الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مُضَاعَفَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ]
ِ) وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَفِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِينَ أَلْفًا، وَفِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَإِذَا فَضِيلَةُ النَّفْلِ فِيهَا عَلَى النَّفْلِ فِي غَيْرِهَا كَفَضِيلَةِ الْفَرْضِ فِيهَا عَلَى الْفَرْضِ فِي غَيْرِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَزَادَ لِلْأَثَرِ.
وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ وَلَمْ أَجِدْ أَثَرًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ وَوَقَعَ لَهُمْ فِيهِ غَلَطٌ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ وَكَذَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ الْمَالِكِيُّ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيَّ الْحَنَفِيُّ بِالْفَرْضِ.
وَقَالَ الْقَاضِي السُّرُوجِيُّ الْحَنَفِيُّ: اسْمُ الصَّلَاةِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ هَذَا الْخَبَرَ يَعْنِي صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا عَلَى الْفَرْضِ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عليه السلام «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَمْ يَزِدْ السُّرُوجِيُّ عَلَى هَذَا.
وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله عَنْ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ قَالَ: قَالُوا: وَلِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْعِبَادَاتِ وَتَضْعِيفِهَا مَا لَا يَكُونُ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تَتَضَاعَفُ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رحمه الله فِي اسْتِدْلَالِهِ لِأَفْضَلِيَّةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ عَنْ «مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ. قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ عَنْ عِيسَى كَذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مِسْكِينِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
عَنْ زِيَادِ بْنِ سَوْدَةَ عَنْهَا فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ نَكَارَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزَّيْتَ يَعِزُّ فِي الْحِجَازِ فَكَيْفَ يَأْمُرُ الشَّارِعُ بِنَقْلِهِ مِنْ هُنَاكَ إلَى مَعْدِنِهِ؟
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا رُزَيْقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَلْهَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجْمِعُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ.» أَبُو الْخَطَّابِ هَذَا لَا يُعْرَفُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ زَيْدٍ الْمَوْصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ:
(وَالْآخَرُ)«أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قِيلَ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَامًا» وَالْآخَرُ «أَنَّ الصَّلَاةَ تَعْدِلُ سَبْعَمِائَةِ صَلَاةٍ.» كَذَا قَالَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.»
وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَزَادُوا «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادُوا «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» فَعَلَى هَذَا الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ تَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا أَنَّهَا تُعَادِلُ الْأَلْفَ، وَالصَّلَاةُ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ سِوَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْقَوْلُ بِهَذَا أَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي أَحْكَامِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ.
وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّفَلَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ قَالَ: عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ إلَّا النِّسَاءَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ، وَالْأَخْبَارُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ: ثَنَا هَارُونُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ثَنَا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا «جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بَيْتِهَا، وَاَللَّهِ كَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عز وجل» عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ جَهَالَةٌ لَكِنْ الْمُتَقَدِّمُونَ حَالُهُمْ حَسَنٌ وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ لَا مَا زِيدَ فِيهِ لِقَوْلِهِ: عليه السلام فِي مَسْجِدِي هَذَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ عَلَى رَمْلَةٍ حَمْرَاءَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ لَوْ سِرْتُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَّا فَرْسَخٌ أَوْ فَرْسَخَانِ مَا أَتَيْتُهُ أَوْ مَا أُحِبُّ أَنْ آتِيَهُ رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ.