الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي فَضْلِ التِّجَارَةِ وَالْكَسْبِ عَلَى تَرْكِهِ تَوَكُّلًا وَتَعَبُّدًا]
) سَأَلَ رَجُلٌ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله فَقَالَ: أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ مِنْ تِجَارَةٍ وَدِرْهَمٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ وَدِرْهَمٌ مِنْ أَجْرِ التَّعْلِيمِ وَدِرْهَمٌ مِنْ غَلَّةِ بَغْدَادَ؟ فَقَالَ: أَحَبُّهُ إلَيَّ مِنْ تِجَارَةِ بَزِّهِ، وَأَكْرَهُهَا عِنْدِي الَّذِي مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ، وَأَمَّا أَجْرُ التَّعْلِيمِ فَإِنْ احْتَاجَ فَلْيَأْخُذْهُ، وَأَمَّا غَلَّةُ بَغْدَادَ فَأَنْتَ تَعْرِفُهَا فَأَيُّ شَيْءٍ تَسْأَلُنِي عَنْهَا وَقَالَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ الْمَسْأَلَةُ قَالَ التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ.
وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: سَمِعْت رَجُلًا يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إنِّي فِي كِفَايَةٍ قَالَ الْزَمْ السُّوقَ تَصِلُ بِهِ الرَّحِمَ وَتَعُودُ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ لِلْمَيْمُونِيِّ اسْتَغْنِ عَنْ النَّاسِ فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْغَنِيِّ عَنْ النَّاسِ وَقَالَ رَجُلٌ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رحمه الله لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ فِي بَيْتِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ يَثِقُ بِاَللَّهِ فَيَأْتِيه بِرِزْقِهِ قَالَ: إذَا وَثِقَ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ وَثِقَ بِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْء أَرَادَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْأَنْبِيَاءُ وَلَا غَيْرُهُمْ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] . وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَعِيشَةِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رحمه الله وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْرُكُ التِّجَارَةَ وَيُقْبِلُ عَلَى الصَّلَاةِ يَعْنِي وَرَجُلٌ يَشْتَغِلُ بِالتِّجَارَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ التَّاجِرُ الْأَمِينُ.
وَتَرَكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ دَنَانِيرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجْمَعْهَا إلَّا لِأَصُونَ بِهَا دِينِي وَحَسَبِي، لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَجْمَعُ الْمَال فَيَقْضِي دَيْنَهُ وَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ
وَقَالَ سُفْيَانُ رحمه الله لَيْسَ مِنْ حُبِّكَ الدُّنْيَا أَنْ تَطْلُبَ فِيهَا مَا يُصْلِحُكَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ فُضُولُ الْكَلَامِ وَفُضُولُ الْمَالِ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ رحمه الله فَإِنْ أَطْعَمَ عِيَالَهُ حَرَامًا يَكُون ضَيْعَةً لَهُمْ قَالَ شَدِيدًا قَالَ الْمَرْوَزِيُّ وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْمُتَوَكِّلِينَ فِي ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ يَنْبَغِي لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَلَكِنْ يُعَوِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكَسْبِ فَمَنْ قَالَ بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ فَهَذَا قَوْلُ إنْسَانٍ أَحْمَقَ قَالَ وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَمَلِ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْ الْجُلُوسِ وَانْتِظَارِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ.
