المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل ومودة الإخوة] - الآداب الشرعية والمنح المرعية - جـ ٣

[شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْعَجْوَةِ وَالْكَمْأَةِ وَالْحُلْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْكَمْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُفْرَدَاتٍ فِيهَا أَخْبَارٌ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْبَيْضِ وَأَنْوَاعِ طَبْخِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْبَصَلِ وَالثُّومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْبَاذِنْجَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ التِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْجُبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الثَّفَا أَيْ: حَبُّ الرَّشَادِ وَالصَّبِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدْهَانِ وَخَوَاصِّ أَنْوَاعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الذَّهَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الرُّمَّانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الزَّبِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الزَّنْجَبِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ السَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتُّفَّاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ السِّلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ السَّمَكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الشَّعِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الطِّينِ وَأَنْوَاعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الطَّلْحِ وَهُوَ الْمَوْزُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ طَلْعِ النَّخْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْعَدَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْعِنَبِ وَمَنَافِعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا جَاءَ فِي الْفَالُوذَجِ وَخَوَاصِّ الْفِضَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْقَرْعِ وَهُوَ الدُّبَّاءُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ قَصَبِ السُّكَّرِ وَالسُّكَّرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْكَبَاثِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْكَتَمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنَافِعِ الْكَرْمَةِ شَجَرَةُ الْعِنَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْكُرَّاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَرَفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْمِلْحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ النُّورَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ النَّبْقِ وَهُوَ ثَمَرُ السِّدْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْهِنْدَبَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي إصَابَةِ الْعَيْنِ وَمَا يَنْفَعُ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيق شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ عَلَى حَيَوَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ جَوَازِ قَطْعِ الْحَيْضِ وَالنَّسْلِ بِالدَّوَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تُخَمَةِ الْمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النُّشْرَةِ وَهُوَ مَاءٌ يُرْقَى وَيُتْرَكُ تَحْتَ السَّمَاءِ وَيُغْسَلُ بِهِ الْمَرِيضُ]

- ‌[فَصْلٌ يَكْتُبْ بِسَوْطِهِ بَيْنَ أُذُنَيْ دَابَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ وَالْعَوْذِ وَالْعَزَائِمِ وَمَا وَرَدَ فِي كَوْنِهَا شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُعَالَجَةِ بِالْحِجَامَةِ وَالْعَسَلِ وَالْكَيِّ وَالْمُسَهِّلَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْبَارِ أَكْلِهِ مِنْ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَمُعَالَجَةِ السُّمِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السِّحْرِ وَعِلَاجِهِ وَحَدِيثِ سِحْرِ لَبِيدٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الِاسْتِفْرَاغِ الْقَيْءُ أَسْبَابُهُ وَعِلَاجُهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَلَامُ فِي الْكَيِّ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ الْحَدِيثِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[فَصْل فِي الِاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَم وَمَا يَنْفَعُ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ وَالْعَقْرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسَكِّنُ الْفَزَعَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَائِدَةِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْخُمُودِ وَالْحُمَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الشُّونِيزِ وَهِيَ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ أَدْوِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الطَّبِيعِيَّةُ وَأَدْوِيَةُ الْأَنْبِيَاءِ الرُّوحَانِيَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَصَايَا صِحِّيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَة سَبِّ الْحُمَّى وَتَكْفِيرِهَا لِلذُّنُوبِ كَغَيْرِهَا وَأَنْوَاعِهَا وَعِلَاجِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَرَضِ الْقُلُوبِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِشْقِ وَأَسْبَابِهِ وَعِلَاجِهِ]

- ‌[فَصَلِّ كَمَالِ الشَّرِيعَة يُسْتَلْزَم كَمَالِ مُقِيمهَا حَتَّى فِي الْعُلُوم الطِّبِّيَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوَسْمِ وَلَا سِيَّمَا الْوَجْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إخْصَاءِ الْبَهَائِمِ وَالنَّاسِ]

- ‌[فِي جَزِّ أَعْرَافِ الدَّوَابِّ وَأَذْنَابِهَا وَنَوَاصِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةِ تَعْلِيقِ الْأَجْرَاسِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ وَمَا تَبْعُدُ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِعْمَالُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَمَا يُكْرَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْدَاف عَلَى الدَّابَّةِ وَرُكُوبُ ثَلَاثَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِعَالُ وَالشُّرْبُ وَالْبَوْلُ قَائِمًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ الْقَيْلُولَةِ، وَالْكَلَامِ فِي سَائِرِ نَوْمِ النَّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكَنِّي مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا يُكْرَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ مِنْ بُيُوتِ الْأَقْرَبِينَ وَالْأَصْدِقَاءِ بِالْإِذْنِ وَلَوْ عُرْفًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ الْقِرَانِ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِ مَعَ شَرِيكٍ أَوْ مُطْلَقًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْآكِل وَالشُّرْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحَمْدِ بَعْدَهُمَا وَآدَابٌ أُخْرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنَاهُدِ الرِّفَاقِ وَاشْتِرَاكِهِمْ فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُبَاسَطَةِ الضِّيفَانِ وَمُعَامَلَةِ كُلِّ طَبَقَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَا وَرَدَ مَنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ بَعْد الطَّعَامِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهُ وَالتَّسْمِيَةِ قَبْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ وَكُلِّ دَسِمٍ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي أُكِلَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ حَتَّى يَذْهَبَ بُخَارُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْتِظَارِ الْآكِلِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ أَكْلِ التَّمْرِ وَمِنْهَا تَفْتِيشُهُ لِتَنْقِيَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ دُعَاءِ الْمَرْءِ لِمَنْ يَأْكُلُ طَعَامَهُ]

- ‌[فَصْلٌ إطْعَامِ الْمَرْءِ غَيْرَهُ مِنْ طَعَامِ مُضِيفِهِ إذَا عَلِمَ رِضَاهُ وَهَلْ تُقَاسُ الدَّرَاهِمُ عَلَى الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ إكْرَامِ الْخُبْزِ دُونَ تَقْبِيلِهِ وَشُكْرُ النِّعَمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَسُّكِ النَّاسِ بِالْخُرَافَاتِ وَتَهَاوُنِهِمْ بِالشَّرْعِيَّاتِ]

- ‌[فَصْلٌ بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ تُطْعَمَ الْبَهَائِمُ الْخُبْزَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَكَلُّفِ الْإِحَاطَةِ بِأَسْرَارِ حِكَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ مَعَ الضَّيْفِ إلَى بَابِ الدَّارِ وَالْأَخَذِ بِرِكَابِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ الِانْبِسَاطِ وَالْمُدَاعَبَةِ وَالْمُزَاحِ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَسُّرِ النَّاسِ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ الدُّنْيَا دُونَ مَا حَلَّ بِالدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسَنُّ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْمَشْيِ مَعَ النَّاسِ وَآدَابِ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّجَارَةِ إلَى بِلَادِ الْأَعْدَاءِ وَمُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ الدَّارِ وَإِجَارَتِهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا لِلْكُفْرِ أَوْ الْفِسْقِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاتِّسَاعُ فِي الْكَسْبِ الْحَلَالِ وَالْمَبَانِي مَشْرُوعٌ وَلَوْ بِقَصْدِ التَّرَفُّهِ وَالْكَسْبُ وَاجِبٌ لِلنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ التِّجَارَةِ وَالْكَسْبِ عَلَى تَرْكِهِ تَوَكُّلًا وَتَعَبُّدًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَالِ حَتَّى عَلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَذَمِّهِ وَتَقْبِيحِهِ]

