الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْعَجْوَةِ وَالْكَمْأَةِ وَالْحُلْبَةِ]
ِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَصَبَّحَ بِثَلَاثِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ» .
زَادَ الْبُخَارِيُّ «ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ» ، وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ» ، وَفِي لَفْظٍ «مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ» مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ.
، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، وَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ» .
السُّمُّ مُثَلَّثُ السِّينِ، وَفَتْحُهَا أَفْصَحُ،، وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ، وَالْمُرَاد لَابَتَا الْمَدِينَةِ، وَالتِّرْيَاقُ بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرهَا، وَيُقَالُ دِرْيَاقٌ، وَطِرْيَاقٌ، وَأَوَّلَ الْبُكْرَةِ بِنَصْبِ أَوَّلَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ: مَنْ تَصَبَّحَ، وَالْعَالِيَةُ الْعِمَارَاتُ الْقُرَى مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي نَجْدَ، وَالسَّافِلَةُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى. مِمَّا يَلِي تِهَامَةَ، وَأَدْنَى الْعَالِيَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَأَبْعَدُهَا ثَمَانِيَةٌ.
. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدٍ قَالَ: «مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيِي حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي، وَقَالَ لِي: إنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ فَأْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يُطَبِّبُ فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ ثُمَّ لِيَلُدّكَ بِهِنَّ» الْمَفْئُودَ الَّذِي أُصِيبَ فُؤَادُهُ فَهُوَ يُسَكِّنُهُ قَالَ: الْأَصْمَعِيُّ اللَّدِيدَانِ جَانِبَا الْوَادِي، وَمِنْهُ أُخِذَ اللَّدُودُ، وَهُوَ مَا يُصَبُّ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْفَمِ جَمْعُهُ أَلِدَّةٌ. وَقَدْ لَدَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَلْدُودٌ، وَأَلْدَدْتُهُ أَنَا، وَالْتَدَّ هُوَ، وَاللَّدِيدُ مِثْلُ اللَّدُودِ. اخْتَارَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ رحمه الله اخْتِصَاصَ مَا سَبَقَ بِعَجْوَةِ الْمَدِينَةِ كَخَاصِّيَّةِ
السَّبْعِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إلَّا بِالْوَحْيِ. وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد بَابٌ فِي تَمْرَةِ الْعَجْوَةِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمَدِينَةِ.
، وَلِأَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ، وَالْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلسُّمِّ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمَاءٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَعَصَرْتُهُنَّ، وَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ، وَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي عَمْشَاءَ فَبَرَأَتْ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مَعًا كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،، وَلِابْنِ مَاجَهْ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ أَيْضًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، " وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ "، وَعِنْدَهُ فِي الْعَجْوَةِ، " وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ " لَمْ يَقُلْ " وَمَاؤُهَا ". كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ عليه السلام «بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ» ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَجْوَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ كَالْكَمْأَةِ، وَفِيهِ " إنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ " وَفِيمَا سَبَقَ أَنَّهَا تَمْنَعُ تَأْثِيرَهُ.
وَالتَّمْرُ حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ: رَطْبٌ فِيهَا، وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ، وَهُوَ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ اعْتَادَهُ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَالْحَارَّةِ الَّتِي حَرَارَتُهَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ لَهُمْ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِبُرُودَةِ مَوَاطِنِ سُكَّانِهَا، وَحَرَارَةِ بُطُونِ سُكَّانِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَلِذَلِكَ يُكْثِرُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَالْيَمَنِ وَمَا يَلِيهِمْ مِنْ الْبِلَادِ الْمُشَابِهَةِ لَهَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْحَارَّةِ مَا لَا يَتَأَتَّى لِغَيْرِهِمْ.
وَتَمْرُ الْعَالِيَةِ مِنْ أَجْوَدِ ثَمَرِهِمْ، وَيَدْخُلُ التَّمْرُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَيُوَافِقُ أَكْثَرَ الْأَبْدَانِ، مُقَوٍّ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، وَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنْ الْفَضْلَةِ الرَّدِيئَةِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَاكِهَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ بَلْ يَمْنَعُ مَنْ اعْتَادَهُ مِنْ
بَعْضِ الْخَلْطِ، وَفَسَادِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا الْحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ جَاوَرَهُمْ، كَذَا قَالَ.
وَلِلْأَمْكِنَةِ اخْتِصَاصٌ يَنْفَعُ كَثِيرًا فَيَكُونُ الدَّوَاءُ الَّذِي يَنْبُتُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَافِعًا مِنْ الدَّاءِ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ النَّفْعُ إذَا نَبَتَ فِي مَكَان غَيْرِهِ لِتَأْثِيرِ نَفْسِ التُّرْبَةِ، وَالْهَوَاءِ أَوْ هُمَا، فَإِنَّ فِي الْأَرْضِ خَوَاصَّ، وَطَبَائِعَ تُقَارِبُ اخْتِلَافَهَا، وَاخْتِلَافَ طَبَائِعِ الْإِنْسَانِ. كَثِيرٌ مِنْ النَّبَاتِ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ غِذَاءً مَأْكُولًا، وَفِي بَعْضِهَا سُمًّا قَاتِلًا، وَرُبَّ أَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ أَغْذِيَةٌ لِآخَرِينَ، وَأَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ مِنْ أَمْرَاضٍ، وَهِيَ أَدْوِيَةٌ لِآخَرِينَ فِي أَمْرَاضٍ سِوَاهَا، وَأَدْوِيَةٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ لَا تُنَاسِبُ غَيْرَهُمْ.
وَالسَّبْعُ مِنْ الْعَدَدِ لَهُ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ يَجْمَعُ مَعَانِي الْعَدَدِ، وَخَوَاصَّهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَفْعٌ، وَوِتْرٌ، وَشَفْعٌ أَوَّلُ، وَثَانٍ، وَالْوِتْرُ كَذَلِكَ، فَالشَّفْعُ الْأَوَّلُ اثْنَانِ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ، وَالْوِتْرُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ، وَالثَّانِي خَمْسَةٌ، وَالْأَطِبَّاءُ تُعْنَى بِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِحَارَيْنِ. وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ عَادَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه بِمَكَّةَ فَقَالَ: اُدْعُوا لَهُ طَبِيبًا فَدُعِيَ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ، وَاِتَّخِذُوا لَهُ فَرِيقَةً مَعَ تَمْرِ عَجْوَةٍ رَطْبَةٍ يُطْبَخَانِ فَتَحَسَّاهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فَبَرَأَ» ، وَالْفَرِيقَةُ الْحُلْبَةُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٌ ذَاتُ نُقْطَتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ ثُمَّ قَافٌ ثُمَّ هَاءٌ تَمْرٌ يُطْبَخُ بِحُلْبَةٍ، وَهُوَ طَعَامُ النُّفَسَاءِ قَالَ أَبُو كَثِير:
وَلَقَدْ وَرَدْتُ الْمَاءَ لَوْنَ حَمَامَةٍ
…
لَوْنَ الْفَرِيقَةِ صُفِّيَتْ لِلْمُدْنِفِ
وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «اسْتَشْفُوا بِالْحُلْبَةِ» ، وَالْحُلْبَةُ حَارَّةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: فِي آخِرِ الْأُولَى، يَابِسَةٌ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ: فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا تَخْلُو مِنْ رُطُوبَةٍ فَضْلِيَّةٍ إذَا طُبِخَتْ بِالْمَاءِ لِتَلْيِينِ الْحَلْقِ، وَالصَّدْرِ، وَالْبَطْنِ نَافِعَةٌ لِلْحَصْرِ، وَتُسَكِّنُ السُّعَالَ، وَالْخُشُونَةِ، وَالرَّبْو، وَعُسْرِ النَّفَسِ.
مُنْضِجَةٌ مُلَيِّنَةٌ، وَتُزِيدُ فِي الْبَاهِ جَيِّدَةٌ لِلرِّيحِ، وَالْبَلْغَمِ، وَالْبَوَاسِيرِ مُحْدِرَةٌ لِلْكَيْمُوسَاتِ الْمُتَرَكِّبَةِ فِي الْأَمْعَاءِ، وَتَجْلُبُ الْبَلْغَمَ اللَّزِجَ مِنْ الصَّدْرِ، وَتَنْفَعُ مِنْ الرَّتِيلَاتِ، وَأَمْرَاضِ الرِّئَةِ، وَتُسْتَعْمَلُ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ فِي الْأَحْشَاءِ مَعَ السَّمْنِ، وَالسُّكَّرِ، وَإِذَا شُرِبَتْ مَعَ وَزْنِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فُوَّهً أَدَرَّتْ الْحَيْضَ، وَدَمَ النِّفَاسِ إذَا طُبِخَتْ بِعَسَلٍ، وَإِذَا طُبِخَتْ، وَغُسِلَ بِهَا الشَّعْرُ جَعَّدَتْهُ، وَأَذْهَبَتْ الْحَرَارَةَ.
وَدَقِيقُهَا إذَا خُلِطَ بِالنَّطْرُونِ، وَالْخَلِّ، وَضُمِّدَ بِهِ حُلَلُ وَرَمِ الطِّحَالِ، وَإِنْ جَلَسَتْ امْرَأَةٌ فِي مَاءٍ طُبِخَتْ فِيهِ الْحُلْبَةُ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الرَّحِمِ الْعَارِضِ مِنْ وَرَمٍ فِيهِ.
وَإِذَا ضُمِّدَتْ بِهِ الْأَوْرَامُ الصُّلْبَةُ الْقَلِيلَةُ الْحَرَارَةِ نَفَعَتْهَا، وَحَلَّلَتْهَا، وَيُشْرَبُ مَاؤُهَا لِرِيحٍ عَارِضٍ، وَلِزَلَقِ الْأَمْعَاءِ، وَإِنْ أُكِلَتْ مَطْبُوخَةً بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ تِينٍ عَلَى الرِّيقِ حَلَّلَتْ الْبَلْغَمَ اللَّزِجَ الْعَارِضَ فِي الصَّدْرِ، وَالْمَعِدَةِ، وَنَفَعَتْ مِنْ السُّعَالِ الْمُتَطَاوِلِ زَمَنُهُ، وَأَكْلُ الْحُلْبَةِ يُقَلِّلُ رَائِحَةَ الْبَرَازِ، وَيُسَهِّلُ الْإِوْلَادِ لِلرَّحِمِ الْعَسِرَةِ الْوِلَادَةِ بِجَفَافٍ، وَدُهْنُهَا إذَا خُلِطَ بِالشَّمْعِ يَنْفَعُ مِنْ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ مِنْ الْبَرْدِ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَنَافِعَهَا لَاشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُوَلِّدُ كَيْمُوسًا رَدِيئًا، وَتُصَدِّعُ.