المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مكانة مكة: - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ مكانة مكة:

3-

‌ مكانة مكة:

أصبحت مكة منذ آل أمرها إلى قريش على أيام قصي مركزًا للحياة الدينية في شبه الجزيرة العربية، تشد إليه الرحال، وتشخص إليه الأبصار، وفيها أكثر من كل جهة سواها، كانت ترعى الأشهر الحرم، بسبب وجود الكعبة المشرفة هناك، لذلك كله، ولمركزها الممتاز في تجارة العرب، كانت تعتبر وكأنها عاصمة شبه الجزيرة العربية.

وفي الواقع أنه رغم وجود "البيوت الحرام" في بلاد العرب، كبيت الأقيصر وبيت ذي الخلصة وبيت صنعاء وبيت نجران، وغيرها من البيوت الحرام1، فإن واحدًا منها لم يجتمع له ما اجتمع لبيت مكة، ذلك لأن مكة إنما كانت ملتقى القوافل بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب، وكانت لازمة لمن يحمل تجارة اليمن إلى الشام، ولمن يعود من الشام بتجارة يحملها إلى شواطئ الجنوب، وكانت القبائل تلوذ منها بمثابة مطروقة تتردد عليها، ولم تكن فيها سيادة قاهرة على تلك القبائل في باديتها أو في رحلاتها، فليست في مكة دولة كدولة التبابعة في اليمن، أو المناذرة في الحيرة، أو الغساسنة في الشام، وليس من وراء أصحاب الرئاسة فيها سلطان، كسلطان الروم أو الفرس أو الأحباش، وراء الإمارات العربية المتفرقة على الشواطئ أو بين بوادي الصحراء، وإنما كانت مكة بمثابة عبادة وتجارة، وليست حوزة ملك يستبد بها صاحب العرش فيها ولا يبالي من عداه وهي وإن لم تكن كذلك من أقدم زمانها، فقد صارت إلى هذه الحالة بعد عهد جرهم والعماليق، الذين روى عنهم الرواة أنهم كانوا يعشرون كل ما دخلها من تجارة2.

وزاد من قيمة مكة أن اليمن -بعد الاحتلال الحبشي في عام 525م- لم تنجح في سد الفراغ الذي تركته البحرية الرومية، ربما لظروف جغرافية أكثر منها سياسية، ومن ثم فقد أصبح الطريق البري -عبر تهامة والحجاز- هو الطريق الوحيد المفتوح

1 انظر: ياقوت 1/ 238، 3/ 427، 4/ 394-395، 5/ 268-269، بلوغ الأرب 1/ 346-347، 2/ 202، 207-109، 112، جمهرة أنساب العرب ص493، الأصنام ص38، الروض الأنف 1/ 66، الأغاني 3/ 172.

2 العقاد: مطلع النور ص112-113.

ص: 372

أما التجارة، فكان لا بد -بعد زوال النشاط اليمني- أن يوجد من يسد هذا الفراغ ويقوم بدور الوسيط المحايد بين المتنازعين، لنقل التجارة، وقد وجد هذا الوسيط ممثلا في مكة1، التي حظيت منذ منتصف القرن الخامس الميلادي بمكانة ممتازة بين عرب الشمال، فضلا عن طرفي الصراع الدولي "الفرس والروم" وقت زامن وساعد على ذلك رغبة الفريقين المتنافسين في وجود مثل هذا الوسيط المحايد من ناحية، وبعد مكة وصعوبة الوصول إليها ما ناحية أخرى2.

وهكذا كان موقع مكة الجغرافي سببًا في أن يجعل من المدينة المقدسة عقدة تتجمع فيها القوافل، التي تدر من العربية الجنوبية تريد الشام، أو القادمة من الشام تريد اليمن، حتى إذا ما كان القرن السادس الميلادي نجح القرشيون في احتكار التجارة في بلاد العرب، فضلا عن السيطرة على طرق القوافل التي تربط اليمن بالشام من ناحية، وبالعراق من ناحية أخرى3.

وقد بلغت شهرة القرشيين في التجارة ومهارتهم فيها، إلى أن يذهب البعض إلى القول بأن "قريشًا" إنما سميت كذلك لاحترافها التجارة، لأن التقرش إنما هو التجارة والاكتساب4، وإلى أن تذكر رحلاتهم التجارية في القرآن الكريم، حيث يقول سبحانه وتعالى "لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"5.

