الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طسم وجديس، ومرة أخرى لعبد حبشي دعوه "عتودة"، ومرة ثالثة ليهودي دعوة الفيطون أو القيطوان، وليست واحدة من هذه الروايات لها ظل من حقيقة، حتى نقبلها على مضض، ثم نسدل الستار على هفوة في تاريخ العروبة المجيد، ولكن أن تكون الرواية مجرد زعم كذوب، ردده بعض الأخباريين في كتبهم، ثم جاء من بعدهم من تابعهم في هذا دون أدنى تمحيص أو تحقيق، وكذبه المؤرخون المحققون، وحتى الأعداء منهم، ثم يأتي بعض مؤرخينا في العصر الحديث فينبري للدفاع عن هذه الرواية المختلقة، فشيء آخر تمامًا، وكان الأولى بهم أن يسألوا أنفسهم: أيستحق تصديق مؤرخ -كائنا من كان- أن يسود تاريخنا المجيد من أجله، وأن نسلب الأسلاف العظام كل مقومات الشرف والكرامة، لتكون روايات الأخباريين تاريخًا صحيحًا، اللهم له، وألف لا.
وأما الشق الثاني من الموضوع: فهو
غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب
وهنا فيما يبدو لي، فإن العامل الاقتصادي قد لعب دورا مهما فيما آلت إليه الأمور فيما بعد، وتقدم لنا المصادر العربية ما يشير إلى أن العرب في المدينة قد قبلوا الحياة القاسية في أول الأمر؛ لأنهم ما كانوا بقادرين على مجابهة اليهود، فلما اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم، سرعان ما تطلعوا إلى وضع اقتصادي أفضل عن طريق مشاركة يهود في تملك الأرض الخصبة أو مغالبتهم عليها، وهناك رواية تذهب إلى أن "عمر بن النعمان البياضي الخزرجي" قال لقومه بني بياضه:"إن أباكم أنزلكم منزل سوء، والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير على عذب الماء وكريم النخل أو قتل رهنهم1"، وهذا القول، وإن كانت المصادر العربية قد أوردته في ذكر "يوم بعاث" بين الأوس والخرزج، ومن حالف الطرفين من يهود، إلا أنه يعطينا فكرة عن اتجاه العلاقات العامة بين السكان في يثرب، وأن العامل الاقتصادي إنما كان هو الموجة لها2.
على أن "إسرائيل ولفنسون" إنما يحاول أن يربط هذه الأحداث التي كانت تجري في يثرب، سواء أكانت بين اليهود والعرب، أو بين العرب أنفسهم، من
1 ابن الأثير 1/ 679، الأغاني 15/ 155-159، وفاء الوفا 1/ 153.
2 أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص327-328.
أوس وخزرج، بالسياسة الدولية وقت ذاك، وبين الصراع الديني بين اليهودية والمسيحية، ويجعل من نكسة اليهود في حمير، سببًا في نكستهم في يثرب، وأن الدولة البيزنطية إنما كانت من وراء ذلك كله، فقضت على اليهودية في اليمن بعد حملة أبرهة المعروفة، والتي أدت إلى جعل اليمن مستعمرة حبشية، ثم دفعت بالغساسنة إلى التدخل في شئون يثرب، وتعضيد الأوس والخزرج ومناصرتهم ضد يهود1.
وربما كان "ولفنسون" متأثرًا في هذا، بما ذهب إليه من قبل "جريتز" حين رأى أن الأوس والخزرج لم يصارحوا اليهود بالعداوة والمعصية إلا بعد النكبة التي حلت بيهود في اليمن، لأنه من غير المقبول -فيما يرى- أن يضطهد اليهود في الحجاز، في الوقت الذي كان فيه ملوك متهودون يسيطرون على اليمن ويتعصبون لدينهم، ويناهضون كل من يناهضهم أو يعتدي عليهم2، أضف إلى ذلك أن مؤرخي العرب -كما أشرنا من قبل- يرون أن شمال الحجاز، إنما كان في شبه تبعية للحميريين، حتى أنهم كانوا لهم بمثابة الخلفاء الراشدين للمسلمين3، ويضيف "كوسان ده برسيفال" أن واحدًا من الأسرة المالكة في اليمن كان يشرف على شئون الطوائف المختلفة في شمال الحجاز4.
ويخرج "ولفنسون" من ذلك كله بأن البطون العربية بقيت في يثرب عصورا طويلة على موالاة اليهود ومناصرتهم، دون أن يظهر عليهم شيء يدل على أنهم يتربصون لهم الغوائل، إلى أن أخذت دولة غسان تنصب لليهود المكايد وتحرض عليهم زعماء الأوس والخزرج ليفتكوا بهم، وأن غسان إنما فعلت ذلك بإيعاز من الروم، الذين أرسلوا أسطولهم لمساعدة الحبشة في الاستيلاء على اليمن، والذين كانت لهم سياسة واضحة في شبه الجزيرة العربية أثناء القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد5.
