المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ملوك معين: - دراسات في تاريخ العرب القديم

[محمد بيومى مهران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم

- ‌أولًا: المصادر الأثرية

- ‌ثانيًا: المصادر غير العربية

- ‌أولًا: الكتابات اليهودية

- ‌ التوراة:

- ‌ كتابات المؤرخ اليهودي يوسف بن متى:

- ‌ثانيًا: كتابات الرحالة اليونان والرومان

- ‌ثالثًا: الكتابات المسيحية

- ‌ثالثًا: المصادر العربية

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث:

- ‌ التفسير:

- ‌ كتب السير والمغازي:

- ‌ الأدب الجاهلي:

- ‌ كتب اللغة:

- ‌ كتب التاريخ والجغرافية:

- ‌الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمى في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم

- ‌مدخل

- ‌أولًا: في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌ثانيًا: في شمال شبه الجزيرة العربية

- ‌ثالثا: في شرق شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌ البحرين:

- ‌ قطر:

- ‌ دولة الإمارات العربية:

- ‌ دولة الكويت:

- ‌الفصل الثالث: جغرافية شبه الجزيرة العربية

- ‌ موقع بلاد العرب:

- ‌التقسيم اليوناني والروماني لبلاد العرب

- ‌العربية الصحراوية

- ‌ العربية الصخرية:

- ‌ العربية السعيدة:

- ‌التقسيم العربى

- ‌مدخل

- ‌ اليمن:

- ‌ تهامة:

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ العروض:

- ‌مظاهر السطح

- ‌مدخل

- ‌ الحرار:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفوذ

- ‌التضاريس:

- ‌ الجبال:

- ‌ الأنهار والأودية:

- ‌المناخ:

- ‌الموارد الطبيعية:

- ‌ المعادن:

- ‌ النبات:

- ‌ الحيوان:

- ‌طرق القوافل:

- ‌الفصل الرابع: لفظة العرب مدلولها وتطورها التاريخي

- ‌الفصل الخامس: العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌طبقات العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌مدخل

- ‌ عاد:

- ‌ ثمود:

- ‌ طسم وجديس:

- ‌ أميم:

- ‌ عبيل:

- ‌ جرهم:

- ‌ العمالقة:

- ‌ حضوراء:

- ‌ المديانيون:

- ‌الفصل السادس: بلاد العرب فيما قبل العصر التاريخي

- ‌الفصل السابع: دولة معين

- ‌ معين والمعينيون:

- ‌ عصر دولة معين:

- ‌ ملوك معين:

- ‌ أهم المدن المعينية:

- ‌موقع حضر موت:

- ‌الفصل التاسع: دولة قتبان

- ‌الفصل العاشر: دولة‌‌ سبأ

- ‌ سبأ

- ‌السبئيون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي:

- ‌أدوار التاريخ السبئي الأربعة الرئيسية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: عصر المكاربة

- ‌ثانيًا: عصر ملوك سبأ

- ‌ثالثًا: ملوك سبأ وذو ريدان

- ‌دويلات أوسان وسمعاي وأربع وجبان ومهأمر:

- ‌الفصل الحادى عشر: عصر الدولة الحميرية

- ‌مدخل

- ‌الاحتلال الحبشي لليمن:

- ‌اليمن في العهد الحبشي:

- ‌حركة التحرير والسيطرة الفارسية:

- ‌الفصل الثاني عشر: مكة المكرمة

- ‌ مكة: نشأتها وتطورها

- ‌ مكة في عصر قصي:

- ‌ مكانة مكة:

- ‌الفصل الثالث عشر: المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌ اليهود:

- ‌ العرب:

- ‌ غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب

- ‌من مدن الحجاز

- ‌الطائف

- ‌ تيماء:

- ‌ دومة الجندل:

- ‌ الحجر "مدائن صالح

- ‌الفصل الرابع عشر: الأنباط

- ‌مدخل

- ‌ملوك الأنباط:

- ‌البتراء:

- ‌الفصل الخامس عشر: اللحيانيون

- ‌الفصل السادس عشر: التدمريون

- ‌ مدينة تدمر وتطورها التاريخي:

- ‌ أذينة:

- ‌ الزباء:

