المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: في شمال شبه الجزيرة العربية - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ثانيا: في شمال شبه الجزيرة العربية

أنشأت جامعة الرياض تخصصًا في الآثار بقسم التاريخ منذ العام الجامعي 94/ 1395هـ، كما قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العام الجامعي 95/ 1396هـ "75/ 1976م" بإدخال مادة الآثار ضمن برامج الدراسة في قسم التاريخ بها، والأمل كبير في أن تثمر هذه الدراسات الأثرية قريبًا، فتخرج أجيالا من علماء الآثار، تعقد البلاد عليهم آمالا كبارًا في الكشف عن تاريخ هذه الأمة العريقة.

ص: 67

‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

لم يكن حظ شمال شبه الجزيرة العربية ووسطها، بأقل من جنوبها، فإن آثار البتراء وسورية الجنوبية، قد استهوت عددًا من العلماء الأوربيين، كما أن تحريم دخول المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، على غير المسلمين، قد ألهب خيال الأوربيين وزادهم رغبة في التعرف على ما يجري فيهما، وبخاصة في موسم الحج، ومن هنا رأينا كثيرًا من الأوربيين يأتون إلى زيارة الحرمين الشريفين متخفين، ذلك لأن منطقة مكة والمدينة إنما كانت تحت حراسة مشددة، خشية أن يتسلل إليها الأوربيون، وهكذا وجدنا من القادمين إلى وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، أنواعًا مختلفة من الرحالة الأوربيين، من مغامرين وحجاج وباحثين.

ولعل أقدم ما نعرفه عن هؤلاء الرحالة هو "ل- دي فرتيما" الذي وصل إلى مكة قادمًا من دمشق عام 1503م، وإن كان هناك من يزعم أن "كابوت" الرحالة الكبير قد قام بزيارة مكة بين عامي 1476، 1490م، وأن ملك البرتغال قد أرسل "بور دي كوفيلها"، الذي كان يتكلم العربية، إلى شبه الجزيرة العربية في عام 1487م، وذلك للتحقق من إمكانية الذهاب إلى الهند عن طريق البحر الأحمر، وأنه وصل فعلا إلى عدن، ومنها إلى الهند، وسواء أصح هذا، أم أن الأمر مجرد زعم كذوب، فإن هذه الرحلات لا قيمة لها من الناحية العلمية، وإن كان "دي فرتيما" قد وصف لنا رحلته التي زار فيها الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وصفًا صحح فيه كثيرًا من الأخطاء الشائعة عنهما لدى قومه الأوربيين1.

1 انظر: Jacqueline Pirenne، A La Decouverte De L'arabie، Paris، 1958

وفي الترجمة العربية التي قام بها قدري قلعجي، تحت عنوان "اكتشاف جزيرة العرب" بيروت 1963 ص37-44.

ص: 67

على أن كتابات "دي فرتيما" قد تأثرت إلى حد كبير بعقيدته الدينية، كما دلت على جهل واضح بجغرافية المنطقة، فضلا عن تقديمه معلومات ساذجة عن مشاهداته هناك، فمن ذلك مثلا، تفسيره لعدم صيد الحمام الذي يكثر بمكة، من أن المسلمين يعتقدون أنه سليل تلك الحمامة التي كانت تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بوصفها الروح القدس1، وَفَاتَهُ "أولًا" أن مكة بلد الله الحرام، لا يجوز الصيد فيها، وليس -كما زعم- لأن هذا الحمام ينحدر من تلك الحمامة التي كلمت مولانا وجدنا وسيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثم من أين جاء بكل هذا؟، وفاته "ثانيًا" أن المسلمين لا يؤمنون بحمام على أنه الروح القدس، وإنما ذلك هو "جبريل" عليه السلام، ولعله في ذلك كان متأثرًا بعقيدته الدينية.

