الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أخيرًا "عاشرًا" أن "برخيا بن أخبيا" النبي اليهودي -كما يراه المؤرخون المسلمون- ليس في الواقع إلا "باروخ بن نيريا"، وأنه لم يكن أبدًا نبيًّا، وإنما كان كاتبًا وصديقًا للنبي اليهودي "إرمياء"، ومن ثم فهناك اتفاق بين علماء التوراة على أن "باروخ" هذا، هو الذي كتب سفر إرمياء- كما هو في التوراة المتداولة اليوم- في حوالي عام 605ق. م، وإن كانت الإصحاحات من الأول إلى السادس، إنما ترجع إلى الفترة ما بين عامي 627، 622ق. م1.
1 انظر كتابنا "إسرائيل" ص39، وكذا سفر إرمياء 45:1.
9-
المديانيون:
تحدث القرآن الكريم عن أهل مدين، وعن نبيهم الكريم شعيب عليه السلام1، في مواطن متفرقة من سوره2، ووفقا لما جاء في القرآن الكريم، فإن شعيبًا أتى مدين وأصحاب الأيكة، فنهاهم عن عبادة الأوثان، كما أمرهم أن يقيموا الوزن بالقسط ولا يخسروا الميزان3؛ ذلك لأن آفة مدين إنما كانت آفة كل المدن على مدرجة الطريق، ومن ثم فقد كانت قصتهم في القرآن قصة التجارة المحتكرة، والعبث بالكيل والميزان وبخس الأسعار والتربص بكل منهج من مناهج الطرق، وهكذا كانت رسالة شعيب عليه السلام، رسالة خلاص من شرور الاحتكار والخداع في البيئة التي تعرضت لها بحكم موقعها من طرق التجارة والمرافق المتبادلة بين الأمم4.
وقد كان أهل مدين قومًا عربًا يسكنون مدينتهم "مدين" التي هي قرية من أرض معان في أطراف الشام مما يلي الحجاز، قريبًا من بحيرة قوم لوط5، هذا وقد
1 قدم المؤلف دراسة مفصلة عن "المديانيين" في كتابه "دراسات في التاريخ القرآني شغلت كل "الفصل الثامن" من الجزء الأول، من هذا الكتاب.
2 انظر: سورة الأعراف والتوبة وهود والحجر والحج والشعراء والقصص والعنكبوت وق وغيرها.
3 انظر: سورة الأعراف "85" وهود "84-85" والشعراء "181-183".
4 عباس العقاد: مطلع النور ص93-94، تفسير المعاني 8/ 176، 177، تفسير المنار 8/ 525-526، تفسير الطبري 12/ 554-555.
5 ابن كثير 1/ 184-185، ياقوت 5/ 77-87، 153-154، تفسير المنار 8/ 524.
كانت مدين هذه إنما تمتد من خليج العقبة إلى مؤاب وطور سيناء1.
ويفهم من أسفار التوراة أن مواطن المديانيين إنما كانت تقع إلى الشرق من العبرانيين، ويبدو أنهم قد توغلوا في المناطق الجنوبية لفلسطين، متخذين منها مواطن جديدة، عاشوا فيها أمدًا طويلا، حيث يرد ذكرهم في الأخبار المتأخرة، وقد ذكر بطليموس الجغرافي موضعًا يقال له "مودينا" على ساحل البحر الأحمر، يرى العلماء أنه موضع مدين، وأنه يتفق وحدود مدين المعروفة في الكتب العربية2:
وأما "يوسبيوس" فيذكر مدينة "مديم" ويقول أنها سميت باسم أحد أولاد إبراهيم من زوجه قطوره، وهي تقع وراء المقاطعة العربية في الجنوب في بادية العرب الرحل إلى الشرق من البحر الأحمر3، وأما "ألويس موسل" فيذهب إلى أن أرض مدين يجب أن تكون إلى الشرق والجنوب الشرقي من مكان العقبة الحالية، فهناك كان يمر أهم طريق من طرق النقل التجاري4، هذا ويظهر من التوراة أن المدينيين قد غيروا مواضعهم مرارًا بدليل ما يرد فيها من اختلاطهم ببني قدم والعمالقة والكوشيين والإسماعيليين، ويبدو أنهم استقروا في القرون الأخيرة قبل الميلاد في جنوب وادي العربة، وإلى الشرق والجنوب الشرقي من العقبة5.
ويرجح بعض الباحثين أن عصر شعيب إنما كان قبل عصر موسى، معتمدين في ذلك على أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر شعيبًا في القرآن الكريم -كما في سورة الأعراف ويونس وهود والحج والعنكبوت- بعد نوح وهود وصالح ولوط، وقبل موسى6، وإذا ما عدنا إلى عصر الخليل عليه السلام "1940-1765ق. م"،
1 قاموس الكتاب المقدس 2/ 850.
2 جواد علي 1/ 455
وكذا J. Hastings، Op. Cit.، P.616 وكذا T.K. Cheyne، Op. Cit.، P.3081
وكذا Ptolemy، Geography، Vi، 7، 27. وكذا El، 3، P.104،
3 ألويس موسل: شمال الحجاز ص69.
4 نفس المرجع السابق ص83-84.
5 تكوين 25: 6، 37: 25، عدد 12، 1، حبقوق 3: 7 وكذا
A. Musil، Op. Cit.، P.287،
6 عبد الوهاب النجار قصص الأنبياء ص149.
وتذكرنا أن لوطًا وقومه إنما كانوا معاصرين لأبي الأنبياء، لأمكننا القول أن شعيبًا وقومه إنما كانوا يعيشون بعد القرن الثامن عشر قبل الميلاد، بخاصة وأن التوراة تذكر أن مدين إنما كان من ولد الخليل من زوجه قطوره الكنعانية1.
على أننا نستطيع من ناحية أخرى أن نقول -حدسًا عن غير يقين- أن القوم إنما كانوا يعيشون في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، إذا ما كان صحيحًا ما ذهب إليه البعض من أن يثرون كاهن مدين وصهر موسى، إنما هو شعيب نبي مدين العربي، وذلك لأن رحلة الخروج من مصر، تحت قيادة موسى -وكذا لقائه مع صهره كاهن مدين -إنما كانت في هذا القرن الثالث ق. م2.
1 انظر: سورة الحجر "51-77" والعنكبوت "26-35" والذاريات "24-37"، وانظر: تكوين 14: 1-24، 18: 1-33، 25: 1-2، أخبار أيام أول 1/ 32.
2 ياقوت 5/ 77-78، والبكري 4/ 1201 مروج الذهب 1/ 61، تاريخ ابن خلدون 2/ 43، 82، العقاد: الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين ص80؛ كتابنا "إسرائيل" ص28-303.