- ‌الفصل السابع عشر: الغساسنة

- ‌مدخل

- ‌ملوك الغساسنة:

- ‌الفصل الثامن عشر: المناذرة

- ‌ مدينة الحيرة:

- ‌ ملوك الحيرة:

- ‌الفصل التاسع عشر: مملكة كندة

- ‌ كندة قبل عهد الملكية:

- ‌ ملوك كندة:

- ‌المراجع المختارة

- ‌المراجع العربية

- ‌ المراجع المترجمة إلى اللغة العربية

- ‌ المراجع الأجنبية

- ‌اختصارات

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌للمؤلف

الفصل: ‌ ملوك معين:

القرن الثامن قبل الميلاد، ولعل هذا كله إنما يعضد فكرة البداية المبكرة لقيام دولة معين في حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، إلا إذا كانت "معون" التوراة، لا صلة لها بمعين بلاد العرب، وهو أمر لا يوافق عليه الكثير من الباحثين.

ص: 198

3-

‌ ملوك معين:

لقد توصل العلماء -عن طريق الرحالة والبعثات العلمية- إلى أسماء عدد من حكام معين، إلا أن الأمر لا يزال موضع خلاف، فيما يتصل بحكم هؤلاء الملوك، ولعل السبب في ذلك يرجع "أولًا" إلى عدم الاتفاق بين العلماء على فترة حكم دولة معين، وكذا على وقت سقوطها، ويرجع "ثانيًا" إلى أن الكتابات المعينية نفسها غير مؤرخة طبقًا لأي تقويم من التقاويم، فضلا عن أنها لم تقدم لنا الفترة الزمنية التي استغرقها حكم هؤلاء الملوك -كأفراد أو جماعات- ويرجع "ثالثًا" إلى أنها في جوهرها كتابات شخصية، أكثر منها سياسية، ومن هنا بات من الصعب على العلماء أن يتفقوا على قوائم ثابتة وصحيحة لملوك معين، أو لمدد حكمهم1.

وقد رتب "هومل" ملوك معين في ثلاث أسرات، تتكون الواحدة منها من أربعة ملوك، ثم أسرة رابعة من ملكين2، بينما رتبهم "كليمات هوارت" في سبع طبقات، مجموعها 22 ملكًا، تتكون الأولى من أربعة ملوك، والثانية من خمسة، والثالثة من أربعة، والرابعة من اثنين، والخامسة من ثلاثة، بينما تتكون السادسة والسابعة من ملكين3، هذا وقد قدم لنا كذلك كل من "موللر" و"أوتووبير" و"موردتمان" و"ريكمانز" قوائم بملوك معين4.

وأما "جون فلبي" فقد رتبهم في خمس أسرات، تفصل الواحدة عن الأخرى فترة مظلمة لا نعرف عنها شيئًا، كما أن فترة حكم كل أسرة تقوم على الفرض والتخمين، لا على الحقيقة والواقع، فهو مثلا يقدر أن فترة حكم الملك لا تتجاوز

1 جواد علي 2/ 81.

2 جواد علي 2/ 82 وكذا F. HOMMEL، GRUNDRISS، I، P.136

3 جواد علي 2/ 82 وكذا C. HUART، GESCHICHTE DER ARABER، I، P.56

4 جواد علي 2/ 124-128 وكذا F. HOMMEL، OP. CIT.، P.136

وكذا MORDTMANN، ZDMG، 47، 1893، P.397-417

وكذا J. RYCKMANS، L'INSTITUTION MONARCHIQUE EN ARABIE MERIDIONALE AVANT L'ISLAM، P.335

ص: 198

العشرين عامًا، وأن فترة الانتقال بين الأسرة والأخرى تبلغ أيضًا عشرين عامًا1، ويضع "فلبي" على رأس الأسرة الأولى "إل يفع وقه"، متخذًا من عام 1120ق. م، بداية لحكمه، بينما يجعل" "تبع كرب" "650-630ق. م" الملك الأخير من الأسرة الخامسة2.

وفي عام 1950م، قد لنا "وليم أولبرايت" قائمة تتكون من سبعة عشر ملكًا، ثم ذكر أن هناك ما لا يقل عن خمسة ملوك لا يعرف فترة حكمهم3، وفي عام 1953م، أعاد "أولبرايت" دراسة القوائم ثم قدمها لنا في ثلاث مجموعات، تتكون الأولى من "12 ملكًا"، والثانية من "6 ملوك"، والثالثة من "3 ملوك"4.

