المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة ‌ ‌مدخل … الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة المدينة المنورة، - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة ‌ ‌مدخل … الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة المدينة المنورة،

‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

‌مدخل

الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

المدينة المنورة، ثاني مدن الحجاز بعد مكة دون ريب، ودار الهجرة التي نصرت الإسلام، وأعزت كلمة المسلمين، فاستحقت التكريم والتخليد حتى يقوم الناس لرب العالمين، ثم شاءت إرادة الكريم المنان ذي الفضل العظيم-أن تعطي المدينة ما لم تعطه لغيرها من المدائن، وأن تخصها بميزة لا تتطاول إليها واحدة من مدن الدنيا، حيث شرفت بأن تضم في ثراها جثمان سيد الأولين والآخرين، جدنا ومولانا وسيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

هذا إلى أن بالمدينة المنورة ثاني الحرمين الشريفين، فضلا عن أنها البلد الذي اختاره الله، ليكون أول عاصمة إسلامية في التاريخ، تخرج منها جيوش النور، تحمل راية الإسلام، وهداية القرآن، إلى جميع أنحاء المعمورة، فتنشر التوحيد والحب والعدل والإخاء والمساواة، ومن ثم فقد كانت وما زالت -وسوف تظل أبد الدهر إن شاء الله- قلوب المؤمنين في كل أنحاء الدنيا تنبض بحب المدينة، وتهفو إلى زيارتها، وتتعبد إلى الله في مسجدها، وتنعم بالصلاة في روضته الشريفة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها.

هذا وقد حبت الطبيعة المدينة المقدسة1 بمزايا لم تعرفها مكة المكرمة، من طيب الهواء وجودة التربة، كما أنها لم تكن على طريق القوافل التي تحمل الطيوب بين اليمن والشام فحسب، بل كانت واحة حقيقية ذات تربة صالحة لزراعة النخيل، وهو كثير فيها، ومن ثم فقد أصبحت المدينة واحدة من أمهات المراكز الزراعية في بلاد العرب2.

1 كتب السمهودي في كتابه "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه وسلم" بابا كاملا من ستة عشر فصلا في فضائل المدينة، فليرجع إليه من يشاء "وفاء الوفا 1/ 19-109".

2 P.K. HITTI، HISTORY OF ARABS، P.104

ص: 383

والمدينة المنورة لم تكن تعرف بهذا الاسم قبل نصرتها للإسلام، وهجرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، إليها في عام 622م، وإنما كانت تسمى "يثرب"، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} 1، وقد ذكرت يثرب في الكتابات المعينية، ربما بسبب وجود جالية معينية كانت تقيم هناك خلفتها أخرى سبئية، بعد أن ورث السبئيون دولة معين في اليمن، ومستعمراتها في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالنسابين من بعد أن يروا في سكان يثرب من العرب، أزدا من قحطان2.

ولعل أقدم إشارة إلى "يثرب" في النصوص البابلية، إنما ترجع إلى القرن السادس ق. م، إذ تحدثنا كتابة عثر عليها في "حران" عام 1956م، تتحدث عن أعمال الملك البابلي "نبونيد""555-539ق. م" في بلاد العرب، فتروي أن ذلك الملك المثقف الذي اشتهر بحبه للآثار3، قد قام بحملة في العام الثالث من حكمه إلى شمال غرب شبه الجزيرة العربية، احتل فيها تيماء وديدان وخيبر ويثرب، والتي جاءت تحت اسم "أتريبو"، وكانت آخر موضع وصل إليه العاهل البابلي في بلاد العرب، وربما كان السبب في هذه الحملة، إنما كان مهاجمة العرب لمناطق خاضعة للبابليين، وربما كان رغبة البابليين في السيطرة على الطريق التجاري البري بين الشام وجنوب بلاد العرب4.

وأيا ما كان السبب، فإن العاهل البابلي قد استقر في "تيماء" فترة تقرب من

1 سورة الأحزاب: آية13، وانظر: تفسير القرطبي 14/ 147-149 "دار الكتب" تفسير الفخر الرازي 25/ 199-200، تفسير روح المعاني 21/ 158-161، تفسير البيضاوي 2/ 240-241، تفسير الطبري 21/ 187-188، تيسير العلي القدير 3/ 355-356، تفسير الكشاف 3/ 254، في ظلال القرآن 21/ 2838-2839.

