المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الهجرة ودار الأخيار ودار الإيمان ودار الأبرار ودار السنة وبيت - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: الهجرة ودار الأخيار ودار الإيمان ودار الأبرار ودار السنة وبيت

الهجرة ودار الأخيار ودار الإيمان ودار الأبرار ودار السنة وبيت الرسول ومدينة الرسول ومضجع الرسول وحرم رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.

ومن أسف أن تاريخ يثرب القديم مجهول، فلا توجد مدونات يمكن الرجوع إليها، ولم تقم بها حفريات علمية يمكن أن تقدم لنا معلومات ذات قيمة عن تاريخ المدينة المقدسة القديم، وإن كانت هناك حفريات قد أجريت دون أن يقصد بها ذلك الهدف العلمي -كالتي حدثت في الأعوام 1333، 1335، 1352هـ- في أحد البساتين، وإبان حفر أساس القسم الشمالي لمدرسة العلو الشرعية الواقعة بقرب باب النساء، وفي المناخية جنوبي السبيل، إلا أنها قد كشفت عن بعض أشياء قد تشير إلى أن المدينة الحالية، إنما قامت على أنقاض مدينة أخرى -الأمر الذي اشار إليه اليهود منذ القرن التاسع الهجري- ومن ثم فإن معلوماتنا الحالية، إنما تعتمد في الدرجة الأولى على روايات الأخباريين، وأكثرها من ذلك النوع الذي عرفناه من قبل2.

1 وفاء الوفا 1/ 7-19، خلاصة الوفا ص7-17، الدرر الثمينة في تاريخ المدينة "ملحق بالجزء الثاني من شفاء الغرام" ص323، المقدسي: أحسن التقاسيم ص30 "ليدن 1906"، الأغلاق ص59، 87، البكري 4/ 1201-1202، ياقوت 5/ 82-83، 430، عمدة الأخبار ص41، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص538.

2 عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة المنورة ص192-194، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص290-291، محمد حسين هيكل: في منزل الوحي ص512-514.

ص: 389

‌سكان المدينة

‌مدخل

سكان المدينة:

يروي الأخباريون أن سكان يثرب إنما كانوا من العماليق، ثم اليهود، ثم العرب -من أوس وخزرج- وأن العماليق إنما كانوا أول من زرع الزرع واتخذ بها النخيل، وعمر بها الدور والآطام، واتخذ الضياع، وأنهم يرجعون في نسبهم إلى عملاق ابن أرفخشد بن سام1.

1 وفاء الوفا 1/ 107، 111، خلاصة الوفا ص154-156، ياقوت 5/ 84 "مادة مدينة".

ص: 389

1-

‌ اليهود:

وقصة اليهود -طبقًا لرواية الأخباريين، ومن تابعهم من المؤرخين المحدثين- أمرها عجب، إذ تذهب رواياتهم إلى أن موسى عليه السلام بعد أن أظهره

ص: 389

الله على فرعون وطئ الشام وأهلك من بها من الكنعانيين، أو أنه بعث إليهم بعثا أهلك من بها، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز، للعماليق الذين كانوا يسكنون المدينة قبل بني إسرئيل، وكانوا أهل بغي وغزو، ملكوا على أنفسهم رجلا يقال له "الأرقم" وتذهب الرواية إلى أن موسى كان قد بعث الجنود إلى الجبابرة من أهل القرى، فضلا عن جيش من بني إسرائيل كان قد بعثه إلى العماليق، وأمره أن يقتل القوم جميعًا ولا يستبقي منهم أحدا، وأن هذا الجيش قد كتب له نجاح بعيد المدى في مهمته هذه، فقتل العماليق جميعًا، ولم يبق على أحد منهم إلا ولدا للأرقم كان وضيئا فأشفقوا على شبابه، ومن ثم فقد حملوه إلى موسى ليرى رأيه فيه، غير أن موسى كان قد انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل عودة الجيش بولد الأرقم، وقد اعتبر الإسرائيليون أن إبقاء الجيش على حياة ولد الأرقم خروج على تعليمات موسى، ومن ثم فقد رفضوا أن يسمحوا للعائدين بدخول الشام، مما اضطر هذا الجيش إلى العودة إلى المدينة والإقامة فيها، ومن ثم فقد كانوا أول من سكن المدينة من يهود1.

والقصة على هذا النحو توجه إليها سهام الريب من أكثر من جانب، وليس بالوسع القول بأنها ترقى إلى ما فوق مظان الشبهات، هذا إذا لم تكن هي نفسها شبهة؛ وذلك لأسباب كثيرة: منها "أولًا" أن هذا الرأي الذي ذهب إلى أن موسى عليه السلام قد وطئ الشام وأهلك الكنعانيين، لا أقول يتعارض مع الحقائق التاريخية فحسب، وإنما يتعارض كذلك مع آيات القرآن الكريم- فضلا عن نصوص التوراة- ولتقرأ هذه الآيات الكريمة من سورة المائدة، يقول سبحانه وتعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا

1 الأغاني 3/ 116، 19/ 94، ياقوت 5/ 84، أبوالفداء 1/ 123، تاريخ ابن خلدون 2/ 87-88 "القسم الأول" 2/ 286-287 "القسم الثاني""طبعة بيروت 1971، عن طبعة بولاق 1284هـ" اب هشام 2/ 17، جواد علي 6/ 516-517، الإعلاق ص60-61، الدرر الثمينة ص324، المدينة بني الماضي والحاضر ص14-15، وفاء الوفا 1/ 111، خلاصة الوفا ص156-157، عبد الفتاح شحاتة، المرجع السابق ص271-272، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص6 "القاهرة 1927"، الروض الأنف 2/ 16.

ص: 390

يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} 1.

والأمر كذلك بالنسبة إلى التوراة2 التي تحدثت عن كل صغيرة وكبيرة في حياة موسى، وهكذا فإن كل النصوص المقدسة -آيات القرآن وإصحاحات التوراة- تشير إلى أن الإسرائيليين الذين صحبوا موسى في رحلة الخروج من مصر، لم يكتب لواحد منهم- بما في ذلك موسى3 وهارون4 عليهما السلام -أن يدخل الأرض المقدسة أبدًا، إذا استثنيا يشوع بن نون وكالب بن يفنه5، وقد ناقشنا ذلك كله بالتفصيل في كتابنا إسرائيل6.