1 أحمد إبراهيم: مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول - القاهرة 1965 - ص154

وكذا S.A. Huzayyin، Arabia And The Far East، P.142-3

وكذا E. Gibbon، Op. Cit.، 5، P.213

2 انظر كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".

3 W.M. Watt، Muhammad At Mecca، Oxford، 1953، P.3

4 ابن هشام 1/ 60، ياقوت 4/ 336، مجمع الأمثال 2/ 72، نهاية الأرب ص364 "بغداد 1958"، فجر الإسلام ص13-14، تاريخ مكة ص59، البلاذري 1/ 59، وراجع تفسيرات أخرى في: ياقوت 4/ 336-337، تفسير روح المعاني 30/ 238-239، تفسير الفخر الرازي 32/ 106

5 سورة قريش، وانظر: تفسير القرطبي 20/ 200-209 "دار الكتب المصرية"، تفسير الفخر الرازي 32/ 103-110، تفسير البيضاوي 2/ 577، تفسير الطبري 30/ 305-309 "طبعة الحلبي"، تفسير روح المعاني 30/ 238-241.

ص: 373

على حمايتها جيش خاص دعوه "الأحابيش"1 لعلهم من العرب أو السودان، فكانت مكة أشبه ببنك كبير، فلم تكن القوافل ملكًا لشخص واحد، وإنما كانت هناك طريقة لجمع المال من عدة أسر معروفة، كهاشم وأمية ومخزوم ونوفل2، وقد أدى ذلك إلى تضخم أموال قريش، حتى بلغت قوافلهم التجارية في عهد غزوة بدر3 ألف بعير، مضافا إليها خمسون ألف دينار منقولة بين أثقالهم، بل إن رجلا واحدًا -هو سعيد بن العاص "أبو أحيحة"- استطاع أن يسهم في رأس مالها بثلاثين ألف دينار، كما بلغت قوافلهم في بعض المرات ألفين وخمسمائة بعير، وهي نسبة ما قيمتها المادية، إذا قيست بالثروات في عهدها، هذا وقد بلغ ثراء قريش إلى أنها قد استطاعت في غزوة بدر أن تفتدي أسراها من المكيين بأربعة آلاف درهم للرجل، إلى ألف درهم، إلا من عفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم من المعدمين4.

وعلى أي حال، فإن ظروف مكة السياسية والاقتصادية والجغرافية قد جعلت منها مدينة عربية لجميع العرب، فلم تكن كسروية أو قيصرية، ولا تبعية أو نجاشية، كما عساها أن تكون لو استقرت على مشارف الشام، أو عند تخوم الجنوب، ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها، ويجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة، لا على حكم القهر والإكراه5.

1 انظر عن الأحابيش: تاج العروس 4/ 130، 9/ 300، تاريخ الطبري 2/ 501، تاريخ اليعقوبي 1/ 241، تاريخ مكة ص52، نسب قريش ص389، ابن الأثير 2/ 149، المعارف ص302-303، العمدة 2/ 194، اللسان 6/ 278، البلاذري 1/ 52، 76، المحبر ص246، 267، العبادي: المرجع السابق 2/ 13، جواد علي 3/ 30-36.

2 تاريخ الطبري 2/ 421-422، تاريخ ابن خلدون 2/ 17، الطبقات الكبرى 1/ 40، عبد المنعم ماجد 1/ 79، وكذا Essad Bey، La Vie De Mahomet، P.42

3 انظر عن "غزوة بدر""يوم الجمعة 17 رمضان 2هـ = 14 مارس 624م": تاريخ الطبري 2/ 421-479، تاريخ ابن خلدون 2/ 17-21، ابن الأثير 2/ 116-137، ابن كثير 3/ 256-344، وفاء الوفا 1/ 196-197، ابن هشام 2/ 63-84، المعارف ص75-78، الأغاني 4/ 176-209، ياقوت 1/ 357-358، الكبري 1/ 241-232، تفسير الطبري 13/ 409، 443، 578.

4 أحمد السباعي: تاريخ مكة ص36-37، المغازي ص136، وكذا

P.K. Hitti، Op. Cit.، P.104،

5 العقاد: مطلع النور ص113.