2 جواد علي 4/ 128، وكذا ENCY. OF ISLAM، III. P،83

وكذا H. WINCKLER، ARABISCH-SEMITISCH ORIENTALISCH، IN MVG، 1901، P.63

3 A. GARDINER، EGYPT Of The Pharaohs، P.363

4 A.R. Burn، Persia And The Greeks، P.38

وكذا C.J. Gadd، The Harran Inscriptions Of Nabonidus، P.35

وكذا A. Musil، Northern Nejd، P.225. وكذا As، 8، 1958،. P.84

وكذا P.K. Hitti، Op. Cit.، P.39. وكذا S. Smith، Op. Cit.، P3، 88

ص: 384

سنوات عشر، بعيدًا عن عاصمته "بابل" التي لم يعد إليها إلا بسبب التهديدات الفارسية لها، فضلا عن بلاد العرب نفسها، وإلا بعد دعوة رعاياه الذين كانوا على خلاف معه طوال تلك الفترة1.

هذا وقد جاء اسم "يثرب" كذلك في جغرافية بطليموس، وعند "إصطفيانوس البيزنطي" تحت اسم "يثربة 2Jathripa"، أما الأخباريون فيعرفونها باسم "أثرب" و"يثرب"3، وأن يثرب -في رأيهم- إنما هي "أم قرى المدينة، التي حددوا امتدادها من طرف وادي قناة شرقًا، إلى طرف الجرف غربًا، ومن زبالة الزج جنوبًا، إلى البساتين التي كانت تعرف بالمال شمالا، وأما وادي قناة فيقع في الناحية الشمالية من المدينة، ويبعد عنها بأربعة كيلو مترات ونصف، ويقع في شمال جبل أحد، الذي يبعد عنه بنحو كيلو متر واحد تقريبًا، وأما المال فهو بعض بساتين العيون في الشمال الغربي، وأما زبالة الزج فهي قرية من قرى المدينة كانت بشمالي "سلع" إلى قرب وادي قناة، اندثرت آثارها فلم تعد معروفة، وذلك اعتمادًا على رواية السمهودي عن "زبالة الزج" بأن "كان لأهلها أطمان"، على روايته، وكان بالمدينة في الجاهلية سوق بزبالة من الناحية التي تدعى يثرب، ومن ثم فإن حدود المدينة المنورة4 -طبقا لرواية السمهودي- إنما كانت تتمثل في الأرض كثيرة النخل غربي مشهد سيدنا حمزة، رضي الله عنه، وشرقي البركة التي هي مصرف عين الأزرق، قريبًا من مسجد قباء5.

1 هـ. ج ويلز: موجز تاريخ العالم ص86، لودز: أنبياء بني إسرائيل ص205 "باريس 1935"، وكذا

وكذا Cah، 4، P.194

وكذا R.P. Doughty، Nabonidus And Belshazzar، 1929، P.107

وكذا A. Gardiner، Op. Cit.، P.363

2 جواد علي 4/ 130، وكذا P.K. HITTI، OP. CIT.، P.104

وكذا PTOLEMY، VI، 7، 31،

3 السمودي: وفاء الوفا 1/ 6-7 - القاهرة 1326هـ - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ص6-7 "المدينة المنورة 1972"، ياقوت 5/ 84، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص535.

4 تقع المدينة المنورة على مبعدة 443 كيلو مترا من مكة المكرمة عن طريق وادي فاطمة، وعلى مبعدة 502 كيلو مترا عن طريق جدة المسفلت.

5 محمد بن محمود بن النجار: الدرر الثمينة في تاريخ المدينة ص323، إبراهيم بن علي العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص490، عبد القدوس ًُالأنصاري، آثار المدينة المنورة ص177-178 "المدينة 1973" وفاء الوفا 1/ 7، الأعلاق النفيسة ص62.

ص: 385

وعلى أي حال، فلم ينس أصحابنا الأخباريون أن يختلقوا تعليلا للاسم، فهي "يثرب" نسبة إلى "يثرب بن قانية بن مهلائيل من ولد سام بن نوح" أو "يثرب بن قائد بن عبيل بن مهلائيل"، هو أول من نزل بها عند تفرق ذرية نوح، على زعم، وهي من الثرب بمعنى الفساد، أو الترثيب أي المؤاخذة بالذنب، على زعم آخر، هي نسبة إلى رئيس العماليق الذين نزلوا بها بعد أن طردوا منها بني عيبل، من ولد سام كذلك، على زعم ثالث، بل إن هناك رواية رابعة -تنسب إلى ابن عباس- وتذهب إلى أن يثرب في الأصل إنما كان اسما لابن عبيل، الذي هو أول من نزل المدينة1.