ومنها كذلك حديثه عن "رمي الجمار" وأنه رمز لطاعة إسحاق، ودليل على الرغبة في الاقتداء به، فقد جاء في التعاليم الإسلامية أن الشيطان حاول إقناع إسحاق بعدم اللحاق بأبيه إبراهيم العازم على التضحية به2.

ويبدو هنا، مرة أخرى، أن "دي فرتيما" إنما يتحدث بمنطق اليهود والنصارى وعقيدتهم في الذبيح، حتى في موطن العرب أنفسهم، ونسي -أو تناسى- "أولًا" أن الذبيح عند العرب -على الأقل- إنما هو إسماعيل، وليس إسحاق، عليهما السلام، وتناسى "ثانيًا" أنه في مكة، وليس في فلسطين، والأولى موطن إسماعيل، والثانية مستقر إسحاق، ولو كان الأمر، كما يرى "دي فرتيما"، لكان رمي الجمار في فلسطين، وليس في مكة، ومن ثم فلست أدري من أين جاء بذكر إسحاق هنا؟ 3.

ثم إن قوله إن مدائن صالح والعلا، إنما هما سدوم وعمورة، لا يدل على جهل واضح بجغرافية المنطقة فحسب، وإنما يدل كذلك على جهل بروايات التوراة، كتابه المقدس، وخاصة حين يذهب إلى أن أهل سدوم وعمورة كانوا يعيشون على المن والسلوى، وأنهم كفروا بأنعم الله، فعاقبهم بأعجوبة منه4.

1 نفس المرجع السابق ص46.

2 نفس المرجع السابق ص45-46.

3 راجع قصة الذبيح في كتابنا "إسرائيل" ص196-209، وفي الفصل الرابع من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني" الجزء الأول.

4 جاكلين بيرين: اكتشاف جزيرة العرب ص41-42.

ص: 68

والمعروف "أولًا" أن تلك قصة بني إسرائيل في التيه1، و"ثانيًا" أن ما حدث في سدوم وعمورة، إنما كان لأن قوم لوط عليه السلام كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء2، ومن ثم فقد "أمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء، وقلب كل المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض"3، ومن هنا رأى بعض العلماء أن هناك شَبَهًا بين مصير قوم عاد وثمود من ناحية، وبين مصير سدوم وعمورة وبقية مدن الدائرة في عمق السديم4، من ناحية أخرى، ولعل هذا هو السبب في اضطراب فكرة "دي فرتيما"، ومن ثم فقد ذهب إلى أن مدائن صالح والعلا، هما سدوم وعمورة.

وأيًّا ما كان الأمر، ففي عام 1509م، يتابع "دي فرتيما" رحلته إلى الجنوب، وهناك في عدن يتهم بأنه نصراني يتجسس لحساب البرتغاليين الذين كانت سفنهم نشطة أمام السواحل العربية الجنوبية، فيتم القبض عليه، ويودع في قصر السلطان تمهيدًا لإعدامه، وهنا يتجه "دي فرتيما" في كتاباته وجهة دنيئة، فيجعل من زوج السلطان إمراة العزيز، ويجعل من نفسه الصديق، ثم تنتهي مغامراته الفاشلة بالرحيل إلى بلاد الفرس ثم الهند، حيث يقوم هناك بدوره الحقيقي، دور الجاسوس لملك البرتغال، وينال جزاءه على ذلك، فتكرمه جامعة البندقية، وينال حماية أسرتين كبيرتين هناك، فتكرمه جامعة البندقية، وأخيرًا تتم الدراما بأن يعلن الكاردينال "كارفجال" حمايته لـ "دي فرتيما" فضلا عن الإنفاق على ترجمة مؤلفه إلى اللاتينية5.

ولعل كل ما قدمته هذه الرحلة خريطة لشبه جزيرة العرب، -كما رسمها بطليموس، منذ ثمانية عشر قرنًا- وبعض المعلومات المشوهة عن المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، ثم مقارنة جغرافية بين العربية الشمالية، والعربية الجنوبية، وقبل ذلك

1 خروج 16: 1-36، وانظر كتابنا إسرائيل ص303-329.