ص: 374

وقد عملت قريش على توفير الأمن في منطقة مكة، وهو أمر ضروري في بيئة تغلي بالغارات وطلب الثأر، حتى يكون البيت الحرام ملاذا للناس وأمنًا، وحتى يجد فيها من تضيق به الحياة، ويتعرض لطلب الثأر، الأمن والحماية، ولعل هذا هو السبب في أن تسن قريش الأشهر الحرم في موسم الحج، حتى يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم، هذا فضلا عن حركة إصلاح أخرى قامت بها قريش، مؤداها ألا تقر بمكة ظلما، سواء أكان من أهلها أم من سائر الناس، فعقدت مع قبائلها ومع القبائل الأخرى المجاورة حلفا عرف "بحلف الفضول"، يروي المؤرخون أن قبائل من قريش تداعت إلى حلف، فاجتمع في دار "عبد الله بن جدعان" بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، وتعاهدوا على أن لا يظلم بمكة غريب ولا قريب، ولا حر ولا عبد، وإلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه من أنفسهم ومن غيرهم، وعمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة وبعثوا به إلى البيت الحرام، فغسلت به أركانه وشربوه، ومن عجب أن الأمويين وبني عبد شمس قد أبوا على أحد منهم أن يدخل هذا الحلف، وقد روي عن رسول الله -صلى الله وعلى آله وسلم- أنه قال:"لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت "1.

ولم تكتف قريش بذلك، وإنما عملت على توفير الماء والطعام للحجيج في منطقة يشح فيها الماء ويقل الطعام، ومن ثم فقد قامت بحفر الآبار في منطقة مكة وأنشأت فيها أماكن للسقاية، ثم أوكلت سقاية الحاج إلى البطون القوية منها، وهكذا غدت سقاية الحاج -بجانب عمارة البيت وسدانته- عملا يراه القوم في قمة مفاخرهم وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 2.

1 العقاد: المرجع السابق ص113-119، ابن هشام 1/ 143-145 "مكتبة الجمهورية بمصر"، المحبر ص167، المعارف ص294، ابن كثير 2/ 291-293، ابن كثير 2/ 41-42، السيرة الحلبية 1/ 157، الروض الآنف 1/ 91، ثمار القلوب للثعالبي ص141، تاريخ اليعقوبي 2/ 17، وما بعدها، عبد المنعم ماجد 1/ 83، محمد حسين هيكل: حياة محمد ص135 "القاهرة 1971".

2 سورة التوبة: آية 19، وانظر: تفسير الطبري 14/ 168-173، تفسير المنار 10/ 215-220، الكشاف 2/ 180، تفسير ابن كثير 3/ 373-374، تفسير القرطبي 8/ 91-92، في ظلال القرآن 10/ 1614-1615، تيسير العلي القدير 2/ 216-217.

ص: 375

وكان أمر ضيافة الحجيج عملا لا يقل عن سقايتهم، وقد أسندتها قريش إلى الأغنياء من رجالاتها؛ لأن قدوم الحجاج من أماكن بعيدة من شبه الجزيرة العربية، يصعب معه حمل الزاد، ومن ثم فقد كانت الرفادة تكلف أصحابها الكثير من أموالهم، بجانب ما تقدمه قريش لهم، إلا أن هذا الأمر في الوقت نفسه قد أفاد قريشًا كثيرًا، إذ كانت المؤاكلة في نظر العرب، إنما عقد حلف وجوار، فضلا عن أن الضيافة في ذاتها من أكبر ما يحمد الرجل عليه، وهكذا كانت قريش بعملها هذا، وكأنها تعقد حلفا مع كل القبائل العربية، تحمي به تجارتها، وتسبغ على رجالاتها نوعًا من التقدير والاحترام عن العرب، لا يتوفر لغيرهم1.

وخطت قريش خطوة أخرى في اجتذاب القبائل العربية، فنصبت أصنام جميع القبائل عند الكعبة2، فكان لكل قبيلة أوثانها تأتي في الموسم لزيارتها وتقديم القرابين لها، وهكذا أخذ عدد الأصنام يزداد عند الكعبة بمرور الزمن، حتى جاء وقت زاد عددها على ثلاثمائة، كان منها الكبير ومنها الصغير، ومنها ما هو على هيئة الآدميين أو على هيئة بعض الحيوانات أو النباتات، وإن كان أكبرها جميعًا إنما هو "هبل" الذي جعله القوم على هيئة إنسان من عقيق أحمر3.