ومنها "ثانيًا" أن القرآن الكريم -والتوراة من قبل- يكذبان إرسال جيش إسرائيلي إلى الحجاز، فالقوم الذين جبنوا عن أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، ويصفون أنفسهم بأنهم "كالجراد في أعين الجبابرة من بني عناق" من سكان كنعان7، هؤلاء القوم ليسوا هم الذين يجتازون صحراوات بلاد العرب حتى يصلوا إلى يثرب، ثم يقوموا فيها بمجزرة بشرية تنتهي بإفناء بلد بأسره، إلا ولد الأرقم ملكها، ثم أليسوا هم أنفسهم الذين حاول الكليم عليه السلام أن يحرضهم على القتال، حتى يصدعوا بأمر الله ويدخلوا الأرض التي كتبها لهم، إلا أنهم كانوا مع كثرتهم "تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى"، كانا يخافون الحرب ويهابون القتال، بعد أن تمكنت منهم المذلة والصغار، ومن ثم فقد صاحوا بموسى -كما تروي توراتهم -"ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر، ولماذا أتى بنا الرب

1 سورة المائدة: آية 21-26، وانظر: تفسير روح المعاني 6/ 1067-111، تفسير الطبرسي 6/ 62-71، تفسير الطبرسي 10/ 178-200، تفسير المنار 6/ 81-89، الكشاف 1/ 602-606، تفسير ابن كثير 2/ 532-541 "دار الأندلس" تفسير القرطبي 6/ 123-133، تفسير أبي السعود 2/ 17-19، تيسير العلي القدير 1/ 473-475.

2 عدد 13: 1-14: 45.

3 تثنية 3/ 27-28، 32: 28-52، 34: 1-6.

4 عدد 20: 22-29.

5 عدد 14: 14، 30، تثنية 3:28.

6 انظر كتابنا "إسرائيل" ص317-329.

7 عدد 13: 25-33.

ص: 391

لنسقط بالسيف"1.

وليت الأمر اقتصر على هذا، فإن التمرد سرعان ما يمتد إلى حد الثورة على موسى شخصيا، والمناداة بخلع رياسته وقيام سلطة جديدة تعود بهم إلى مصر، تقول التوراة على لسان الإسرائيليين:"أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر، فقال بعضهم نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر"2. هذه هي النصوص القرآنية والتوراتية وكلها تتحدث عن جبن الإسرائيليين وتقاعسهم عن القتال، أفليس من الغريب بعد ذلك أن يأتي بعض المؤرخين -ويا للعجب فهم من المسلمين- فيزعم لليهود أمجادا عسكرية ما كانت لهم أبدًا، والحق يقال أنهم ما زعموها لأنفسهم أبدًا.

ومنها "ثالثًا" أن التوراة تحدثنا عن معارك دارت رحاها بين اليهود والعماليق، ولكن ليس في المدينة المنورة -كما يزعم بعض المؤرخين المسلمين القدامى، ومن تابعهم من المحدثين- وإنما في سيناء، حيث كان يقيم فريق من العماليق3، في منطقة منها تدعى "رفيديم"، وأن العماليق استمروا يضايقون الإسرائيليين حتى أيام شاؤل "1020-1000ق. م"4، أول ملوك إسرائيل، كما يروي سفر صموئيل الأول5.

ومنها "رابعًا" أن الرواية تقدم لنا موسى عليه السلام في صورة لا تتفق ومكانة الكليم، فليس من شيم الأنبياء أن يرسلوا الجيوش لتقتل الناس جميعًا، كنت أفهم أن يدعو الكليم العماليق إلى عبادة الله الواحد القهار، فإذا ما رفضوا كانت الحرب

1 عدد 14: 1-3.

2 عدد 14: 3-4.

3 انظر عن العماليق: ما كتبناه هنا عن مواطنهم "في الفصل الخامس"، وانظر "كتابنا "إسرائيل" ص348-349.

4 هناك عدة آراء عن فترة حكم شاؤل منها الفترة "1020-1004ق. م" ومنها "1030-1004ق. م" ومنها "1025-1013ق. م" ومنها "1000-985ق. م" ثم انظر:

W.F. Albright، The Archaeology Of Palestine، P.120

وكذا I. Epstein، Judaism، P.35 وكذا W. Keller، Op. Cit.، P.181

وكذا Hahl، P.81

5 خروج 17: 8-16، صموئيل أول 15: 1-35.

وكذا The Universal Jewish Encyclopaedia، I، P.218.

وكذا J. Hastings، Op. Cit.، I، P.77. وكذا A.Musil، Op. Cit.، P.460

ص: 392

ولينصرن الله من ينصره، أما أن يرسل النبي الكريم -فيما يزعم الرواة- جيشا إلى المدينة ليقوم فيها بمجزرة بشرية مروعة، تنتهي بإفناء القوم جميعًا، إلا طفل ضنوا عليه من الموت لوضاءته، فأمر لا يمكن أن يقبل على علاته من عامة الناس، فضلا عن أن يكون ذلك من كليم الله عليه السلام، وحتى هذه، فما شأن موسى بالعماليق في وسط بلاد العرب، أنسي أصحاب هذه الرواية أن موسى قد أرسل إلى بني إسرائيل خاصة1، وليس العماليق بالتأكيد من بني إسرائيل، كما أنهم هنا في المدينة المنورة -بعيدًا عن مصر وعن فلسطين، فضلا عن صحراء التيه- لم يعترضوا دعوته، وربما لم يسمعوا بها أبدًا، وحتى لو كانوا قوما جبارين-كما تذهب الرواية- أفكان موسى مكلفا بالقضاء على الجبارين في الأرض، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا القضاء على العماليق بالذات، وليسوا هم وحدهم الجبارين في الأرض، ثم ما هو الموقف بالنسبة إلى العماليق في غير يثرب؟