وَقَالَ صَالِحٌ سُئِلَ وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ قَوْمٍ لَا يَعْمَلُونَ، وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ مُبْتَدِعَةٌ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يَقُولُ: هُمْ مُبْتَدِعَةٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ قَوْمُ سَوْءٍ يُرِيدُونَ تَعْطِيلَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَحْتَرِفْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَإِذَا شَغَلَ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ تَرَكَ الطَّمَعَ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ صَدَقَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ يَطْمَعُ أَنْ يَجِيئَهُ بِشَيْءٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اللَّهُ يَرْزُقُهُ وَكَانَ مُتَوَكِّلًا.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ التَّوَكُّلَ فَأَجَازَهُ لِمَنْ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الصِّدْقَ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى أَيْضًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» . وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ
الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا «إنَّ لِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ بِكُلِّ وَادٍ شُعْبَةً فَمَنْ أَتْبَعَ قَلْبَهُ الشُّعَبَ كُلَّهَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ وَادٍ أَهْلَكَهُ وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ الشُّعَبَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ زُرَيْقٍ الْعَطَّارِ تَفَرَّدَ عَنْهُ الْكَوْسَجُ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ وَلِابْنِ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ سَبَقَ فِي فُصُولِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمُجَالِسِ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «لَا تُكْثِرْ هَمَّكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ وَمَا يُقَدَّرُ يَكُونُ وَمَا تُرْزَقُ يَأْتِيكَ» وَقَالَ غَيْرُهُ قَالَ الْأَطِبَّاءُ فِي تَدْبِيرِ الْمَشَايِخِ وَلْيَحْذَرُوا الْهَمَّ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ الشَّبَابَ شُيُوخًا فَمَا ظَنُّك بِالْمَشَايِخِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُرْوَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَفِيهَا نَظَرٌ
لَوْ أَنَّ فِي صَخْرَةٍ فِي الْبَحْرِ رَاسِيَةٍ
…
صَمًّا مُلَمْلَمَةً مَلْسٌ نَوَاحِيهَا
رِزْقًا لِعَبْدٍ بَرَاهُ اللَّهُ لَانْفَلَقَتْ
…
حَتَّى تُؤَدِّي إلَيْهِ كُلَّ مَا فِيهَا
أَوْ كَانَ تَحْتَ طِبَاقِ الْأَرْضِ مَطْلَبُهَا
…
لَسَهَّلَ اللَّهُ فِي الْمَرْقَى مَرَاقِيهَا
حَتَّى تُؤَدِّي الَّذِي فِي اللَّوْحِ خُطَّ لَهُ
…
إنْ هِيَ أَتَتْهُ وَإِلَّا سَوْفَ يَأْتِيهَا
قَالَ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ لَيْسَ الرِّزْقُ بِالطَّلَبِ
…
وَلَا الْعَطَايَا عَلَى عَقْلٍ وَلَا أَدَبِ
إنْ قَدَّرَ اللَّهُ شَيْئًا أَنْتَ طَالِبُهُ
…
يَوْمًا وَجَدْتَ إلَيْهِ أَقْرَبَ السَّبَبِ
وَإِنْ أَبَى اللَّهُ مَا تَهْوَى فَلَا طَلَبٌ
…
يُجْدِي عَلَيْك وَلَوْ حَاوَلْت مِنْ كَثَبِ
وَقَدْ أَقُولُ لِنَفْسِي وَهْيَ ضَيِّقَةٌ