ويبدو أن الأساس الذي قامت عليه مكانة الكعبة، أن البيت الحرام بجملته كان هو المقصود بالقداسة، غير منظور، إلى الأوثان والأصنام التي اشتمل عليها، وربما

1 ابن هشام 1/ 145، ابن سعد 1/ 58.

2 تعرضت الكعبة قبيل الإسلام لعدة سيول في أوقات مختلفة، أدت إلى تصدع جدرانها، مما اضطر القوم إلى هدمها وإعادة بنائها، ويكاد يجمع المؤرخون أن ذلك تم، والمصطفى صلى الله عليه وسلم في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف، فإذا كان ذلك كذلك، وإذا كان المولد النبوي في 20 أبريل 571م -كما حدده محمود الفلكي- فإن إعادة بناء الكعبة إنما كان في عام 606م "انظر: الطبري 2/ 187-290، ابن كثير 2/ 42-45، المسعودي 1/ 271-273، ابن كثير 2/ 299-204، ياقوت 4/ 466، الأزرقي 1/ 157-167، اليعقوبي 1/ 254-255، العمري 1/ 64، المقدسي 4/ 139-140، ابن هشام 1/ 192-199، التقويم العربي قبل الإسلام ص38، تفسير الطبري 2/ 122-123، تاريخ الخميس ص126-136، نهاية الأرب 1/ 232، مدخل إلى القرآن الكريم ص25-26، وكذا A. GUILLAUME، OP. CIT.، P.23

وكذا I. SHAHID، IN CHI، I، 1970، P.31

3 تاريخ اليعقوبي 1/ 254-255، الروض الأنف 2/ 276، الأزرقي1/ 120-121، لوبون: حضارة العرب ص124، تاريخ التمدن الإسلامي 1/ 37، الأصنام ص27-28، وكذا

E. GIBBON، OP. CIT.، P.225

ص: 376

اشتمل على الوثن المعظم تقدسه بعض القبائل، وتزدريه قبائل أخرى، فلا يغض ذلك من مكانة البيت عند المعظمين والمزدرين، واختلفت الشعائر والدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه ووثنه، ولم تختلف شعائر البيت -كما يتولاها سدنته المقيمون إلى جواره والمتكلفون بخدمته- فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها بين أهل مكة وأهل البادية، وجاز عندهم -من ثم- أن يحكموا بالضلالة على أتباع صنم معلوم، ويعطوا البيت غاية حقه من الرعاية والتقدير1.

وانطلاقًا من هذا كله، فقد كان يتفق في موسم الحج أن يجتمع حول البيت أناس من العرب، يأخذون بأشتات متفرقة من المجوسية واليهودية والمسيحية وعبادات الأمم المختلفة، ولا يجتمع منها دين واحد يؤمن به متعبدان على نحو واحد، وما من كلمة من كلمات الفرائض لم تعرف بين عرب الجاهلة بلفظها وجملة معناها، كالصلاة والصوم والزكاة والطهارة، ومناطها كلها أنها حسنة عند رب البيت أو عند الله2.

وهكذا تمضي الأيام، وتزداد مكانة الكعبة عند العرب، حتى تصبح آخر الأمر المفخرة القومية والحرم الإلهي عندهم، ثم تغدو بعد حين من الدهر، الجوار الوحيد الذي يشعر العرب عنده بشعور العروبة الموحدة، عالية الرأس، غير مستكينة لأجنبي، كائنا من كان، ذلك لأنهم كانوا يحسون أنهم من رعايا الروم في الشام، ومن رعايا الفرس في الحيرة، وأتباع للفرس أو الأحباش في اليمن، ولكنهم هنا، في مكة، عند بيت الله في حرم الله يقدسونه جميعًا؛ لأنه لهم جميعًا يضمهم إليه كما يضم أصنامهم وأوثانهم وأربابهم، يلوذون به ويأوون إليه، فكلهم من معبود أو عابد في حماية الكعبة بيت الله، وشعورهم هنا بأنهم "عرب" لم يماثله شعور قط في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وقد أوشك أن يشمل شعب اليمن وجمهرة أقوامه، على الرغم من سادته وحكامه، فما كان هؤلاء الحكام لينفسوا على الكعبة مكانتها، ويقيموا لها نظيرا في أرضهم، لو كان شعب اليمن منصرفا عنها غير معتز بها كاعتزاز البادية والصحراء3.