ومنها "خامسًا" أن بعض المؤرخين المسلمين أنفسهم إنما يشكون في صحة الرواية2، ومنها "سادسًا" أن هناك رواية أخرى -إخبارية كذلك- تقدم سببًا مختلفا لإقامة اليهود في المدينة، ذلك أن موسى -طبقًا لهذه الرواية- قد حج إلى بيت الله الحرام ومعه أناس من بني إسرائيل، وعند العودة رأوا في موضع المدينة صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيين، ومن ثم فقد أقاموا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تآلفت إليهم أناس من العرب، فرجعوا على دينهم، فكانوا أول من سكن موضع المدينة3، وهكذا يبدو التضارب واضحًا في روايات

1 من المعروف أنه ليس هناك نبي على الإطلاق قد أرسل إلى الناس كافة، غير سيدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم" انظر: مقالنا: "قصة الطوفان بين الآثار والكتب المقدسة" مجلة كلية اللغة العربية بالرياض، العدد الخامس ص383-457، وانظر، على سبيل المثال الآيات الكريمة من سورة النساء "79" والأعراف "158" وإبراهيم "31-33، 52" والأنبياء "107" والحج" 49" والفرقان"1" وسبأ "82" وص"87" وانظر تفسير الطبري"8/ 561، 13/ 170 "دار المعارف"، 18/ 179-180، 22/ 96، 23/ 188-189 "لحلبي"، تفسير القرطبي 14/ 300-301 "دار الكتب" 15/ 229-231 "الكاتب العربي"، تفسير البييضاوي 2/ 83، 95، 137، 261-316، تفسير روح المعاني 11/ 160-161، 13/ 258-260.

2 السهيلي: الروض الأنف 2/ 16، قارن ابن خلدون 2/ 88.

3 وفاء الوفا 1/ 110، خلاصة الوفا ص155-156، الدرر الثمينة ص324-325، علي حافظ: فصول من تاريخ المدينة ص13-14، قارن ابن كثير 1/ 316.

ص: 393

الأخباريين، بل إن البعض منهم قد ذهب إلى أن هارون عليه السلام قد دفن بالمدينة كذلك، وهنا تتجه الروايات اتجاها غريبا، حيث تذهب إلى أن موسى وهارون قد خرجا حاجين أو معتمرين، حتى إذا ما قدما المدينة خافا من يهود، فنزلا أحد، وهارون مريض، فحفر له موسى قبرا بأحد، وقال: ادخل فيه فإنك تموت، فقام هارون فدخل في لحده فقبض فحثى عليه موسى التراب1.

ولست أدري كيف يخاف موسى وهارون من اليهود، أما كان الأولى أن يقول أصحاب هذه الرواية أن النبيين الكريمين قد خافا من العماليق، بخاصة وأن أصحاب الرواية نفسها، إنما يرون أن الذين كانوا بالمدينة من يهود من بني قينيقاع، وهم من أوفى شيعة موسى وهارون، وفي نفس الوقت كان العماليق -طبقًا للرواية نفسها- يملأون السهل والجبل، وفيهم بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق، ثم كيف علم موسى أن هارون سوف يموت، وعلم ذلك عند ربي وحده، ثم كيف يأمر موسى هارون بدخول القبر قبل أن يموت، ثم أليست هذه الرواية هي رواية التوراة -كما جاءت في سفر العدد "20: 22-29"- وإن غير أصحابنا الأخباريون فيها، بأن جعلوا في موت هارون على جبل أحد في المدينة المنورة، بدلا من موته على جبل هور في أرض التيه، وإن كانت رواية التوراة جعلت ذلك بوحي من الله لموسى، وإن انحرفت عن الجادة من الصواب بعد ذلك، فجعلت الموت إنما كان سببه العصيان2.

ومنها "سابعًا" أن سكنى اليهود في يثرب -طبقًا لهذه الرواية- بعيد جدًّا، بخاصة إذا ما تذكرنا أن موسى عليه السلام قد خرج ببني إسرائيل من مصر حوالي عام 1214ق. م3 -ولا أقول في عام 1447ق. م، كما ترجح بعض الآراء4.

1 وفاء الوفا 1/ 113-114، خلاصة الوفا ص156، الدرر الثمنية ص156، إبراهيم العياشي: المرجع السابق ص15-16.

2 عدد 20: 24، تثنية 32: 48-50، كتابنا إسرائيل ص325-326.

3 انظر كتابنا "إسرائيل" ص292-303.

4 ول ديورانت: المرجع السابق ص326، وكذا J. Finegan، Op. Cit.، P.117-118

وكذا J.A. Jack، The Date Of The Exodus، 1925

وكذا A. Lods، Op. Cit.، P.128

وكذا Orr، The Problem Of The Old Testament، P.422-4

ص: 394

بل إن هناك من يذهب إلى أن الخروج إنما كان في حوالي عام 1575ق. م1، طبقًا للآراء التي تربط بين اليهود والهكسوس2.

ولعل سؤال البداهة الآن: إذن ما هو أصل هذه الروايات التي جعلت موسى عليه السلام يرسل جيشا إلى المدينة المنورة يقضي على سكانها؟ ومن أين جاء بها الأخباريون؟.

والرأي عندي أن مصدرها التوراة، وأنها وصلت إلى الإخباريين محرفة حتى، ثم افترض بعد ذلك مصدرين لهما من قصص التوراة، الواحد قصة موسى والمديانيين، والآخر قصة شاؤل والعماليق، وأن المؤرخين المسلمين لم يطلعوا حتى على أي من القصتين في التوراة، ومن ثم فقد نقلوها عن مصادر غير علمية بما جاء في التوراة، وربما عن مسلمة أهل الكتاب.

وعلى أي حال، ففي الأولى نرى رب إسرائيل يأمر موسى بالانتقام من المديانيين، ومن ثم نرى الجيش يخرج إلى مديان فيقتل الذكور منهم، ويسبي النساء، ثم ينهب المواشي ويحرق المدن ويهدم الحصون، ثم يعود ومعه "الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم"، فيخرج إليهم موسى غضبان أسفا، مهددا ثائرا، آمرا إياهم "أن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر"3، وهكذا يأبى كاتبوا التوراة -المتداولة الآن- إلا أن يصوروا موسى عليه السلام، حريصًا على قتل رجال مديان، فضلا عن السبايا من نسائهم، والذين لم يبلغوا الحلم من ذكورهم4.