2 راجع قصة لوط في القرآن الكريم: سورة الأعراف "80-84" وهود "77-83" والحجر "57-77" والشعراء "160-175" والنحل "54-58"، وفي التوراة: سفر التكوين 18-20-19: 29.

3 تكوين 19: 20-26.

4 قاموس الكتاب المقدس 1/ 551، 2/ 119، 300،

وكذا J. Hastings، Dictionary Of The Bible، P.734

وكذا T.K. Cheyne، Encyclopedia Biblica، P.3790

5 جاكلين بيرين: المرجع السابق ص48-50.

ص: 69

وبعده، سموم ضد الإسلام والعرب، وهو أمر لا يعد غريبًا، إن جاء من موطنه، ولكن الغريب حقًّا أن يترجم ذلك1، وأن يذاع بين شباب العرب، والمسلمين منهم بخاصة، حتى دون التعليق على ما فيه من روايات لا تعرف نصيبًا من صواب، وحكايات أشبه بالأساطير منها بحقائق التاريخ، إلى جانب ما فيه من دعاوى تتعارض مع الإسلام، فضلا عن المنطق والحق والصواب، وقد تكون المصيبة أعظم، لو أن الذين ترجموا ذلك يظنون أنهم يقدمون بعملهم هذا للعروبة وللإسلام -فضلا عن العلم- خيرًا، أو حتى بعض الخير.

هذا وقد تميزت الفترة ما بين عامي 1604، 1739م، برحلات الحجاج إلى مكة، ففي عام 1643م، قام المطران "ماثيو دي كاسترو" -القاصد الرسولي في بلاد الهند- بزيارة الأماكن المقدسة، متنكرًا في زي رحالة غريب، وذلك أثناء رحلته من الهند إلى روما، مارًّا بشبه الجزيرة العربية، ولا شك في أنه -إذا صحت روايته- رجل الدين المسيحي الوحيد الذي قام بزيارة المدن الإسلامية المقدسة، ولكنه لم يكتب بنفسه شيئًا عن ذلك2.

وفي عام 1660م نرى "لويس دارفيو" يزور شمال بلاد العرب، ويكتب وصفًا للبدو، إلا أنه كان بعيدًا عن المنهج العلمي في وصفه، فضلا عما فيه من مطاعن على العرب، وتمجيد للرواية الإسرائيلية عن إسماعيل وإسحاق، عليهما السلام، وعن والدتيهما الكريمتين -سارة وهاجر- بجانب الترجمة غير الصحيحة، أو على الأقل غير الدقيقة، لنصوص التوراة، فيما يتصل بإسماعيل بالذات3.

وفي عام 1807م، وصل إلى "جدة" الرحالة الأسباني "باديابي لبلخ" تحت اسم "علي بك العباسي" مدعيًّا أنه ليس مسلمًا فحسب، وإنما آخر أمير من نسل الخلفاء العباسيين4، ومن عجب أن الأوربيين أنفسهم في حيرة من أمرهم، بشأن "علي بك" هذا، فهو جاسوس لنابليون على رأي، وهو أحد موظفي إمارة البحر

1 جاكلين بيرين: اكتشاف جزيرة العربية، ترجمة قدري قلعجي، بيروت 1963.

2 نفس المرجع السابق، ص91.

3 انظر أمثلة على مسخ نصوص التوراة، في كتاب جاكلين بيرين الآنف الذكر ص117-127، إلا أن تكون الترجمة العربية له هي التي أخطات.

4 أحمد فخري: دراسات في تاريخ الشرق القديم ص146.

