المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط ‌ ‌مدخل … الفصل الرابع عشر: الأنباط إن تاريخ شبه الجزيرة - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط ‌ ‌مدخل … الفصل الرابع عشر: الأنباط إن تاريخ شبه الجزيرة

‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

‌مدخل

الفصل الرابع عشر: الأنباط

إن تاريخ شبه الجزيرة العربية -إذا استثنينا الجزء الجنوبي منها -هو تاريخ الأحداث التي شهدتها جماعات سياسية صغيرة، قامت واحدة وراء الأخرى على طول حدود الصحراء من ساحل البحر الأحمر، إلى أطراف سورية وفلسطين وأرض الرافدين، ولم تكن هذه الدويلات مستقرة في تركيبها، وكانت قصيرة العمر، فهي في الواقع ليست سوى نتاج فرعي لعملية الاتصال والانتقال بين منطقة البداوة ومنطقة الحضارة المستقرة، فهي لم تكن فقط ملتقى ومحطا لحركات التوسع الموسمية، وإنما كانت في الوقت نفسه ستار حماية تنصبه المناطق المحيطة بالصحراء1.

وقد شجعت الدول الكبرى التي كانت تسيطر بجوار هذه المناطق على قيام هذه الدويلات، واتخذتها درعا تتقي به من غارات البدو على تخوم حدودها، فكانت أشبه بالدويلات الحاجزة "Buffer State"، ولا ريب أن حب العربي للوفاء جعله يستطيع أن يتعامل مع هذه الأمم الغربية عنه، فكان لقاء "جعل" و"إتاوة" يترك مهنته في الغارة، ويخفر حدود حلفائه من تعدي القبائل الأخرى، وينعم في الوقت ذاته بحياة مستقرة نوعًا، ولكن الفرس والروم لم يكونوا يبقون على ثقتهم الدائمة في عرب الحدود، ولذلك كانوا يقضون أحيانًا على هذه الممالك البدوية أو يهملونها، فكانت تعود إلى حياتها الأولى2.

ولكن بالإضافة إلى هذا العامل الجغرافي، شاركت قوى اقتصادية في تكوين

1 سبتينو موسكاتي: المرجع السابق ص201.

2 عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص83-84، الاصطخري: مسالك الممالك ص14

وكذا E. Gibbon، Op. Cit.، P.216

ص: 441

شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة، فقد كان يحد شبه الجزيرة طريقان أساسيان على حافة الصحراء، تنتقل عليها السلع من المحيط الهندي إلى موانئ فلسطين وسورية، فكان أحد هذين الطريقين التجاريين يمتد من اليمن إلى جنوب فلسطين، والثاني يمتد من الخليج العربي، ويدخل وادي الرافدين، ثم ينحرف إلى سورية قاصدا دمشق، فعلى هذين الطريقين قامت دويلات الحدود العربية1.

ولعل من أهم هذه الدويلات "دولة الأنباط" التي قامت على الأطراف الخارجية لمنطقة فلسطين، في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، متخذة من "البتراء" عاصمة لها، ومكونة حضارة عربية في لغتها، أرامية في كتابتها، سامية في ديانتها، يونانية رومانية في فنها وهندستها المعمارية، وهي لذلك حضارة مركبة، سطحية في مظهر الهليني، ولكنها عربية في أساسها2.

هذا وقد اختلف المؤرخون في الموطن الأصلي للأنباط، فذهب فريق إلى أنهم من أهل العراق، وأن لغتهم التي تركوها على آثارهم، إنما هي أرامية متخلفة عن لغة ما بين النهرين، وأنهم قد هاجروا من العراق إلى "أدوم"، وذهب فريق آخر إلى أنهم عراقيون أتى بهم "نبوخذ نصر" في القرن السادس قبل الميلاد، عندما اكتسح فلسطين، فأنزلهم "البتراء"3، ومجاوراتها، وذهب فريق ثالث إلى أنهم من جبل "شمر" في أواسط بلاد العرب، ثم سرعان ما نزحوا إلى العراق، وأقاموا هناك حتى دهمهم الآشوريون أو الميديون، فأخرجوهم من هناك، وأخيرًا ذهب فريق رابع إلى أنهم من شواطئ الخليج العربي4، بينما ذهب فريق خامس إلى أنهم من قبائل بدوية، نزحت في القرن السادس قبل الميلاد "في حوالي عام 587ق. م" إلى شرق الأرن، فنزلت أرض الآدوميين- أحفاد عيسو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام5- وانتزعت منهم "البتراء" ثم سرعان ما امتدت سلطتهم إلى المناطق المجاورة6.

1 موسكاتي: المرجع السابق ص201.

2 فيليب حتى: المرجع السابق ص426.

