الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مدن الحجاز
الطائف
…
من مدن الحجاز:
بقي أن نتحدث بإيجاز شديد عن أهم المدن القديمة في شمال غرب الجزيرة العربية، غير مكة والمدينة، مثل الطائف وتيماء ودومة الجندل ومدائن صالح.
1-
الطائف:
تقع الطائف على مبعدة حوالي 90 كيلو مترا إلى الجنوب الشرقي من مكة، على جبل غزوان، أبرد مكان في الحجاز، وتتميز على مكة المكرمة بأنها ذات جو طيب في الصيف، وبأنها كثيرة الشجر والثمر، وأكثر ثمارها "الزبيب والرمان والموز والأعناب"1.
وتاريخ الطائف لا يزال غامضا، وإن عثر الباحثون على كتابات مدونة على الصخور المحيطة بالمدينة، وفي مواضع ليست بعيدة عنها، بعضها بالنبطية، وبعضها بالثمودية، وبعضها الثالث بعربية القرآن الكريم، كما عثر على كتابات تشبه اليونانية، وأخرى تشبه الخط الكوفي، وإن كانت جميعها لم تدرس حتى الآن2.
ويذهب الأخباريون إلى أن اسمها القديم "وج" نسبة إلى "وج" أخو "أجأ" الذي سمي به أحد جبلي طيئ، وهما من العماليق، وإنما سميت بالطائف بحائطها المطيف بها، وقد أقامه رجل دعوه "الدمون" حتى لا يصل إليهم أحد من العرب، ثم حاولوا بعد ذلك إعطاء المدينة صفة مقدسة، ربما بتأثير من بني ثقيف سكان الطائف، فزعموا بأنها من دعوات إبراهيم الخليل، وأنها أرض ذات شجر كانت حول الكعبة، ثم انتقلت من مكانها بدعوة إبراهيم، فطافت حول البيت، ثم استقرت في مكانها، فسميت الطائف، وزعم آخرون أن جبريل قد اقتطفها من فلسطين،
1 ياقوت 4/ 9، تقويم البلدان ص95، جواد علي 4/ 142.
2 جواد علي 4/ 143، وكذا
Osmsn R. Rostem، Rock Inscriptions In The Hijaz، P.11
وسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حول الطائف1
…
إلى غير ذلك من أساطير لا تقدم نفعًا، ولا تفيد علمًا.
هذا وهناك من يزعم أن أول من سكن الطائف إنما هم العماليق، ثم غلبهم عليها بنو عدوان من قيس ين عيلان، ثم بنو عامر بن صعصعة، ثم أخذتها منهم ثقيف2، ورغم آخرون أن الذين سكنوا الطائف بعد العماليق، إنما هم قوم ثمود قبل ارتحالهم إلى وادي القرى، ومن ثم فقد ربط أصحاب هذه الرواية نسب ثقيف بالثموديين الذين نسبوهم إلى جد أعلى هو "قسي بن منبه"، الذي يجعله بعضهم من "إياد" بينما يجعله البعض الآخر من "هوزان"3.
وأما أهم معبودات الطائف في الجاهلية، فقد كانت "اللات"- الأمر الذي سوف نناقشه في كتابنا عن "الحضارة العربية القديمة"- وقد هدمها "المغيرة بن شعبة" بعد أن اعتنق أهل الطائف الإسلام، وأعطى أموالها وحليها لأبي سفيان بن حرب4، ويختلف أهل الطائف عن أهل مكة وعن الأعراب، من حيث ميلهم إلى الزراعة والاشتغال بها، وعنايتهم بغرس الأشجار المثمرة التي كانوا دائمي السعي إلى تحسين أنواعها وجلب أنواع جديدة منها، كما كان لهم خبرة ومهارة بالأمور العسكرية، الأمر الذي ظهر واضحًا إبان محاصرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمدينتهم وتحصنهم بسورها، هذا إلى جانب ميل إلى الحرف اليدوية كالدباغة والنجارة والحدادة، وهي أمور مستهجنة في نظر العربي5.
1 ياقوت 4/ 9، 12، البكري 3/ 886، تاج العروس 1/ 184، المقدسي 2/ 109، تقويم البلدان 3/ 499، وما بعدها.
2 المعارف ص91، تاج العروس 2/ 110، اللسان 2/ 397.
3 الأغاني 4/ 74، أنساب الأشراف ص25، الاشتقاق ص183، ياقوت 3/ 9-11، ابن خلدون 2/ 24، نهاية الأرب للقلقشندي ص198، 200، وكذا
Ei، 4، P.734. وكذا J.A. Montgomery، Op. Cit.، P.137
4 ياقوت 4/ 11-12، تاريخ الطبري 3/ 96-100، ابن الأثير 2/ 283-284.
5 ابن سعد 1/ 312، أنساب الأشراف 1/ 366، تاريخ الطبري 3/ 82-85، ابن الأثير 2/ 266 268، ابن كثير 4/ 345-352، ابن خلدون 2/ 50-51، السيرة الحلبية 3/ 131.