الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي اتِّخَاذِ الطُّيُورِ]
ِ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ اتِّخَاذُ طُيُورٍ طَيَّارَةٍ تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ وَتُكْرَهُ فِرَاخُهَا وَبَيْضُهَا، وَلَا تُكْرَهُ الْمُتَّخَذَةُ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ فَقَطْ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي طَيْرِ أُنْثَى جَاءَتْ إلَى قَوْمٍ فَأَزْوَجَتْ عِنْدَهُمْ وَفَرَّخَتْ لِمَنْ الْفِرَاخُ قَالَ: يَتْبَعُونَ الْأُمَّ، وَأَظُنُّ أَنِّي سَمِعْته يَقُولُ فِي الْحَمَامِ الَّذِي يَرْعَى الصَّحْرَاءَ أَكْرَهُ أَكْلَ فِرَاخِهَا، وَكَرِهَ أَنْ تَرْعَى فِي الصَّحْرَاءِ وَقَالَ تَأْكُلُ طَعَامَ النَّاسِ.
وَقَالَ حَرْبٌ: سَمِعْت أَحْمَدَ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ الطَّيْرَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا كَانَتْ مَقْصُوصَةً لِيَسْتَأْنِسَ إلَيْهَا فَإِنْ تَلَهَّى بِهَا فَإِنِّي أَكْرَهُهُ قُلْت لِأَحْمَدَ إنْ اتَّخَذَ قَطِيعًا مِنْ الْحَمَامِ تَطِيرُ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ إذَا كَانَتْ تَطِيرُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَزُرُوعَهُمْ.
وَقَالَ مُهَنَّا سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بُرُوجِ الْحَمَامِ الَّتِي تَكُونُ بِالشَّامِّ؟ فَكَرِهَهَا وَقَالَ تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ. فَقُلْت لَهُ وَإِنَّمَا كَرِهْتهَا لِأَجْلِ أَنَّهَا تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ؟ فَقَالَ أَكْرَهُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَمَامِ فَقُلْت لَهُ تُقْتَلَ قَالَ: تُذْبَحُ.
وَرَوَى مُهَنَّا وَغَيْرُهُ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَالْحَمَامِ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَمَامِ الْمَقْصُوصِ قَالَ: عُثْمَانُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَمَامِ، وَالْكِلَابِ قُلْت الْمَقَاصِيصُ هِيَ أَهْوَنُ عِنْدَك مِنْ الطَّيَّارَةِ قَالَ نَعَمْ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِتَرْكِ الْمَقَاصِيصِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الطَّيَّارَةِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالْمُقَصَّصَةِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ بَأْسًا فَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ اتِّخَاذَ الْحَمَامِ لِلتَّلَهِّي بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي كَرَاهَتِهِ لِشَيْءٍ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ رحمهم الله مَنْ اتَّخَذَ الْحَمَامَ لَعِبًا وَلَهْوًا فَهُوَ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ يُرَاهِنُ عَلَيْهَا وَيُسَرِّحهُنَّ مِنْ الْمَوَاضِعِ لَعِبًا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ حَمَامٍ طَيَّارَةٍ لِأَجْلِ فِرَاخِهَا فَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَجْلِ أَكْلِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنْهُ الْكَرَاهِيَةَ وَهَلْ يُعَدُّ هَذَا رِوَايَةً بِالتَّنْزِيهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُهُ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ يُتَوَجَّهُ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ وَفِي تَضْمِينِ مُقْتَنِيهِ مَا أَتْلَفَهُ رِوَايَتَانِ وَجَّهَ الْقَاضِي التَّضْمِينَ كَإِمْسَاكِ الْحَيَّاتِ، وَالسِّبَاعِ، وَوَجَّهَ عَدَمَهُ كَمَا لَوْ شَدَّ حَرْثَهُ عَقُورًا فِي مِلْكِهِ فَعَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ وَوَجَّهَ فِي الْمُغْنِي التَّضْمِينَ بِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ سَبَبٌ لِلْعَقْرِ، وَالْأَذَى كَمَنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، وَوَجَّهَ عَدَمَهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَكَسَائِرِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ يُتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنَّ اقْتِنَاءَ طَيْرٍ يَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا هَلْ يَضْمَنُ مُقْتَنِيهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ هَلْ يَضْمَنُ مَقَتَنِي الْكَلْبِ مَا أَتْلَفَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ فِي تَحْرِيمِ الِاقْتِنَاءِ فَكَذَا مَقَتَنِي الطَّيْرَ فَهَذِهِ مَسَالِكُ مُحْتَمَلَةٌ، أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فَبَعِيدٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَبَاحَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَ الْحَمَامِ لِلْأُنْسِ وَاعْتَبَرَ أَنْ تَكُونَ مَقْصُوصَةً لِئَلَّا تَطِيرَ فَتَأْكُلَ زُرُوعَ النَّاسِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِالْخَبَرِ فِي ذَلِكَ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ السُّنِّيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَحْشَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ زَوْجَ حَمَامٍ وَيَذْكُرَ اللَّهَ عِنْدَ هَدِيرِهِ» . وَهَذَا الْخَبَرُ
ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلْوَانَ كَذَّابٌ قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَخَالِدٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إلَيْهِ الْوَحْشَةَ فَقَالَ اتَّخِذْ زَوْجًا مِنْ حَمَامٍ» .
وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ اتِّخَاذَ الْحَمَامِ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رحمهم الله لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطِيرَ فَيَأْكُلَ طَعَامَ النَّاسِ وَيَتَعَدَّى الضَّرَرُ إلَى النَّاسِ، وَأَبَاحُوا أَيْضًا اتِّخَاذَهَا لِاسْتِفْرَاخِهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَرِوَايَةُ مُهَنَّا السَّابِقَةُ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ اتِّخَاذِ الْحَمَامِ مُطْلَقًا لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَامِ الْقِمَارَ، أَوْ أَنْ يَصِيدَ بِهِ حَمَامَ غَيْرِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ حَرُمَ وَتَقَدَّمَ فَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ الصَّبَاحِ، وَالْمَسَاءِ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي فِيهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً لَا تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ فَقَدْ كَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاحْتَجَّ بِالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ وَرِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد أَنَّهُ قِيلَ: لَهُ الرَّجُلُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ حَمَامُ غَيْرِهِ فَيُفْرِخُ يَأْكُلُ مِنْ فِرَاخِهِ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا طَيْرُ جَارِهِ.