3 هناك "بتراء" أخرى في نجد تقع إلى الغرب من "بريدة" بحوالي 136 كيلا، ومن الرياض 620 كيلا عن طريق بريدة، 580 كيلا عن طريق عنيزة.

4 جرجي زيدان: المرجع السابق ص81.

5 انظر عن الأدوميين: كتابنا إسرائيل ص342-344، وكذا عدد 24: 18، يشوع 15: 1، صموئيل أول 8: 14، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية ص104-105

وكذا M. Noth، Op. Cit.، P.154-155. وكذا A. Lods، Op. Cit.، P.58

6 P.K. Hitti، Op. Cit.، P.67

ص: 442

ويرى المسعودي أن السريانيين إنما هم من النبط، وأن أهل "نينوى"-وكذا بابل- من السريان والنبط كذلك1، ويذهب أستاذنا الدكتور سعد زغلول2، إلى أن المسعودي من بين آرائه العبقرية التي كانت مصدر إلهام "ابن خلدون" في "مقدمته"، نظرية تقول: إن النبط وملوكها ترجع في أنسابها إلى "نبيط بن هامش" ومنهم كل العرب البائدة من عاد وثمود وجديس وطسم وعمليق، إلى جانب "عيلام في الأهواز وفارس" و"نبيط في بابل والعراق"، فكأنه ربط بين تاريخ بلاد العرب القديم جميعًا.

غير أن الأمر، إن كان صحيحًا بالنسبة إلى القبائل العربية في بلاد العرب والعراق فقد يحتاج -فيما نظن- إلى إعادة نظر، فيما يختص بعيلام وفارس، وقد سكنتهما شعوب هندو أوربية، وليست عربية على أي حال.

ومهما يكن من أمر، فإن النبط الذين أشار إليهم الإخباريون، إنما هم من بقايا الآراميين في العراق والشام، وهم- وإن كانوا يتكلمون بلهجات ربما كانت عربية، إلا أنها بكنة غربية عن العربية- ربما كانوا غير النبط الذين نتحدث عنهم وقد عاشوا في العربية الحجرية، ولهم كتابات دونت بالأرامية، وأن فريقًا منهم قد عاش في "تدمر"3.

وأما استعمال الأنباط للغة الأرامية، فلأنها اللغة الشائعة في ذلك العصر، بل إننا نرى الآرامية، منذ حوالي عام 500ق. م، قد أصبحت لغة المراسلات الدولية في منطقة الشرق الأدنى القديم، كما أصبحت اللغة التي يستعملها سكان منطقة الهلال الخصيب -وكذا الأنباط4- كما أنها سوف تصبح لغة المسيح وشعبه فيما بعد5، فضلا عن أن الحروف العربية لم تكن قد وجدت بعد6، ومن ثم فلا عجب إذا ما دون الأنباط أو غيرهم من العرب بالأرامية- لغة الفكر والثقافة- وتكلموا بلغة

1 مروج الذهب 1/ 23، 238-242، 2/ 25-26.

2 سعد زغلول عبد الحميد: في تاريخ العرب قبل الإسلام ص136، وكذا مروج الذهب 2/ 25-26

"دار الأندلس، بيروت 1973".

3 جواد علي 3/ 13-14".

4 انظر: J. Cantineau، Le Nabateen، 2vols، Paris، 1930، 1932

5 انظر: C.C. Torrey، Our Translated Gospehs، N.Y.، 1936

6 فيليب حتى: المرجع السابق ص427.

ص: 443

أخرى هي لغة اللسان، وقد كان الأعاجم في الإسلام يتكلمون بألسنة أعجمية، ويدونون باللسان العربي، لسان العلم والفكر والقرآن الكريم1.

ولعل الخلاف الأصلي بين الباحثين يكمن في أن الأنباط: قوم عرب، أم آراميون؟ وتتجه الآراء الحديثة إلى أنهم عرب، حتى وإن تبرأ العرب منهم، ربما لأنهم احترافهم مهنا يزدريها العربي الصميم، ويحتقر من يشتغل بها كالزراعة والصناعات اليدوية2، وإن كانت بعض المراجع إنما تصف الأنباط بأنهم قوم يكرهون الزراعة ويزدرونها، كما كانوا يأنفون من السكنى في بيوت مستقرة، وقد كانوا رعاة يربون الأغنام وغيرها من الماشية، كما كانوا لا يأمنون وجود الأجانب بينهم، خشية أن يقعوا تحت سيطرتهم، ومن ثم فقد كانوا إذا ما وجدوا غريبًا بينهم قتلوه3.

وأيًّا ما كان الأمر، فإن العلماء يقدمون كثيرًا من الأدلة على عروبة الأنباط، منها "أولًا" أن أسماءهم- كما ظهرت في النقوش النبطية- إنما هي أسماء عربية خالصة، ومن ذلك نقش "بوتيولي"، على مقربة من نابلي بإيطاليا، حيث نقرأ -ولأول مرة- اسم "علي" الذي شاع بين المسلمين بعد ذلك، كما نقرأ كذلك في نقوش أخرى أسماء عربية -مثل حبيب وسعيد وكهلان وسعد الله ومرة وخلف وتيم الله وعميرة ووهب وحميد وسكينة وجميلة4- ومنها "ثانيًا" أن الأنباط إنما كانوا يشاركون العرب في عبادة الأصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل "دوشرا""ذو الشرى" واللات والعزى ومناة، ومنها "ثالثًا" أن أثر التحريف العربي في كتاباتهم الآرامية، لا يدع مجالا للشك بأن لغتهم الوطنية، إنما كانت لهجة عربية شمالية، حتى بلغ الأمر من كثرة استعمال الكلمات العربية الصرفة في إحدى الكتابات الأثرية المتأخرة -والتي ترجع إلى حوالي عام 268م- أن النص كله يكاد يكون عربيا5.

1 جواد علي 3/ 10، وكذا Eb، P.277، 282

2 جواد علي 3/ 17.

3 F. Altheim And R. Stiehl، Op. Cit.، P.283

4 Corpus Inscriptionum Semiticarum، P.242، 260

5 ريجيس بلاشير: تاريخ الأدب العربي- العصر الجاهلي ص56.

وكذا A.J. Jaussen And R. Savignac، Op. Cit.، P.172-6

ص: 444

ومنها "رابعًا" أن أسماء ملوكهم -كالحارث وعبادة ومالك وجميلة- أسماء عربية، وليس من شك في أن للأعلام دخل كبير في بيان أصول الأمم1، ومنها "خامسًا" أن الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان- وكذا المؤرخ اليهودي يوسف ابن متى- إنما يطلقون على النبط كلمة "العرب"، وعلى أرضهم لفظ "العربية الحجرية""2Arabia Petraea"، ومنها "سادسًا" أن لغتهم الأصلية إنما كانت العربية، وأنهم لم يستعملوا اللغة والكتابة الآرامية إلا في النقوش3.

وهكذا يتجه كثير من العلماء إلى أن الموطن الأصلي للأنباط، إنما هو بلاد العرب -سواء أكان ذلك في الوسط أو في الجنوب- ومن ثم فإن فريقًا من الباحثين يذهب إلى أنهم قد نزحوا من البوادي إلى أعالي الحجاز، حيث استقروا هناك واشتغلوا بالزراعة والتجارة والإشراف على القوافل التجارية، بينما ذهب فريق آخر إلى أنهم من العربية الجنوبية، ومن ثم فقد كان هذا سببًا في احترافهم للحرف المألوفة في بلاد العرب الجنوبية منذ العهود القديمة4.

ويرى الدكتور جواد علي أن الأنباط عرب، بل هم أقرب إلى قريش وإلى القبائل الحجازية التي أدركت الإسلام، من العرب الجنوبيين؛ ذلك لأنهم إنما يشاركون قريشًا في كثير من الأسماء، مثل حبيب وسعيد والحارث وقصي وعمرو ومسعود، وفي كثير من عبادة الأصنام كاللات والعزى ومناة -كما أشرنا آنفًا- ولأن خط النبط قريب من خط كتبة الوحي، ولأنهم يتكلمون لهجة قريبة من العربية، بل إن كثيرًا من الكلمات العربية المدونة بالأرامية، من نوع عربية القرآن الكريم5، ثم هناك ما جاء في التوراة6 من أن "نبايوت" -وهو نابت عند

1 فيليب حتى: المرجع السابق ص81.

2 جواد علي 2/ 9.

3 بلاشير: تاريخ الأدب العربي -العصر الجاهلي- بيروت 1956 ص55056.

وكذا R. Dussaud، Les Arabes En Syrie Avant L'islam، Paris، 1907

وكذا E. Dhorme، Op. Cit.، P.34

وكذا A. Kammerer، Petra Et La Nabatene، Paris، 1929، P.27

4 جواد علي 3/ 10.

5 جواد علي 3/ 14، يحيى نامي: أصل الخط العربي وتاريخ تطوره إلى ما قبل الإسلام ص7

وكذا G.A. Cooke، Op. Cit.، P.18

وكذا E. Littmann، Nabataen Inscriptions From The Southern Hauran، P.17، 24.

6 تكوين 25: 3، أخبار أيام أول 1:29.

ص: 445

الأخباريين- إنما هو الابن الأكبر لإسماعيل، عليه السلام1، وإسماعيل-كما هو معروف- جد العرب العدنانية.