ولعل من أهم الأحداث التي روتها النقوش ما كان في عهد الملك "أب يدع يثع" عن حرب وقعت بين الجنوب والشمال، ذلك أن نقوش "جلازر 1115، هاليفي 535، 578" إنما تتحدث عن حرب وقعت بين "ذيمنت" و"ذشامت"5 وكذا عن حرب أخرى وقعت بين "مذي" و"مصر" في وسط مصر6، وأن المقصود من الكتابة إنما هو شكر لآلهة معين "عثتر، ود، نكرح" على نجاة القافلة المعينية من أضرار الحرب الأولى والثانية، ووصولها إلى "قرناو".

ويبدو أن القوافل بما تحمله من أموال، كانت كثيرًا ما تتعرض لهجوم من القبائل ومن العشائر، فضلا عن قطاع الطرق، وهي وإن أمنت على نفسها بحماية من الحكومة، وباتفاق مع سادات القبائل نظير مبلغ من المال، فهي لا تأمن على نفسها من القبائل المعادية، ومن ثم فلا غرابة إن نذر أصحاب القوافل لآلهتهم عند عودتهم سالمين من تجارتهم، أو عادت قوافلهم سالمة7.

وأما عن الحرب التي استعر أوارها بين الشمال والجنوب، فالرأي عند "هوجو فنكلر" أنها كانت بين حكومة معين وحكومة عربية أخرى، هي حكومة

1 فؤاد حسنين: المرجع السابق ص270.

2 J.B. PHILBY، THE BACKGROUND OF ISLAM، P.141

3 W.F. ALBRIGHT، BASOR، 119، 1950، P.11

4 W.F. ALBRIGHT، BASOR، 129، 1953، P.22

5 جواد علي 2/ 88.

6 جواد علي 2/ 89.

7 جواد علي 2/ 90.

ص: 199

"أريبي"، والتي كان نفوذها يمتد حتى دمشق1، على أن الكتابة نفسها، إنما حددت موضع الهجوم على القافلة بين معين "أو مادان" وبين رجمت2.

وقد قام جدل طويل بين العلماء فيما يختص بالحرب التي دقت طبولها بين "مذي" ومصر، وكان أشد الجدل يدور حول المقصود بمذي هذه، وحول تاريخ هذه الحرب، فذهب فريق إلى أنهم "الماذيون" أي الماديون "الميديون"، والميديون -كما نعرف- قبائل إيرانية كانت منتشرة في منطقة تمتد من جبال "دوماوند" حتى مدينة "همدان"، ثم استطاعوا تحت قيادة "كياكسارس" السيطرة على فارس، واتخاذ مدينة "أكباتانا "ومكانها الآن مدينة همدان" عاصمة لهم، بل والتعاون مع البابليين في القضاء على آشور، واحتلال "نينوى" في عام 612ق. م، ثم الاستيلاء على الجزء الشمالي من الإمبراطورية الآشورية. إلا أن الأمور سرعان ما بدأت تتغير في هضبة إيران، عندما تولى العرش الفارسي "كيروش الثاني" في عام 559ق. م، والذي كتب له نجحا بعيد المدى في القضاء على الميديين، وفي أن يصبح سيد المنطقة كلها3، إلا أن تاريخ الميديين لم يحدثنا عن حروب وقعت بينهم وبين مصر، سواء أكان المقصود بها "مصر" "كنانة الله في أرضه"، أو تلك الولاية "مصرو" في شمال بلاد العرب، والأمر كذلك بالنسبة إلى تاريخ مصر على أيام الفراعين.