ص: 70

الفرنسية على رأي آخر، إلا أن هناك اتفاقًا على أنه كان عالمًا، وأنه قد زود بآلات قياس دقيقة للغاية، وأنه قد نجح إلى حد كبير في تعيين المواقع المختلفة التي مر بها على سواحل البحر الأحمر، مثل ينبع وجدة وغيرهما، وبصورة تقريبية موقع المدينة المنورة التي لم يقدر له أن يشرف بزيارتها، وبصفة دقيقة لموقع مكة المكرمة على خريطة العالم، وهكذا أمكن -ولأول مرة- تحديد الموقع العرضي لأحد الأماكن في داخل بلاد العرب بالنسبة إلى خط الاستواء، هذا إلى جانب وصف دقيق للكعبة المشرفة ولكل ما كان يجري في موسم الحج1.

والذي يقرأ وصف الرجل للأماكن المقدسة، كما جاء في كتاب جاكلين بيرين2، يدرك أن الرجل كان مسلمًا عن يقين -كما كان يعلن هو دائمًا- رغم ما أثير حول إسلامه من شبهات.

والرأي عندي، أن من يعيش الظروف التي عاشها "علي بك العباسي" ويزور الأماكن الطاهرة التي زارها، وينال شرف رؤية الكعبة -أقدس مقدسات المسلمين- من داخلها، ويسهم في تنظيف البيت الحرام، إن من يسبغ الله عليه كل هذه النعم، ليس ببعيد أن يهديه الله سواء السبيل ويفتح قلبه للإسلام، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} 3 وعلى أي حال، فإني لا أثبت هنا إسلام "علي بك العباسي"، ولا أنفيه، فليست لدي الأدلة على هذا أو ذاك، والله وحده يعلم الغيب من الأمر، ولكن بعد أن مَنَّ اللهُ عليَّ بفضله، وعشت فترة من عمري بين رحاب هذه المقدسات الشريفة، لا أستبعد أن الله جل وعلا، قد فتح قلب الرجل للإسلام، بصرف النظر عن المهمة التي جاء من أجلها، والله يهدي من يشاء.

وجاء بعد ذلك الرحالة السويسري، "جوهان ليدونج بوركهارت" الذي وصل إلى سورية في مارس 1809م، ليقوم بزيارة المناطق المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، وليجمع المعلومات عن البدو، وهناك بذل جهدا كبيرًا في دراسة القرآن الكريم وتفسيره -بعد أن كان قد درس اللغة العربية في إنجلترا- حتى عرف باسم الشيخ

1 نفس المرجع السابق ص146، جاكلين بيرين: المرجع السابق ص186-198.

2 نفس المرجع السابق ص186-198.

3 سورة الحديد: آية21، سورة الجمعة آية4، وانظر تفسير القرطبي ص6427، ص6572-6573 "دار الشعب- القاهرة 1970".

ص: 71

إبراهيم، العالم العظيم في شئون الإسلام1.

وهكذا تمكن "بوركهارت" من القيام برحلته إلى الحجاز تحت اسم "الشيخ إبراهيم بن عبد الله"، فزار الحرمين الشريفين، وقدم وصفًا دقيقًا لموسم الحج، وكتب عن مكة والمدينة كتابة علمية، وفي عام 1812م، اكتشف مدينة "البتراء"، ثم أصدر عدة كتب عن رحلاته في سورية وفلسطين وشمال بلاد العرب2، وأخيرًا توفي في 15 أكتوبر 1817م، ودفن بسفح جبل المقطم في القاهرة3.

وفي عام 1815م، زار "نجد" المستشرق "جورج أوغسطس فالين" للقيام ببعض الدراسات اللغوية4، وهناك رواية مشكوك فيها تذهب إلى أن "محمد علي باشا" والي مصر، قد أرسله إلى هناك بعد أن فشلت جهوده في توطيد نفوذه في الشام، وذلك للقيام بمهام سياسية في جبل "شمر"5.

وفي عام 1853م، زار "سير ريتشارد برتون" الحرمين الشريفين، متنكرًا في زي مسلم يسمى "الحاج عبد الله" ثم كتب وصفًا لرحلته هذه 6.