…
وَقَدْ أَنَاخَ عَلَيْهَا الدَّهْرُ بِالْعَجَبِ
صَبْرًا عَلَى ضِيقَةِ الْأَيَّامِ إنَّ لَهَا
…
فَتْحًا وَمَا الصَّبْرُ إلَّا عِنْدَ ذِي الْأَدَبِ
سَيَفْتَحُ اللَّهُ أَبْوَابَ الْعَطَاءِ بِمَا
…
فِيهِ لِنَفْسِكَ رَاحَاتٌ مِنْ التَّعَبِ
وَلَوْ يَكُونُ كَلَامِي حِينَ أُنْشِدُهُ
…
مِنْ اللُّجَيْنِ لَكَانَ الصَّمْتُ مِنْ ذَهَبِ
وَلِآخَرَ:
إنِّي لَأَعْلَمُ وَالْأَقْدَارُ غَالِبَةٌ
…
أَنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي
أَسْعَى إلَيْهِ فَيُعْنِينِي تَطَلُّبُهُ
…
وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي لَا يُعَنِّينِي
وَقَالَ آخَرُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمَ
…
وَهُزِّي إلَيْكِ الْجِذْعَ يَسْقُطْ لَكِ الرُّطَبُ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزِّهَا
…
جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ:
لِلنَّاسِ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَقَدْ فَسَدَتْ
…
فَصَفْوُهَا لَك مَمْزُوجٌ بِتَكْدِيرِ
فَمَنْ يُكِبُّ عَلَيْهَا لَا تُسَاعِدُهُ
…
وَعَاجِزٌ نَالَ دُنْيَاهُ بِتَقْصِيرِ
لَمْ يُدْرِكُوهَا بِعَقْلٍ عِنْدَمَا قُسِمَتْ
…
وَإِنَّمَا أَدْرَكُوهَا بِالْمَقَادِيرِ
لَوْ كَانَ عَنْ قُدْرَةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ
…
طَارَ الْبُزَاةُ بِأَرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ
وَلِشُرَيْحِ بْنِ يُونُسِ الْمُحَدِّثُ
يَا طَالِبَ الرِّزْقِ يَسْعَى وَهْوَ مُجْتَهِدُ
…
أَتْعَبْتَ نَفْسَك حَتَّى شَفَّك التَّعَبُ
تَسْعَى لِرِزْقٍ كَفَاك اللَّهُ مُؤْنَتَهُ
…
أَقْصِرْ فَرِزْقُك لَا يَأْتِي بِهِ الطَّلَبُ
كَمْ مِنْ سَخِيفٍ ضَعِيفِ الْعَقْلِ تَعْرِفُهُ
…
لَهُ الْوِلَايَةُ وَالْأَرْزَاقُ وَالذَّهَبُ
وَمِنْ حَصِيفٍ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ
…
بَادِي الْخَصَاصَةِ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ نَسَبُ
فَاسْتَرْزِقْ اللَّهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ
…
فَاَللَّهُ يَرْزُقُ لَا عَقْلٌ وَلَا حَسَبُ
وَقَالَ آخَر:
كَمْ مِنْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ فِي تَقَلُّبِهِ
…
مُهَذَّبِ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ مُنْحَرِفُ
وَمِنْ ضَعِيفٍ ضَعِيفِ الرَّأْيِ تُبْصِرُهُ
…
كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ
وَقَالَ آخَرُ
يَا رَاكِبَ الْهَوْلِ وَالْآفَاتِ وَالْهَلَكَهْ
…
لَا تَعْجَلَنَّ فَلَيْسَ الرِّزْقُ بِالْحَرَكَهْ
مَنْ غَيْرُ رَبِّكَ فِي السَّبْعِ الْعُلَى مَلَكَ
…
وَمَنْ أَدَارَ عَلَى أَرْجَائِهَا فَلَكَهْ
أَمَا تَرَى الْبَحْرَ وَالصَّيَّادَ تَضْرِبُهُ
…
أَمْوَاجُهُ وَنُجُومُ اللَّيْلِ مُشْتَبِكَهْ
يَجُرُّ أَذْيَالَهُ وَالْمَوْجُ يَلْطِمُهُ
…
وَعَقْلُهُ بَيِّنٌ فِي كَلْكَلِ الشَّبَكَهْ
حَتَّى إذَا رَاحَ مَسْرُورًا بِهَا فَرِحًا
…
وَالْحُوتُ قَدْ شَكَّ مَنْقُودُ الرَّدَى حَنَكَهْ
أَتَى إلَيْك بِرِزْقٍ مَا بِهِ تَعَبٌ
…
فَصِرْت تَمْلِكُ مِنْهُ مِثْلَ مَا مَلَكَهْ
لُطْفًا مِنْ اللَّهِ يُعْطَى ذَا بِحِيلَتِهِ
…
هَذَا يَصِيدُ وَهَذَا يَأْكُلُ السَّمَكَهْ
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَلَالُ يَقْطُرُ قَطْرًا، وَالْحَرَامُ يَسِيلُ سَيْلًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ جَدُّك لَا كَدُّك.