هذا ويرى "جون فلبي" أن "مذي" إنما هم المديانيون، وأن الحرب التي وقعت إنما كانت بين المديانيين -والذين كانت أرضهم تمتد من خليج العقبة إلى مؤاب إلى سيناء -وبين "معين موصرو4،، وأما "هومل" فالرأي عنده أن "مذي" إنما هم جماعة من بدو سيناء5، ويذهب "ملاكر" إلى أن الحرب بين مذي ومصر، إنما هي إشارة إلى الحرب التي كانت بين المصريين والفرس، والتي انتهت باستيلاء "قمبيز" على مصر في عام 525ق. م6، على أن "وينت"

1 HUGO WINCKLER، MUSRI، MELUHHA، MAIN

، P.20، 22

2 J.B. PHILBY، OP. CIT.، P.53. وكذا H. WINCKLER، OP. CIT.، P.20

3 A. GARDINER، OP. CIT.، P.357

4 J.B. PHILBY، OP. CIT.، P.54

5 LE MUSEON، LXII، 3-4، 1949، P.238

6 جواد علي 2/ 92 وكذا 231 Le MUSEON، LXII، 3-4، 1949، P.231. وانظر عن الحرب بين مصر وفارس، وكتابنا "حركات التحرير في مصر القديمة" ص344-362 "دار المعارف 1976" وكذا

A. GARDINER، OP. CIT.، P.363-365

ص: 200

-وربما ألبرايت كذلك- إنما يتجهان إلى أنها لا تشير إلى فتح مصر، وإنما إلى استعادتها مرة ثانية على يد "ارتكزر كسيس الثالث""أخوس" في عام 343ق. م1، ولعل هذا هو السبب في أن بعض المراجع إنما تضع حكم "أب يدع يثع" في حوالي عام 343ق. م2.

وأما "جاكين بيرين" فالرأي عندها أن مذي إنما تعني السلوقيين بصفة عامة، وأن مصر إنما تعني البطالمة وأن هذه الحرب قد وقعت فيما بين عامي 210، 205ق. م وربما تشير إلى الاستيلاء على غزة في حوالي عام 217ق. م، وإلى المعركة التالية عند "رفع "3Rapheia".

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المعينيين، رغم أنهم شعب عربي جنوبي وأن دولتهم قد قامت في بلاد العرب الجنوبية، إلا أنهم قد انتشروا في شمال بلاد العرب، بل إن هناك من يذهب إلى أن نفوذهم قد امتد حتى الخليج العربي شرقًا وغزة غربًا، كما أن علاقاتهم التجارية قد امتدت إلى سورية وإلى بلاد اليونان ومصر، بدليل العثور على كتابات معينية في جزيرة "ديلوس"، إحدى جزر اليونان4، فضلا عن العثور على كتابات معينية أخرى في الجيزة، وعند قصر البنات -عند منتصف وادي الحمامات- وفي منطقة "إدفو"5 "بمحافظة أسوان"، وترجع بعض هذه الكتابات إلى أيام قمبيز "525-522ق. م"، وبعضها الآخر إلى أيام البطالمة6.

1 BASOR، 73، 1939، P.8، 119، 1950، P.11

وانظر كتابنا "حركات التحرير في مصر القديمة" ص397-401.

وكذا A.T. OLMSTEAD، HISTORY OF THE PERSIAN EMPIRE، P.406

وكذا R. GHIRSHMAN، IRAN، P.201

2 فؤاد حسنين: التاريخ العربي القديم ص272، وكذا BASOR، 129، 1953، P.22

3 JACQUELINE PIRENNE، PALEOGRAPHIE DES INSCRIPTIONS SUD ARABES، I، 1956، P.211

4 BASOR، 73، P.7

5 LE MUSEON، XLVIII، P.228، LXII، 1-2، P.56. وكذا BASOR، 37، P.7

وكذا A.E.P. WEIGALL، TRAVELS IN THE UPPER EGYPTIAN DESERTS، LONDON، 1909، P.1، IV، FIG. 13، 14

وكذا H. WINCKLER، ROCK-DRAWINGS OF SOUTHERN UPPER EGYPT، I، LONDON، 1938، P.1

6 مظهر الإرياني: في تاريخ اليمن ص15.

ص: 201

بل لقد حددها بعض الباحثين بعام 264/ 263ق. م1، فإذا ما تذكرنا صلات مصر القوية بفلسطين في العصور الفرعونية، وتذكرنا في الوقت نفسه أن دولة معين إنما كانت تحكم في فترة ازدهارها، ما يقال له الآن الحجاز وحتى فلسطين، وأن معين كانت دولة تجارية أكثر منها عسكرية، لتبين لنا أن العلاقات بين مصر ومعين -وبخاصة في الأمور التجارية- إنما كانت أمرًا طبيعيًّا2.