1 العقاد: مطلع النور ص115.

2 العقاد: المرجع السابق ص116.

3 العقاد: مطلع النور ص56.

ص: 377

ولعل هذه المكانة الفريدة للكعبة هي التي دفعت بأصحاب القوة في تلك الأيام إلى محاولة هدمها، أو على الأقل انضوائها تحت لوائهم، فعل ذلك "حسان بن عبد كلال" ولكن أمره انتهى بفشل ذريع، وبأن يصبح أسيرا في مكة سنوات ثلاث1، وفعل ذلك أبرهة الحبشي، ولكن الله سبحانه وتعالى:{أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} 2، وفي هذا العصف المأكول كان أبرهة نفسه3، وقد ناقشنا ذلك كله بالتفصيل في الجزء الأول من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".

وتمضي السنون، ويغير الرومان بمرور الزمن من سياستهم نحو العرب، ويرون أن الوسائل غير المباشرة ربما كانت أجدى في السيطرة على شبه الجزيرة العربية، ومن ثم فقد كانوا من وراء حملة أبرهة على مكة، وحين تفشل هذه، ويطرد الأحباش من اليمن، يعملون على تمليك سيد من العرب على مكة يدين بالولاء لهم، ومن ثم فقد ارتضى قيصر أن يكون "عثمان بن الحويرث" ملكًا على مكة من قبله، وإن باءت محاولته هذه بالفشل كذلك4.

وليس من شك في أن هذه المحاولة السياسية، إنما غرضها غرض تلك المحاولة العسكرية، وأن المحاولتين قد فشلتا، وبقيت مكة -كما أراد الله، ولحكمة لا

1 تاريخ الطبري 2/ 262-263، الإكليل 2/ 357-359، جواد علي 584-585

2 سورة الفيل: آية 3-5.

3 انظر عن حملة الفيل: ابن الأثير 1/ 442-447، ابن كثير 2/ 170-171، تفسير ابن كثير 8/ 503-511، تفسير النيسابوري 30/ 163، الكشاف 3/ 288، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6/ 394، في ظلال القرآن 8/ 664-675، تفسير روح المعاني 30/ 234-237، ابن هشام 1/ 48-69، تاريخ اليعقوبي 1/ 252-253، صحيح الأخبار 4/ 21-22، مروج الذهب 1/ 104-106، تفسير البيضاوي 1/ 576، تفسير الطبري 30/ 300-304، تفسير القرطبي ص7277-7290 "طبعة الشعب" تفسير الرازي 32/ 96-97، دلائل النبوة للأصبهاني ص100، الأزرقي 1/ 141-149، ياقوت 3/ 53-54، 5/ 161-163، مطلع النور ص114.

4 العقاد: المرجع السابق ص114-115، ابن هشام 1/ 224، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص118، شمال الحجاز ص31، الروض الأنف 1/ 1436، الأغاني 3/ 112، العقد الثمين 1/ 153، شفاء الغرام 2/ 108-109، جواد علي 4/ 39-40.

ص: 378

يعلمها إلا هو -حرما آمنا للعرب وغير العرب، وبذلت قريش في المحاولتين جهدا لإخفاق الواحدة تلو الأخرى، وليس من شك في أن الأولى كانت أشد خطرا، وإن دفعت في الثانية ببعض رجالها، يقضون في سجون القيصر فترة لا ندري مداها على وجه التحقيق، ثم سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى1.

