الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصبحت تعرف فيما بعد باسم "المقاطعة العربية Provincia"، وغدت "بصرى"1 عاصمة لها، بينما أخذت البتراء تتضاءل شيئا فشيئا، حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي مجرد مكان ضيئل الشأن، وإن احتفظت بمكانها كمركز ديني مسيحي مهم2.
على أن نشاط الأنباط الاقتصادي -رغم ضياع نفوذهم السياسي- لم يتوقف، وظلوا يمارسون التجارة وقيادة القوافل بين مصر وبلاد العرب وموانئ البحر الأحمر، وبخاصة تلك التي تواجه السواحل المصرية، كما تدلنا على ذلك كتابات نبطية من سيناء ومن داخل مصر، ومنها تلك الكتابة، التي ترجع إلى عام "266م"3، وأخيرا فإن بعضا من المستشرقين إنما يظن أن "عرب الحويطات" القاطنين في منطقة "حسمى" في شمال الحجاز، إنما هم من بقايا النبط4.
1 انظر: فيليب حتى: المرجع السابق ص323-324، مكابين أول 5: 26، 28، البكري 1/ 253-254، ياقون 1/ 441-442.
2 N. GLUECK، OP. CIT.، P.543. وكذا E. GIBBON، OP. CIT.، P.214
3 E. LITTMANN، NABATAEAN INSCRIPTIONS FROM EGYPT، P.1
وكذا H. WINCKLER، ROCK-DRAWINGS OF SOUTHERN UPPER EGYPT I، LONDON، 1938
وكذاجواد علي 3/ 49-50.
4 جواد علي 3/ 50، وكذا EI، I، P.368، III، P.802
البتراء:
تعد البتراء واحدة من أشهر مدن العالم القديم، كانت عاصمة لأدوم1، ثم صارت لمؤاب2، ومن بعدهم أصبحت عاصمة للأنباط، وتقع إلى الشرق من وادي عربة، في منتصف المسافة تقريبا بين رأس خليج العقبة والبحر الميت، أو على مبعدة خمسين ميلا إلى الجنوب من البحر الميت3.
والبتراء: كلمة يونانية تعني الصخر4، ولعلها ترجمة للكلمة العبرانية "سلع" التي جاءت في التوراة5، والتي كانت تطلق على البتراء من قبل6.
1 انظر عن مؤاب وأدوم، كتابنا إسرائيل ص342-345.
2 قاموس الكتاب المقدس 1/ 528.
3 جواد علي 3/ 53.
4 PLINY، 2، P.447
5 أشعياء 16: 1، 42:11.
6 انظر: كتابنا إسرائيل ص344.
كما تعني كذلك "الشق في الصخر"، وربما كانت التسمية العبرية أكثر دقة؛ لأن مدخل البتراء يتسم بوجود أخدود عميق بين جبلين يعرف باسم "السيق"، ولعله لفظ نبطي متوارث، حرفه الناس عن "الشق" في السبئية القديمة1، وعلى أي حال، فإن العرب قد عرفوا هذه التسمية كذلك، وقد ذكر ياقوت بأن "سلع" حصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس2.
وأما الاسم العربي للبتراء فهو "الرقيم"، وربما هو اسم ثان للبتراء كان الإغريق يعرفونها به هو "Arke" فحرفه العرب إلى الرقيم، وربما أرادوا بالرقيم "خزانة فرعون" بالذات3، وأما اسمها الحديث فوادي موسى4.
ونقرأ في التوراة أن "أمصيا""800-783ق. م" قد خلف أباه "يهواش" على عرش يهوذا، وأنه حاول أن يسترد أدوم وسلع، وقد نجح في الاستيلاء على الأخيرة، ومن ثم فقد أطلق عليها اسم "يقتئيل" بمعنى "الخاضع لله"5.