وفي يولية 1862م، قام "وليم بلجريف" برحلته إلى العربية الوسطى، ونشر في عام 1865م كتابًا عن رحلته هذه، سرعان ما ترجم إلى الفرنسية ثم الألمانية بعد ذلك، كواحد من أحسن الكتب عن بلاد العرب، ويزعم "بلجريف" أنه وصل إلى مناطق في قلب بلاد العرب، ولم يصلها أحد قبله7، وأما رفيقه في رحلته هذه

1 جاكلين بيرين: المرجع السابق ص216-217.

J.L. Burckhardt، Travels In Arabia، London، 1829

وكذا Johann Ludwing Burckhardt، Travels In Syria And Holy Land، London، 1822

3 Philip K. Hitti، History Of The Arabs، London، 1960، P.7

4 F. Hommel، Explorations In Arabia، P.705

وكذا Encyclopaedia Britannica، Ii، P.171

5 P.K. Hitti، Op. Cit.، P.7

6 Sir Ritchard Burton، Personal Narrative Of A Pilgrimage To El-Medina And Meccah، 2 Vols.، London، 1857

7 W.G. Palgrave، Observations Made In Central، Eastern And Southern Arabia، In 1862-1863، Jrgs، 34، 1864، P.111-154

ص: 72

فقد كان لبنانيا يدعى "بركات"، وهو الذي أصبح فيما بعد بطريرك الروم الكاثوليك تحت اسم "بطرس الجريجيري"1.

وتوغلت "الليدي آن بلنت" عام 1789م في شمال بلاد العرب، حتى "نجد" وكانت مولعة بدراسة الخيول العربية2، إلا أن "هوبر"3 و"أويتنج"4 يعدّان من الذين غامروا بحياتهم، وقاموا برحلات شاقة، فيما بين عامي 1876، 1884، وقد بلغا "حايل" في شمالي بلاد العرب، وحصلا على كثير من النقوش العربية الشمالية.

وهناك "سنوك هورجونيه" الهولندي، الذي زار الحجاز، فيما بين عامي 1885، 1886م، وقدم لنا دراسة عن الأحوال في مكة، ووصف للحياة في الحجاز، وفي موسم الحج بصفة خاصة5.

وهناك كذلك الرحالة الإنجليزي "تشارلسن دوتي"6، وقد كان هذا الرجل من أشد المتعصبين ضد الإسلام، وأكثرهم تطاولا على المسلمين، بل إنه في تطاوله إنما يحاول أحيانًا أن يتجاوز كل حدود الأدب، وأن يمس المثل الأعلى للإنسانية جمعاء، سيدنا ومولانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وإن لم يستطع في كل الأحوال، إلا أن يعترف بأن المصطفى المختار- صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- إنما كان دائمًا وأبدًا، المثل الأعلى، والأسوة الحسنة لكل المسلمين وغير المسلمين، في كل زمان ومكان.

وفي عام 1889م، يقوم "تيودور بنت" وزوجته، برحلة إلى البحرين ومسقط وعمان في جنوب شبه الجزيرة العربية، حيث زارا كثيرًا من المناطق الأثرية، وكتبا عنها كتابهما المعروف7.

1 فيليب حتى: تاريخ العرب "مطول" -الجزء الأول- ترجمة إدوار جرجي؛ جبرائيل حبور، بيروت 1965 ص6.

2 Lady Anne Blunt، A Pilgrimage To Najd، 2 Vols، London، 1883

3 C. Huber، Inscriptions Recueillis Dans I'arabie Centrale، 1878-1882

4 Julius Euting، Nabataische Inschriften Aus Arabien، Berlin، 1885

5 Eb، 2، P.170

6 Charlis M. Doughty، Travels In Arabia Deserta، 2 Vols.، Cambridge، 1888

7 Theodore Bent And Mrs. Bent، Southern Arabia، Sudan And Socotra، London، 1900.

ص: 73

وأشرف القرن العشرون، وبدأت الأبحاث العلمية تزداد، وأصبح بين أيدينا مؤلفات مهمة، لعل من أروعها ما كتبه "ألويس موسل"، الذي زار العربية الحجرية، وكتب عدة مؤلفات في وصف شمال الحجاز وبادية الشام ومنطقة الفرات الأوسط وتدمر ونجد1، ثم هناك كذلك ما كتبه "جوسين وسافينياك" في مؤلفهما الشهير عن آثار الحجاز، وبخاصة مدائن صالح والعلا2، أما كتاب "لورنس""أعمدة الحكمة السبعة3"، فقد نال مكانة عالية بين مؤلفات الأدب الحديث بعد الحرب العالمية الأولى4.