وبدهي أن هذه المحاولات -السياسية والعسكرية- إنما تثبت قيام كعبة الحجاز على كره من ذوي السلطان، في الجنوب والشمال، وفي كل الحالات استطاعت الكعبة أن تحتفظ بمكانتها، على الرغم من خلو مكة من العروش الغالبة على أنحاء الجزيرة بجميع أطرافها، بل لقد استطاعت ذلك لخلوها من تلك العروش، وقيام الأمر فيها على التعميم دون التخصيص، وعلى تمثيل جملة العرب بمأثوراتهم ومعبوداتهم، دون أن يسخرهم المسخرون، أو يستبد فيهم فريق يسخرهم تسخير السادة للأتباع المكرهين على الطاعة وبذل الإتاوة2.

وهكذا كان المكيون يشعرون بمكانة الكعبة عند العرب عامة، ومن ثم فقد كانوا يرون لأنفسهم ميزة لا يتطاول إليها غيرهم من العرب، لأنها تتصل بكرامة البيت الحرام وحرمته، فهم أولياؤه، وهم سدنته والقائمون بالأمر فيه، يسقون الحجيج ويطعمونهم، ويوفرون لهم الأمن والراحة، ومن ثم فقد نشأ عندهم ما يسمى بنظام "الحمس"3، ويعنون به ابن البلد، وابن الحرم، والوطني المقيم، والذي ينتمي إلى الكعبة والمقام، فهو امتياز لأبناء الوطن وأهل الحرمة وولاة البيت، وقطان مكة وساكنيها4، ومن ثم فقد نادوا بين الناس، "نحن بنو إبراهيم وأهل

1 تاريخ ابن خلدون 2/ 327، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص162-163، الروض الأنف 1/ 146، وكذا

W. MONTGOMERY WATT، MUHAMMED AT MECCA، OXFORD، 1953، P.16

2 العقاد: مطلع النور ص115.

3 كانت قريش هي التي ابتدعت نظام الحمس هذا، ثم انضمت إليها كنانة وخزاعة، وربما بنو عامر ابن صعصة من هوازن ثم الأوس والخرزج "انظر ابن هشام 1/ 201-202، تاريخ مكة ص34"

4 ابن هشام 1/ 199، المحبر ص178-179، شفاء الغرام 2/ 43، علي حسني الخربوطيلي: الكعبة على مر العصور ص50.

ص: 379

الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا"1.

وكانوا إذا بلغت الفتاة سن الزواج ألبسوها ما يزينها وخرجوا بها سافرة إلى المطاف ثم أعادوها إلى بيتها لتبقى حبيسة فيه لا تخرج إلا إلى بيت من تزوجها، وهم يريدون بطوافها ذلك عرضها سافرة على أعين الخاطبين، ولعلهم اختاروا المطاف، ليأمنوا في جوار البيت نظرات الفاسقين، هذا وقد كان الحمس يختنون أولادهم ويغتسلون من الجنابة، وقد تباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت، كما كانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلقون ثلاثا، وإذا ما تزوجت امرأة منهم بغريب عنهم، اشترطوا أن يكون أبناؤهم منهم.

هذا وقد جعل الحمس لأنفسهم علامة، وهي ألا يعظم الأحمس شيئًا من الحل، أي الأرض التي وراء الحرم، كما يعظم الحرم وقالوا:"إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم"، ولذا فقد تركوا الوقوف بعرفة -لأنه خارج الحرم- والإفاضة منها، مع إقرارهم بأنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها، وأما هم فقد جعلوا موقفهم في طرف الحرم من "نمرة" يقفون به عشية "عرفة"، ويظلون به يوم عرفة في الإراك من نمرة، ويفيضون منه إلى "المزدلفة"، فإذا عممت الشمس رءوس الجبال دفعوا، وكانوا يقولون: "نحن قطين الله، فأظهروا بذلك تعصبهم لبقعة من الأرض وترفعوا أن يخرجوا عنها، ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج2، وبقي الأمر كذلك حتى بعث الله محمدا

1 تفسير الطبري 4/ 188، ابن هشام 1/ 201، الأزرقي 1/ 176، محمد الخضري 1/ 56-57، أحمد السباعي: تاريخ مكة ص35.

2 تفسير الطبري 4/ 184-191 "دار المعارف"، صحيح البخاري 2/ 163، 3/ 411-413، 8/ 139، صحيح مسلم 1/ 348، ابن كثير 1/ 233، 293، ابن هشام 1/ 201-202، العقد الثمين 1/ 141، نهاية الأرب 1/ 244، المقدسي 4/ 32، تفسير القرطبي 2/ 427-428، الأزرقي 1/ 176-180، تاريخ اليعقوبي 1/ 156، تاريخ مكة ص34-35، محمد الخضري 1/ 57، جواد علي 6/ 362، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص188، وكذا-

EI، II، P.335

ص: 380

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله عليه حين أحكم له دينه، وشرع له سنن حجه:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} 1.