وفي الرواية الأخرى يأمر رب إسرائيل ملك إسرائيل بأن يقضي على العماليق الذين استذلوا يهود، ومن ثم فإن شاؤل سرعان ما يخرج على رأس جيشه فيبيد عماليق، وإن أبقى على "أجاج" ملكهم، فضلا عن خيار الغنم والبقر، وعن كل

1 باهور لبيب: لمحات من الدراسات المصرية القديمة: ص41-54، كتابنا "حركات التحرير في مصر القديمة" ص131-137 "دار المعارف -1978"، كتابنا "إسرائيل" ص269-276، وكذا

H.R. Hall، The Ancient History Of The Near East، P.406-9

2 انظر كتابنا "إسرائيل" ص268-303.

3 عدد 31: 1-18.

4 انظر كتابنا "إسرائيل" ص78-79.

ص: 395

ثمين غال مما يملكون، وهنا يغضب "يهوه" رب إسرائيل، فيتراءى لصموئيل النبي، معلنا أنه قد "ندم على أن جعل شاؤل ملكًا" لأنه خالف أمره، فلم يقض على عماليق وما يملكون، وكانت النتيجة أن ذبح ملك العماليق في الجلجال، ورفعت بركة رب إسرائيل عن شاول، وأعطيت لواحد من يهود من غير بيت شاؤل1.

ولا ريب في أن أقاصيص التوراة هذه ليس لها ظل من حقيقة، وإنما هي روايات سجلها يهود الأسر البابلي "586-539ق. م"، وبعد حدوثها بقرون وقرون، ولعل في بعد الشقة ما بين وقوع الأحداث وتسجيلها ما يشفع في هذا الخلط العجيب، بل ما يشفع في المغالات والتفاخر بما ارتكبت يهود من مجازر، لم يكن لها من أساس إلا في أذهان مؤلفيها، الذين شهدوا بربرية الآشوريين والبابليين، فخيل إليهم أن أسلافهم مارسوا نفس اللون من القهر والإذلال2.

ويبقى بعد ذلك سؤالنا: متى أتى اليهود إلى يثرب؟

في الواقع إن الآراء متضاربة في هذا الأمر إلى درجة أننا لا نستطيع التوفيق بينهما، إذ تذهب بعض الآراء إلى أن ذلك إنما حدث في القرن الثالث عشر ق. م3، بينما تذهب آراء أخرى إلى أنه إنما كان في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد4، والفرق بينهما جد شاسع، قد يصل إلى حوالي أربعة عشر قرنًا، ومن هنا كانت الصعوبة في التوفيق بين هذه الآراء المختلفة أحيانًا، والمتضاربة أحيانًا أخرى.

لقد رأينا من قبل كيف أن بعض الروايات إنما تذهب إلى وجود اليهود في يثرب، إنما كان منذ أيام موسى عليه السلام، ورأينا كذلك كيف أن هذه الروايات لا تستطيع حتى أن تقف على قدميها، ومن ثم فإننا نتجه إلى رواية أخرى، تذهب إلى أن اليهود إنما قدموا على أيام داود عليه السلام "1000-960"5، ذلك أن

1 التوراة: سفر صموئيل الأول 15: 1-35.

2 نجيب ميخائيل: مصر والشرق الأدني القديم 3/ 322.

3 وفاء الوفا 1/ 107، 111، الروض الأنف 2/ 16، أبو الفداء 1/ 123، ياقوت 5/ 84، ابن خلدون 2/ 87-88 "القسم الأول" 2/ 286-287 "القسم الثاني" الأغاني 3/ 116، 19/ 94.

4 Josephus، The Jewish War، Ii، 18، 1، 3-4

وكذا Ic، Iii، P.170. وكذا O'leary، Op. Cit.، 173

5 هناك اتجاهات مختلفة لفترة حكم داود، فهي في الفترة "1010-955ق. م" أو "1004-963ق. م" أو "1000-960ق. م" أو "975-963ق. م" أو "1012-972ق. م": انظر: فيليب حتى: المرجع السابق ص203، وكذا W.F. Albright، Op. Cit.، P.120-122

وكذا I. Epstein، Op. Cit.، P.35 وكذا G. Roux، Op. Cit.، P.454

وكذا Historical Atlas Of The Holy Land، P.81

ص: 396

الإسرائيليين -فيما يرى البعض- قد خلعوا طاعة داود وانضموا إلى ولده "أبشالوم"، وأن النبي الكريم قد لجأ إلى أطراف الشام، ثم لحق بخيبر وما إليها من بلاد الحجاز، ثم أعد العدة لاستعادة ملكه فحارب ولده وانتصر عليه، ثم انتهى الأمر بقتل أبشالوم على يد "يؤاب" قائد جيش داود، فضلا عن قتل عشرين ألفا من بني إسرائيل1، ولعل "دوزي" يتجه نفس الاتجاه، وإن رأي أن الأمر كان ممثلا في هجرة سبط شمعون قبيل أيام داود2، ومن ثم فالهجرة لا علاقة لها بداود -الأمر الذي ناقشناه من قبل.

وعلى أي حال، فإن رواية الإخباريين الآنفة الذكر، لا تعدوا أن تكون تحريفًا لأحداث جاءت في التوراة، حيث تروى أن أخريات أيام داود قد تميزت بعدة ثورات، امتدت حتى إلى أهل بيته، ومنها ثورة ولده أبشالوم الذي نجح في أن يضم إليه قبائل إسرائيل الثائرة ضد أبيه، دون سبب ندريه على وجه اليقين، ثم تمكن أبشالوم من خلع أبيه، وتنصيب نفسه ملكًا على إسرائيل في مكانه، مما اضطر داود إلى أن يذهب إلى "محانيم" في شرق الأردن، حتى لا يفاجأ بأبشالوم وأتباعه داود إلى أن يذهب إلى "محانيم" في شرق الأردن، حتى لا يفاجأ بأبشالوم وأتباعه في أورشليم، إلا أن تصرفات أبشالوم المخزية مكنت داود من استعادة ولاء بعض القبائل الإسرائيلية القوية، والانتصار على أبشالوم وقتله كذلك، على الرغم من أوامر داود الصريحة لجنوده بعدم قتله، مما أدى إلى حزن داود المرير على ولده3.