وأخيرًا فهناك الخبر الذي جاء على لسان "ابن عباس"، "نحن معاشر قريش من النبط، من أهل كوثاريا، قيل إن إبراهيم ولد بها، وكان النبط سكانها"2، وأما أن "إبراهيم" قد ولد في "كوثاريا" فتلك رواية المصادر العربية3، وإن كانت رواية التوراة تذهب إلى أنه ولد في "أور"4 -سواء أكانت في منطقة الفرات الأدنى، أو في منطقة العراق الأعلى في منطقة الجزيرة بين دجلة والفرات5- بل إن هناك رواية أخرى -عربية كذلك- تنسب قريشًا إلى "كوثا""كوثي" هذه، فقد روى ابن الأعرابي أن رجلا سأل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه- فقا: أخبرني يا أمير المؤمنين عن أصلكم معاشر قريش، قال: نحن قوم من كوثى، فقال قوم إنه أراد كوثى التي ولد بها إبراهيم، وتأولوا في هذا قول الله عز وجل:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم} 6، وسواء أصحت هذه الروايات أم داخلها التحريف، فإنها تشير دون شك إلى صلة قريش، أبناء إبراهيم عليه السلام، بالأنباط وبكوثى في العراق، فإذا كان ذلك صحيحًا، فإن الأنباط يصبحون إذن من المجموعة الآرامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية بعد الآموريين والكنعانيين -وكانوا بادي ذي بدء- يجوبون أنحاء وادي الجزيرة من ناحية الشمال، ويتحركون إلى الشرق من ناحية العراق، وإلى الغرب من ناحية سورية، حتى بدءوا يستقرون في العراق الأوسط7، ومن المعروف أن هناك من يجعل قوم إبراهيم من هذه المجموعة الآرامية، وفي هذا ما يفيد إلى حد كبير صحة ما ذهبت

1 J. Flavius، Antiquities Of The Jews، I، Xii، 4، P.103

وكذا. Hastings، Ere، 9، P.121. ثم قارن: E. Schrader، Klt، P.151:

2 اللسان 7/ 411.

3 ياقوت 4/ 487-488، البكري 4/ 1138، ابن الأثير 1/ 94، الطبري 1/ 233، اليعقوبي 1/ 23، ابن خلدون 2/ 35.

4 تكوين 11: 28، 31، 15: 7، نحميا 9:78.

5 انظر عن موطن الخليل عليه السلام، كتابنا "إسرائيل" ص165-171.

6 البكري 4/ 1139.

7 كتابنا إسرائيل ص337.

ص: 446

إليه من المصادر العربية، من وجود قرابة بين القرشيين من ناحية، وبين الأنباط من ناحية أخرى.

ويرى الأستاذ العقاد -طيب الله ثراه- أن مباحث اللغة إنما تقدم لنا البينة الكبرى على قرابة النبطيين لأهل الحجاز؛ ذلك لأن لغة الحجاز لم تتطور من اللغة اليمنية مباشرة، وإنما جاء التطور من العربية القديمة إلى الآشورية إلى الآرامية إلى النبطية إلى القرشية، فتقارب لغة النبط ولغة قريش من هذا السبيل، وكان التقارب بينهما في الزمان والمكان، أو في درجات التطور، ولم يكن تقاربا يقاس بالفراسخ والأميال، وكانت هذه هي البينة الكبرى من مباحث اللغة على قرابة أهل الحجاز من النبطيين، ولم تكن هذه القرابة من اختراع النسابين أو فقهاء الإسلام، ولكنها كانت قرابة الواقع التي حفظتها أسانيد اللغة والثقافة، واستخرجتها من حجارة الأحافير والكشوف الحديثة1.

هذا وقد أشار من قبل "مارتن شبر نجلنج" إلى ظاهرة انتقال الكتابة النبطية من منطقة مدين إلى الحجاز، وإلى تطور الخط العربي عن الخط النبطي2، ومن ثم فإن الكتابة التي نكتب بها اليوم، إنما هي كتابة متطورة عن الخط النبطي، وهذا بدوره متطور عن الخط الآرامي، الذي استعمل في شمال شبه الجزيرة العربية منذ حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، وقد كان منذ القرن السادس قبل الميلاد، خط كثير من دول الشرق الأدنى القديم3، وأما أقدم نص عربي وصلنا بالخط النبطي، فهو "نقش النمارة"، الذي يرجع إلى عام 328م، وقد سبق لنا مناقشته بالتفصيل من قبل.

وعلى أي حال، فلقد أخذ النبط الأبجدية التي تلقاها الآراميون عن الفينقيين، ثم طوروها وحولوها من كتابة منفصلة الحروف، إلى كتابة متصلة الحروف، وبهذا

1 عباس العقاد: إبراهيم أبو الأنبياء ص136-137.

2 Martin Sprengling، The Alphabet، Its Rise And Development From The Sinai

Uje، I، P.198. وكذا Inscriptions، P.52

3 عبد الرحمن الأنصاري: لمحات من القبائل البائدة في الجزيرة العربية ص89، وانظر: فيليب حتى: تاريخ العرب ص108-109، جرجي زيدان: المرجع السابق ص81، ديتلف نلسن: المرجع السابق ص40-41، سعد زغلول عبد الحميد: المرجع السابق ص137.

ص: 447

أراحوا الكتاب من كتابة كل حرف على حدة، ومن وضع خطوط رأسية، أو نقط لتحديد حدود كل كلمة، أو ترك مسافات بيضاء بين كل كلمة وأخرى، وعنهم أخذ العرب الكتابة التي ما زلنا نستعملها إلى اليوم1 -كما أشرنا آنفًا-.

على أن هناك من يرى أن الألفاظ العربية التي وجدت في الآرامية النبطية، فضلا عن تشابه الأسماء بين العرب والنبط، إنما كان من أثر الاختلاط بينهما بسبب السكنى والجوار، وليس بسبب روابط جنسية بين الفريقين، ومن ثم فإن الأنباط إنما هم أراميون بالعرب وتأثروا بهم، أو على الأقل، إنما هم أراميون استعربوا بعد حين من الدهر2.

وعلى أي حال، فإن أقدم معلوماتنا عن النبط، مصدرها مؤلفو العصر الهليستي، ومنهم "ديودور" و"استرابو"، وقد أخذ الأخبر معلوماته عن "أثينودورس"، ذلك الفيلسوف الذي ولد وعاش بين النبط3، هذا وقد اصطدم الأنباط باليهود مرارا، ولهذا يحدثنا المؤرخ اليهودي "يوسف بن متى" عنهم كثيرًا، وقد كان الأنباط -فيما يرى- يسكنون منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات، فتتاخم بلاد الشام حتى تنزل إلى البحر الأحمر4، كما أنه يرى- وكذا سان جيروم "345-420م"- أن هناك صلة بين اسم "نبايوت" بن إسماعيل، وبين اسم النبط5، غير أن يوسف اليهودي لم يهتم بتاريخ الأنباط، إلا إذا كان هذا التاريخ له علاقة بتاريخ قومه اليهود6.

هذا وقد ترك لنا الأنباط كتابات كثيرة في مواضع متفرقة- كالبتراء والحجر والعلا وتيماء وخيبر، وفي صيدا ودمشق، فضلا عن أماكن أخرى في حوران

1 حسن ظاظا: المرجع السابق ص114.

2 A.B.W. Kennedy، Petra، Its History And Monuments، London، 1925، P.34

وكذا جواد علي 3/ 10، قاموس الكتاب المقدس 1/ 58.

3 A.B.W. Kennedy، Op. Cit.، P.33

4 J. Flavius، Antiquities Of The Jews، I، 21، 4

5 جواد علي 3/ 16، وكذا Eb، P.3254

6 P.K. Hitti، Op. Cit.، P.69

ص: 448

واللجاة وسيناء والجوف واليمن ومصر وإيطاليا- اهتم العلماء بدراستها ونشرها1.

وعلى أي حال، فيمكننا القول أن مملكة الأنباط قد وصلت إلى أوج مجدها على أيام "الحارث الرابع""9ق. م-40م"، وأنها كانت تشمل منطقة واسعة تضم دمشق وسهل البقاع، والأقسام الجنوبية الشرقية من فلسطين، وحوران وأدوم، ومدن العلا وسواحل البحر الأحمر، وبعبارة أخرى، فإنها كانت تضم جنوبي فلسطين وشرق الأردن وسورية الجنوبية الشرقية وشمالي شبه الجزيرة العربية، وأن القسم السوري منها إنما كانت تفصله عن قسم شرقي الأردن منطقة "اتحاد الديكابولس"2، وأن وادي السرحان كان يربط ما بين القسمين، وأخيرًا فهناك ما يشير إلى وجود آثار للأنباط في الأقسام الشرقية من دلتا النيل3.