على أن أهم المراكز المعينية خارج اليمن، ما كان في الشمال الغربي لبلاد العرب، حيث تقع واحة ديدان "العلا"، وفي واحة معون -وهي معان الحالية3- ويرى بعض الباحثين أن منطقة ديدان وما صاقبها من أراض إنما كانت بمثابة جزء من دولة معين، التي كان ملوكها يقومون بتعيين ولاة من قبلهم لإدارة هذه المنطقة يطلقون على الواحد منهم لقب "كبر" أي "كبير"، ويعهدون إليه بإدارة شئون المنطقة والمحافظة على الأمن فيها، ثم جمع الضرائب وإرسالها إلى "قرناو"4.

وكان بجانب هؤلاء الولاة، حامية عسكرية وجالية تتألف من الأوساط التجارية في تلك الواحات، وكانت هذه البقاع موردًا للكسب بالنسبة لأهل الواحات الأصليين، وللقبائل التي كانت تقيم في مجاوراتها، فكانت القبائل الشمالية تقدم لهذه الجاليات ما تحتاج إليه من القوت والثياب، وكان لهم -من أجل ذلك- نوع من السيطرة والسيادة5.

وقد أدى ذلك إلى نتائج هامة، منها "أولًا" احتكاك الحكام المعينيين بحكام سورية وأشور عن طريق التجارة الرئيسي، ومن ثم فلم يعن الأخيرون بتفهم النظم السياسية المختلفة للواحات المتفرقة التي تقع على طول هذا الطريق، ولم يهتموا بالمفاوضات مع الملوك المحليين للإقليم وأشرافه، وإنما اتجهوا إلى ذلك المقيم الجنوبي الذي كان معروفًا لديهم بإشرافه على الإقليم، وكانوا يخلطون بينه وبين الملك الجنوبي -الذي كان هذا المقيم يعمل في خدمته- فذكروا اسمه، كما لو كان هو الملك

1 A. GROHMANN، ARABIEN، P.26

2 انظر مقالنا: العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة، مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية -جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- العدد السادس، 1967م.

3 ألويس موسل: شمال الحجاز ص87.

4 A. MUSIL، OP. CIT.، P.295

5 ألويس موسل: المرجع السابق ص87.

ص: 202

الجنوبي، وهذا يفسر لنا الإشارات التي ترد في الوثائق السريانية والعبرية عن المعينيين والسبئيين، وتذكرهم كما لو كانوا يقيمون في الجنوب الشرقي للبحر الميت1.

ومنها "ثانيًا" أن دولة معين إنما كانت -كما أشرنا آنفًا- تحكم كل ما يقال له الحجاز الآن إلى فلسطين، فلما ضعف المعينيون أصبحت سيادتهم مقصورة على ما يسمى "معين مصرو"، التي ما لبثت أن أصبحت بعد فترة تحت سلطان السبئيين، حين كتب لهؤلاء السيادة على الجنوب والشمال معا، وأخيرًا أصبح زمام الأمور بيد "اللحيانيين" الذين كانوا دولة مستقلة هي دولة "لحيان"2، والتي امتد نفوذها في أيام ازدهارها -فيما يرى البعض- على الأرض الممتدة غربي النفود، من شمال يثرب إلى ما يحاذي خليج العقبة، والذي أطلق عليه "أجاثر خيدس"، في القرن الثاني ق. م، اسم خليج لحيان، ثم حرف فيما بعد إلى "لات""إيلات"3.

وقد قام جدل طويل بين العلماء -ولا سيما المتخصصين منهم في الدراسات التوراتية- حول "معين موصرو" هذه، فذهب فريق منهم إلى أن كلمة "مصرايم" التي جاءت في التوراة، لا تدل على "مصر"، وإنما على الإقليم الواقع شمال بلاد العرب، والذي يمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ولهذا فإن ما يقال عن إقامة العبرانيين في مصر، إنما يعني إقامتهم في جنوب فلسطين، أو في شبه جزيرة سيناء وطبقًا لهذا الاتجاه، فإن خروج بني إسرائيل لم يحدث من مصر، وإنما من هذه المناطق المشار إليها، ذلك لأن الباحث اليهودي "هوجو فنكلر" إنما يرى أن اسم "مصرايم" لم يكن استعماله في البداية مقصورًا على الإشارة إلى مصر، ولكنه كان يشمل كذلك الإقليم الذي سماه الجغرافيون البابليون "مصر أو موصري"، والذي يقع جنوب البحر الميت، شمال شبه جزيرة العرب، ويمتد غربًا حتى حدود مصر الشرقية، ويضم جبل سعير ومدينة البتراء وأراضي مدين وأدوم.

ويعتقد "فنكلر" أن التقاليد اليهودية الأصلية، عندما تحدثت عن إقامة الآباء الأولين -وخاصة موسى- في مصرايم، إنما كانت تشير إلى ذلك الزمن حيث عاش

1 نفس المرجع السابق ص1.

2 A. MUSIL، OP. CIT.، P.295

3 F.V. WINNET AND W. REED، ANCIENT RECORDS FROM NORTH ARABIA، TORONTO، 1961، P.116F

وكذا A. MUSIL THE NORTHERN HEGAS، N.Y.، 1926، P.295

ص: 203

أسلاف العبرانيين في صحراء جنوب فلسطين، ثم بدأ سكان كنعان يستخدمون اصطلاح "مصرايم" على المراعي الجنوبية -وكذا على مصر نفسها- ذلك البلد الذي يقع بالنسبة إليهم فيما وراء الصحراء، ولعل مما يفسر هذا الافتراض أن الوادي القريب من "غزة" سمي "نهر مصرايم"، على الرغم من أنه على مسيرة ثلاثة أيام من الحدود المصرية، ومن هنا فمن الممكن أن يشير اسم "مصرايم" في بعض النصوص والتقاليد العبرية، إلى الصحراء المصرية، وليس إلى اسم مصر بالذات1.

وقد ناقشنا ذلك الأمر في كتابنا "إسرائيل"2، وخرجنا من المناقشة بأن الأدلة العملية، والتقاليد الإسرائيلية، وما ورد في التوراة من وصف لجو مصر وأحوالها، وأثر الأدب المصري في كتب الإسرائيليين، والنصوص التوراتية الصريحة التي تتحدث عن دخول الإسرائيليين مصر، بل وذكر أسماء الداخلين منهم أرض الكنانة، كل ذلك وغيره مما يؤكد أن المقصود هنا أرض الكنانة3، هذا فضلا عن أن ذلك أمر أجمعت عليه الكتب المقدسة الثلاثة "التوراة والإنجيل والقرآن العظيم"، وإنكارنا لأمر تجمع عليه الكتب المقدسة، لا يتفق ومنهج البحث العلمي، فضلا عن تعارضه مع إيماننا بما جاء في كتب السماء.

وانطلاقًا من هذا، وترتيبًا عليه، فإن "مصر" التي جاءت في قصة الإسرائيليين، ليست هي "موصرى" الواقعة في شمال غربي بلاد العرب، وإنما هي "مصر"، كنانة الله في أرضه، ومن ثم فإن ما جاء في نص "تجلات بلاسر الثالث" 745-727ق. م" من أنه قد عين "أدبئيل" حاكمًا على "موصري" فإنما يعني هذه المقاطعة العربية، والتي تقع إلى الشمال من "نخل موصرى" أي "وادي موصرى"4.

1 H. WINCKLER، OP. CIT.، P.5. وكذا A. LODS، OP. CIT.، P.197-199

وانظر كذلك: مادة Exodus في THE JEWISH ENCYCLOPAEDIA

2 انظر كتابنا "إسرائيل" ص325-237.

3 A. LODS، OP. CIT.، P.169-170

وكذا G.E. Wright، Biblical Archaeology، 1957، P.53f

وكذا J.M. Smith، Ajsl، 49، P.172-84

وكذا J.H. Breasted، History Of Egypt، P.350

وكذا J. Finegan، Light From The Ancient Past، P.134

وكذا W.S. Smith، Jbr، 19 P.12-15

4 H. Winckler، Op. Cit.، P.5. وكذا J.H. Breasted، Op. Cit.، P.549

وكذا W.O.E. Oesterley، Egypt And Israel، In The Legacy Of Egypt، P.228

ص: 204