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
الْمَرْءُ يُحْمَدُ سَعْيُهُ مِنْ جَدِّهِ
…
حَتَّى يُزَيَّنَ بِاَلَّذِي لَمْ يَعْمَلْ
وَتَرَى الشَّقِيَّ إذَا تَكَامَلَ عَيْبُهُ
…
يُرْمَى وَيُقْذَفُ بِاَلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ
وَقَالَ حَسَّانُ أَوْ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
وَإِنَّ امْرَأً يُمْسِي وَيُصْبِحُ سَالِمًا
…
مِنْ النَّاسِ إلَّا مَا جَنَى لَسَعِيدُ
وَإِنَّ الَّذِي يَنْجُو مِنْ النَّارِ بَعْدَمَا
…
تَزَوَّدَ مِنْ أَعْمَالِهَا لَسَعِيدُ
وَلِصَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:
وَلَيْسَ رِزْقُ الْفَتَى مِنْ حُسْنِ حِيلَتِهِ
…
لَكِنْ جُدُودٌ بِأَرْزَاقٍ وَأَقْسَامِ
كَالصَّيْدِ يُحْرَمُهُ الرَّامِي الْمَجِيدُ وَقَدْ
…
يَرْمِي فَيُرْزَقُهُ مَنْ لَيْسَ بِالرَّامِي
طَلَبَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّؤَلِيُّ مَالًا مِنْ جَارٍ يَسْتَقْرِضُهُ مِنْهُ وَكَانَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:
فَلَا تَطْمَعَنَّ فِي مَالِ جَارٍ لِقُرْبِهِ
…
فَكُلُّ قَرِيبٍ لَا يُنَالُ بَعِيدُ
وَفَوِّضْ إلَى اللَّهِ الْأُمُورَ فَإِنَّمَا
…
تَرُوحُ بِأَرْزَاقٍ عَلَيْك جُدُودُ
وَلَا تُشْعِرَنَّ النَّفْسَ يَأْسًا فَإِنَّمَا
…
يَعِيش بِجِدٍّ عَاجِزٌ وَبَلِيدُ
وَأَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْكَاتِبُ لِنَفْسِهِ:
لَا تَشْرَهَنَّ إلَى دُنْيَا تَمَلَّكَهَا
…
قَوْمٌ كَثِيرٌ بِلَا عَقْلٍ وَلَا أَدَبِ
وَلَا تَقُلْ إنَّنِي أَبْصَرْت مَا جَهِلُوا
…
مِنْ الْإِدَارَةِ فِي مَرْأًى وَمُنْقَلَبِ
بِالْجَدِّ وَالْجِدِّ قَدْ نَالُوا الَّذِي مَلَكُوا
…
لَا بِالْعُقُولِ وَلَا بِالْعِلْمِ وَالْحَسَبِ
وَأَيْسَرُ الْجَدِّ يُجْرِي كُلَّ مُمْتَنِعٍ
…
عَلَى التَّمَكُّنِ عِنْدَ الْبَغْيِ وَالطَّلَبِ
وَإِنْ تَأَمَّلْت أَحْوَالَ الَّذِينَ مَضَوْا
…
رَأَيْت مِنْ ذَا وَهَذَا أَعْجَبَ الْعَجَبِ
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ» وَقَدْ سَبَقَ بَعْدَ آدَابِ السَّفَرِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «سَافِرُوا تَصِحُّوا وَتَغْنَمُوا» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَمِنْهُمْ مِنْ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ أَوْ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ صَالِحَةً، وَأَوْلَادُهُ أَبْرَارًا وَإِخْوَانُهُ صَالِحِينَ وَرِزْقُهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي فِيهِ أَهْلُهُ وَفِي التَّوْرَاةِ ابْنَ آدَمَ أُحْدِثْ سَفَرًا أُحْدِثْ لَك رِزْقًا.
وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَامَّةِ: الْبَرَكَاتُ مَعَ الْحَرَكَاتِ وَقَالُوا: رُبَّمَا أَسْفَرَ السَّفَرُ عَنْ الظَّفَرِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَإِذَا الزَّمَانُ كَسَاك حُلَّةَ مُعْدَمٍ
…
فَالْبَسْ لَهُ حُلَلَ النَّوَى وَتَغَرَّبْ
وَقَالَ آخَر:
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ
…
وَمَنْ لَا يُكْرِمُ نَفْسَهُ لَا يُكْرَمُ
وَقَالَ آخَر:
إنَّ الْغَرِيبَ بِأَرْضٍ لَا عَشِيرَ لَهُ
…
كَبَائِعِ الرِّيحِ لَا يُعْطَى بِهِ ثَمَنَا
وَقَالَ آخَر:
تَغَرَّبْتُ عَنْ أَهْلِي أُؤَمِّلُ ثَرْوَةً
…
فَلَمْ أُعْطَ آمَالِي وَطَالَ التَّغَرُّبُ
فَمَا لِلْفَتَى الْمُحْتَالِ فِي الرِّزْقِ حِيلَةٌ
…
وَلَا لِحُدُودٍ حَدَّهَا اللَّهُ مَذْهَبُ
وَقَالَ آخَر:
لَقُرْبُ الدَّارِ فِي الْإِقْتَارِ خَيْرٌ
…
مِنْ الْعَيْشِ الْمُوَسَّعِ فِي اغْتِرَابِ
وَقَالَ آخَرُ:
إنَّ الْغَرِيبَ وَإِنْ أَقَامَ بِبَلْدَةٍ
…
يُهْدَى إلَيْهِ خَرَاجُهَا لَغَرِيبُ
وَقَالَ آخَرُ:
غَرِيبٌ يُقَاسِي الْهَمَّ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ
…
فَيَا رَبِّ قَرِّبْ دَارَ كُلِّ غَرِيبِ
وَقَالَ آخَرُ:
إنَّ الْغَرِيبَ وَإِنْ أَلَمَّ بِبَلْدَةٍ
…
كَتَبَتْ أَنَامِلُهُ عَلَى الْحِيطَانِ
فَتَرَاهُ يَكْتُبُ وَالْغَرَامُ يَسُوقُهُ
…
وَالشَّوْقُ قَائِدُهُ إلَى الْأَوْطَانِ
وَقَالَ آخَرُ:
سَلْ اللَّهَ الْأَمَانَ مِنْ الْمَغِيبِ
…
فَكَمْ قَدْ رُدَّ مِثْلُك مِنْ غَرِيبِ
وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْك بِحُسْنِ الظَّنِّ
…
وَلَا تَيْأَسْ مِنْ الْفَرَجِ الْقَرِيبِ
قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِلرُّشْدِ:
حَتَّى مَتَى أَنَا فِي حَطٍّ وَتَرْحَالِ
…
وَطُولِ سَعْيٍ وَإِدْبَارٍ وَإِقْبَالِ
وَنَازِحُ الدَّارِ لَا يَنْفَكُّ مُغْتَرِبًا
…
عَنْ الْأَحِبَّةِ لَا يَدْرُونَ مَا حَالِي
فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ طُرًّا ثُمَّ مَغْرِبِهَا
…
لَا يَخْطِرُ الْمَوْتُ مِنْ حِرْصٍ عَلَى بَالِي
وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي الرِّزْقُ فِي دَعَةٍ
…
إنَّ الْقُنُوعَ الْغِنَى لَا كَثْرَةُ الْمَالِ
خَرَجَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَضَمَّهُ اللَّيْلُ إلَى مَسْجِدٍ فَبَاتَ فِيهِ وَإِذَا فِي الْمَسْجِدِ أَقْوَامٌ عَوَامُّ يَتَحَدَّثُونَ بِضُرُوبِ مِنْ الْخَنَا وَهَجْرِ الْمَنْطِقِ فَتَمَثَّلَ فَقَالَ:
وَأَنْزَلَنِي طُولُ النَّوَى دَارَ غُرْبَةٍ
…
إذَا شِئْت لَاقَيْتُ امْرَأً لَا أُشَاكِلُهُ
وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُقَال أَنْجَى النَّاسِ مِنْ الْبَلَايَا وَالْفِتَنِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ سَمِعْت أَحْمَدَ وَسُئِلَ عَنْ التَّوَكُّلِ فَقَالَ هُوَ قَطْعُ الِاسْتِشْرَافِ بِالْإِيَاسِ مِنْ الْخَلْقِ، فَقِيلَ لَهُ مَا الْحُجَّةُ قَالَ إبْرَاهِيمُ لَمَّا وُضِعَ فِي الْمَنْجَنِيقِ ثُمَّ طُرِحَ إلَى النَّارِ فَاعْتَرَضَهُ جِبْرِيلُ عليهما السلام فَقَالَ يَا إبْرَاهِيمُ لَك حَاجَةٌ قَالَ أَمَّا إلَيْك فَلَا، فَقَالَ لَهُ سَلْ مَنْ لَك إلَيْهِ حَاجَة، فَقَالَ أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إلَيْهِ أَحَبُّهُمَا إلَيَّ وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ قَدَحَ فِي التَّوَكُّلِ الْكَامِلِ فَلَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ السَّابِقَةِ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَمَلِ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْ الْجُلُوسِ وَانْتِظَارِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الْأَصْحَابُ كَرَاهَةَ الْحَجِّ لِمَنْ حَجَّ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ يَسْأَلُ النَّاسَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُئِلَ عَمَّنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ هَذَا يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ.
وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ تَوَكُّلًا صَادِقًا فَلَمْ تَسْتَشْرِفْ نَفْسُهُ إلَى مَخْلُوقٍ وَتَرَكَ السَّبَبَ وَاثِقًا بِوَعْدِ اللَّهِ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَهَلْ يَأْثَمُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ الْقَاضِي
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ وَقَالَ: لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِي رِزْقِي؟ فَقَالَ أَحْمَدُ هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» وَقَالَ حِينَ ذَكَرَ الطَّيْرَ «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخْلِهِمْ، وَالْقُدْوَةُ بِهِمْ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ رحمه الله لَيْسَ الْعِبَادَةُ عِنْدَنَا أَنْ تَصُفَّ قَدَمَيْك وَغَيْرُك يَتْعَبُ لَك وَلَكِنْ ابْدَأْ بِرَغِيفِك فَاحْرُزْهُمَا ثُمَّ تَعَبَّدْ.