وكان أكثر الرحالة نشاطًا في نجد وأواسط بلاد العرب "هاري سان جون بريدجر فلبي" والذي سمى نفسه "الحاج عبد الله" وقد أتيح له ما لم يتح لغيره من الأوربيين، إذ كان من المقربين إلى جلالة الملك المعظم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، ومن ثم فقد قام برحلات كثيرة، وكتب عدة كتب5، وكانت آخر رحلاته تلك التي قام بها في صحبة العالم البلجيكي "ج. ريكمانز" في شتاء 1951-1952م، وكانت في المثلث الواقع بين جدة ونجران والرياض، وعاد ومعه 1200 نقش، منها تسعة آلاف نقش ثمودي، وبقيتها نقوش لحيانية وسبئية، بعد أن زارت البعثة كل ما وجدته من بقايا المدنيات القديمة، في المنطقة الواقعة داخل المملكة العربية السعودية6.

1 انظر من مؤلفات "ألويس موسل": Alios Musil، The Northern Hegas، N.Y. 1926.

وكذا The Middle Euphrates،N.Y. 1927،

وكذا Palmyrena، N.Y.، 1928.وكذا The Northern Nejd، N.Y.، 1928

وكذا Arabia Petraea، Wien، 1907. وكذا In The Arabian Desert، N.Y.، 1930

2 A.J. Jaussen And R. Savignac، Mission Archeologique En Arabie، 4 Vols.، Paris 1904، 1911، 1914، 1920.

3 T.E. Lawrence، Seven Pillars Of Wisdom، N.Y.، 1939

4 P.K. Hitti، Op. Cit.، P.7

5 لعل من أشهر كتب فلبي: H. St. J.B. Philby، Saudi-Arabia، London، 1955

وكذا H. St. J.B. Philby، The Background Of Islam، Alexandria، 1947

وكذا H. St. J.B. Philby، The Heart Of Arabia، 2 Vols.، London، 1922

وكذا H. St. J.B. Philby، The Land Of Midian، Mej، 9، 1955

وكذا H. St. J.B. Philby، The Last Ruins Of Quraiya، Gj، 117، 1951

وكذا H. St. J.B. Philby، Arabian Highlands، N.Uy.، 1952

وكذا H. St. J.B. Philby، And A.S. Triton، Najran Inscriptions، Jras، 1944

6 أحمد فخري: المرجع السابق ص148، موسكاتي: المرجع السابق ص376.

ص: 74

وفي عام 1962م، قامت بعثة أمريكية بزيارة مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، فزارت سكاكا والجوف وتيماء ومدائن صالح والعلا وتبوك، وظفرت بنماذج من فخار قديم، ونقلت صورًا لكتابات ثمودية ونبطية، أهمها ما وجدته في قمة جبل غنيم، على مبعدة ثلاثة أميال إلى الجنوب من تيماء، وتعد من أقدم ما عثر عليه في العربية الشمالية1.

