الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي عام 1883م، عثر "هوبر" في تيماء على مسلتها المشهورة، والتي كتبت على وجه واحد بالخط الآرامي، وعلى الجانب الأيسر نقش عليها رسمان، ربما كان لملك وكاهن، يتجه بعض الباحثين إلى أن الملك هنا إنما هو نبونيد، اعتمادًا على المقارنة بين هذه المسلة ومسلة حران، وعلى أي حال، فمن المتفق عليه الآن أن هذه المسلة إنما ترجع إلى القرن الخامس ق. م1.
1 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص82.
3-
دومة الجندل:
وتسمى دومة الجندل الآن "الجوف"، وكان يطلق عليها في العصور الآشورية "أدوماتو"، وفي التوراة "دومة"، وفي جغرافية بطليموس "1Adomatho""Doumatha"، وأما في المصادر العربية فهي "دومة الجندل"، نسبة إلى دوم "أو دومان أو دما أو دوماء" بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام2 وعلى أي حال فقد نسبت إلى الجندل؛ لأن حصنها مبني بالجندل وهو الصخر، وهي في رأي "السكوني" حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيئ، كانت به بنو كنانة من كلب3.
ودومة أو دومة الجندل، واحة آدوم الكبيرة، وتقع على مبعدة، 400 كيلو متر إلى الشرق من البتراء عصامة الأنباط4، على حافة النفود الكبير، ومن ثم فقد كانت ذات أهمية كبيرة في التاريخ القديم، إذ كانت تعتبر بمثابة قلعة الجزيرة العربية الشمالية في وجه المهاجمين من الشمال والشمال الشرقي، وإذا ما سقطت دومة الجندل تساقطت بالتالي باقي المدن المجاورة5.
ونقرأ في حوليات العاهل الآشوري "تجلات بلاسر الثالث "التي عثر عليها في "كالح" عن جزية من "زبيبي" ملكة بلاد العرب، التي يرى "ألويس موسل" أن
1 W.F. Albright، Jras، 1925، P.293
وكذا F. Hommel- Op. Cit.، P.581، 594
2 ياقوت 2/ 486-487، البكري 2/ 565، وتلك رواية إسرائيلية في الواقع، حيث تذهب نصوص التوراة إلى أن سلالة إسماعيل إنما كانت تسكن في المنطقة الواقعة إلى شمال البحر الأحمر، وتمتد من حدود مصر حتى دومة الجندل "تكوين 21: 21، ألويس موسل: شمال الحجاز ص67"
3 ياقوت 2/ 487، قارن: البكري 2/ 564-565.
4 ألويس موسل: شمال الحجاز ص128.
5 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص82.
مقرها إنما كان في "دومة الجندل"1، كما نقرأ في نقوش الملك "إسرحدون""680669ق. م" أن أباه "سنحريب""507-681ق. م" قد أخضع أدوماتو "أدمو Adumu"" حوالي عام 688ق. م، وأخذ أصنامها إلى عاصمته، والأمر كذلك بالنسبة إلى الأمير "تاربي" "تبؤة" "Tabua"، وكانت ملكة دومة الجندل "تلخونو" "تعلخونو" قد امتد سلطانها حتى حدود بابل، ثم وقفت بجانب الثوار البابليين ضد "سنحريب" "705-681ق. م" ومن ثم فإن العاهل البابلي ما أن انتهى من القضاء على الثورة، حتى اته إلى دومة الجندل وفرض الحصار عليها2، وهناك ما يشير إلى أن خلافا قد حدث بين الملكة وبين حزائيل -سيد قبيلة قيدار- الذي تولى قيادة الجيوش ضد سنحريب، مما أدى إلى استسلام الملكة وفرار حزائيل إلى البادية، فضلا عن أسر الأميرة تبؤة وأخذها إلى بابل، تمهيدًا لإعدادها لتكون ملكة على قومها، تعمل بأمر آشور، وتنفذ سياسة ملوكها فيما يختص بالأعراب3، غير أن آمال الآشوريين في الملكة الجديدة قد خابت، فما أن يتم تعيينها ملكة على دومة الجندل حتى تفشل في مهمتها، ولعل السبب في ذلك إنما يرجع إلى العداء الدفين بين العرب والآشوريين، والذي ما كان في استطاعة تبؤة القضاء عليه4.