وأما اسم المدينة، والذي جاء في القرآن الكريم، حيث يقول سبحانه وتعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} 2 ويقول: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِه} 3 ويقول: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة} 4، فهو اسم شرفها به المصطفى -صلى الله عليه وعلي آله وسلم- حتى وإن رأى البعض أن الاسم مأخوذ

1 وفاء الوفا 1/ 8، 109-110، خلاصة الوفا ص7، 155، الاشتقاق 2/ 350، البكري 4/ 1389، ياقوت 5/ 430، تاريخ ابن خلدون 2/ 286، أحمد بن عبد الحميد العباسي: عمدة الأخبار في مدينة المختار ص41-42، مروج الذهب 2/ 127، أنساب الأشراف للبلاذري ص6، عبد القدوس الأنصاري: المرجع السابق ص177.

2 تفسير روح المعاني 11/ 9-12، تفسير المنار 11/ 13-22، تفسير الطبري 14/ 440-445، تفسير البحر المحيط 5/ 92-93، الكشاف 2/ 211-212، تفسير ابن كثير 3/ 445-447، تفسير القرطبي 8/ 240-241، وانظر الآية الكريمة: سورة التوبة 101.

3 سورة التوبة: آية 120، وانظر: تفسير الطبري 14/ 561-564، تفسير القرطبي 8/ 290-292، تفسير البحر المحيط 5/ 112-113، تفسير روح المعاني 11/ 45-47، تفسير المنار 11/ 74-76، تفسير ابن كثير 3/ 447-448، الكشاف 2/ 219-220، في ظلال القرآن 11/ 2838-2839.

4 سورة الأحزاب: آية 60، وانظر: تفسير البيضاوي 2/ 252، تفسير روح المعاني 22/ 90-91، تفسير الجلالين "نسخة على هامش البيضاوي" 2/ 252، تفسير الطبرسي 21/ 114-120، تفسير الطبري 22/ 47-48 "طبعة الحلبي"، تفسير القرطبي 14/ 245-247 "دار الكتب المصرية" تفسير الفخر الرازي 25/ 230-231، الدرر المنثور في التفسير بالماثور 5/ 222-223 الكشاف 3/ 274، تفسير أبي السعود 3/ 219، في ظلال القرآن 22-2880-2881، تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير 3/ 391-392.

ص: 386

من الكلمة الأرامية "مدينتا""Medinto Mcdinta" بمعنى "الحمى" أي المدينة، على رأي من يرى أن اليهود المتأثرين بالثقافة الآرامية، أو بعض المتهودة من بني إرم الذين نزلوا يثرب، هم الذين دعوها "مدينتا"، وأنها ربما عرفت بمدينة يثرب -كما جاء في اصطيفان البيزنطي- ثم اختصرت إلى "مدينتا أي المدينة"، ثم عرفت بمدينة الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، بعد هجرته إليها1.

هذا ويرى "البتنوني" -طبقًا لرواية سوف نناقشها فيما بعد وتتصل بغزو إسرائيلي للمدينة بأمر من الكليم عليه السلام أن الجنود الإسرائيليين هم الذين أطلقوا عليها اسم "يثرب"، تحريفًا لكلمة مصرية هي "اتريبس"، كما أن اسم طيبة الذي استعمل اسما للمدينة مأخوذ عن طيبة المصرية2.

على أن هذا الرأي يحتاج "أولًا" أن تكون قصة الغزو المزعومة حقيقية، وهو أمر تقوم كل الأدلة التاريخية على نقيضه، ثم هو يحتاج "ثانيًا" إلى إيجاد اسم آخر ليثرب قبل هذا الاسم، على أيام العماليق الذين تزعم قصة الغزو المزعومة أنهم كانوا يسكنونها، الأمر الذي لم يشر إليه صاحب هذا الرأي، وأخيرًا "ثالثًا" إذا كان صحيحًا أن الجنود الإسرائيليين هم الذين أطلقوا على المدينة اسم "يثرب"، لكان من الأولى أن يطلقوا عليها واحدًا من أسماء المدن التي كانت في المنطقة التي كانوا يعيشون فيها في مصر -هناك على أطراف الدلتا الشرقية- مثل "بي رعمسيس" العاصمة المصرية وقت ذاك، أو "تانيس" التي جاءت في التوراة تحت اسم "صوعن"

وأما أن يثرب تحريف للكلمة المصرية "أتريبس"، ولعله يعني "أتريب""بنها الحالية"، فليس هناك من دليل على ذلك، وربما كان الأقرب إلى الصواب أن تكون تحريفًا لـ "أتريبو"، التي جاءت في نص نبونيد الآنف الذكر، كما أن القول بأن اسم "طيبة" منقول عن اسم العاصمة المصرية الشهيرة "طيبة"3 أمر يحتاج

1 عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص537، أحمد إبراهيم: المرجع السابق ص291، جواد علي 4/ 130، وكذا O'leary، OP. CIT.، P.17 وكذا EI، III، P.83

وكذا H. WINCKLER، OP. CIT.، P.53 وكذا P.K. HITTI، OP. CIT.، P.104

وكذا ZDMG، 22، P.668

2 محمد لبيب البتنوني: الرحلة الحجازية - القاهرة 1229هـ- ص252-253.