وهكذا يبدو واضحًا أن الإخباريين لم يفعلوا أكثر من نقل القصة التي روتها التوراة، وإن غيروا فيها بما يجعل اليهود يصلون إلى بلاد العرب على أيام داود عليه السلام، بل إن هناك من يذهب به الخيال إلى أن يرى أن داود قد غزا يثرب، وكان يسكنها صلع وفالج، وأنه قد أخذ من سكانها مائة ألف عذراء، وان الله قد

1 تاريخ ابن خلدون 2/ 97، وفاء الوفا 1/ 110-111-112، خلاصة الوفا ص157.

2 R. Dozy، Op. Cit.، P.40-48

3 صموئيل ثان 13: 1-18: 33، ف. ب. ماير: حياة داود ص262

وكذا M. Noth، Op. Cit.، P.201-202

ص: 397

سلط الدود على أهل يثرب بعد ذلك فأهلكهم، ثم دفنوا في السهل والجبل في ناحية الجوف1.

غير أن أصحابنا الأخباريين لم يقولوا لنا ماذا فعل النبي الأواب بهذه المائة ألف من عذاري يثرب، فضلا عن السبب في سبيهم، ثم وهل صحيح أن يثرب كان بها في تلك الآونة من القرن العاشر قبل الميلاد مائة ألف من العذاري؟، ثم وهل صحيح كذلك أن الله قد أهل يثرب جميعًا؟ وأخيرًا ماذا فعل هؤلاء الناس ليصب عليهم داود نقمته إلى هذا الحد؟، وهكذا يبدو لنا بوضوح ما في هذه الرواية من بعد عن الصواب.

وهناك فريق ثالث يذهب إلى أن اليهود إنما قدموا إلى بلاد العرب في القرن الثامن قبل الميلاد، بعد سقوط السامرة -عاصمة إسرائيل- في أيد الآشوريين عام 722ق. م2، وليس من شك في أن هذا الاتجاه قد تأثر إلى حد كبير بسقوط السامرة في يوم ما من شهر ديسمبر عام 722ق. م3، وأن العاهل الآشوري "سرجون الثاني""722-705ق. م" قد هجر أكثر عناصر السكان أهمية، وربما النبلاء والإغنياء، غير أن التهجير إنما كان -طبقًا لرواية التوراة4- إلى "حلج وخابور ومدن مادي"، وحين تكررت العملية في عام 720 أو 715ق. م، فإن العاهل الآشوري قد جاء بقوم من "بابل وكوت وحماة"، ومن سوسة وعيلام، فضلا عن قبائل ثمود "تامود" ومرسيمانو وجبايا، والعرب الذين يعيشون بعيدًا في الصحراء وأسكنهم في السامرة، وذلك رغبة من العاهل الآشوري في كسر التحالفات القديمة في سورية وفلسطين، بإدخال إلى البلاد5، وهكذا يبدوا واضحًا أنه

1 وفاء الوفا 1/ 110، خلاصة الوفا ص156، الدرر الثمينة في تاريخ المدينة ص323، جواد علي 4/ 129.

2 A. Guillaume، Islam، 1964، P.11.

3 A.T. Olmstead، In Ajsl، 47، P.262

وكذا A. Leo Oppenheim، In Anet، P.284

وكذا J. Finegan، Op. Cit.، P.210

وكذا A.G. Lie، The Inscriptions Of Sargon Ii، Part، I، The Annals، 1929، P.5

4 ملوك ثان 17: 6.

5 ملوك ثان 17: 1/\-26، عزرا 4: 2، 9 كتابنا "إسرائيل" ص509-512

وكذا A.L. Oppenheim، In Anet، P.260

وكذا S.A. Cook، In Cah. Iii، P.385

وكذا C. Roth، A Short History Of The Jewish People، P.28-9

ص: 398

ليست هناك أية إشارة في التوراة، أو في النصوص الآشورية، إلى تهجير يهود من السامرة إلى يثرب، وإلى غيرها من بلاد العرب، ومن ثم فإن المؤرخين يرفضون هذا الاتجاه.

وهناك فريق رابع يرى أن هجرة اليهود إلى يثرب إنما كانت بعد سقوط اليهودية وتدمير الهيكل في القرن السادس قبل الميلاد، على يد "نبوخذ نصر" في عام 586ق. م -وربما في أغسطس 587ق. م- وإبعاد كثير من اليهود إلى بابل، وهو ما عرف في التاريخ "بالسبي البابلي"1، وعندما قتل اليهود "جداليا" نائب نبوخذ نصر في أورشليم2، أدركوا مدى الكارثة الت حلت بهم، وخوفا من انتقام العاهل البابلي، فقد كان الهروب إلى مصر هو سبيل النجاة الوحيد أمامهم، ونقرأ في التوراة "فقام جميع الشعب من الصغير إلى الكبير ورؤساء الجيوش وجاءوا إلى مصر، لأنهم خافوا من الكلدانيين"3، ومرة أخرى ليس في هذه الأحداث إشارة إلى هروب يهود إلى يثرب، كما تذهب الروايات العربية4.

على أنه في هذه الاضطرابات، لا يمكنا القول إن مصر كانت هي سبيل النجاة الوحيد أمام اليهود -كما تقول التوراة- ومن ثم فربما فر فريق من يهود إلى بلاد العرب، وإن كنا لا نستطيع -بحال من الأحوال- أن نقول أنهم قد ذهبوا إلى يثرب بالذات، ولعل الذهاب إلى تيماء وإلى وادي القرى ومجاوراتهما، ربما كان أقرب إلى الصواب من الذهاب بعيدًا إلى يثرب؛ ذلك لأن الطريق إلى الحجاز لم يكن مقفلا أمام يهود في تلك الفترة، بخاصة وأن اليهود كانوا هاربين من فلسطين، يبحثون عن ملجأ يقيهم شر العذاب الذي يمكن أن يصبه عليهم العاهل البابلي، والحجاز أقرب المناطق إلى فلسطين، كما أن وجود بعضًا من يهود على طرق التجارة بين جنوب بلاد العرب وشمالها فيما بعد في العصر الروماني، قد يدعم الرأي القائل

1 تاريخ الطبري 1/ 539، أبو الفداء 1/ 133، الأغاني 19/ 94، الروض الأنف 2/ 16، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص6.