هذا وقد بلغ من تشدد الحمس أن الرجل منهم إذا ما أحرم بالحج أو العمرة لا يدخل دارا أو حائطا، وقد تعرض له الحاجة فلا يدخل بيته، بل ينقب نقبا في ظهره وينادي بأهله ليخرجوا له ما أراد، وكان بعض منهم إذا أرادوا بعض أطعمتهم وأمتعتهم تسوروا من ظهر بيوتهم وأدبارها حتى يظهروا على السطح، ثم ينزلون في حجراتهم، ويحرمون على أنفسهم أن يمروا تحت عتبة الباب.

وكانوا بعد الإحرام يحرمون على أنفسهم السمن واللبن والزبد ولبس الوبر، كما كانوا لا يدخلون بيتًا من الشعر، ولا يستظلون -إن استظلوا- إلا في بيوت الأدم، فهم إذن يحرمون على أنفسهم أشياء لم تكن العرب تحرمها، كما أنهم اختصوا أنفسهم بالقباب الحمر- وهي علامة الشرف والرياسة- تضرب لهم في الأشهر الحرم، كما فرضوا على العرب ألا يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم، إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثيات الحمس، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة، فإن تكرم منهم متكرم من رجل وامرأة، ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها، ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبدًا، وكانت العرب تسمى تلك الثياب "اللقي"2، وبقي الأمر كذلك حتى أنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، ْ

1 سورة البقرة: آية 199، وانظر: تفسير الطبري 4/ 184-195، تفسير روح المعاني 2/ 86-90، تفسير الطبرسي 2/ 162-164، الكشاف 1/ 349-350، تيسير العلي القدير 1/ 163-164.

2 ابن كثير 2/ 305، تفسير الطبري 4/ 188-189، الأزرقي 1/ 180-182، ابن هشام 1/ 204-206، ابن سعد 1/ 41، تاريخ اليعقوبي 1/ 257، المقدسي 4/ 32-33، نهاية الأرب 1/ 244، شفاء الغرام 2/ 41-42، ياقوت 5/ 184، المعارف ص269، صحيح البخاري 2/ 163، تاج العروس 4/ 132-133، محمد الخضري 1/ 57، أحمد إبراهيم: المرجع السابق ص189-190، العقاد: مطلع النور ص117، وكذا

H. LAMMENS، L'ARABIE OCCIDENTALE AVANT L'HEGIRE، BEYROUTH، 1928، P.130

ص: 381

قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون َ} 1، فوضع الله تعالى أمر الحمس -وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس- بالإسلام حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم-2.

وكان من مناسك الحمس أن يطوف الحجاج في صفوف وهم يعجون بالأناشيد ويصفرون وكأنهم يتعبدون، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون} 3، هذا وقد كان الحمس كذلك يدخلون الكعبة لابسي أحذيتهم، حتى سن لهم "الوليد بن المغيرة" خلعها، وكانت الحوائض من نسائهم لا يدنين من الكعبة ولا يتمسحن بأصنامها، بل يقفن بعيدًا عنها، وكان الطائف منهم يبدأ بإساف فيستلمه، ثم يستلم الركن الأسود، ثم يجعل الكعبة على يمينه فيطوف بها، فإذا ختم طوافه سبعا استلم الركن ثم استلم نائلة4.

1 سورة الأعراف: آية 31-32، وانظر: تفسير الطبري 12/ 389-395 "دار المعارف"، تفسير ابن كثير 3/ 160-163 "دار الأندلس"، تفسير الكشاف 2/ 76.

2 ابن هشام 1/ 206

3 سورة الأنفال: آية 35، وانظر: تفسير الطبري 13/ 421-528 "دار المعارف 1958".

4 أحمد السباعي: تاريخ مكة ص35-36 "مكة المكرمة 1387هـ"، تاريخ اليعقوبي 1/ 254.

ص: 382