3 تقع طيبة "الأقصر الحالية" على مبعدة حوالي 500 كيلو مترا إلى الجنوب من القاهرة، وأما اسم المدينة الأصلي فهو "ويسة""ويزة"، بمعنى الصولجان وهو رمز الحكم والسلطان عند الفراعين، وأما اسم=

ص: 387

إلى نظر؛ لأسباب منها "أولًا" أن طيبة كانت وقت ظهور الإسلام، قد ودعت أمجادها التليدة، يوم أن كانت عاصمة للإمبراطورية المصرية لمئات السنين، ومنها "ثانيًا" أننا حتى لو افترضنا أن المسلمين كانوا يعرفون شيئا عن المدن المصرية القديمة الكبرى في تلك الفترة، بسبب العلاقات بين مصر وبلاد العرب، والتي بدأت منذ فترة مبكرة في التاريخ، واستمرت حتى الفتح العربي لمصر "عام 20هـ -640م"1.

فإن طيبة إنما تقع في منطقة نائية هناك في الصعيد الأقصى، وأن القادمين من بلاد العرب ينتظر أن يكونوا على معرفة بالإسكندرية، عاصمة مصر وقت ذاك، فضلا عن مدن الدلتا القريبة من سيناء -حلقة الاتصال بين مصر وبلاد العرب- ثم إن اسم طيبة نفسه قد لا يشجع على القول بأن المسلمين قد أخذوه عن العاصمة المصرية القديمة، فهو اسم وثني يرتبط بالإله آمون على رأي، ومأخوذ عن اسم المدينة اليونانية "طيبة" على رأي آخر.

وأيا ما كان الأمر، فلقد كثرت أسماء المدينة المنورة في العصر الإسلامي، حتى بلغت عشرة أسماء على رأي، وأحد عشر اسما على رأي آخر، وتسعة وعشرين على رأي ثالث، وأربعة وتسعين على رأي رابع، وإن كان أهمها جميعًا: المدينة ويثرب وطيبة وطابة والعاصمة والقاصمة والجدية والمحبوبة والمؤمنة والمباركة والمحفوظة والمختارة والجابرة والعذراء والغراء والبارة والمقدسة والناجية وذات الحرار ومدخل صدق وقرية الأنصار وسيدة البلدان والخيرة وأرض الهجرة ودار

= طيبة فربما كان مصري الأصل، ويتكون من "غبه" أحد أماكن عبادة آمون، ومن أداة التعريف "تي" بحيث يصبح الاسم كله "تيبه""طيبة"، ولما جاء الإغريق إلى مصر لم يجدوا مشقة في الملاءمة بين ذلك الاسم وبين اسم مدينتهم المعروفة "طيبة"، هذا وقد اشتهرت المدينة بعدة أسماء منها "نو آمون" أي مدينة آمون و "المدينة" فقط، و "المدينة الجنوبية"، تمييزا لها عن "منف" التي تقع على مقربة من القاهرة الحالية، و "سيدة المدائن"، ثم خلع عليها الإغريق اسم "ديوس بوليس مجنا""مدينة الله الكبرى"، ثم أطلق عليها الكتاب القدامى من أمثال ديودور وسترابو وبليني واصطيفانوس البيزنطي اسم "طيبة ذات المائة باب"، وأما اسمها الحالي "الأقصر""جمع تكسير لكلمة قصر" فقد أطلقه العرب عليها حين بهرتهم عمائرها الكبرى فعدوها قصورا، هذا وقد كانت طيبة عاصمة لمصر في أغلب عصور ازدهار الحضارة المصرية "انظر: أحمد بدوي: في موكب الشمس 2/ 317-335، إرمياء 46: 25، وكذا

J. BAIKI، EGYPT. ANTIQ. IN THE NILE VALLEY، P.342.F

1 انظر عن هذه العلاقات مقالنا "العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة" -مجلة كلية اللغة العربية- العدد السادس - الرياض 1976.

ص: 388