وكذا E. Dozy، Op. Cit.، P.135. وكذا A. Guillaume، Op. Cit.، P.11

2 إرمياء 41: 1-18، زكريا 7:5.

3 ملوك ثان 25: 26.

4 وفاء الوفا 1/ 112، تاريخ ابن خلدون 2/ 107.

ص: 399

بوجود هجرة يهودية إلى بلاد العرب منذ تلك الفترة1.

غير أن حملات البابليين المتكررة بعد ذلك على شمال بلاد العرب، فضلا عن استقرار "نبونيد" في تيماء، ولمدة قد تقرب من سنوات عشر، كما أشرنا من قبل، قد يضعف هذا الاتجاه، ورغم أن هناك من يذهب إلى أن حملة نبونيد على بلاد العرب، قد ضمت بين رجالها بعضًا من يهود، وأن هذا النفر من يهود، إنما أقاموا في شمال الحجاز -وحتى يثرب- إقامة دائمة استمرت حتى ظهور الإسلام، فإن العاهل البابلي لم يشر أبدًا إلى عناصر يهودية في جيوشه، أو أنه قد أسكن يهود في تلك المناطق، كما أننا لا نملك من الأدلة ما يؤيد وجهة النظر هذه2.

وهناك فريق خامس يذهب إلى أن وجود اليهود في يثرب إنما يرجع إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وليس من شك في أن الأدلة التاريخية، إنما هي في جانب هذا الاتجاه أكثر من غيره، ولعل من أهم هذه الأدلة أن الظروف السياسية التي كانت يهود تمر بها في تلك الفترة -بعد أن نجح الرومان في السيطرة على سورية ومصر في القرن الأول ق. م، وعلى يهودية ودولة الأنباط في القرن الثاني بعد الميلاد -قد ساعدت هذه الظروف على هجرة أعداد من يهود إلى شبه الجزيرة العربية، التي ساعدت هذه الظروف على هجرة أعداد من يهود إلى شبه الجزيرة العربية، التي كانت بعيدة عن السيطرة الرومانية، فضلا عن أن بلاد العرب إنما كانت ما تزال في بداوة تشبه ما كان عليه اليهود إلى حد ما، هذا إلى أن اليهود أنفسهم إنما كانوا ينظرون إلى العرب على أنهم من ولد إسماعيل، وبما أنهم -أي اليهود- من ولد إسحاق، فهم جميعًا إذن من نسل إبراهيم الخليل عليه السلام، وبالتالي فهم من ذوي رحمهم، ولهم بهم صلة من قربى، هذا فضلا عن أن أمر هروب اليهود إلى أعالي الحجاز ودخولهم إليه أمر سهل ميسور، فالأرض واحدة وهي متصلة، والطرق مفتوحة مطروقة، ولا يوجد مانع يمنع اليهود، أو غير اليهود، من دخول الحجاز، ولا سيما أن اليهود كانوا خائفين، فارين بأنفسهم من فتك الرومان، وأقرب مكان مأمون إليهم هو الحجاز3.

1 إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص6، وكذا A. Guillaume، Op. Cit.، P.11

2 جواد علي 6/ 513.

3 جواد علي 6/ 514، وكذا F. Altheim And R. Stiehl، Op. Cit.، Ii، P.74

وكذا O'leary، Op. Cit.، P.173

ص: 400

غير أن الهجرة الحقيقية إنما كانت بعد الثورة اليهودية ضد الرومان، ثم إخماد هذه الثورة بأشد العنف وأقسى أنواع التدمير على يد "تيتوس" في عام 70م، حيث دمرت المدينة المقدسة، وأحرق المعبد اليهودي الذي بناه "هيرودوس" إحراقًا تامًّا، حتى أن القوم نسوا بعد حين من الدهر، إن كان المعبد قد بنى على التل الشرقي أو الغربي من أورشليم، وحتى أن محاولة بنائه -اعتمادًا على وصف التوراة له- قد فشلت نهائيًّا، كما منع بقية السكان من مجرد الاقتراب من أورشليم، ومن ثم فقد هاجرت مجموعات من السكان إلى بلاد العرب، ووصلت إلى يثرب.

غير أن الثورة سرعان ما تجددت مرة أخرى على أيام هدريان، فيما بين عامي 132، 135م، وانتهت الثورة إلى القضاء تمامًا على اليهود، ككيان سياسي في فلسطين، وتغير اسم المدينة المقدسة "القدس" إلى "إيليا كابتيولينا" وتحول المعبد اليهودي إلى معبد لإله الرومان "جوبيتر"، ثم بيعت النساء اليهوديات كإماء، وضاع اليهود في غياهب التاريخ، وسرعان ما فر -من أسعده الخظ فنجا- إلى مكان يحتمي به من غضبة الرومان القاسية، وكان من هؤلاء المحظوظين فريق من يهود وصلوا إلى يثرب، وكان هؤلاء -إلى جانب من وصلوا بعد تدمير القدس على يد تيتوس- هم الذين كونوا الجالية اليهودية في شمال الحجاز، وفي يثرب بصة خاصة1، وزاد عددهم بمرور الزمن، حتى إذا ما ظهر الإسلام كان معظم سكان وادي القرى إلى يثرب من اليهود، هذا وهناك في الحجر، وفي مواضع أخرى من أرض الأنباط، كتابات نبطية، يرجع بعضها إلى القرن الأول الميلادي، وبعضها الآخر إلى القرن الرابع الميلادي، وردت بها أسماء عبرية تشير إلى أن أصحابها من يهود2.