وعلى أي حلال، فيبدو أن دومة الجندل كانت في هذه الفترة مركزًا دينيًّا مهما للقبائل العربية، كما أن هذه المنطقة قد عرفت في هذه الفترة حكم الملكات اللآتي كن يجمعن بين السلطتين الدينية والزمنية، ولعل أشهرهن زبيبه "زبيبي" وشمسي وتعلخونو وتبؤة5.
1 A.T. Olmstead، Op. Cit.، P.189. وكذا A. Musil، Arabia Deserta، P.477
2 D.D. Luckenbill، Ancient Records Of Assyria And Babylonia، Ii، 518
وكذا P.K. Hitti، Op. Cit.، P.38 وكذا Anet، P.290
وكذا A. Musil، Op. Cit.، P.48
3 British Museum Tablets، K، 3087، 3405
وكذا P.K. Hitti، Op. Cit.، P.38
4 A.L. Oppenheim، In Anet، P.291
وكذا D.J. Wiseman، The Vassal - Treaties Of Esarhaddon، London، 1958، P.4
5 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص82
وكذا N. Abbot، Pre-Islamic Arab Queens، In Ajsl، 58، 1941
وفي العهد البابلي خضعت دومة الجندل للملك نبونيد، وكما أشرنا من قبل، فلقد جرد الملك البابلي في العام الثالث من حكمه على المدينة واحتلها1.
هذا وتشير المراجع العربية إلى دومة الجندل إنما كانت مدينة محصنة بسور، في داخله حصن منيع، يقال له "مارد"، نسبة البعض-طبقًا للروايات التقليدية- إلى سليمان عليه السلام، ونسبه آخرون إلى "أكيدر الملك بن عبد الملك السكوني"، وهو يهودي على رأي، وعربي من كندة على رأي آخر، وعلى أي حال، فإن الحصن على ما يبدو قد بني قبيل الثالث الميلادي؛ لأسباب منها صلة السكونيين بكندة، ومنها أن الحصن يشتمل في بعض أجزائه على نقوش نبطية- والأنباط كما نعرف قد انتهت دولتهم في عام 106م -ومع ذلك فالحصن ليس من عمل فرد واحد، ولا من فترة واحدة، وإنما من فترات متعاقبة، لعل آخرها منذ نصف قرن فقط2.
وهناك في المصادر العربية ما يشير إلى أن سكان دومة الجندل، إنما كانوا أصحاب نخل وزرع، يسقون على النواضح، وزرعهم الشعير، وكان في بلدهم سوق يبدأ في أول يوم من شهر ربيع الأول، وينتهي في النصف منه، هذا وقد كانت تسكن دومة قبل الإسلام قبائل كلب وجديلة وطيئ، كما كما يتنازع السلطان فيها "الأكيدر" و"قنافة الكلبي" الذي كان يتولى الأمر فيها، حين تكون الغلبة من نصيب الغساسنة، مما يدل على التنافس بين كندة وبني غسان على الطريق التجاري3، "وكانت مبايعة العرب في دومة إلقاء الحجارة، وذلك أنه ربما اجتمع على السلعة النفر، يساومون بها صاحبها، فأيهم رضي ألقى حجره، فربما اتفق في السلعة الرهط، فلا يجدون بدا من أن يشتركوا وهم كارهون، وربما اتفقوا فالقوا الحجارة جميعًا إذا كانوا عددًا على أمر بينهم، فوكسوا صاحب السلعة إذا طابقوا عليه"4.
1 Cah، 4، P.194 وكذا P.R. Dougherty، Op. Cit.، P.107
وكذا C.J. Gadd، Op. Cit.، P.35
2 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص84، ياقوت 2/ 487، جواد علي 4/ 236-237.
3 عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص84، تاج العروس 3/ 518، 8/ 297، المحبر ص 263-264، التاريخ الكبير لابن عساكر 1/ 89، وما بعدها، نسب قريش ص276، جواد علي 4/ 22-234، 238، 240.
4 أبو جعفر محمد بن حبيب، كتاب المحبر - حيدر أباد الدكن 1942 - ص264.