وليس من شك في أن تاريخ البحث العلمي في تاريخ العرب القديم يدين بالكثير لنفر من المستشرقين قدموا له أبحاثًا جادة في مختلف الميادين، من أمثال "كوسان ده برسيفال"2، والذي يعتبر من الرواد في التأريخ لبلاد العرب قبل الإسلام، وكذا "تيودور نولدكه"3، و"ج. روتشتاين"4، و"رينيه ديسو"5 و"جاك ريكمانز"6 "كيتاني"7 و"أوليري"8 و"أوتووبير"9 و"فلهاوزن"10،

1 جواد علي 1/ 133 وكذا Basor، 168، 1962، P.9

2 Caussin De Perceval، Essai Sur I'histoire Des Arabes Avant I'islamisme، 3 Vols.، Paris 1847-8

3 تيودور نولدكه: أمراء غسان، ترجمة بندلي خوري وقسطنطين زريق، بيروت 1933م،

وكذا T.H. Noldeke، Semitic Languages، Eb، 24، 1911

4 G. Rothstein، Die Dynastie Der Lakhmiden In Al-Hira، Berlin، 1891

5 R. Dussaud، Les Arabes En Syrie Avant I'islam، Paris، 1907. وكذا Paris، 1955

6 J. Ryckmans، Aspects Nouveaux Du Probleme Thamoudeen، Si، 5، 1956. وكذا J.Ryckmans، L'institution Monarchique En Arabie Meridionale Avant I'islam، Louvain، 1951

7 L. Caetani، Annali Dell'islam، 10 Vols.، Milano، 1905-1926

8 O'leary، "Delacy D.D."، Arabia Lefore Muhammad، London، 1927

9 Weber. "Otto"، Arabien Vor Dem Islam، 1904

10 J.Wellmusen، Reste Arabischen Heidentums، Berlin، 1927

ص: 75

و"ج ريكمانز"1 و"الكسندر كندي"2 و"أدولف جرومان"3 و"فريتز هومل"4 و"رودوكناكيس" و"ديتلف نلسن"5 و"تشارلس فورستر"6 و"ألفردونيت"7 و"بيستون"8، و"ألبرت جام"9 و"كاسكل"10 و"فون فيسمان وماريا هوفتر"11 و"لودلف كريل"12 و"كوك"13

1 G. Ryckmans، Les Religions Arabes Pre-Jslamiqucs، Louvain، 1951

G. Ryckmans، On Some Problems Of South Arabian Epigraphy، وكذا BSOAS، 1952.

G. Ryckmans، Inscriptions Sud-Arabes، Le Museon، XII، 1942 وكذا

2 Kennedy (Sir Alexander. B.W.) ، Petra، Its History And Monuments، London،

1925.

3 A. Grohmann، Arabien، Munchen، 1963

4 F. Hommel، Explorations In Arabia، Philadelphia، 1903

5 ديتلف نلسن، فريتز هومل، رودوكناكيس، أدولف جرومان، التاريخ القديم، ترجمه وزاد عليه الدكتور فؤاد حسين؛ القاهرة، 1958.

6 Charles Forster، The Historical Geography Of Arabia، 2 Vols.، London

7 F.V. Winnett And W. Reed، Ancient Records From North Arabia، Toronto،

1970.

8 A.F.L. Beeston، Sculptures And Inscriptions From Shabwa، JRAS، 1954

A.FX. Beeston، Problems Of Sabaean Chronology، BASOR، 16، 1954. وكذا

A.F.L. Beeston، Epigraphic South Arabian Calendars And Dating، وكذا

London، 1956

9 A. Jamme، South-Arabian Inscriptions، Princeton، 1955

A. Jamme، Sabaean Inscriptions From Mahram Biiqis (Marib) ، Balti- وكذا

More، 1962

A. Jamme، Thamudic Studies، Washington، D.C. 1967. وكذا

A. Jamme، New Sabaean Inscriptions From South Arabia، 1968. وكذا

10 W. Caskel، Lihyan Und Lihyanisch، Koln، 1954

11 Hermann Von Wissmann Und Maria Hofner، Beitrage Zur Historischen

Geographie Des Vorislatmischen Sudarabien، Wiesbaden، 1953

12 Ludolfkrehl، Ucber Die Religion Der Vorislamischen Araber، Leipzig، 1863

13 G.A. Cooke A Text-Book Of North-Semitic Inscriptions، Oxford، 1903

ص: 76