1 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص59-61.
2 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص61، وكذا.
Graetz، History Of The Jews، Iii، P.91، 410
3 ابن الأثير 1/ 511-512.
4 Caussin De Perceval، Essai Sur L'histoire Des Arabes Avant L'islamisme، 2، P.654
5 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص61.
على أن المؤرخين المحدثين إنما يعارضون هذا الاتجاه، ويرون أن النزاع كان محليا بين العرب واليهود في يثرب، وأنه كان بسبب الظروف الاقتصادية، واعتماد السكان في المدينة على استثمار الأراضي الزراعية، ويقدمون على ذلك عدة أدلة، منها "أولًا" استمرار هذا النزاع بين الأوس والخزرج أنفسهم بعد تغلبهم على اليهود، واشتراك كل طوائف المدينة فيه تبعا لمصلحتها الاقتصادية1، ومنها "ثانيًا" أننا لا نستطيع تحديد تاريخ هذا النزاع، وهل كان بعد استيلاء الأحباش على اليمن، أم كان قبله؟، على أننا لو أخذنا بوجهة نظر "سديو" في أن سيادة الأوس والخزرج على المدينة إنما كانت في عام 492م، وما ذهبت إليه المصادر العربية من أن الحرب بين الأوس والخزرج قد استمرت مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام، وأن هذه الحرب لم تبدأ بين الحيين العربيين إلا بعد سيادتهم على المدينة، فإن الاتجاه الذي ذهب إلى أن هذه السيادة إنما حدثت قبل استيلاء الحبشة على اليمن، ربما كان أقرب إلى الصواب2.
غير أننا سوف نواجه هنا بمشكلة موقف الحميريين أما القضاء على نفوذ أبناء دينهم في يثرب، وأكبر الظن عندي -إن صح هذا الأمر- أن ظروف اليمن الداخلية، وتهديدات الأحباش لها، ربما لم تمكنها من التدخل في هذا النزاع، أو أن الحميريين لم يروا معاداة العرب بتدخلهم ضد الأوس والخزرج -وهم في نفس الوقت من قبائل الأزد اليمنية- ومناصرة يهود الذين أصبحوا يرتبطون بهم برباط الدين.
ومنها "ثالثًا" أن العلماء يكادون يجمعون -كما أشرنا من قبل- أن أبا جبلة لم يكن ملكًا في غسان، وإنما كان زعيما من الخزرج عاش في البلاط الغساني، ومن ثم فإن نصرته للعرب -إن صحت الرواية، وهذا ما نشك فيه- لا تعني تدخل دولة بني غسان، إذ لو كان الأمر كذلك ما اقتصر التدخل على يهود يثرب، ولشمل الجاليات اليهودية ي خيبر ووادي القرى، فضلا عن تبوك وتيماء، ومن ثم فإن هذا العون ربما كان من نوع المحالفات القبلية، وربما قد حالف الأوس
1 أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص332.
2 أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص229-130، لويس أميل سديو: تاريخ العرب العام ص51، السمهودي: وفاء الوفا 1/ 152.
والخزرج وقت ذاك بطونا من بني غسان لمحاربة يهود، وأنه مجرد استنفار أمير خزرجي لنصرة ذوي قرباه، ويبدو هذا واضحًا في طريقة القضاء على زعماء يهود، الأمر الذي لا يدل على أن هناك جيشا غسانيا جاء ليحارب يهود يثرب وإنما هي فرقة على رأسها أبو جيلة، مما اضطره إلى استعمال الحيلة والمكر لتنفيذ خطته1.
ومنها "رابعًا" أن الصراع لم يكن صراعا دينيًّا، وإنما كان صراعا اقتصاديا في الدرجة الأولى، وسياسيا في الدرجة الثانية، ومن ثم فليس صحيحًا ما ذهب إليه "فلهازون" من أن الكفاح بين النصرانية واليهودية في الحجاز كان عنيفا جدًّا، وأن غارات الفرس على حدود الإمبرطورية الرومانية أوقفت الملحمة الفاصلة لوقت ما، ولولا ظهور الإسلام لأصبحت بلاد العرب منقسمة دينيًّا إلى قسمين، يهودية ونصرانية2، صحيح أن الدين كان وسيلة من وسائل الصراع الهامة، ولكن صحيح كذلك أن الإمبراطورية الرومانية لم تكن تعمل لقهرب اليهودية كدين، كما أن الفرس لم يكونوا يشجعونها لغرض ديني، وإنما كن الغرض سياسيا عند كلتا الدولتين، على أن علاقة اليهود لم تكن سيئة ببلاد الشام، بل إنها على الأرجح كانت حسنة، فكان بعض اليهود يرسلون قوافلهم التجارية إلى بلاد الغساسنة، فضلا عن أن يهود عندما أجلاهم المصطفى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- عن يثرب، إنما هاجروا إلى بلاد الشام، ولو كانت العلاقة بينهم وبين الغساسنة، أو الروم سيئة لا تجهوا إلى مكان آخر، كالعراق الذي كانت به جاليات يهودية، تحت سيادة الدولة الفارسية التي كانت تشجع اليهود في بلاد العرب3.
