الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل الميلاد والنقوش الآشورية تتحدث عنهم، من بين مَن تحدثت عنهم من قبائل، وقد دعتهم "تامودي"1، كما تحدث عنهم الكتاب القدامى من الأغارقة والرومان من أمثال "أجاثار خيدس" و"ديودور" و"بليني" و"كلوديوس بتولمايس"، وصاحب كتاب "الطواف حول البحر الأرتيري" وغيرهم2.
وأما القرآن الكريم، فقد ذكرهم في كثير من سوره3، هذا إلى جانب أن كثيرًا من الآيات الكريمة قد قرنت قوم عاد بثمود، كما في سورة التوبة وإبراهيم والفرقان وص والنجم والفجر، وقد استدل البعض من كلمات "رجفة" و"صيحة" التي جاءت في القرآن الكريم على أن ثمودًا إنما أصيبوا بكارثة عظيمة، من ثوران البراكين أو من الهزات الأرضية4، وربما كان الأمر كذلك، فمنطقة إقامتهم إنما هي واحدة من مناطق الحرارة في شبه الجزيرة العربية.
1 A.G. Lie، Op. Cit.، P.5. وكذا G. Rawlinson، Cuneiform Inscription، I، Pl.36
وكذا A. Musil، Northern Hegaz، P.289
وكذا A. Musil، In The Arabia Desert، P.479
وكذا A.L. Oppenheim، Babylonian And Assyrian Historical Texts، In Anet، 1966، P.286
2 ألويس موسل: شمال الحجاز ص92.
وكذا C. Forster، I، P.323، Ii، P.30، 117، 274.284
وكذا Pliny، Ii، P.456-456، Iv، 32 وكذا Diodorus، Iii، 44
وكذا J. Hastings، Op. Cit.، P.630. وكذا Ptolemy، Vi، 7: 4، V، 19: 7
3 انظر: سورة الأعراف "73-79" وهود "61-86" والحجر "80-84" والإسراء "59" والشعراء "141-159" والنمل "45-53" وص"13" وفصلت "17-18" والذاريات "43-45"، والنجم "5051" والقمر "23-32" والحاقة "4-5" والشمس "11-15".
4 وكذا J.A. Montgomery، Op. Cit.، P.91 وكذا Ency. Of Islam، I، P.736
وكذا J. Hastings، Op. Cit.، P.734
3-
طسم وجديس:
ينسب الأخباريون "طسم وجديس" إلى "لاوذ بن إرم بن سام بن نوح"، مع قليل أو كثير من التعديل في هذا النسب كالعادة1، وأنهما كانا قريبًا عهد بعاد
1 ابن خلدون 2/ 24، الأغاني 10/ 48، ابن الأثير 1/ 351، اللسان 7/ 333، نهاية الأرب للقلقشندي ص204، المعارف ص13، وكذا Ei، I، P.992
الأولى1، أما موطنها فكان في منطقة اليمامة، والتي كانت تسمى "جو" من قبل2، ولكن يبدو أن هذا لم يكن هو الوطن الأول، ومن ثم فعلينا أن نبحث عنه في مكان آخر.
لقد حدثتنا التوراة عن كثير من القبائل العربية، ومن بينها قبيلة "طسم" التي دعتها "لتوشيم" وأنها إحدى بطون قبيلة "ديدان" الموجودة في العلا، وهذا يعني أن بداية استقرار "طسم" إنما كان في منطقة العلا، ثم انتقلت بعد ذلك إلى منطقة اليمامة، وهذا القول لا يبدو غريبًا ويمكن تصوره، فنحن نعرف أن أحد الطرق التجارية يبدأ من جنوب بلاد العرب، من "عدن" أو"قنا"، فمدن الحجاز "مكة، المدينة، خيبر" إلى أن يصل إلى العلا، ثم يتجه إلى الشمال، وهناك طريق ثان يبدأ من الجنوب أيضًا، مارًّا بالحافة الغربية للربع الخالي، متجهًا إلى اليمامة، ثم ينحدر باتجاه الشمال الغربي إلى منطقة العلا ومدائن صالح، فبلاد الشام، أو إلى مصر، إذن فمن المحتمل أن يكون نزوح "طسم" إلى اليمامة، إنما كان بسبب العامل الاقتصادي في المكان الأول، على أساس أن جزءًا، من قبيلة ديدان- وهي التي كانت تشارك في الحركة الاقتصادية بين جنوب الجزيرة وشمالها -قد نزح إلى منطقة اليمامة، ليحافظ على استقرار الأمن في الطريق التجاري من جنوب بلاد العرب إلى شمالها عبر اليمامة، ويبدو أن "جديس" قد نزحت كذلك مع "طسم"، وبهذا يمكن أن نجد صلة النسب قائمة بين القبيلتين3.
وفي الواقع أننا لا نملك مصادر يعتمد عليها في التأريخ لهما، فالقرآن الكريم لم يتحدث عنهما، والاكتشافات الأثرية لم تصل إليهما، وكتابات الأمم الأخرى لم تذكرهما، إذا استثنينا إشارة التوراة عن طسم، ومن هنا فالشك يحيط بتاريخهما من كل جانب، ومع ذلك فقد حاول البعض أن يلم بشتات ما كتب عنهما، ليخرج لنا صورة عنهما، أقرب إلى الحكايات منها إلى التاريخ الصحيح.
ومع ذلك، فعلينا ألا نتعجل في الحكم عليهما، كما فعل نفر من المستشرقين،
1 تاريخ الطبري 1/ 337، اللسان 6/ 35.
2 ياقوت 2/ 190، 5/ 442، البكري 2/ 407.
3 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص90-91.
فذهب إلى أنهما من الشعوب الخرافية، فقد تأتي لنا الأيام بمعلومات عنهما قد تغير الصورة الحالية إلى حد كبير، ويبدو أنها بدأت تفعل، فلقد عثر في "صلخد" على نص يوناني يرجع إلى عام 322م، جاء فيه "أنعم طسم1"، كما أن التوراة قد أشارت إلى "طسم"، على أنه من نسل "دادان بن يقطان2" أضف إلى ذلك أن بعضًا من المستشرقين يرى أن اسم "Jodisitae" أو "Joiisiae" الوارد في جغرافية بطليموس، هو اسم قبيلة من قبائل شرق بلاد العرب، وأنها "جديس" بعينها، وأنها كانت معروفة حوالي عام 1253م، بل ومزدهرة كذلك. ويصفها المسعودي -هي وأرض طسم- بأنها من أفضل البلاد وأكثرها خيرًا، فيها صنوف الشجر والأعناب، وهي حدائق ملتفة وقصور مصطفة4.
هذا وينسب الإخباريون إلى القبليتين كثيرًا من المواضع، فإلى "طسم" ينسب حصن المشقر، بين نجران والبحرين، وإلى "جديس" ينسب قصر معنق والشموس في اليمامة، فضلا عن بعض القرى في اليمامة كذلك، منها "حجر" حاضرة طسم وجديس.
وهناك "جعدة" والتي يصف "الهمداني" جُدرها، بأنها تسمح بأن يركض عليها أربع من الخيل جنبًا إلى جنب، وأن بها حصنًا قديمًا ظل باقيًا حتى أيامه، وأنه كان يحيط بالقرية، وأن أساسه من اللبن، وفي هذا دلالة على خصب التربة ووفرة الأرض الطيبة والماء، كما هو الحال في العراق ومصر منذا أقدم العصور، هذا إلى جانب "الخضرمة""جو القديمة" التي كانت تسكنها جديس -في مقابل الخضراء لطسم- فضلا عن "الهدار" و"ريمان"5.
1 جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الأول ص335
وكذا D.H. Mueller، Suedarabische Studien، P.67
2 قاموس الكتاب المقدس 2/ 294، مجلة الهلال، العدد 10 ص776 "القاهرة 1897م".
3 جرجي زيدان: المرجع السابق ص69، سعد زغلول: المرجع السابق ص121-122
وكذا Ptolemy، I، 29. وكذا Ei، I، P.992
وكذا Caussin De Perceval، Op. Cit.، I، P.29
4 مروج الذهب 2/ 114.
5 الهمداني: صفة جزيرة العرب ص140-141، ص160، 164، ياقوت 2/ 221، 377، البكري 1/ 85، 2/ 405، 3/ 1070-1071، صحيح الأخبار 1/ 195، 2/ 33، 170، جرجي زيدان: المرجع السابق ص69070، جواد علي 1/ 339-340، سعد زغلول: المرجع السابق ص123-127.