وتؤيد المصادر العربية هذا الاتجاه، فتذكر أنه لما ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعًا بالشام فوطئوهم ونكحوا نساءهم، خرج بنو النضير وبني قريظة وبنو هدل "بهدل" هاربين إلى من بالحجاز من يهود، فلما فصلوا عنهم بأهليهم اتبعهم الروم فأعجزوهم، وهلك جند الروم في المفاوز والصحاري الخالية من الماء، وهذه الروايات

1 فيليب حتى: المرجع السابق ص375-377، وكذا

Josephus، The Jewish War، Ii، 18، 1، 3-4

2 J. Horovity، Judaeo-Arabic Relations In Pre-Islamic Times، Ic، Iii، 1929، P.170

وكذا جواد علي 6/ 513.

ص: 401

مأخوذة عن يهود المدينة أنفسهم، ثم أخذت جموع اليهود في الجزيرة العربية تزداد وتكثر بعد اضطهاد الروم لهم، ثم قصد بنو النضير وقريظة منطقة يثرب، وارتادوا حتى تخيروا أخصب بقاعها فسكنوها1.

وهكذا سكنت جاليات يهودية منطقة يثرب، والطرق المؤدية إلى الشام، وإن تركزت كتل اليهود الكبرى في يثرب بالذات، حيث كان فيها ثلاث قبلائل، ربما بلغ عدد رجالها البالغين أكثر من ألفين، وهي قينقاع2، والنضير وقريظة، إلى جانب بطون وعشائر يهودية أخرى، ذهب الأخباريون إلى أنها بلغت أكثر من عشرين بطنا، منهم بنو عكرمة وبنو محمر وبنو زعورا وبنو الشظية وبنو جشم وبنو بهدل وبنو عوف وبنو القصيص "العصيص" وبنو ثعلبة3.

هذا وهناك من يرجع بنسب بني النضير وبني قريظة إلى طبقة الكهان -سلالة هارون عليه السلام وأما بقية يهود بلاد العرب، فبعضهم يرجع إلى نفس طبقة الكهان، وبعضهم الآخر إنما ينتمي إلى نسل الأسباط العشرة المفقودة4.

غير أننا لا نستطيع أن نوافق على هذا الاتجاه، ذلك لأن الأسباط العشرة -والذين كانت تتكون منهم دويلة إسرائيل التي قامت عقب انفصال الدولة عشية موت سليمان في عام 922ق. م، إلى إسرائيل وعاصمتها السامرة، ويهوذا وعاصمتها أورشليم5- إنما ضاعوا في غياهب التاريخ بعد الاحتلال الآشوري للسامرة في

1 الأغاني 19/ 95، ابن خلدون 2/ 287، وفاء الوفا 2/ 112 إسرائيل: المرجع السابق ص9، 10، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص307.

2 يرى "أوليري" أن بني قينقاع إما عرب متهودون، أو من بني آدوم "Op. Cit.، P.173" وانظر عن موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن علاقاتهم مع غيرهم من يهود بني قريظة وبني النضير، واشتراكهم في يوم بعاث "ابن كثير 4/ 3-4، المقدسي 4/ 195"، ابن خلدون 2/ 23، ابن هشام 2/ 334، المعارف ص94، تاريخ الطبري 2/ 478-483، إسرائيل: المرجع السابق ص127-131".

3 وفاء الوفا 1/ 112-116، ابن هشام 2/ 259، الأغاني 19/ 95، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص14، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ش294-295، جواد علي 6/ 522.

4 Freidlander، The Jews Of Arabia And The Rechabites، In Jor، 1910-1911،

O'leary، Op. Cit.، P.173 وكذا P.254

5 ملوك أول 11: 35-36، 12: 20-25، وكذ M. Noth، Op. Cit.، P.58

وكذا C. Roth، Op. Cit.، P.23.

ص: 402

عام 722ق. م، ثم قيام سرجون الثاني بتهجير أكثرهم إلى مناطق أخرى من الإمبراطورية، ثم أتى بقبائل أخرى من بابل وعيلام وسورية وبلاد العرب، لتحل محل الإسرائييلين المسبيين، ثم أسكنهم في السامرة ومجاوراتها، ومن هذا الخليط الجديد ظهر في التاريخ ما سمي "بالسامريين"1.

وهكذا وضع سرجون الثاني نهاية لكيانهم كأمة، وأنهى وجود الأسباط العشرة كدولة، ولم يقدر لهم العودة مرة أخرى إلى المنطقة التي أخذوها غيلة واغتصابا من أصحابها، ثم سرعان ما اندمجوا مع غيرهم من السكان الأصليين في المناطق التي أجبروا على الإقامة فيها، وليست هنا أية إشارة على أن بلاد العرب كانت ضمن هذهه المناطق وإن ذكرت نصوص العاهل الآشوري أن من بين من أتى بهم إلى السامرة قبائل من بلاد العرب2 -كما أشرنا من قبل- فهل أتى سرجون بجزء من الأسباط العشرة في مكان هؤلاء المهجرين من بلاد العرب؟ هذا ما سكتت عنه النصوص تمامًا، ومن ثم فإننا لا نستطيع القول بأن بعضًا من يهود بلاد العرب كانوا من الأسباط العشرة.

وعلى أي حال، فإن فريقًا من المؤرخين إنما يذهب إلى ن يهود بلاد العرب، إنما هم عرب تهودوا، وإن لم يكونوا مزودين بمعلومات كافية في التوحيد، وأنهم لم يكونوا خاضعين لقانون التلمود كله، حتى أن بعضًا من يهود دمشق وحلب في القرن الثالث الميلادي أنكروا عليهم يهوديتهم، وإن كانوا مع ذلك شديدي التمسك بدينهم3.

هذا ويذهب فريق من المؤرخين إلى أن بني النضير وبني قريظة فرعان من قبيلة جذام العربية، تهودوا وسموا باسم المكان الذي نزلوا فيه4، وطبقًا لرواية

1 فيليب حتى: المرجع السابق ص214، وكذا C. Roth، Op. Cit.، P.28-29

وكذا The Book Of Jewish Knowledge، 1964، P.120

2 A.L. Oppenheim، Anet، P.286

3 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص13، 73، حسن إبراهيم: المرجع السابق ص73

وكذا D.S. Margoliouth، Op. Cit.، P.60

وكذا H. Lammens، Op. Cit.، P.66، 81

وكذا Graetz، History Of The Jews، Iii، P.51، 75

4 تاريخ اليعقوبي 2/ 36، 39.