وأيًّا ما كان الأمر، فإن الغلبة في هذا الصراع إنما كانت من نصيب الأوس والخزرج، ومن ثم فقد أصبح لهم كيان سياسي في يثرب، يفوق ما كان لليهود
1 تاريخ ابن خلدون 2/ 289، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص236، ابن الأثير 1/ 657، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص558، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص103، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص330.
2 إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص12، وكذا
J. Welhausen، Skizzen Und Vorarbeiten، Berlin، 1899، P.12
3 أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص331.
فيها، ومن أسف أن القوم ما لبثوا أن أصيبوا بلعنة الصراع القبلي، وتحولت المنافسات التي كانت بينهم وبين يهود، إلى مشاحنات بينهم وبين بعضهم البعض الآخر، أدت في النهاية إلى قيام الحروب بين الحيين العربيين، لعبت فيها العوامل السياسية والتنافس على الزعامة في يثرب دورا كبيرا، هذا فضلا عن العوالم الاقتصادية والتي تتخلص في رغبة في كل من الفريقين في الاستيلاء على ما عند يهود، ثم حدث أن احتل الأوس بقاعا أخضب وأغنى من تلك التي احتلها الخزرج، في الوقت الذي كان الخزرج يتمتعون فيه بمركز الصدارة، لأن نصرة العرب، إنما جاءت على يد رجل خزرجي -هو مالك بن العجلان.
وهكذا كان الخزرج ينفثون على الأوس مكانتهم الاقتصادية، بينما كان الآخرين ينفثون على الأولين، مكانتهم السياسية، حدث هذا في وقت كانت فيه سياسة اليهود مع القبائل العربية إنما تقوم على الإيقاع بينها، وإثارة الأحقاد بين المتخاصمين منهم، كلما جنحوا إلى النسيان وتعاهدوا على الصلح والأمان، ومن ثم فقد عملت يهود في إذكاء روح التحاسد والتباغض التي بدأت تظهر في سماء العلاقات بين الحيين العربيين الشقيقين، حتى يشعلوا نارا، إن لم تقض على الأوس والخزرج معا، فعلى الأقل تشغل كل فريق بالآخر، وتنتهز يهود الفرصة استعدادًا لجولة قادمة، أو على الأقل الحفاظ على ما هي عليه.
وحققت يهود نجحا بعيد المدى فيما تريد، ودقت طبول حرب بين الفريقين، تناوب فيها الأوس والخزرج النصر والهزيمة، وكان من أهمها ما عرف بحرب سمير، وحرب كعب بن عمرو المازني1 وحرب حاطب بن قيس2، فضلا عن يوم السرارة3، ويوم فارع4، ويوم الفجار الأولى والثاني5، وحرب الحصين ابن الأسلت6، ثم حرب بعاث، وكان أولها حرب سمير، وآخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات7، "617م".
1 ابن الأثير 1/ 660-662، وفاء الوفا 1/ 152، أيام العرب في الجاهلية ص69-71.
2 ابن الأثير 1/ 671-672.
3 ابن الأثير 1/ 662-665.
4 ابن الأثير 1/ 668-671.
5 ابن الأثير 1/ 676، 678-680.
6 ابن الأثير 1/ 665-666.
7 وفاء الوفا 1/ 152، 155، ابن الأثير 1/ 655-684، الأغاني 3/ 19-42، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص68.
وأما يوم سمير، فقد كان -طبقًا لرواية الأخباريين- كأغلب أيام العرب لسبب غير خطير، ذلك أن رجلا من بني ذبيان يقال له "كعب الثعلبي" نزل ضيفا على مالك بن العجلان، ثم خرج إلى سوق بني قينقاع، فرأى رجلا من "غطفان" معه فرس، وهو يقول "ليأخذ هذا الفرس أعز أهل يثرب" فقال كعب: مالك ابن العجلان، فسمه "سمير الأوسي فشتمه ثم قتله بعد مدة في حديث طويل، وخاف الحيان ان تنشب الحرب، وقبل الأوس أن يدفعوا للخزرج دية الحليف، وهي نصف دية النسيب، إلا أن الخزرج أبو إلا دية الصريح، ولج الأمر بينهم حتى أتى إلى المحاربة، فاجتمعوا واقتتلوا اقتتالا شديدا على مقربة من قباء"، ثم انصرفوا منتصفين، ثم التقوا مرة ثانية عند إطم لبني قينقاع، فانتصر الأوس، وانتهى الأمر إلى أن يحتكموا إلى "المنذر بن حرام" الخزرجي، جد حسان بن ثابت، الذي حكم بأن تدفع الأوس دية الصريح، وانتهت الحرب، وإن افترق القوم وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العدواة بينهم1.