وقصة القبيلتين العربيتين -كما يقدمها الأخباريون- تذهب إلى أن الغلبة إنما كانت من نصيب "طسم"، وأن أولي الأمر وأصحاب السطوة، إنما كانوا منها كذلك، ومرت الأيام وانتهى الملك في طسم إلى رجل ظلوم غشوم، استذل جديس وانتهك أعراضها، حتى جعل سنته السيئة، ألا تزف البكر من جديس إلى بعلها، قبل أن يقضي منها وطره، إلى أن كان يوم زفت فيه امرأة من جديس تدعى "الشموس""عفيرة بنت غفار بن جديس" إلى رجل من قومها، وعندما حملت إلى ملك طسم ليفترعها أولًا، سمعت من عبيده ما مس كرامتها، وأهان شرفها، فخرجت من فراش ملك طسم ودمها يسيل، وقد شقت ثوبها من خلف ومن قدام، ثم أخذت تنشد شعرًا في قصيدة طويلة، تثير به نخوة قومها.
وتستمر الأقصوصة، فتذهب إلى أن أخا الشموس "الأسود بن غفار بن جديس" سيد قومه وصاحب الرأي فيهم، قد تحركت نخوته، كما أحس المذلة قومه من جديس، فاتفق القوم على ملك طسم، ومن ثم فقد نصبوا له ولخاصة قومه الشباك، وكتب لهم في مهمتهم هذه نجحا بعيد المدى، واستطاع رجل من طسم أن يفر من المذبحة، وأن يستنجد بحسان بن تبع ملك حمير، الذي يعد جيشًا كثيفًا، بغية أن يقضي به على جديس، وبينما كان هذا الجيش العرمرم على مبعدة ثلاثة أيام من اليمامة، يخبر هذا المستجير -ويسمونه رباح بن مرة- ملك حمير، أن له أختًا في جديس ترى على مسيرة ثلاثة أيام، وأنه يخشى أن تراهم فتحذر القوم منهم، ومن ثم فإنه يقترح أن يحمل كل جندي فرعًا من شجرة كبيرة يستتر وراءها، حتى يستطيعوا أن يفجئوا جديسًا قبل أن يتحوطوا للقائهم.
وتطلعت أخت الطسمي -وتدعى زرقاء اليمامة- إلى ناحية الجنوب الغربي، وصاحت في جديس تحذرهم من حمير، فهي ترى شجرًا يتحرك ومن ورائه جنودًا تحمل سلاحًا، ولكن القوم ظنوا بها الظنون فلم يصدقوها، حتى حلت الكارثة، فأبيد الرجال، وسبيت النساء، وقتلت الأطفال، وهدمت البيوت والحصون، وفقئت عيني الزرقاء، وتغير اسم مساكن طسم وجديس من "جو" إلى اليمامة، وهكذا كان فناء جديس على يد الحميريين، ومن ثم فقد لحق القومان "طسم وجديس" بعاد وثمود، وصاروا من العرب البائدة1.
1 تاريخ الطبري 1/ 629-632، المسعودي: مروج الذهب 2/ 111-119، أخبار الزمان ص124-126، ابن الأثير 1/ 350-354، تاريخ ابن خلدون 2/ 24-25، جرجي زيدان: المرجع السابق ص69-70، المقدسي: البدء والتأريخ 3/ 28-29، المعارف ص274-275 البكري 2/ 407، أخبار عبيد بن شريه ص483-488، الأخبار الطوال ص14-16، ياقوت 5/ 442-447، سعد زغلول المرجع السابق ص123-124، مبروك نافع: المرجع السابق ص37-39، محمد أحمد جاد المولى وآخرون: أيام العرب في الجاهلية ص396-398.
هذه هي القصة التي تدور حول الحيين العربيين طسم وجديس -وهي فيما نظن- لا تعدو أن تكون واحدة من القصص الشعبي، ومن الغريب أن القصة تكاد أن تكرر نفسها بين العرب واليهود في المدينة1، فضلا عن شبه قريب بينها وبين قصص أخرى يرويها الأخباريون عن ملوك اليمن، وعن ولعهم بالنساء، وفعل المنكر فيهن، ومنها واحدة تتصل بملكة سبأ "بلقيس2 صاحبة سليمان عليه السلام" وأخرى عن "عتودة" مولى أبرهة الحبشي3.