ص: 403

الأخباريين، فإن "جبل بن جوال" من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، قد تهود هو وقومه، وعاش مع بني قريظة، حتى ظهور الإسلام، ثم هداه الله إلى الدين القويم فأسلم1.

ويكاد يجمع المؤرخون على أن يهود بلاد العرب إنما هم من يهود فلسطين، وأنهم تركوها فيما بين عامي 70، 135م2، كما أشرنا من قبل -ويذهبون إلى أن يهود بني النضير وبني قريظة من نسل هارون3، وأن بقية البطون اليهودية من أسباط بني إسرائيل الأخرى4، وأن يهود خيبر من نسل "يهونا داب بن ركاب، وأنهم قد هاجروا إلى خيبر بعد خراب الهيكل الأول في عام 586ق. م، ثم بقوا فيها حتى عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" "13-23هـ-634-644م"، وأن كلمة "خيبر" كلمة عبرانية بمعنى الطائفة والجماعة، وبمعنى الحصن والمعسكر5، وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه الأخباريون، وإن نسبوها إلى رجل دعوه "خيبر بن قانية بن مهلاثيل"، رأى فيه البعض "شفطيا بن مهللثيل" من بني فارص6، على أن هناك من يفسرها بمعنى مجموعة من المستوطنات، وإن رأى أن اللفظة عبرية7.

على أن الاستدلال ببحث لغوي على جنسية يهود بلاد العرب، طبقًا لما تشير إليه الأسماء التي يحملها اليهود -قبائل وأفرادا- لا يمكن أن يعتد به ويعول عليه، فمن الحق أن بعض أسماء القبائل اليهودية عربية محضة، ولكنها لا تدل على أنها عربية الجنس، إذ يمكن أن تكون جموع اليهود التي هاجرت إلى بلاد العرب، قد اتخذت أسماء الأماكن التي نزلت بها أسماء لها، بل إن الواقع إنما يدلنا على أن اليهود

1 جواد علي 6/ 515، وكذا الإصابة 1/ 223، وما بعدها "رقم1071"

2 O'leary، Op. Cit.، P.173

3 D.S. Margoliouth، Op. Cit.، P.59. وكذا Graetz، Op. Cit.، P.56

4 جواد علي 6/ 522-523، وكذا Freidlander، Op. Cit.، P.254

5 ملوك ثان 10: 15-28، البكري 1/ 521، تاج العروس 3/ 168، زاد المعاد 2/ 133

وكذا Graetz، Op. Cit.، P.56

وكذا C.C. Torrey، The Jewish Foundations Of Islam P.13

وكذا Ei، 3، P.869 وكذا J. Hastings، Op. Cit.، P.784

6 أبو الفداء 1/ 89، وكذا R. Dozy، Op. Cit.، P.136

7 جواد علي 6/ 526، وكذا G. Weil، Mohammed Der Prophet، P.185

ص: 404

كانوا قد تركوا منذ أمد طويل الانتساب إلى قبائلهم، وأصبحوا يعرفون بأسماء القرى والأقاليم التي جاءوا منها، فكان يقال فلان الأوشليمي أو فلان الحبروني.. وهكذا، ومن ثم فالطريقة المثلى -فيما يرى إسرائيل ولفنسون- إنما هي النظر في الأخلاق والتقاليد، واتجاه الأعمال والأفكار، وهنا فسوف نجد أن يهود بلاد العرب يهودا أكثر منهم عربًا، هذا إلى جانب أن فكرة إقامة الحصون والآطام على قمم الجبال في شمال بلاد العرب، إنما أتى اليهود بها من فلسطين، حيث تكثر هناك الحصون المنيعة في الجبال1.

أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم إنما وجه الخطاب إلى اليهود بتعبير "بني إسرائيل"، ونعي عليهم مسلك اليهود الأقدمين مع موسى والأنبياء من بعده، وما كان منهم من تعجيز وإحراج وكفر وتكذيب وغدر، ونقض للشرائع وتحريف للكلام عن مواضعه، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وذلك في صدد التنديد بموقفهم من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وفي كثير من الآيات جعل اليهود المعاصرين والقدامى موضوع خطاب وسياق وسلسلة واحدة، حيث يوجه الخطاب إلى بني إسرائيل أو إلى اليهود بصيغة المخاطب القريب، فيقص ما كان من الأقدمين وما كان من المعاصرين بأسلوب يرجح أن المقصود به تقرير الصلة النسبية بين هؤلاء وأولئك، وربط ما بدا من أخلاق المعاصرين ومواقفهم بما كان من أخلاق القدماء، كأن الجميع يصدرون عن جبلة واحدة وأخلاق متوارثة، وإذن: فتوجيه الخطاب في القرآن الكريم إلى يهود يثرب بـ"بني إسرائيل" يسوغ الترجيح، بل الجزم، بأن اليهود الذين كانوا في الحجاز، بصفة عامة، هم نازحون وأنهم إسرائيليون، وأنهم ليسوا قبائل عربية تهودت، وإن كان هناك عرب تهودوا، فإنهم لم يكونوا جماعة محسوسة، وليسوا إلا أفرادا2.

على أنه يجب ألا يفهم من هذا كله، أن كل يهود بلاد العرب من أصل يهودي، فهناك الكثير من العرب المتهودين، ولا سيما القبائل اليهودية المسماة بأسماء عربية أصيلة، لها صلة بالوثنية، مما يدل على أنها إنما كانت وثنية قبل أن تتهود، وهناك الكثير من البطون العربية التي تهودت3، فقد تهود قوم من الأوس والخزرج بعد

1 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص15-16.

2 عبد الفتاح شحاته: تاريخ الأمة العربية قبل ظهور الإسلام -الجزء الثاني -ص279-280.

3 T. Noldeke، Op. Cit. - P.52

وكذا D.S. Margoliouth، Op. Cit.، P.60

ص: 405