وقد ظهر الأنباط لأول مرة في القرن السادس قبل الميلاد، كقبائل بدوية في الصحراء الواقعة شرقي الأردن، ثم استمروا كذلك حتى القرن الرابع ق. م، رحلا يعيشون في خيام، ويتكلمون العربية ويكرهون الخمر، ولا يهتمون كثيرًا بالزراعة، وفي القرن التالي تركوا حياة الرعي، واتبعوا حياة الاستقرار، وعملوا في الزراعة والتجارة، وفي أواخر القرن الثاني قبل الميلاد تحولوا إلى مجتمع منظم جدًّا متقدم في الحضارة ومتصل بالتطور والترف، وكان مثالهم هذا مثالا آخر4 يوضح الحادث الذي كان يتكرر في تاريخ الشرق الأدنى القديم، وهو تحول الرعاة إلى مزارعين ثم إلى تجار في بلاد قليلة الموارد، ولكنها حسنة الموقع بالنسبة إلى تجارة

1 A. Musil، Arabia Deserta، P.471

2 اتحاد الديكابولس: أو "حلف المدن العشر"، والذي تبدأ حيث يتصل مرج ابن عامر بوادي الأردن، ثم تمتد نحو الشرق، وكانت هذه المدن التي كانت تسيطر على تلك المنطقة هي "بيت شان""بيسان" وبيلا وديون "تل الأشعري" وجرش وفيلادلفيا "ربة عمان= عمان الحالية" وجدرة ورافانا "الرافة في حوران وكناثا "القنوات" وهيبوس "قلعة الحصن جنبو شرق بحيرة طبرية" ودمشق، وقد أضيفت إليها مدن أخرى بعد ذلك، فأصبح العدد ثمانية عشر "فيليب حتى: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ص350-351، حسن ظاظا: المرجع السابق ص114، وكذا Pliny، V، 16"

3 فيليب حتى: المرجع السابق ص422، جواد علي 3/ 15.

وكذا CLERMONT Ganneau، Les Nabatiens En Egypt، In Recveil D'arc:Eol

Ei، 3، P.801. وكذا Orientale، Ii، P.229

4 المثال الأول هو العبرانيون، انظر: فيليب حتى: المرجع السابق ص221، وكذا كتابنا إسرائيل

ص: 449

القوافل التي عوضت قلة مواردها الطبيعية1.

وأما أقدم ما وصلنا من أخبار عن الأنباط، فإنما يرجع إلى عام 312ق. م، حيث يسجل هذا العام انتصار الأنباط على قوات "أنتيجونوس"، ذلك أن "ديودور الصقلي" يروي أن "أنتيجونوس" الذي خلف الإسكندر المقدوني "356-322ق. م" في سورية2، قد أغار على "البتراء" في عام 312ق. م، بسبب موالاة النبط لـ "بطليموس الأول""322-283ق. م"، ومن ثم فقد أعد حملة تحت قيادة صديقه "أثنيوس"، من أربعة آلاف من المشاة وستمائة فارس، ليجبرهم على التحالف معه ضد "بطليموس"، ونجح "أثنيوس" في أن يخفي أمر حملته، وأن يسير إلى البتراء عن طريق أدوم، وأن يباغتها ليلا، والناس نيام، فضلا عن غياب حراسها من الشباب والرجال الأشداء في سوق لهم، ومن ثم فقد كتب له النجح عليها، ونهب ما استطاع من بخور وتوابل وطيب وفضة، إلا أن الأنباط سرعان ما علموا بالأمر، فطاردوا الغزاة ذات ليلة كانوا يستريحون فيها من وعثاء السفر ومشقة الطريق، وأعملوا السيف فيهم، حتى قضوا عليهم، إلا خمسين فارسا هربوا بسلام، وإن أصيبوا بجراح من سيوف الأنباط، ويعلل "ديودور" ذلك الفشل الذي منيت به الحملة، بأن رجالها ما كانوا يتوقعون أن أن يطاردهم الأنباط بهذه السرعة، ومن ثم فقد أهملوا الحراسة، وكانت المأساة3.

وعاد الأنباط إلى البتراء، وكتبوا رسالة بالسريانية4 إلى "أنتيجونوس"

1 فيليب حتى: المرجع السابق ص417.

2 انظر عن الظروف التي أحاطت بدولة الإسكندرية عقب وفاته في بابل في 13 يونية 323ق. م، وتقسيم إمبراطوريته بين قواده "إبراهيم نصحي: تاريخ الحضارة المصرية- العصر اليوناني الروماني ص4-8، تاريخ مصر في عصر البطالمة 2/ 45 وما بعدها، لطفي عبد الوهاب: دراسات في تاريخ مصر 1/ 85-94، مصطفى العبادي: مصر من الإسكندر حتى الفتح العربي ص28-44، و. و.تارن: الإسكندر الأكبر ص185".