وَرُوِيَ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ عليه السلام قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اسْتَعِنْ بِالْكَسْبِ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ مَا افْتَقَرَ أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَصَابَهُ ثَلَاثُ خِصَالٍ: رِقَّةٌ فِي دِينِهِ وَضَعْفٌ فِي عَقْلِهِ وَذَهَابُ مُرُوءَتِهِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِخْفَافُ النَّاسِ بِهِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا يُلَيِّنُ الْقَلْبَ؟ فَقَالَ أَكْلُ الْحَلَالِ، فَسَأَلَ السَّائِلُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقَالَا يَذْكُرُ اللَّهَ، فَذَكَرَ لَهُمَا أَحْمَد فَقَالَا جَاءَ بِالْأَصْلِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ الْحَنْبَلِيُّ الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَلَا تَقُلْ أَتْرُك الْمَكَاسِبَ وَآخُذُ مَا أَعْطَوْنِي لَمْ يَقُلْ هَذَا الصَّحَابَةُ وَلَا الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم إلَى زَمَانِنَا هَذَا وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه كَسْبٌ فِيهِ بَعْضُ الدَّنِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى النَّاسِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَيْءٍ قَالَ لَا تَبْحَثْ عَمَّا لَا تَعْلَمُ فَهُوَ خَيْرٌ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ أَمَّا بَيْعٌ فِي السُّوقِ فَهُوَ مُوَسِّعٌ لَك إلَّا أَنْ تَعْلَمَ شَيْئًا حَرَامًا بِعَيْنِهِ، وَلَا أَرَى التَّفْتِيشَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ رَوَى عَنْهُ حَدِيثَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ إصْلَاحِ الْمَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «طَلَبُ الْحَلَالِ جِهَادٌ وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ «ذُكِرَ شَابٌّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزُهْدٍ وَوَرَعٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَتْ لَهُ حِرْفَةٌ» وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ قَالَ كَسْبُ الْحَلَالِ وَأَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَرْفُوعًا «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مَوْتَةً أَمُوتُهَا بَعْدَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلٍ أَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ أَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ وَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ وَلَا تَكُونُوا عِيَالًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّجِرُونَ فِي بَحْرِ الرُّومِ.
وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَذَمِّهَا قَبْلَ فَصْلِ آدَابِ الْمُصَافَحَةِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِرِزْقِهِ وَإِنَّمَا يُذْهِبُ الدِّينَ الشَّرَهُ وَقِلَّةُ الْقَنَاعَةِ» .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَأَنْ أَخْلُفَ عَشْرَةَ آلَاف دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى الشَّاعِرُ فَنَظَمَهُ:
لَأَنْ أَمْضِي وَأَتْرُكَ بَعْضَ مَالِي
…
يُحَاسِبُنِي بِهِ رَبُّ الْبَرِيَّهْ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَقْعِ احْتِيَاجِي
…
إلَى نَذْلٍ شَحِيحٍ بِالْعَطِيَّهْ
وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ لَا تَكُونَنَّ إنْ اسْتَطَعْت أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي فَضْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ عَكْسُ مَا رَأَيْتُهُ فِي التَّارِيخِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا وَرَوَى أَيْضًا هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ الْبَرْقَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْهَا فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ ثَنَا هَنَّادٌ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَسْتَقْبِلُوا السُّوقَ
وَلَا تُحَفِّلُوا وَلَا يُنَفِّقْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمُحَفَّلَةُ الْمُصَرَّاةُ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَا يُنْفِقُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ أَيْ لَا يَقْصِدُ أَنْ يُنْفِقَ سِلْعَتَهُ عَلَى جِهَةِ النَّجْشِ فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فِيهَا يَرِيبُ السَّامِعَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَبَبًا لِابْتِيَاعِهَا وَمَنْفَقًا لَهَا. وَالسُّوقُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ.