الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر: دولة
سبأ
1-
سبأ:
تذهب الروايات العربية إلى أن "سبأ" إنما هو "عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان"1، وأن سبب تسميته بسبأ أن الرجل كان أول من سبى من العرب2، بل ويذهب "ابن منبه" إلى أنه غزا بابل وأرمينية ومصر والمغرب، وأنه قتل من الأمم وسبى من الذراري والعيال الكثير، ومن ثم فقد سمي سبأ3، وأنه كان يسمى كذلك "الرائش" لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه، ويزعم البعض أنه كان أول من توج، كما يزعم آخرون أنه كان مسلمًا، وله شعر بَشَّرَ فيه بمبعث المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4- وأن الرجل قد حكم 484 عامًا، ثم جاء من بعده ولده "حمير"، وأما أهم منشآته، فقد كانت -طبقًا لمزاعم الأخباريين- بناء مدينة سبأ وسدّ مأرب في اليمن، أما في مصر، فقد كانت مدينة "عين شمس" التي خلفه عليها ولده "بابليون"5.
1 تاريخ الطبري 1/ 211، أبو الفداء 1/ 100، ابن الأثير 1/ 230، مروج الذهب 2/ 45-48، أنساب الأشراف للبلاذري: ص4، المحبر ص364، الأخبار الطوال ص10، المعارف ص46، 271، الاشتقاق 1/ 155، 2/ 361-362، تاريخ اليعقوبي 1/ 195، بلوغ الأرب 1/ 207.
2 كتاب التيجان ص48-50، مروج الذهب 2/ 45، تاريخ اليعقوبي 1/ 195، تاريخ ابن خلدون 2/ 47، بلوغ الأرب 1/ 207، المعارف ص271، قارن: ياقوت 3/ 181 "حيث يسمى عامرًا بدل عين شمس"، روح المعاني 22/ 124 أبو الفداء 1/ 100، ابن كثير 2/ 158.
3 وهب بن منبه: كتاب التيجان ص48-50، قارن: عبد المنعم ماجد: التاريخ السياسي للدولة العربية 1/ 72.
4 ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 158-159.
5 تاج العروس 10/ 169، تاريخ ابن خلدون 2/ 47، منتخبات ص47، بلوغ الأرب 1/ 207، الدميري 1/ 445، روح المعاني 22/ 124.
أما أن سبأ هو "عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، فقد جاء ذلك في كتابة حفرت على نحاس في مجموعة "P Lamare"، وإن كان العلماء لم يقولوا حتى الآن الكلمة النهائية في نوع الكتابة وزمانها1، وأما سبب التسمية كثرة الغزو والسبي حتى وصلت غزواته إلى بابل وأرمينية في آسيا، ومصر والمغرب في أفريقيا، فإن ذلك لم يحدث إلا في خيال "ابن منبه" ومن دعوا بدعوته، فضلا عن أن تاريخ تلك البلاد لم يعرف سبأ هذا، ولم يشر إليه، حتى مجرد إشارة، في النصوص التي ملأت آثار تلك البلاد، وإن كان أصحاب تلك البلاد قد عرفوا السبئيين في فترات متأخرة من حضارتهم، على أنهم من تجار البخور واللبان وغيرهما من مستلزمات المعابد القديمة، وليس غزاة يحتلون البلاد ويبنون المدن.
وأما الدعوى بأن سبأ كان مسلمًا، وأنه بشر بمبعث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فليست إلا من هذا النوع من الخيال الذي سوف يجعل "سيف بن ذي يزن" يبشر بعد ذلك بمبعث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وإن كنت لا أدري- ولا أظن أن الذين كتبوا ذلك كله يدرون- على أي ملة كان إسلام "سبأ" هذا؟
صحيح أننا نعرف أن الإسلام، في لغة القرآن الكريم2، ليس اسما لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء3، ومن ثم فإن الإسلام شعار عام يدور في القرآن على ألسنة الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر البعثة المحمدية4.
وسؤال البداهة الآن: هل كان سبأ يعي كل هذا؟ حتى يصبح مسلمًا -كما يقدم القرآن الإسلام -ثم كيف عرف سبأ ببعثة مولانا وسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يتنبأ بها قبل حدوثها بمئات السنين، ثم يقول فيها شعرًا، وهل عرف رواة الشعر، أن عربية الجنوب تختلف كثيرًا عن عربية الشمال5.
1 جواد علي 2/ 259.
2 انظر: سورة البقرة: آية 132-133، سورة آل عمران: آية 67، سورة المائدة: آية 111. سورة يونس: آية 72، 84، سورة النمل: آية: 30-31.
3 محمد الراوي: الدعوة الإسلامية دعوة عالمية ص51.
4 محمود الشرقاوي: الأنبياء في القرآن الكريم ص75-76.
5 Ignace Goldziher، History Of Classical Arabic Literature، 1966، P.2