3 A.B.W. KENNEDY، OP. CIT.، P.3. وكذا J.HASTINGS، ERE، 9، P.121

وكذا EI، 3، P.801. وكذا F. ALTHEIM AND R. STIEHL، OP. CIT.، P.33

4 اللغة السريانية: لهجة أرامية قديمة نشأت في إقليم الرها "أديسا عند الرومان، وأرفا الحالية، في جنوب شرق تركيا، قريبًا من الحدود السورية"، وقد بدأت لغة الرها الأرامية هذه تسمى "السريانية" بعد انتشار المسيحية، تمييزا لها عن الآراميات الوثنية أو اليهودية، لا سيما أن لفظ آرامي كان قد اتخذ في أذهان العامة في هذا الإقليم مدلولا يشبه لفظ "جاهلي" عند المسلمين، أي لا يؤمن ويعبد الأصنام وهكذا أصبحت السريانية -لغة أديسا- لغة الكنائس في سورية ولبنان وبلاد الرافدين، فيما بين القرنين، الثالث والثالث عشر الميلادي، ومن ثم فقد أصبح المسيحيون الآراميون يعرفون باسم "سوريين" تمييزًا لهم عن بني جنسهم الوثنيين، ثم سرعان ما استعملت التعابير اليونانية، وهي "سوري" بالنسبة للشعب، و"سرياني" بالنسبة إلى اللغة "انظر: فيليب حتى: المرجع السابق ص184-185، حسن ظاظا: المرجع السابق ص118-119".

ص: 450

"Antigonus" يحملون فيها قائده وزر ما حدث، ويرد عليهم الرجل ردًّا مرضيًا، أن ما حدث إنما كان بغير علم منه، وأن قائده قد تصرف برأيه، ثم يختم رسالته بإعلان صداقته لهم، بينما كان في واقع الأمر، إنما يعد لجولة جديدة، قد يهيئ لها من الأسباب ما يكفل له النجاح، وهكذا ما أمضى طويل وقت، حتى يرسل إليهم ولده "ديمتريوس" على رأس حملة قوامها أربعة آلاف من الفرسان، ومثلهم من المشاة، ويبدو أن الأنباط إنما كانوا يتوقعون الخيانة من "أنتيجونوس"، ومن ثم فقد كانوا في حيطة من أمرهم، فأمنوا أموالهم في مواضع حصينة لا تصل إليها أيدي الطغاة الطامعين، ثم تفرقوا في الصحراء، وهكذا ما أن وصل "ديمتريوس" إلى الصخرة "أم البيارة" حتى هاجمها بعنف وشراسة، إلا أن محاولته هذه لم يكتب لها نصيب من نجاح، ومن ثم فقد عاد بخفي حنين، قانعا بما قدم إليه الأنباط من هدايا1.

ويبدو أن علاقة الأنباط بالبطالمة بدأت تتدهور على أيام "بطليموس الثاني""284-246ق. م" ذلك أن الرجل قد بدأ يفكر في احتكار التجارة البحرية والسيطرة على البحر الأحمر، ومن ثم فقد أمر بإعادة فتح القناة القديمة التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر2، وهو المشروع الذي طالما فكر المصريون في تنفيذه على أيام الدولة الحديثة "1575-1087ق. م"، ثم على أيام "نخاو الثاني""610-595ق. م" الذي تخلى عنه فجأة، لأن نبوءة جاءت من "بوتو" تقول أن القناة ليست في مصلحة مصر، وأنه لن يستفيد منها إلا الأجانب3، وهو نفس

1 جواد علي 3/ 19-20 صالح العلي: محاضرات في تاريخ العرب1/ 37

وكذا A.B.W. KENNEDY، OP. CIT.، P.31

وكذا F. ALTHEIM AND R. STIEHL، OP. CIT.، P.32

2 دائرة المعارف الإسلامية 6/ 480، إبراهيم نصحي: دراسات في تاريخ مصر ص124.

3 G. POSENER، LE CANAL DU NIL A LA MER ROUGE، IN CHRONIQUE D'EGYPT، 26، P.272

ص: 451

المشروع الذي أتمه "دارا الأول" الفارسي "522-386ق. م" لمصلحة بلاده1.

وأيًّا ما كان الأمر، فإن بطليموس الثاني قد أرسل بعد ذلك "أرستون" لكشف الساحل الشرقي للبحر الأحمر2، إلى جانب إنشاء موانئ على هذا البحر3، فضلا عن توسيع دائرة التبادل التجاري بين مصر وبلاد العرب والهند، وذلك رغبة منه في تصريف المنتجات المصرية كالمنسوجات والزيوت والآنية الزجاجية والأسلحة وغيرها من معدات القتال، فضلا عن الحصول على العطور والبهار والبخور والمر والقرفة والعاج والأرز والأصداف والآلئ والأصباغ والقطن والحرير من الصومال ومن بلاد العرب الجنوبية والهند4.