أضف إلى ذلك أن القصة تصور القوم وكأنهم لا يثورون على هذا الوضع الدنيء، إلا بعد أن ظهرت "عفيرة" ودمها يسيل، وقد شقت ثوبها من قدام ومن خلف، فيغضب أخوها -كما غضب أخو فضلاء في يثرب- ويقبل "عملوق" ملك طسم، هذا إلى جانب أن القصة تصور المرأة -وليس الرجل- هي التي تأنف من العار وتأبى الذل، وتحرض الرجال على الانتقام للعرض المستباح، ومن ثم فإننا نرى "عفيرة" تقول:
لا أحد أذل من جديس
…
أهكذا يفعل بالعروس
يرضى بذا يا يقوم بعل حر
…
أهدى وقد أعطى وثيق المهر
ولو أننا كنا رجالا وكنتم
…
نساء لكنا لا نقر بذا الفعل
فموتوا كرامًا وأميتوا عدوكم
…
ودبوا لنا الحرب بالحطب الجزل
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه
…
فكونوا نساء لا تعاب من الكحل
ودونكم طيب النساء فإنما
…
خلقتم لأثواب العروس وللنسل4
1 وفاء الوفا 1/ 115-126-129، ابن الأثير 1/ 656-658، الاشتقاق 1/ 29، 270، ياقوت 2/ 242، 5/ 84-87، أبو الفداء 1/ 123، المقدسي 1/ 179-180، ابن خلدون 2/ 2870289، الأغاني 29/ 96-7-، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص56.
2 ابن الأثير 1/ 232-233، تاريخ الخميس ص276.
3 تاريخ الطبري 2/ 128-129، ابن الأثير 1/ 423-423.
4 ابن الأثير 1/ 233.
ومن هنا، فإننا نرفض هذه القصة هنا وهناك، نرفضها لأنها لا تتفق مع الخلق العربي والكرامة العربية، نرفضها لأنها تتعارض تمامًا وأخلاق العرب الذين كانوا يشعلون نار الحرب لأقل كلمة يمكن أن تفسر على أنها إنما تسيء إلى الشرف والعرض الذي كان -وما زال وسوف يظل إن شاء الله- من أقدس ما يحافظ العربي عليه، ثم هل هذا الشعر العربي الفصيح يمكن أن يكون من قول "عفيرة" جديس، وأخيرًا فإن قصة زرقاء اليمامة هذه، إنما رويت في مكان آخر عند حديث الإخباريين عن تفرق ولد معد، وقريب منها ما جاء في قصة "الزباء" ملكة تدمر المشهورة1.
وأما الفترة التي عاشت فيها قبيلتا "طسم وجديس"، فهي -طبقًا للرواية الآنفة الذكر- إنما كانت في أوائل القرن الرابع الميلادي، أو أوائل القرن الخامس الميلادي2، على أن "ده برسيفال" إنما يرى أن إغارة الحميريين على جديس إنما كان بعد عام 140م3، وهذا يعني أن القبيلتين قد انتهى أمرهما في حوالي منتصف القرن الثاني الميلادي، ومن ثم فقد أخطأ المؤرخون المسلمون في الربط بينهما وبين عاد الأولى4، والتي ربما عاشت في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، هذا إلى أن ذلك إنما يتعارض وما رآه البعض من أن بطليموس الجغرافي إنما كان يقصد باسم "Jodisitae" أو "Joiisitae" قوم جديس، وأنهم كانوا معروفين حوالي عام 125/ 5.
أضف إلى ذلك أن الفترة التي حكم فيها التبابعة جنوب بلاد العرب، كانت فيها دولة "كندة" هي المسيطرة على منطقة اليمامة، ومن ثم يمكننا القول أن قبيلتي طسم وجديس كانتا معاصرتين لدولة ديدان، وربما انتهتا بنهايتها، أي أننا يمكننا أن نؤرخ لهما فيما بين القرن السادس والخامس قبل الميلاد، ولا نشك في أن الكشف
1 سوف نناقش ذلك كله في مكانه من هذه الدراسة.
2 جرجي زيدان: المرجع السابق ص69، محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص39، سعد زغلول عبد الحميد: المرجع السابق ص124-125؟
3 Caussin De Perceval، Essai Sur L'histoire Des Arabes Avant L'islamisme، I، P.89
4 اللسان 6/ 25.
5 Encyclopaedia Of Islam، I، P.992. وكذا Ptolemy، I، 29