وأما "يوم بعاث"، فقد كان آخر الحروب التي نشبت بين الأوس والخزرج، وقبل هجرة المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بخمس سنوات، وتروي المصادر العربية أن الحروب السابقة بين الأوس والخزرج، إنما كانت في غالبيتها للخزرج، ومن ثم فقد رأى الأوس محالفة بني قريظة، فأرسلت إليهم الخزرج، "لئن فعلتم فأذنوا بحرب" فتفرقوا وأرسلوا إلى الخزرج "إنا لا نحالفهم ولا ندخل بينكم"، ومع ذلك فقد استمر كل فريق يستميل إليه يهود، فضلا عن قبائل عربية أخرى، ولعب اليهود أخطر الأدوار في إشعال نار الحرب بين الحيين العربيين، بغية تفتيت وحدتهم، وأملا في أن يكتب له نجاح في القضاء على الوحدة العربية، وبالتالي عودة السيادة لهم في يثرب من جديد.
وهكذا جدد بنو قريظة والنضير تحالفهم مع الأوس، ثم ضموا إليهم قبائل أخرى من اليهود واستعدوا للحرب، وخشي الخزرج أن تنزل بهم هزيمة، فراسلوا
1 ابن الأثير 1/ 658-662، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص333، المفضليات ص135، البدء والتأريخ 3/ 130، الاشتقاق 1/ 266، الأعلاق النفيسة ص64، وفاء الوفا 1/ 152، الأغاني 2/ 1621-164، أيام العرب في الجاهلية ص62-64، جرجي زيدان: المرجع السابق ص361-362، قارن: تاريخ الجاهلية ص123-124.
حلفاءهم من بني أشجع وبني جهينة، وراسل الأوس حلفاءهم من بني مزينة. وأخيرًا نشبت الحرب بين الفريقين عند "بعاث" -حصن بني قريظة- وانهزم الأوس في اليوم الأول، غير أن "عمر بن الخزرج" قائد الخزرج، سرعان ما قتل، وانتهز الأوس الفرصة، فمالوا على الخزرج ميلة رجل واحد، يقتلون رجالهم ويحرقون منازلهم ونخيلهم، بعد أن كانت يهود قد نهبت ما استطاعت من أموالهم، ولم ينقذ الخزرج ونخيلهم، إلا خشية الأوس من أن يستعيد اليهود مركزهم السابق في يثرب، فيضطروا لمواجهتهم منفردين بعد القضاء على الخزرج، وفعلا فلقد بدت نيات اليهود في واضحة في تحطيم الخزرج وإذلالهم، بخاصة وأنهم أصحاب اليد الطولى في القضاء على نفوذ اليهود في المدينة، ومن ثم فقد فضلت الأوس ال بالقضاء على روح التسلط في الخزرج، وصاح واحد منهم "يا معشر الأوس: أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب".
ويروي أن السيدة عائشة رضي الله عنه قالت عن هذا اليوم "كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا، قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام"؛ ذلك لأن يوم بعاث قد أضعف بطون يثرب كلها وأوجد فيها ميلا إلى الاتحاد، كما أضعف كذلك روح العداوة والحقد في نفوس البطون اليثربية، حتى أخذ الناس ينصرفون لأعمالهم ويتذوقون لذة الراحة وهناءة العيش وصفاء البال، وكانوا كلما هم أحدهم أن يصب زيتا حارا على نار العداوة الكامنة في القلوب ليزيد في ضرامها، ويعظم من أوارها، سعى كثير من الزعماء وذوي النفوذ من الطرفين لكف يده حتى لا تسل السيوف من أغمادها، وجاء الإسلام واتفقت الكلمة، واجتمع الأوس والخزرج على نصرة الإسلام وأهله، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وأصبح القوم بنعمة الله إخوانا1.
1 وفاء الوفا 1/ 152-155، خلاصة الوفا ص177-178، البكري 1/ 259-260، ياقوت 1/ 45، تاريخ ابن خلدون 2/ 289-290، ابن الأثير 1/ 680-684، الأغاني 3/ 19-42، الميداني 1/ 2، اللسان 6/ 18، تاج العروس 1/ 604، شرح ديوان حسان بن ثابت ص278، ابن هشام 2/ 183، صحيح البخاري 5/ 108، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص62-70، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص336، محمد أحمد جاد المولى وآخرون: أيام العرب في الجاهلية ص73-84، إبراهيم العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص41-43، وكذا
P.K. Hitti، Op. Cit.، P.89