وقد وصف "سترابو" البتراء بأنها عاصمة الأنباط، ولا تبعد عن أريحا إلا بأربعة أيام، وعن غابة النخيل بخمسة أيام، وهي موضع غني بالمياه، بل ربما كانت هي البقعة الوحيدة بين نهر الأردن وأواسط بلاد العرب، التي كان يوجد فيها الماء الصافي بكثرة، هذا ويشير سترابو كذلك إلى سكنى بعض الأجانب في المدينة، ومنهم جمع من الروم6.
ولقد ازدهرت البتراء في أخريات القرن الرابع ق. م، واستمرت كذلك حوالي أربعة قرون، كانت تشغل في أثنائها مركزا خطيرا على طريق القوافل، الذي يقطع
1 عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص244، لا نكستر هاردنج: آثار الأردن ص117.
2 ياقوت 2/ 236.
3 جرجي زيدان: المرجع السابق ص73.
4 ياقوت 5/ 346.
5 ملوك ثان 14/ 1-7، وكذا A.B.W. KENNEDY، OP. CIT.، P.78
وكذا A. LODS، OP. CIT.، P.385-6 وكذا J. HASTINGS، OP. CIT.، P.853
وكذا F. ALTHEIM AND R. STIEHL، OP. CIT.، P.283
6 محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص87، جواد علي 3/ 54
وكذا STRABO، 16، 779 وكذا A. KAMMERER، OP. CIT.، P.510
وكذا F. ALTHEIM AND R. STIEHL، OP. CIT.، P.285
الصحراء واصلا بين سبأ في الجنوب، وثغور بحر الروم في الشمال1، ويبدو أن ملوك الأنباط في أخريات أيام دولتهم قد أقاموا في أكثر الأحايين في "بصرى"، ثم جاء الغزو الروماني للمدينة في عام 105م "أو106م"، فنقل مركز الثقل بصفة نهائية إلى بصرى، وسرعان ما أخذت أهمية المدينة تتضاءل شيئا فشيئا، حتى أصبحت في ذمة التاريخ، وأخيرا كشف عنها "بوركهارت" في عام 1812م2.
ولعل أهم آثار البتراء "خزانة فرعون" المنحوتة في الصخر، ومعبد ربما بني في القرن الأول قبل الميلاد، ويشبه إلى حد ما الكعبة في الجاهلية، حيث كان يضم عدة أصنام على رأسها "دوشرا""ذو الشرى"، وكان يعبد على شكل حجر أسود مستطيل، ويعتبر إله الكرمة، وقد جئ به إلى أرض الأنباط في الحقبة الهلينية فاكتسب صفات "ديونيسوس"، أما سيدة الآلهات عندهم فهي "اللات" التي اعتبرها "هيرودوت""أفروديت"، هذا وهناك كذلك "النجر" وهو جبل مقدس، تمتد على مقربة منه مذابح لتقديم القرابين3.
وأخيرا، فلعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مولانا وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حينما خرج في السنة السادسة من الهجرة لغزو بني لحيان، سار على غراب "جبل بناحية المدينة على طريق الشام" ثم على مخيض ثم على "البتراء"4، هذا فضلا عن أن ابن إسحاق قد ذكر من بين مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد بطرف البتراء5.
1 P.K. HITTI، OP. CIT.، P.67
2 انظر: J.L. BURCKHARDT، TRAVELS IN SYRIA AND THE HOLY LAND، P.418-34، "LONDON، 1822"
3 THE QUARTERLY OF THE DEPARTMENT OF ANTIQUITIES IN PALESTINE، VII، 1938، P1. 1
وكذا P.K. HITTI، OP. CIT.، P.72. وانظر كذلك: المشرق، الجزء 21 عام 1905 ص965 وما بعدها، فيليب حتى: المرجع السابق ص428-429، محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص89
وكذا HERODOTUS، BK. III، CH.8
4 تاريخ الطبري 2/ 595، البكري 1/ 224، ياقوت 1/ 335.
5 البكري 1/ 224، ياقوت 1/ 335.