الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ أَدْوِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الطَّبِيعِيَّةُ وَأَدْوِيَةُ الْأَنْبِيَاءِ الرُّوحَانِيَّةُ]
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَدْوِيَةُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، وَالدُّعَاءُ، وَالرُّقَى أَعْظَمُ نَوْعَيْ الدَّوَاءِ حَتَّى قَالَ أَبُقْرَاطُ: نِسْبَةُ طِبِّنَا إلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبِّنَا. وَقَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ سَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ بَلْ بِمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْجِسْمِ مِنْ الْقَوَى الطَّبِيعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَالظَّاهِرُ إنْ لَمْ يَكُنْ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْهَيَاكِلِ طَائِفَةً مِنْ الْأَطِبَّاءِ لَمْ يُرِدْ بِهِ طِبَّ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طِبُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَطِبِّ الطَّرْقِيَّة بِالنِّسْبَةِ إلَى طِبِّهِمْ وَإِنَّ نِسْبَةَ طِبِّهِمْ إلَى طِبِّ الْأَنْبِيَاءِ كَنِسْبَةِ عُلُومِهِمْ إلَى عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ طِبَّ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ قَطْعِيٌّ وَطِبُّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ هُوَ قِيَاسٌ وَقِيلَ تَجْرِبَةٌ وَقِيلَ هُمَا وَقِيلَ إلْهَامٌ وَمَنَامٌ وَحَدْسٌ، وَقِيلَ أُخِذَ بَعْضُهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ لَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ قَصْدُهُمْ الْأَكْبَرُ غَيْرُ هَذَا وَهَذَا مِنْ بَابِ الْعَرَضِ، وَأَمَّا الْأَطِبَّاءُ فَأَفْنَوْا الْأَعْمَارَ فِي هَذَا الْعَرَضِ مَعَ الِاخْتِلَافِ الشَّدِيدِ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يَحْصُلُوا عَلَى طَائِلٍ وَقَدْ لَا يَنْتَفِعُ بَعْضُ الْمَرْضَى بِطِبِّ النُّبُوَّةِ لِعَدَمِ تَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَاعْتِقَادِ الشِّفَاءِ بِهِ أَوْ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ الْمُنَاسِبِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُرْآنَ شِفَاءٌ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلَّا خَسَارًا.
وَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى بَعْضِ أَدْوِيَةٍ مُعْتَادَةٍ يَحْسُنُ الظَّنُّ بِهَا أَوْجَبَ ذَلِكَ سُوءَ الظَّنِّ أَوْ عَدَمَ التَّلَقِّي بِالْقَبُولِ فَامْتَنَعَ الشِّفَاءُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَعَ شِدَّة قَبُولِ الطَّبِيعَةِ وَفَرَحِ النَّفْسِ تَنْتَعِشُ الْقُوَّةُ وَيَنْبَعِثُ الْحَارُّ الْغَرِيزِيُّ فَيَحْصُلُ التَّسَاعُدُ عَلَى الْمَرَضِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يَتَلَطَّف بِالْمَرِيضِ فَتَارَةً يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَتَارَةً تَوَضَّأُ وَصَبَّ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ وَتَارَةً يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ وَعَمَّا يَشْتَهِيهِ وَيُعَلِّمُهُ دُعَاءً يُوَافِقُهُ» . وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَانْفُثُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَيُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ مَعَ أَنَّهُ فَقِيهٌ مُحَدِّثٌ لَكِنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَحْدُثُ أَمْرَاضٌ كَثِيرَةٌ وَتَتَحَيَّرُ الْأَطِبَّاءُ فِي عِلَاجِهَا وَعِلَاجُهَا فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ الْقَطْعِيِّ مَوْجُودًا لَا يُسْتَعْمَلُ لِفَرْطِ الْجَهْلِ وَغَلَبَةِ الْعَوَائِدِ الْحَادِثَةِ وَقَدْ قِيلَ:
وَمِنْ الْعَجَائِبِ وَالْعَجَائِبُ جَمَّةٌ
…
قُرْبُ الشِّفَاءِ وَمَا إلَيْهِ وُصُولُ
كَالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا
…
وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ» .