وهكذا وضع بطليموس الثاني الساحل العربي للبحر الأحمر تحت سلطانه، كما عمل في نفس الوقت على توطيد علاقاته الطيبة بـ "ديدان" على طريق القوافل، وربطها بميناء جديد على البحر الأحمر، مما أدى في نهاية الأمر إلى تحويل تجارة البخور عن طريقها القديم الذي كان يمر ببلاد الأنباط إلى هذا الطريق الجديد، ثم العمل على نقلها بعد ذلك إلى مصر، عبر البحر الأحمر، عن طريق المراكب5.

وقد أدى ذلك كله إلى أن تشهد العلاقات التجارية بين مصر وبلاد العرب، نشاطًا لم تعهده من قبل6، ولا أدل على ذلك من أن البطالمة قد أنشئوا منصبا جديدًا في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الأول قبل الميلاد، وهو منصب "قائد البحر الأحمر والبحري الهندي"، الذي يرجع أن الذي كان يتولاه في بادئ الأمر،

1 أحمد فخري: مصر الفرعونية ص426.

2 فضلو حوراني: المرجع السابق ص53، إبراهيم نصحي: المرجع السابق ص121

وكذا W.W. TARN، JEA، 15، P.14

3 جواد علي 3/ 21

وكذا W. VINCENT، THE PERIPLUS OF THE ERYTHREAN SEA، P.309

وكذا M. ROSTOYTZEFF، SOCIAL AND ECONOMIC HISTORY OF THE HELLENISTIC WORLD، I، P.387

4 إبراهيم نصحي: تاريخ الحضارة المصرية -العصر اليوناني الروماني- ص45.

5 دائرة المعارف الإسلامية 6/ 480-481.

6 فضلو حوراني: المرجع السابق ص55-56

وكذا S.A. HUZAYYIN ARABIA AND THE FAR EAST، CAIRO، 1942، P.86

وكذا DE LACY O'LEARY، ARABIA BEFORE MUHAMMED، LONDON، 1927، P.71ذ

ص: 452

قائد مديرية "قفط""بمحافظة قنا"، أما بعد عام 78ق. م فقد شغل المنصب قائد منطقة طيبة1.

على أن الأمر جد مختلف بالنسبة إلى الأنباط، فقد كان استكشاف السواحل العربية على البحر الأحمر، وإعادة القناة التي تصل النيل بالبحر الأحمر، فضلا عن خضوع فلسطين وفينيقيا لمصر، إنما يعني سيطرة مصر على التجارة البحرية، وهذا يعني ببساطة خسائر فادحة للأنباط الذين كانوا يحصلون على أرباح باهظة من تجارة القوافل التي كانت تمر ببلادهم، ومن ثم فقد انتهز القوم فرصة الحروب التي استعر أوارها بين البطالمة والسلوقيين، وأخذوا يشنون الغارة تلو الأخرى على السفائن الذاهبة أو الآيبة من مصر2، وقد أدى هذا الوضع الجديد إلى أن ينشئ بطليموس الثاني قوة بحرية لحراسة هذه السفن التجارية3، بل إن هناك من يرى أن الرجل ربما قد أرسل -عقب رحلة أرستون- حملة ضد النبط4، فضلا عن الاستيلاء على أهم المحطات والموانئ التجارية، كميناء أيله عند خليج العقبة5، و"لوكي كومي" على ساحل الحجاز -وهي الحوراء مرفأ سفن مصر إلى المدينة على رأي6، والمويلح على رأي آخر7، وعينونة أو الحربية على رأي ثالث8.

ومن المحتمل أيضًا أن بطليموس الثاني قد استولى وقت ذاك على الشاطئ الشرقي للبحر الميت الذي كان في قبضة النبط، كما أن هناك احتمالا، أنه قد شجع "ميليتوس" على إنشاء مستعمرة لها على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، في مواجهة "المدينة المنورة"، ومن هذا الثغر الذي عرف باسم "أمبلوني Ampione" كانت تجارة بلاد العرب والهند تنقل إلى مصر9.

1 إبراهيم نصحي: دراسات في تاريخ مصر ص151، وكذا M. ROSTOVTZEFF، OP. CIT.، P.928.

وانظر مقالنا: "العرب وعلاقاتهم الدولية القديمة "مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، العدد السادس ص287-437.

2 جواد علي 3/ 20-21، وكذا STRABO، III، P.402

وكذا MURRY، THE ROCK CITY PETRA، P.80

3 M. ROSTOVTZEFF، OP. CIT.، P.383F

4 إبراهيم نصحي: المرجع السابق ص122.

5 جواد علي 3/ 27.

6 C. FORSTER، OP. CIT.، P.220

7 C. FORSTER، OP، CIT. P.285. وكذا W. VINCENT، OP، CIT. P.230

8 جواد علي 3/ 28.

9 إبراهيم نصحي: المرجع السابق ص122-123.

ص: 453