1970"، أحمد حسن الباقوري: مع القرآن ص21، 307، عطية صقر: الدين العالمي ص140.

4 أحمد فخري: دراسات في تاريخ الشرف القديم، القاهرة 1963 ص125.

ص: 15

خارج شبه جزيرة العرب، وبخاصة النقوش الصفوية التي وجدت فوق جبال الصفا جنوب شرق دمشق، وهي قريبة جدًّا -من حيث الخط واللغة وأسماء الآلهة- من المخربشات الثمودية1.

وهكذا أصبح لدينا ما يساعد الآن في الحصول على صورة واضحة إلى حد ما، عما كان جاريًا في تلك البلاد، منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وحتى ظهور الإسلام -أي على مدى ألف وخمسمائة سنة- سواء أكان ذلك من الناحية السياسية أو الدينية أو الاقتصادية2.

وليس هذا يعني -بحال من الأحوال- أن الآثار قدمت لنا كل ما عندها، فمما لا شك فيه أننا ما زلنا في هذا الصدد بالذات في مرحلة البداية، ومن ثم فهناك فترات في تاريخ العرب القديم، لا يزال الخلاف فيها على أشده، سواء أكان ذلك على ترتيب الملوك طبقًا للتسلسل التاريخي، أو في تحديد فترات حكمهم، بينما هناك فترات أخرى لا تزال مظلمة تمامًا، وليس هناك من حل إلا مزيدًا من الحفائر -ثم مزيدًا من الحفائر- حتى تخرج لنا الأرض الطيبة تاريخًا، لا أظن أنه يقل كثيرًا عن تاريخ العملاقين الكبيرين -مصر والعراق- في تلك العصور من تاريخ الشرق الأدنى القديم.

ومن أسف، أن تاريخ العرب القديم لم يلق -حتى في العصر الحديث- الاهتمام اللائق به، فرغم أن في العالم العربي عددًا كبيرًا من الجامعات، تُعنى أقسام التاريخ فيها، بدراسة التاريخ القديم بكل فروعه، ومع ذلك، فالقليل منها، هو الذي يهتم بدراسة التاريخ العربي القديم، ومن ثم فهي في ذلك تنقسم إلى أقسام ثلاث، قسم منها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، هو الذي يدرس التاريخ العربي القديم، كمادة مستقلة قائمة بذاتها، وقسم ثان لا يدرسه إلا كمقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي، وأما القسم الثالث، فلا نكاد نحس أن لهذا التاريخ المجيد ذكر بين برامج الدراسة فيه، ومن عجب أن هذا يحدث في الوقت الذي تهتم فيه الجامعات الأوربية بدراسة هذا التاريخ، وكأن أمر دراسة تاريخنا يهم الأوربيين، أكثر مما يهمنا نحن أسلاف أصحاب هذا التاريخ، بل وكأن دراسة تاريخ إسبرطة وأثينا القديم أهم عندنا من دراسة تاريخ اليمن ونجد والحجاز القديم.

1 ديتلف نلسن: التاريخ العربي القديم، ترجمة فؤاد حسنين، القاهرة ص46.

2 أحمد فخري: المرجع السابق ص126.

ص: 16

ودراسة التاريخ العربي القديم -فيما أرى- ضرورة قومية ودينية، ضرورة قومية لأن هذا تاريخنا، بل إني لا أظن أنني أغالي كثيرًا، إن قلت إنه -في بعض الأحايين- واحد من الأسس الرئيسية لدراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم، فالحقائق العلمية تقول إن بلاد العرب، إنما هي الموطن الأصلي للساميين، وأنهم خرجوا منها في فترات مختلفة، فيما بين الألف الرابعة والثانية قبل الميلاد، إلى مصر وسورية والعراق، وهي كذلك موطن العربية -اللغة السامية الأم1-

ثم هي لا تختلف عن غيرها من بلاد المنطقة العريقة في الحضارة، قامت بها دول، ونشأت فيها حضارات، وأسهمت بنصيبها فيما قدمه هذا الشرق الخالد للإنسانية من أياد بيضاء، ومن ثم فقد تأثرت بلاد العرب بحضارة تلك المنطقة، وأثرت فيها، وارتبطت بها بعلاقات، سادها الود أحيانًا، والنفور أحيانًا أخرى، ومن ثم فتاريخها جزء من تاريخ هذا الشرق الأدنى، تعرضت للضغط الخارجي، يوم تعرض هذا الشرق لهذا الضغط أو ذاك، ونعمت بخيراتها، يوم أن كان أمر هذا الشرق في أيدي أبنائه، ولاقت ما لاقى هذا الشرق، يوم أن كانت قوى أجنبية تتحكم في مصايره، وتجني خيراته، ومن ثم فليس عجبًا أن كان التاريخ العربي القديم متأثرًا بتاريخ الشرقي الأدنى القديم، ومؤثرًا فيه2.

وضرورة دينية، لأننا نعرف -تاريخيًّا ودينيًّا- أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى من بلاد العرب، بعض أنبيائه ومرسَلِيه، ولأن مكانة الإسلام الفريدة في التاريخ الإنساني، لا يمكن معرفتها بصورة صحيحة، إلا إذا درس تاريخ ما قبل الإسلام، حتى نستطيع التعرف بصورة واضحة على أثره، لا في بلاد العرب فحسب، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء، وكما يقولون، فإن الأشياء إنما تعرف بأضدادها.

ولعل الذين يتشدقون بالغيرة على الإسلام، من دراسة التاريخ العربي القديم، يتذكرون أنهم ليسوا أشد غيرة على ديننا الحنيف من الفاروق رضي الله عنه وأرضاه- حيث يقول:"إنما تنقص عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"3.

1 انظر مقالنا "الساميون" والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي" - مجلة كلية اللغة العربية، العدد الرابع، الرياض 1974 ص245-261.

2 انظر دراستنا عن "العرب وعلاقتهم الدولية في العصور القديمة" - مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية - العدد السادس، الرياض 1976 ص297-437.

3 محمد رشيد رضا: تفسير المنار 1/ 24.

ص: 17

وإنه لمن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى "الجاهلية" و"العصر الجاهلي" وغير ذلك من كلمات ترددت كثيرًا بين صفحات هذه الدراسة.

يقول السيوطي إن لفظ الجاهلية اسم حدث في الإسلام للزمن الذي كان قبل البعثة النبوية الشريفة، والقرآن الكريم لم يستعمل كلمة "الجاهلية" هذه، إلا في العصر المدني، ومن ثم فإنك تجدها في السور المدنية -وليس المكية- كما في سورة آل عمران والمائدة والأحزاب والفتح، وإن استعمل كلمة "الجاهليين" في العصر المكي والمدني، كما في سورة البقرة والأعراف والفرقان1.

وقد ذهب البعض إلى أن المقصود من كلمة "الجاهلية" إنما هو الجهل والجهالة، نقيضي العلم والمعرفة، أو الجهل بالقراءة والكتابة، ومن ثم فقد ترجمت الكلمة في اللغة الإنجليزية "The Time Of Lgnoravce" وفي الألمانية "Zert Der Unwissenheit"، بينما ذهب فريق ثان إلى أنها إنما تعني الجهل بالله وبرسوله وبشرائع الدين، وباتباع الوثنية والتعبد لغير الله2.

على أن فريقًا ثالثًا ذهب إلى أن الكلمة إنما تعني "السفه" الذي هو ضد الحلم، وفي الحديث الشريف:"إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل" 3، ومن هذا قول عمرو بن كلثوم.

1 انظر: سورة البقرة: آية 67، آل عمران: آية 154، المائدة: آية 50، الأعراف: آية 199، الفرقان: آية 63، الأحزاب: آية 33، الفتح: آية 26، تفسير الطبري 3/ 183، 7/ 320-326، 10/ 394-395، 13/ 326-332 "دار المعارف" 19/ 32-35، 22/ 2-8 "طبعة الحلبي"، تفسير القرطبي ص1483-1385، 221-2213، 5260-5264، 6108-6109 "دار الشعب 69-1970"، تفسير روح المعاني 22/ 8-9، تفسير ابن كثير 2/ 124-126، 3/ 118-123، تفسير الفخر الرازي 25/ 209، تفسير البيضاوي 2/ 245، 404، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي: المزهر في علوم اللغة، القاهرة 1942.

2 إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ ص183-188، عبد الصبور شاهين: تاريخ القرآن ص53، نهاية الرب 1/ 15، جواد علي 1/ 38، تفسير الطبري 7/ 320-326، روح المعاني 22/ 9، يحيى الخشاب: المرجع السابق ص12، محمد عبد الله دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص129-141.

وكذا S.M. Zwemer، Arabia، The Cradle Of Islam، P.158. وكذا Ency. Of Islam، I، P.999

3 وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يدعهن الناس، الطعن بالأنساب والاستمطار بالكواكب والنياحة " انظر: تفسير الطبري 22/ 5، مجموعة الحديث - الرياض 1969 ص267-268، ثم قارن رواية أخرى للحديث الشريف في: مجموعة فتاوى ابن تيمية 11/ 174".

ص: 18

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا1

ومن ثم فإن الكلمة إنما تعني الخفة والأنفة والحمية والمفاخرة، وهي أمور أوضح ما كانت في حياة العرب، قبل أن تتهذب نفوسهم بما دعا إليه الإسلام من مبادئ خلقية سامية، ومثل عليا وفضائل، ومن ثم فقد سمي العصر "بالجاهلية"، ويقابل هذه المعاني هدوء النفس والتواضع، والاعتداد بالعمل الصالح، لا بالنسب، وهي كلها نزعة سلام2.

ومن هنا رأينا الإمام الطبري يفسر قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} 3 بأن عباد الله هم الذين يمشون على الأرض بالحلم، لا يجهلون على من جهل عليهم4، ومن ثم فقد جاء في "حديث الإفك""ولكن اجتهلته الحمية"، أي حملته الأنفة والغضب على الجهل، وفي الحديث الشريف أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لأبي ذر -وقد عير رجلا بأمه:"إنك امرؤ فيك جاهلية" أي فيك روح الجاهلية6.

1 نهاية الأرب 1/ 16.

2 أحمد أمين: فجر الإسلام ص69-70،

وكذا R.A. Nicholson، A Literary History Of The Arabs، 1962، P.30

وكذا El، I. P.999

3 سورة الفرقان: آية 63.

4 تفسير الطبري 19/ 32-35 "طبعة الحلبي - القاهرة 1954".

5 انظر عن حديث الإفك: سورة النور: آية 11-20، وانظر: تفسير روح المعاني 18/ 111-125، تفسير الفخر الرازي 23/ 172-184، تفسير الطبرسي 18/ 18-25، تفسير الطبري 18/ 86-100، تاريخ الطبري 2/ 610-619، ابن الأثير 2/ 195-199، تفسير البيضاوي 2/ 119-121، تاريخ الخميس ص534-538، ابن تيمية: تفسير سورة النور، تحقيق صلاح عزام "دار الشعب، القاهرة 1972"، كامل سلامة الدقس منهج سورة النور في إصلاح النفس والمجتمع، القاهرة 1974 ص138-168، محمد حسين هيكل: حياة محمد ص366-370، محمد رضا: محمد رسول الله، بيروت 1975 ص223-227، ابن كثير: البداية والنهاية 4/ 160-164، ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم 2/ 220-224.

6 رواه الشيخان وأبو داود والترمذي، وانظر: تفسير البيضاوي 2/ 245، تفسير روح المعاني 22/ 8-9، فتاوى ابن تيمية 11/ 174، أحمد أمين: فجر الإسلام ص69، نهاية الأرب 1/ 15-18، ثم قارن: تفسير الطبري 22/ 5.

ص: 19

بقيت كلمة أخيرة تتصل بالفترة الزمنية التي تعالجها هذه الدراسة1، ذلك أننا نحن الباحثين في "تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم" قد اعتدنا أن نتوقف في دراستنا عند بداية عصر الإسكندر المقدوني "356-323ق. م" بسبب التغيرات الحضارية والسياسية التي حدثت في الشرق الأدنى القديم منذ تلك الفترة، غير أن الأمر جد مختلف هنا في بلاد العرب، فالإسكندر المقدوني -وكذا خلفاؤه من الأغارقة، فضلا عن الرومان من بعدهم- لم يكتب لهم نجحًا بعيد المدى أو قصيره في السيطرة على جزيرة العرب، ومن ثم فقد بقي هذا الجزء العزيز من العالم العربي القديم، بعيدًا عن قبضة اليونان والرومان، رغم المحاولات المتكررة التي بذلها هؤلاء وأولئك لانضواء الجزيرة العربية تحت لواء مقدونيا أو روما أو بيزنطية، كما أن الحضارة اليونانية -والرومانية من بعدها- وإن كتب لها بعض النجح في أطراف الجزيرة العربية، فقد فشلت تمامًا في أن تنتشر بين ربوعها، هذا فضلا عن أن العرب القدامى إنما قد احتفظوا بلغتهم العربية -اللغة السامية الأم- بعيدًا عن سيطرة اللغات الهندو-أوربية، حتى جاء الإسلام الحنيف، فكانت لغة القرآن، ورسول الحضارة الإسلامية إلى البشرية جمعاء.

ومن ثم فالرأي عندي أن التاريخ العربي القديم، إنما يبدأ منذ عصور ما قبل التاريخ، وينتهي في بداية القرن السابع الميلادي حيث يبدأ التاريخ الإسلامي، يوم أهدت مكة إلى الدنيا كلها أشرف الخلق جميعًا، مولانا وسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما أن يمضي حين من الدهر، حتى يسبغ الله فضله على الدنيا بأسرها، فينزل الوحي بالقرآن الكريم.

وهناك، وفي مكة المكرمة، وفي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبدأ الدعوة إلى الإسلام، دين التوحيد المطلق، ومن هناك -من هذه الأرض الطيبة، من الحجاز الشريف- تنتشر راية الإسلام إلى جميع أنحاء المعمورة، تدعوا إلى التوحيد والحب والعدل والإخاء والمساواة، وكل ما هو جميل ونبيل.

وقبل ذلك -وفي حياة الرسول الأعظم، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- تقوم في الجزيرة العربية -ولأول مرة في تاريخ هذه الدنيا- بفضل الله، وبهداية رسول

1 تمثل هذه الدراسة "الجزء السادس" من سلسلة دراسات يصدرها المؤلف في التاريخ القديم تحت عنوان "دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم".

ص: 20

الله، تقوم قوة عظمى، قوة لم ينبغ لأحد مثلها من قبل في تلك الجزيرة، التي كان أمرها مفرقًا بين قوى متناحرة، وعشائر بعضها لبعض عدو، فإذا هي الآن -بهدي الإسلام وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دولة موحدة، لها زعيم واحد، وقائد سياسي واحد، وقائد عسكري واحد، لا ينازعه سلطانه أحد، لأن سلطانه فوق مستوى البشر، فهو لسان السماء، وهو نبي الله، وكل في دولته مأمور بطاعته، كما يطيع الله، يفتديه بحياته، بل وتهون عليه حياته في سبيل ما يأمر به، تطلعًا إلى الجنة التي وعد الله المتقين من عباده، وأعدها للشهداء من المجاهدين، وهكذا أصبحت الجزيرة العربية دولة واحدة، تدين بدين واحد، وتعبد ربًّا واحدًا، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

وهنا، ينتهي التاريخ العربي القديم، ويبدأ التاريخ العربي الإسلامي، لا، بل هنا يبدأ التاريخ الإسلامي، فما كان الإسلام أبدًا، للعرب خاصة، وإنما كان -وسوف يظل أبدًا- للناس كافة، و {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، أرسله ربه رحمة للعالمين، وختامًا لرسالات الأنبياء أجمعين، وهداية للناس -كل الناس- إلى سواء السبيل.

وبعد: فإن كان علي أن أتقدم بالشكر لكل من أسهم في هذه الدراسة بنصيب، فلعل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -ممثلة في شخص مديرها معالي الأستاذ الجليل الدكتور عبد الله التركي، وأمينها العام ورئيس لجنة البحوث والنشر السابق بها، الزميل الكريم الأستاذ الفاضل عبد الله الشبل، ورئيس لجنة البحوث والنشر الحالي، الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور عبد العزيز الربيعة- أول من يستحق الشكر، كما أن كلية العلوم الاجتماعية بها -ممثلة في شخص عميدها فضيلة الأساذ الجليل محمد عبد الله عرفة- تستحق مني كل تقدير، فإن كانت الأولى قد أتاحت الفرصة لهذه الدراسة في أن ترى النور - فإن الثانية قد أتاحت لي فرصة العمل في هذه الدراسة كأستاذ لمادة تاريخ الجزيرة العربية القديم طوال سنوات جامعية أربع. وأملي في الله كبير في أن تنال هذه الدراسة بعض الرضى.

{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .

دكتور: محمد بيومي مهران

أستاذ التاريخ القديم: كلية الآداب - جامعة الإسكندرية

ص: 21