- ‌[فِي حُكْمِ مَا يَأْتِي الْمَرْءَ الصِّلَاتِ وَالْهِبَاتِ مِنْ أَخْذٍ وَرَدٍّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُؤَالِ الشَّيْءِ التَّافِهِ كَشِسْعِ النَّعْلِ رِوَايَات]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُؤَالِ الْأَخِ وَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالْأَخْذِ مِمَّنْ أَعْطَى حَيَاءً]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُؤَالِ الْمَرْءِ لِمَنْفَعَةِ غَيْرِهِ وَعَدَمِ اسْتِحْسَانِ أَحْمَدَ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَفْضَلِ الْمَعَاشِ وَالتِّجَارَةِ وَأَحْسَنِ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ إشَارَاتٌ نَبَوِيَّةٌ إلَى مَا يَقَعُ مِنْ شَرْقِ الْمَدِينَةِ وَيُمْنِهَا وَنَجْدِهَا]

- ‌[فَصْلٌ حَدِيثُ الْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِ الْمَرْأَةِ الْكِتَابَةَ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ]

- ‌[فَصْلٌ رَجُلٌ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ شُبْهَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِتَنِ الْمَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْبَدَاوَةِ وَالْأُمَرَاءِ الْمُضِلِّينَ وَالْعُلَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ]

- ‌[فَصْلٌ التَّعَامُلُ فِيمَا يَخْتَلِفُ الِاعْتِقَادُ فِيهِ مِنْ حَلَالِ الْمَالِ وَحَرَامِهِ كَالنَّجَاسَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَذِبِ فِي الْمَالِ وَالسِّنِّ وَافْتِخَارِ الضَّرَّةِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالسَّخَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحَادِيثُ فِي ذَمِّ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالْحِرْصِ وَمَدْحِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ وَآدَابٍ تَتَعَلَّقُ بِالْحَمَّامِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي بَيْعُ الْحَمَّامِ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَبِنَاؤُهُ]

- ‌[فَصْلٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ وَالطِّلَاءُ بِالنُّورَةِ فِيهِ وَفِي الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقْوَالِ الْأَطِبَّاءِ فِي الْحَمَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ وَمِنْهَا نَهْيُ النِّسَاءِ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسَنُّ مِنْ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ وَتَسْرِيحِهِ وَفَرْقِهِ وَمِنْ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَسَائِرِ خِصَالِ الْفِطْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فِي الْحِجَامَةِ وَاخْتِيَارِ يَوْمٍ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَكَرَاهَةِ الْقَزَعِ فِي الْحَلْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَوْنِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِصَبْغِهِ سُنَّةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَتْفِ الشَّعْرِ وَحَفِّهِ وَتَخْفِيفِهِ وَوَصْلِهِ وَالْوَشْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَازِ ثَقْبِ آذَانِ الْبَنَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُقَالُ عِنْدَ سَمَاعِ نَهِيقٍ وَنُبَاحٍ وَصِيَاحِ دِيكٍ وَكَرَاهَةِ التَّحْرِيشِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اتِّخَاذِ الطُّيُورِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّخَاذُ الْأَطْيَارِ فِي الْأَقْفَاصِ لِلتَّسَلِّي بِأَصْوَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُبَاحُ أَوْ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ الضَّارَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ لِلَّهْوِ وَإِتْيَانِ أَبْوَابِ السَّلَاطِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُقَالُ لِحَيَّاتِ الْبُيُوتِ قَبْلَ قَتْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ قَتْلِ الْحَشَرَاتِ وَإِحْرَاقِهَا وَتَعْذِيبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ إطَالَةِ وُقُوفِ الْبَهَائِمِ الْمَرْكُوبَةِ وَالْمُحَمَّلَةِ فَوْقَ الْحَاجَةِ وَآدَابٌ أُخْرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطِّيَرَةِ وَالشُّؤْمِ وَالتَّطَيُّرِ وَالتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا نَوْءَ وَلَا غُولَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي الطَّاعُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُعُورِ الْأَنْفُسِ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ وَتَعْلِيلِ ذَلِكَ وَحِكْمَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ مُجَالَسَةِ الْمُتَلَبِّسِينَ بِالْمُنْكَرَاتِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَكْرُوهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَجْمَعُهَا جِنْسٌ وَلَا نَوْعٌ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفِّ عَنْ مَسَاوِي النَّاسِ وَمَا وَرَدَ فِي حُقُوقِ الطَّرِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِيَانَةِ الْمَسَاجِدِ وَآدَابِهَا وَكَرَاهَةِ زَخْرَفَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْحِرَفِ وَالتَّكَسُّبِ وَالتَّرَخُّصِ فِي الْكِتَابَةِ وَالتَّعْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ اللَّغَطِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ قِيلَ إلَّا بِعِلْمٍ لَا مِرَاءَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ كَلَامٍ وَشِعْرٍ قَبِيحٍ وَغِنَاءٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَيُبَاحُ فِيهِ اللَّعِبُ بِالسِّلَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْكَارِ مَا يُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالْمَوَالِدِ]

- ‌[فَصْلٌ إخْرَاجُ حَصَاهُ وَتُرَابِهِ لِلتَّبَرُّكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ كُلِّ حَدَثٍ وَنَجِسٍ وَإِغْلَاقِ أَبْوَابِهِ لِمَنْعِ الْمُنْكَرِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْكَافِرِ مَسَاجِدَ الْحِلِّ وَالتَّفْصِيلِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ وَالْأَكْلِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَاب دُخُول الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي كَنْسِهِ وَتَنْظِيفِهِ وَتَطْيِيبِهِ وَلُقَطَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّعْلَيْنِ وَكَوْنِ طَهَارَتِهِمَا بِمَسْحِهِمَا بِالْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّعْشُ يُوضَعُ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ جُلُوسُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالتَّصَدِّي لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ إسْنَادِ الظَّهْرِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةِ أَبْنِيَتِهَا وَوَضْعِ الْمَحَارِيبِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّغَلُّبِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَغَصْبِهِ وَحُكْمِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَالضَّمَانِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فُرُوعٌ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَبِنَائِهِ فِي الطَّرِيقِ وَمَتَى يَجُوزُ هَدْمُهُ

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ مَدِّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَخْبَارٍ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ السَّابِقُ إلَى مَكَان مُبَاحٍ أَحَقُّ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ أَحَقُّ بِحَرِيمِهَا فَتُمْنَعُ مُزَاحَمَتُهُمْ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ أَعْمَالِ الدُّنْيَا فِي الْمَقَابِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْصِيصِ الْمَسَاجِدِ وَالْقُبُورِ وَالْبُيُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْكَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُتَحَلِّقِينَ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ مُضَاعَفَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ زِيَادَةُ الْوِزْرِ كَزِيَادَةِ الْأَجْرِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دُخُولُ مَعَابِدِ الْكُفَّارِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَشُهُودُ أَعْيَادِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ النَّظَرُ فِي النُّجُومِ وَمَا يُقَالُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ وَمَا يُقَالُ عِنْدَ هُبُوبِهَا وَعِنْدَ رُؤْيَةِ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَنِسْبَةِ الشَّرِّ إلَيْهِ وَعَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ هَلَكَ النَّاسُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَوْلِ حَرَثْتُ بَدَلَ زَرَعْتُ مُوَافِقَةً لِلْآيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا لِأَنَّ الْكَرْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْخَمْرِ]

- ‌[فَصْلٌ لِيَقُلْ الْمَرْءُ لَقَسَتْ نَفْسِي بَدَلَ خَبُثَتْ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا وَرَدَ فِي قَطْعِ شَجَرِ السِّدْرِ وَسَبِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ سَبِّ الدِّيكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّؤْيَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الرُّؤْيَا]

- ‌[فَصْلٌ الرُّؤْيَا تَسُرُّ الْمُؤْمِنَ وَلَا تَغُرُّهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا وَرَدَ فِي الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ وَالْمَدَّاحِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ الْمَذْمُومَةِ وَمَدْحِهَا بِالْحَقِّ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ شُكْرِ النِّعْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْعُزْلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِنَايَةِ بِحِفْظِ الزَّمَانِ وَاتِّقَاءِ إضَاعَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّفَقُّهُ بِالتَّوَسُّعِ فِي الْمَعَارِفِ قَبْلَ طَلَبِ السِّيَادَةِ وَالْمَنَاصِبِ]

- ‌[فَصْلٌ انْقِبَاضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ مِنْ إتْيَانِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ التَّوَسُّطُ فِي كُلِّ شُؤُونِهِ لِلتَّأَسِّي بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ بِغَيْرِ اللُّبْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ بِحَائِلٍ فَوْقَهُ وَفِي بِطَانَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إبَاحَةِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَحِكْمَةِ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ كَالْعَلَمِ وَالزِّرِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَا نُسِجَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْحَرِيرِ وَالْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصُنْعُهُ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَلِّي بِاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابَةِ صَدَاقِ الْمَرْأَةِ فِي حَرِيرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فِي الْحَرْبِ أَوْ لِفَائِدَةٍ صِحِّيَّةٍ]

- ‌[فَصْلُ حُكْمِ الصُّوَرِ وَالصُّلْبَانِ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَصُنْعِهَا وَاِتِّخَاذِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ أَحْمَدَ لِلْكِلَّةِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحْرُمُ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ مِنْ حِلْيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إبَاحَة التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إبَاحَةِ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ وَمَنْ قَيَّدَهَا بِغَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ فِي اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ مَدْبُوغَةً وَغَيْرَ مَدْبُوغَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ثَوْبٍ مِنْ شَعْرٍ مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ نَجَاسَتِهِ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ الْجُلُودِ الطَّاهِرَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ السَّوَادِ لِذَاتِهِ وَتَشْدِيدِ أَحْمَدَ فِيهِ إذَا كَانَ لِبَاسَ الظَّلَمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ الْمُصْمَتِ لِلرَّجُلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إبَاحَةِ لُبْسِ الْمُمَسَّكِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ الشُّفُوفِ وَالْحَاكِيَةِ الَّتِي تَصِفُ الْبَدَنَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ مَا يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ النَّظَرِ إلَى مَا يَحْرُمُ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ طُولِ الثَّوْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَرِّ الذُّيُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ اللِّبَاسِ مِنْ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ إلَخْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبَرَةِ وَالصُّوفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ وَمَا قِيلَ فِي جِنْسِهِ وَمَوْضِعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ الْفِضَّةِ وَمَنْ قَالَ بِإِبَاحَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ حَرَّمَهُ]

- ‌[فَصْلُ النَّقْشِ فِي الْخِضَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ عَلَامَةً وَقْتَ الْحَرْبِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَجَرُّدِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ وَاجْتِمَاعِهِمَا بِغَيْرِ حَائِلٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْغِيبِ اللُّبْسِ لِلنِّعَالِ]

- ‌[فَصْلُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِالْفُصُولِ السَّالِفَةِ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْأَدَبِ وَالتَّأْدِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ فَرْضِ الْكِفَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالتَّخَلِّي عَنْ الرَّذَائِلِ وَمَوَدَّةِ الْإِخْوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَصَايَا نَافِعَةٍ وَحِكَمٍ رَائِعَةٍ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَالْأَشْعَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَصَايَا وَمَوَاعِظَ وَأَحَادِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[فصل في التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل ومودة الإخوة]

[فَصْلٌ فِي التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالتَّخَلِّي عَنْ الرَّذَائِلِ وَمَوَدَّةِ الْإِخْوَةِ]

عَلَيْك رَحِمَك اللَّهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ سِرًّا وَجَهْرًا مَعَ صَفَاءِ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ وَاتْرُكْ حُبَّ الْغَلَبَةِ وَالتَّرَؤُّسِ وَالتَّرَفُّعَ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَضَعَ نَفْسَهُ دُونَ قَدْرِهِ وَلَا يَرْفَعَ نَفْسَهُ فَوْقَ قَدْرِهِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ، وَكُلُّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا كَغِلٍّ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وَنَكَدٍ وَغَضَبٍ وَعُجْبٍ وَخُيَلَاءَ وَرِيَاءٍ وَهَوًى وَغَرَضِ سُوءٍ وَقَصْدٍ رَدِيءٍ وَمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ وَمُجَانَبَةِ كُلِّ مَكْرُوهٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا جَلَسْت مَجْلِسَ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاجْلِسْ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَتَلَقَّ النَّاسَ بِالْبُشْرَى وَالِاسْتِبْشَارِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مِنْ الدَّهَاءِ حُسْنُ اللِّقَاءِ رَوَاهُ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي مَجَالِسِهِ بِإِسْنَادِهِ، وَحَادِثْهُمْ بِمَا يَنْفَعُ مِنْ الْأَخْبَارِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَصْحَبْ إلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ. ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا حَيَاةُ أَنْبَأَنَا سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَوْ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْن حِبَّانَ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْهُ مَرْفُوعًا «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد ثنا ابْنُ بَشَّارٍ ثنا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو دَاوُد قَالَا ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَمُوسَى حَدِيثُهُ حَسَنٌ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ بَشَّارٍ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّاعِرُ

ص: 556

وَمَا صَاحِبُ الْإِنْسَانِ إلَّا كَرُقْعَةٍ

عَلَى ثَوْبِهِ فَلْيَتَّخِذْ مَنْ يُشَاكِلُهْ

وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إنْ لَمْ يُصِبْك مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَك مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ الْكِيرِ إنْ لَمْ يُصِبْك مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَك مِنْ دُخَانِهِ» .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «الْمُؤْمِنُ مَأْلَفَةٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُؤْلَفُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ قَالَ ذَلِكَ بِرَغْبَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَرَهْبَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ.» وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا فَقِهُوا وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ»

وَذَكَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَا أَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا وَلَا أَعْجَبَهُ أَحَدٌ إلَّا ذُو تُقًى» ، وَعَنْ أَبِي السَّلِيلِ وَاسْمُهُ ضُرَيْبٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ مَرْفُوعًا «إنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً. وَقَالَ عُثْمَانُ آيَةً لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَا كُلُّهُمْ لَكَفَتْهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ آيَةٍ قَالَ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] » إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ طَعَامَ الدَّعْوَةِ دُونَ طَعَامِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ:

ص: 557

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَسْرَاهُمْ الْكُفَّارُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَدُونَ الْأَتْقِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاكَلَةَ تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَتَجْمَعُ الْقُلُوبَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَتَوَخَّ أَنْ يَكُونَ خُلَطَاؤُك ذَوِي الِاخْتِصَاصِ بِك أَهْلَ التَّقْوَى» وَرَوَى أَحْمَدُ ثنا عَفَّانَ ثنا حَمَّادٌ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ وَفِيهِ «مَا تَوَادَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ عز وجل فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا» .

وَعَنْ الْمِقْدَامِ مَرْفُوعًا «إذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ لِأَحْمَدَ جَعْفَرٌ الْوَكِيعِيُّ: إنِّي لَأُحِبّكَ، ثُمَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ هَنَّادٍ وَقَتَادَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَصِيرِ عَنْ هَنَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ يَزِيدَ ابْنِ نَعَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ وَاصِلٌ لِلْمَوَدَّةِ.» يَزِيدُ لَا صُحْبَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِلْبُخَارِيِّ وَسَعِيدٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ عِمْرَانُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحِبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وِلَايَةُ اللَّهِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَقَدْ صَارَ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَرَأَ:{الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] . وَقَرَأَ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] .

ص: 558

وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُمْ أَخِلَّاءُ فِي الْمَعَاصِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ كَذَلِكَ وَقَالَ (إلَّا الْمُتَّقِينَ) الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ كَذَا قَالَ وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَفْسُدُ بِمَوَدَّةِ الْكُفَّارِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يُوَالِي كَافِرًا وَلَوْ كَانَ قَرِيبَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَيَّنَتْ الْآيَةُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ، كَذَا قَالَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا بِذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ عَلَى تَرْكِ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَمُعَادَاتِهِمْ فِي اللَّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي مَعْنَى أَهْلِ الْقَدَرِ جَمِيعُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ كَذَا قَالَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَصْحَبُ السُّلْطَانَ. وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عِنْدِي نِعْمَةً فَإِنِّي وَجَدْت فِيمَا أَوْحَيْت إلَيَّ:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22] » .

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: التَّارِكُ لِلْإِخْوَانِ مَتْرُوكٌ، كَانَ يُقَالُ أَنْصَحُ النَّاسِ فِيكَ مَنْ خَافَ اللَّهَ فِيكَ. قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

مَنْ ذَا الَّذِي يَخْفَى عَلَيْ

كَ إذَا نَظَرْت إلَى حَدِيثِهْ

كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَتَمَثَّلُ:

لِكُلِّ امْرِئٍ شَكْلٌ يَقَرُّ بِعَيْنِهِ

وَقُرَّةُ عَيْنِ الْفَسْلِ أَنْ يَصْحَبَ الْفَسْلَا

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَسْلُ مِنْ الرِّجَالِ الرُّذَّلُ وَالْمَفْسُولُ مِثْلُهُ وَقَدْ فَسُلَ بِالضَّمِّ

ص: 559

فَسَالَةً وَفُسُولَةً فَهُوَ فَسْلٌ مِنْ قَوْمٍ فُسَلَاءُ وَأَفْسَالٌ وَفُسُولٌ، وَفُسَالَةُ الْحَدِيدِ سُحَالَتُهُ، وَالْفَسِيلَةُ وَالْفَسِيلُ الْوَدِيُّ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ، وَالْجَمْعُ الْفُسْلَانُ، وَالْفِسْكِلُ بِالْكَسْرِ الَّذِي يَجِيءُ فِي الْحَلَبَةِ آخِرَ الْخَيْلِ وَهُوَ السُّكَيْتُ وَالْقَاشُورُ وَمِنْهُ قِيلَ رَجُلٌ فُسْكُلٌ إذَا كَانَ رَذْلًا، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ فُسْكُلٌ بِالضَّمِّ وَقَالَ آخَرُ:

وَصَاحِبْ إذَا صَاحَبْتَ حُرًّا فَإِنَّمَا

يَزِينُ وَيُزْرِي بِالْفَتَى قُرَنَاؤُهُ

وَقَالَ الْمَأْمُونُ الْإِخْوَانُ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ كَالْغِذَاءِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُمْ أَبَدًا وَهُمْ إخْوَانُ الصَّفَاءِ، وَإِخْوَانٌ كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ وَإِخْوَانٌ كَالدَّاءِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ أَبَدًا وَهُمْ أَهْلُ الْمَلَقِ وَالنِّفَاقِ لَا خَيْرَ فِيهِمْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَلَقُ الْوُدُّ وَاللُّطْفُ الشَّدِيدُ، وَأَصْلُهُ التَّبَيُّنُ وَقَدْ مَلِقَ بِالْكَسْرِ يَمْلَقُ مَلَقًا وَرَجُلٌ مَلِقٌ يُعْطِي بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، وَالْمَلَقُ أَيْضًا مَا اسْتَوَى مِنْ الْأَرْضِ: وَالْمِلْقُ سَاكِنٌ مِثْلُ الْمِلْحِ السَّيْرُ الشَّدِيدُ وَالْمَيْلَقُ السَّرِيعُ وَانْمَلَقَ الشَّيْءُ وَامَّلَقَ بِالْإِدْغَامِ أَيْ صَارَ أَمْلَسَ وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ لِمَ قَطَعْت أَخَاكَ مِنْ أَبِيكَ؟ فَقَالَ إنِّي لَأَقْطَعُ الْفَاسِدَ مِنْ جَسَدِي الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِي مِنْ أَبِي وَأُمِّي أَعَزُّ نَقْدًا.

وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِي أَحَقُّ مَنْ شَرَكَكَ فِي النِّعَمِ شُرَكَاؤُك فِي الْمَكَارِهِ. أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

وَإِنَّ أَوْلَى الْبَرَايَا أَنْ تُوَاسِيَهُ

عِنْدَ السُّرُورِ لَمَنْ وَاسَاك فِي الْحَزَنِ

إنَّ الْكِرَامَ إذَا مَا أَسْهَلُوا ذَكَرُوا

مَنْ كَانَ يَأْلَفُهُمْ فِي الْمَنْزِلِ الْخَشِنِ

وَقَالَ الْمُثَقِّبُ الْعَبْدِيُّ:

ص: 560

يُوَاعِدُنِي مَوَاعِدَ كَاذِبَاتٍ

تَمُرُّ بِهَا رِيَاحُ الصَّيْفِ دُونِي

فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ

فَأَعْرِفُ مِنْك غَثِّي مِنْ سَمِينِي

وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي وَاِتَّخِذْنِي

عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي

فَإِنَّك لَوْ تُعَانِدُنِي شِمَالِي

عِنَادَك مَا وَصَلْتُ بِهَا يَمِينِي

إذًا لَقَطَعْتُهَا وَلَقُلْتُ بِينِي

كَذَلِكَ أَجْتَوِي مَنْ يَجْتَوِينِي

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:

قُلْ لِلَّذِي لَسْتُ أَدْرِي مِنْ تَلَوُّنِهِ

أَنَاصِحٌ أَمْ عَلَى غِشٍّ يُدَاجِينِي

إنِّي لَأُكْثِرُ مِمَّا سُمْتَنِي عَجَبًا

يَدٌ تَشُجُّ وَأُخْرَى مِنْك تَأْسُونِي

تَغْتَابُنِي عِنْدَ أَقْوَامٍ وَتَمْدَحُنِي

فِي آخَرِينَ وَكُلٌّ عَنْكَ يُنْبِينِي

هَذَانِ أَمْرَانِ شَتَّى بَوْنُ بَيْنِهِمَا

فَاكْفُفْ لِسَانَك عَنْ ذَمِّي وَتَزْيِينِي

لَوْ كُنْت أَعْلَمُ مِنْك الْوُدَّ هَانَ عَلَيَّ

بَعْضُ الَّذِي قَدْ أَصْبَحْت تُولِينِي

لَا أَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ

مَا فِي ضَمِيرِي لَهُمْ مِنْ ذَاكَ يَكْفِينِي

أَرْضَى عَنْ الْمَرْءِ مَا أَصْفَى مَوَدَّتَهُ

وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَغْضَاءِ يُرْضِينِي

وَاَللَّهِ لَوْ كَرِهَتْ كَفِّي مُصَاحَبَتِي

لَقُلْت إذْ كَرِهَتْ يَوْمًا لَهَا بِينِي

ثُمَّ انْثَنَيْت عَلَى الْأُخْرَى فَقُلْت لَهَا

إنْ تُسْعِدِينِي وَإِلَّا مِثْلَهَا كُونِي

إنِّي كَذَاك إذَا أَمْرٌ تَعَرَّضَ لِي

خَشِيت مِنْهُ عَلَى دُنْيَايَ أَوْ دِينِي

خَرَجْت مِنْهُ وَعِرْضِي مَا أُدَنِّسُهُ

وَلَمْ أَقُمْ غَرَضًا لِلنَّذْلِ يَرْمِينِي

وَمُلَطِّفٍ بِي مُدَارٍ ذِي مُكَاشَرَةٍ

مُغْضٍ عَلَى وَغَرٍ فِي الصَّدْرِ مَكْنُونِ

لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ

وَلَا الْعَدُوُّ عَلَى حَالٍ بِمَأْمُونِ

يَلُومُنِي النَّاسُ فِيمَا لَوْ أُخَبِّرُهُمْ

بِالْعُذْرِ فِيهِ يَوْمًا لَمْ يَلُومُونِي

ص: 561

وَقَالَ أَيْضًا:

مَا يَبْلُغُ الْأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ

مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ

وَالشَّيْخُ لَا يَتْرُكُ أَخْلَاقَهُ

حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ

إذَا ارْعَوى عَادَ إلَى جَهْلِهِ

كَذَا الضَّنِيَّ عَادَ إلَى نُكْسِهِ

وَإِنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ فِي الصِّبَا

كَالْعُودِ يُسْقَى الْمَاءَ فِي غَرْسِهِ

حَتَّى تَرَاهُ مُورِقًا نَاضِرًا

بَعْدَ الَّذِي أَبْصَرْت مِنْ يُبْسِهِ

وَقَالَ أَيْضًا:

الْمَرْءُ يَجْمَعُ وَالزَّمَانُ يُفَرِّقُ

وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالْخُطُوبُ تُمَزِّقُ

وَلَأَنْ يُعَادِيَ عَاقِلًا خَيْرٌ لَهُ

مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ

فَارْغَبْ بِنَفْسِك لَا تُصَادِقْ أَحْمَقَا

إنَّ الصَّدِيقَ عَلَى الصَّدُوقِ مُصَدِّقُ

وَزِنْ الْكَلَامَ إذَا نَطَقْت فَإِنَّمَا

يُبْدِي عُقُولَ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَنْطِقُ

لَا أُلْفِيَنَّكَ ثَاوِيًا فِي غُرْبَةٍ

إنَّ الْغَرِيبَ بِكُلِّ سَهْمٍ يُرْشَقُ

مَا النَّاسُ إلَّا عَامِلَانِ فَعَامِلٌ

قَدْ مَاتَ مِنْ عَطَشٍ وَآخَرُ يَغْرَقُ

وَإِذَا امْرُؤٌ لَسَعَتْهُ أَفْعَى مَرَّةً

تَرَكَتْهُ حِينَ يُجَرُّ حَبْلٌ يَفْرَقُ

بَقِيَ الَّذِينَ إذَا يَقُولُوا يَكْذِبُوا

وَمَضَى الَّذِينَ إذَا يَقُولُوا يَصْدُقُوا

وَصَالِحٌ هَذَا هُوَ صَاحِبُ الْفَلْسَفَةِ قَتَلَهُ الْمَهْدِيُّ عَلَى الزَّنْدَقَةِ كَانَ يَعِظُ وَيَقُصُّ بِالْبَصْرَةِ وَحَدِيثُهُ يَسِيرٌ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ وَقِيلَ إنَّهُ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إنِّي وَرَدْت عَلَى رَبٍّ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَاسْتَقْبَلَنِي بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ قَدْ عَلِمْت بَرَاءَتَك مِمَّا قُذِفْت بِهِ.

وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: " يَا بُنَيَّ ثَلَاثَةٌ لَا يُعْرَفُونَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ، لَا يُعْرَفُ الْحَلِيمُ إلَّا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَا الشُّجَاعُ إلَّا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَلَا الْأَخُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ ".

قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ " بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ وَفَاءُ الرَّجُلِ دُونَ تَجْرِبَةٍ وَاخْتِبَارٍ؟ قَالَ بِحَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ، وَتَلَهُّفِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ ".

وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: " إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ وَفَاءَ الرَّجُلِ وَوَفَاءَ عَهْدِهِ

ص: 562

فَانْظُرْ إلَى حَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ وَتَشَوُّقِهِ إلَى إخْوَانِهِ وَبُكَائِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ ".

قَالَ عُتَيْبَةُ الْأَعْوَرُ:

ذَهَبَ الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ

وَبَقِيت فِيمَنْ لَا أُحِبُّهْ

إذْ لَا يَزَالُ كَرِيمُ قَوْمٍ

فِيهِمْ كَلْبٌ يَسُبُّهْ

وَقَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ:

يَا زَمَانًا أَوْرَثَ

الْأَحْرَارَ ذُلًّا وَمَهَانَهْ

لَسْت عِنْدِي بِزَمَانٍ

إنَّمَا أَنْتَ زَمَانَهْ

وَقَالَ آخَرُ:

فَسَدَ الزَّمَانُ وَزَالَ فِيهِ الْمُقْرِفُ

وَجَرَى مَعَ الْفَرَسِ الْحِمَارُ الْمُوكَفُ

كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ ذَهَبَ النَّاسُ فَلَا مَرْتَعَ وَلَا مَفْزَعَ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ:

ذَهَبَ الرِّجَالُ الْمُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ

وَالْمُنْكِرُونَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُنْكَرِ

وَبَقِيت فِي خَلَفٍ يُزَيِّنُ بَعْضُهُمْ

بَعْضًا لِيَأْخُذَ مُعْوِرٌ عَنْ مُعْوِرِ

وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:

مَضَى زَمَنُ السَّمَاحِ فَلَا سَمَاحُ

وَلَا يُرْجَى لَدَى أَحَدٍ فَلَاحُ

رَأَيْت النَّاسَ قَدْ مُسِخُوا كِلَابًا

فَلَيْسَ لَدَيْهِمْ إلَّا النُّبَاحُ

وَأَضْحَى الظَّرْفُ عِنْدَهُمْ قَبِيحًا

وَلَا وَاَللَّهِ إنَّهُمْ الْقِبَاحُ

نَرُوحُ وَنَسْتَرِيحُ الْيَوْمَ مِنْكُمْ

وَعَنْ أَمْثَالِكُمْ قَدْ يُسْتَرَاحُ

إذَا مَا الْحُرُّ هَانَ بِأَرْضِ قَوْمٍ

فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَرَبٍ جُنَاحُ

وَقَالَ آخَرُ:

ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِبِ

فَالنَّاسُ بَيْنَ مُخَاتِلٍ وَمُوَارِبِ

ص: 563

وَقَالَ آخَرُ:

ذَهَبَ التَّكَرُّمُ وَالْوَفَاءُ مِنْ الْوَرَى

وَتَقَرَّضَا إلَّا مِنْ الْأَشْعَارِ

وَفَشَتْ خِيَانَاتُ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ

حَتَّى اتَّهَمْنَا رُؤْيَةَ الْأَبْصَارِ

كَانَ بِلَالٌ رضي الله عنه لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُنْشِدُ تَشَوُّقًا إلَى مَكَّةَ وَيَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ

وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

وَقَالَ آخَرُ:

مَضَى الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ وَاجْتُثَّ أَصْلُهُ

وَأُخْمِدَتْ نِيرَانُ النَّدَى وَالْمَكَارِمِ

وَصِرْت إلَى ضَرْبٍ مِنْ النَّاسِ آخَرَ

يَرَوْنَ الْعُلَا وَالْمَجْدَ جَمْعَ الدَّرَاهِمِ

كَأَنَّهُمُو كَانُوا جَمِيعًا تَعَاقَدُوا

عَلَى اللُّؤْمِ وَالْإِمْسَاكِ فِي صُلْبِ آدَمَ

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ لَا تَتَكَلَّمْ فِيمَا لَا يَعْنِيك وَاعْتَزِلْ عَدُوَّك وَاحْذَرْ صَدِيقَك الْأَمِينَ، إلَّا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَيُطِيعَهُ وَلَا تَمْشِ مَعَ الْفَاجِرِ فَيُعَلِّمَك مِنْ فُجُورِهِ، وَلَا تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّك وَلَا تُشَاوِرْ فِي أَمْرِك إلَّا الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ.

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَكَرِهَ لَهُ صُحْبَةَ أَحْمَقَ:

فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ

وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ

يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ

إذَا هُوَ مَاشَاهُ

قِيَاسُ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ

إذَا مَا هُوَ حَاذَاهُ

وَلِلشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ

مَقَايِيسُ وَأَشْبَاهُ

وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ

دَلِيلٌ حِينَ يَلْقَاهُ

ص: 564

وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ مَدْخَلُهُ وَمَمْشَاهُ وَإِلْفُهُ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

وَقَدْ قِيلَ:

وَمَا يَنْفَعُ الْجَرْبَاءَ قُرْبُ صَحِيحَةٍ

إلَيْهَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَةَ تَجْرَبُ

وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَقِلَّ مَعْرِفَةً تَسْلَمْ وَعَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ إذَا وَثِقْنَا بِمَوَدَّةِ أَخِينَا لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ لَا يَأْتِيَنَا.

وَعَنْ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ مَوَدَّةٌ وَإِخَاءٌ فَكَانَتْ السَّنَةُ تَمُرُّ عَلَيْهِمَا لَا يَلْتَقِيَانِ فَقِيلَ لِأَحَدِهِمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ إذَا تَقَارَبَتْ الْقُلُوبُ لَمْ يَضُرَّ تَبَاعُدُ الْأَجْسَامِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. وَلَقَدْ أَبْلَغَ الْقَائِلُ فِي هَذَا حَيْثُ يَقُولُ:

رَأَيْت تَهَاجُرَ الْإِلْفَيْنِ بِرًّا

إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى الْوُدِّ الْقُلُوبُ

وَلَيْسَ يُوَاظِبُ الْإِلْمَامُ إلَّا

ظَنِينٌ فِي مَوَدَّتِهِ مُرِيبُ

وَعَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَافِي قَالَ أَحَبُّ إخْوَانِي إلَيَّ مَنْ لَا يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ إنَّ الرَّحِمَ تُقْطَعُ وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَرُ وَلَمْ يُرَ مِثْلُ تَفَاوُتِ الْقُلُوبِ، رَوَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ كُلَّهُ فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ إلَّا قَوْلَهُ مَا يَنْفَعَ الْجَرْبَاءَ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " لَا تُؤَاخِي الْأَحْمَقَ وَلَا الْفَاجِرَ، أَمَّا الْأَحْمَقُ فَمَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ شَيْنٌ عَلَيْك، وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَيُزَيِّنُ لَك فِعْلَهُ وَيَوَدُّ أَنَّك مِثْلَهُ ".

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه " لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ: مَنْ إذَا حَدَّثَك كَذَبَك، وَإِذَا ائْتَمَنْتَهُ خَانَك، وَإِذَا ائْتَمَنَك اتَّهَمَك وَإِذَا أَنْعَمْت عَلَيْهِ كَفَرَك وَإِذَا أَنْعَمَ عَلَيْك مَنَّ عَلَيْك ". وَقَالَ أَيْضًا: " اصْحَبْ مَنْ يَنْسَى مَعْرُوفَهُ عِنْدَك وَيُذَكِّرُك حُقُوقَك عَلَيْهِ ".

وَذُكِرَ لِلرِّيَاشِيِّ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ مَا رَأَيْت شِعْرًا أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ

ص: 565

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

وَصَاحِبْ أُولِي التَّقْوَى تَنَلْ مِنْ تُقَاهُمْ

وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدَى

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ

وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ

فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى

حَلِيمًا حِينَ وَاخَاهُ

يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ

إذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه النَّاسُ بِأَزْمَانِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِآبَائِهِمْ.

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه خَالِطْ الْمُؤْمِنَ بِقَلْبِك وَخَالِطْ الْفَاجِرَ بِخُلُقِك كَانَ يُقَالُ يُمْتَحَنُ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عِنْدَ هَوَاهُ إذَا هَوَى وَعِنْدَ غَضَبِهِ إذَا غَضِبَ، وَعِنْدَ طَمَعِهِ إذَا طَمِعَ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا لَك عِنْدَ صَدِيقِك فَأَغْضِبْهُ فَإِنْ أَنْصَفَك وَإِلَّا فَاجْتَنِبْهُ. كَانَ يُقَالُ لَا تُؤَاخِيَنَّ خَصِيًّا وَلَا ذِمِّيًّا وَلَا نُوبِيًّا، فَإِنَّهُ لَا ثَبَاتَ لِمَوَدَّتِهِمْ قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ مَا كَشَفْت أَحَدًا قَطُّ إلَّا وَجَدْته دُونَ مَا كُنْت أَظُنُّ، كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

اُبْلُ الرِّجَالَ إذَا أَرَدْت إخَاهُمُ

وَتَوَسَّمَنَّ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدْ

وَإِذَا ظَفِرْت بِذِي الْأَمَانَةِ وَالتُّقَى

فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدْ

وَدَعِ التَّذَلُّلَ وَالتَّخَشُّعَ تَبْتَغِي

قُرْبَ الَّذِي إنْ تَدْنُ مِنْهُ يَبْعُدْ

وَقَالَ آخَرُ:

قَدْ كُنْت أَحْمَدُ أَمْرِي فِيك مُبْتَدِئًا

فَقَدْ ذَمَمْت الَّذِي حَمِدْت فِي الصَّدْرِ

ص: 566

وَقَالَ آخَرُ:

وَلَا تَسْمَحْ بِحَظِّك مِنْهُ بَلْ كُنْ

بِحَظِّك مِنْ مَوَدَّتِهِ ضَنِينَا

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَلَمْ يَبْرَأْ أَحَدٌ مِنْ النُّقْصَانِ وَسَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَنْ يَجِبُ هَجْرُهُ هَلْ يَجُوزُ الْهَجْرُ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ؟ وَقَوْلُ مُعَاذٍ رضي الله عنه إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُمَارِهِ: وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّهُ قَالَ وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا فَلَرُبَّمَا أَخْبَرَك بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ:

أَرَدْت لِكَيْمَا أَنْ تَرَى لِي زَلَّةً

وَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الْكَمَالَ فَيَكْمُلُ.

قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَقَدْ عَظُمَتْ مَنْزِلَةُ الصَّدِيقِ عِنْدَ أَهْلِ النَّارِ أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُمْ: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ - وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100 - 101] . وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقًا حَتَّى يَحْفَظَ الصَّدِيقَ فِي غَيْبَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ إذَا تَعَادَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ بِطَانَتِهِ لَا يَسْمَعُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي صَاحِبِهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَيَقُولُ الْعَدَاوَةُ تُزِيلُ الْعَدَالَةَ.

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه اُبْذُلْ لِصَدِيقِك كُلَّ الْمُرُوءَةِ وَلَا تَبْذُلْ لَهُ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَعْطِهِ مِنْ نَفْسِك كُلَّ الْمُوَاسَاةِ وَلَا تُفْضِ إلَيْهِ بِكُلِّ الْأَسْرَارِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ عَلَامَةِ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقًا وَلِعَدُوِّ صَدِيقِهِ عَدُوًّا، أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:

عَدُوُّ صَدِيقِي دَاخِلٌ فِي عَدَاوَتِي

وَإِنِّي لِمَنْ وَدَّ الصَّدِيقَ وَدُودُ

فَلَا تَقْتَرِبْ مِنِّي وَأَنْتَ عَدُوُّ مَنْ

أُصَادِقُهُ فَالْخَيْرُ مِنْك بَعِيدُ

ص: 567

وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ

صَدِيقُ عَدُوِّي دَاخِلٌ فِي عَدَاوَتِي

وَإِنِّي عَلَى وُدِّ الصَّدِيقِ صَدِيقُ

أُعَادِي الَّذِي عَادَى وَأَهْوَى لَهُ الْهَوَى

كَأَنِّي مِنْهُ فِي هَوَاهُ شَقِيقُ

قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ ثَقُلَ عَلَى صَدِيقِهِ خَفَّ عَلَى عَدُوِّهِ وَمَنْ أَسْرَعَ إلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ: قَالُوا فِيهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ. جَمَعَ كِسْرَى يَوْمًا مَرَازِبَتَهُ وَعُيُونَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ أَشَدُّ حَذَرًا؟ قَالُوا مِنْ الْعَدُوِّ الْفَاجِرِ وَالصَّدِيقِ الْغَادِرِ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اتَّقِ الْعَدُوَّ وَكُنْ مِنْ الصَّدِيقِ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّ الْقُلُوبَ إنَّمَا سُمِّيَتْ قُلُوبًا لِتَقَلُّبِهَا قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ:

احْذَرْ مَوَدَّةَ مَاذِقٍ

مَزَجَ الْمَرَارَةَ بِالْحَلَاوَهْ

يُحْصِي الذُّنُوبَ عَلَيْكَ

أَيَّامَ الصَّدَاقَةِ لِلْعَدَاوَهْ

وَقَالَ صَالِحٌ:

إذَا وَتَرْتَ امْرَأً فَاحْذَرْ عَدَاوَتَهُ

مَنْ يَزْرَعْ الشَّوْكَ لَا يَحْصُدْ بِهِ عِنَبَا

إنَّ الْعَدُوَّ وَإِنْ أَبْدَى مُسَالَمَةً

إذَا رَأَى مِنْك يَوْمًا فُرْصَةً وَثَبَا

وَقَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ:

عَدُوُّك مِنْ صَدِيقِك مُسْتَفَادٌ

وَأَقْلِلْ مَا اسْتَطَعْت مِنْ الصِّحَابِ

فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرُ مَا تَرَاهُ

يَكُونُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ

وَقَالَ آخَرُ:

إذَا مَا الْمَرْءُ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ

فَبِرُّ صَدِيقِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ

وَإِنْ عَنْهُ الصَّدِيقُ أَقَامَ يَوْمًا

فَوَجْهُ الْبِرِّ أَنْ يَسْعَى إلَيْهِ

وَإِنْ كَانَ الصَّدِيقُ قَلِيلَ مَالٍ

يَضِيقُ بِذَرْعِهِ مَا فِي يَدَيْهِ

فَمِنْ أَسْنَى فِعَالِ الْمَرْءِ أَنْ لَا

يَضِنَّ عَلَى الصَّدِيقِ بِمَا لَدَيْهِ.

ص: 568

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُ عَائِشَةَ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَا يَمْنَعُك مِنْ زِيَارَتِنَا قَالَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» أَخَذَهُ الشَّاعِرُ فَقَالَ:

إذَا شِئْت أَنْ تُقْلَى فَزُرْ مُتَوَاتِرَا

وَإِنْ شِئْت أَنْ تَزْدَادَ حُبًّا فَزُرْ غِبَّا

وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْكَاتِبِ:

إنِّي رَأَيْتُك لِي مُحِبَّا

وَلِي حِينَ أَغِيبُ صَبَّا

فَهَجَرْت لَا لِمَلَالَةٍ

حَدَثَتْ وَلَا اسْتَحْدَثْتُ ذَنْبَا

إلَّا لِقَوْلِ نَبِيِّنَا

زُورُوا عَلَى الْأَيَّامِ غِبَّا

وَلِقَوْلِهِ مَنْ زَارَ غِبَّا

مِنْكُمْ يَزْدَادُ حُبَّا

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ

فَضَعْ الزِّيَارَةَ حَيْثُ لَا يُزْرِي بِنَا

كَرَمُ الْمَزُورِ وَلَا يُعَابُ الزَّائِرُ

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلِبَعْضِ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ:

أَزُورُ خَلِيلِي مَا بَدَا لِي هَشُّهُ

وَقَابَلَنِي مِنْهُ الْبَشَاشَةُ وَالْبِشْرُ

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَشٌّ وَبَشٌّ تَرَكْتُهُ

وَلَوْ كَانَ فِي اللُّقْيَا الْوِلَايَةُ وَالْبِشْرُ

وَحَقُّ الَّذِي يَنْتَابُ دَارِي زَائِرًا

طَعَامٌ وَبِرٌّ قَدْ تَقَدَّمَهُ بِشْرُ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

إذَا مَرِضْتُمْ أَتَيْنَاكُمْ نَزُوركُمْ

وَتُذْنِبُونَ فَنَأْتِيكُمْ وَنَعْتَذِرُ

وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ:

مَا لِي مَرِضْت فَلَمْ يَعُدْنِي عَائِدٌ

مِنْكُمْ وَيَمْرَضُ كَلْبُكُمْ فَأَعُودُ

ص: 569

وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ:

عَلَيْكَ بِإِقْلَالِ الزِّيَارَةِ إنَّهَا

تَكُونُ إذَا دَامَتْ إلَى الْهَجْرِ مَسْلَكَا

فَإِنِّي رَأَيْت الْقَطْرَ يُسْأَمُ دَائِمًا

وَيُسْأَلُ بِالْأَيْدِي إذَا هُوَ أَمْسَكَا

وَادَّعَى أَبُو بِشْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ الْبَيْتَيْنِ لَهُ فِي شِعْرٍ طَوِيلٍ.

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ:

وَطُولُ لِقَاءِ الْمَرْءِ فِي الْحَيِّ مُخْلِقٌ

لِدِيبَاجَتَيْهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدْ

فَإِنِّي رَأَيْت الشَّمْسَ زِيدَتْ مَحَبَّةً

عَلَى النَّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ

وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ:

إنْ كَانَ قَدْ بَعُدَ اللِّقَاءُ فَوُدُّنَا

بَاقٍ وَنَحْنُ عَلَى النَّوَى أَحْبَابُ

كَمْ قَاطِعٍ لِلْوَصْلِ يُؤْمَنُ وُدُّهُ

وَمُوَاصِلٌ بِوِدَادِهِ مَنْ تَابَ

وَقَالَ الطَّائِيُّ:

وَلَئِنْ جَفَوْتُك فِي الْعِيَادَةِ إنَّنِي

لِبَقَاءِ جِسْمِك فِي الدُّعَاءِ لَجَاهِدُ

وَلَرُبَّمَا تَرَكَ الْعِيَادَةَ مُشْفِقٌ

وَطَوَى عَلَى غِلِّ الضَّمِيرِ الْعَائِدُ

وَلَهُ أَيْضًا:

ذُو الْفَضْلِ لَا يَسْلَمُ مِنْ قَدْحٍ

وَإِنْ غَدَا أَقْوَمَ مِنْ قَدْحٍ

وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ الْحَنْبَلِيِّ أَنْشَدُوا:

لَا تُضْجِرَنَّ عَلِيلًا فِي مُسَاءَلَةٍ

إنَّ الْعِيَادَةَ يَوْمًا بَيْنَ يَوْمَيْنِ

بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ لَهُ

وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فُوَاقٍ بَيْنَ حَلْبَيْنِ

مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ

وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ

ص: 570

وَفِيهَا أَيْضًا نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا رضي الله عنه قَالَ لَهُ وَلَدُهُ يَا أَبَتِ إنَّ جَارَنَا فُلَانًا مَرِيضٌ فَمَا تَعُودُهُ قَالَ يَا بُنَيَّ مَا عَادَنَا فَنَعُودُهُ.

وَرَوَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ إذَا كَثُرَ الْأَخِلَّاءُ كَثُرَ الْغُرَمَاءُ.

وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ كَثْرَةُ أَصْدِقَاءِ الْمَرْءِ مِنْ سَخَافَةِ دِينِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ مَا لَمْ يُدَاهِنْهُمْ وَلَمْ يُجَابِهُّمْ لَمْ يَكْثُرُوا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إنَّمَا هِيَ فِي أَهْلِ الرِّيبَةِ، إذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ لَمْ يَصْحَبْ إلَّا الْأَبْرَارَ وَالْأَتْقِيَاءَ وَفِيهِمْ قِلَّةٌ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيُعْطِي الْإِخْوَانَ حُقُوقَهُمْ فَتَرَكَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَرَكَهَا كُلَّهَا وَكَانَ يَقُولُ لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْبِرَ بِكُلِّ عُذْرٍ.

وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ لَا تَعُدْ إلَّا مَنْ يَعُودُك وَلَا تَشْهَدْ جِنَازَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ جِنَازَتَك، وَلَا تُؤَدِّ حَقَّ مَنْ لَا يُؤَدِّي حَقَّكَ فَإِنْ عَدَلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَبْشِرْ بِالْجَوْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرَادُ بِهِ التَّأْدِيبُ وَالتَّقْوِيمُ دُونَ الْمُكَافَأَةِ، وَالْمُجَازَاةِ وَبَعْضُ هَذَا مِمَّا يُرَاضُ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَقَدْ رُوِيَ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَك مِثْلَ الَّذِي تَرَى لَهُ» رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ لَيْسَ إلَى السَّلَامِ مِنْ النَّاسِ سَبِيلٌ فَانْظُرْ مَا فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِك فَالْزَمْهُ وَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ فِيهِ وَعَنْهُ أَيْضًا رحمه الله قَالَ: أَصْلُ كُلِّ عَدَاوَةٍ الصَّنِيعَةُ إلَى الْأَنْذَالِ.

رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ قَالَ إذَا أَخْطَأْتِ الصَّنِيعَةَ إلَى مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَاصْطَنِعْهَا إلَى مَنْ يَتَّقِي الْعَارَ وَعَنْ لُقْمَانَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا تَكُنْ حُلْوًا وَلَا تَكُنْ مُرًّا فَتُلْفَظْ وَلِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ مَنْ يَكُنْ لِلنَّاسِ حُلْوًا يَثْبُتُ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه -

ص: 571

قَالَ: إيَّاكَ وَكُلَّ جَلِيسٍ لَا يُفِيدُك عِلْمًا.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ إيمَانًا صُحْبَةُ الْفَقِيهِ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَالصِّيَامُ. وَتَبَاعَدَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ يَوْمًا فِي مَجْلِسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ فِي حِكْمَةِ لُقْمَانَ وَوَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ إذَا جَلَسْت إلَى ذِي سُلْطَانٍ فَلْيَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مَقْعَدُ رَجُلٍ فَلَعَلَّهُ يَأْتِيهِ مَنْ هُوَ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْك فَيُنَحِّيكَ فَيَكُونُ نَقْصًا عَلَيْكَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ رَجُلَانِ ظَالِمَانِ يَأْخُذَانِ غَيْرَ حَقِّهِمَا رَجُلٌ وُسِّعَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ ضَيِّقٍ فَتَرَبَّعَ وَانْتَفَخَ، وَرَجُلٌ أُهْدِيَتْ لَهُ نَصِيحَةٌ فَجَعَلَهَا ذَنْبًا وَقَالَ زِيَادٌ يُعْجِبُنِي مِنْ الرِّجَالِ مَنْ إذَا أَتَى مَجْلِسًا يَعْرِفُ أَيْنَ يَكُونُ مَجْلِسُهُ وَإِنِّي لَآتِي الْمَجْلِسَ فَأَدَعُ مَالِي مَخَافَةَ أَنْ أَدْفَعَ عَمَّا لَيْسَ لِي وَكَانَ الْأَحْنَفُ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ أَوْسَعَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ أَرَاهُ كَأَنَّهُ يُوسِعُ لَهُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَا تُجَالِسْ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ يَحْفَظُ عَلَيْك سَقَطَاتِك وَيُمَارِيك فِي صَوَابِك وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْجَلِيسَ يَقُولُ الْقَوْلَ تَحْسَبُهُ خَيْرًا، وَهَيْهَاتَ؛ فَانْظُرْ مَا بِهِ الْتَمَسَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَقَالَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ:

إذَا أَدْنَاك سُلْطَانٌ فَزِدْهُ

مِنْ التَّعْظِيمِ وَاحْذَرْهُ وَرَاقِبْ

فَمَا السُّلْطَانُ إلَّا الْبَحْرُ عِظَمًا

وَقُرْبُ الْبَحْرِ مَحْذُورُ الْعَوَاقِبْ

وَقِيلَ إذَا زَادَك الْمَلِكُ تَأْنِيسًا فَزِدْهُ إجْلَالًا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُعَظِّمُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَيُحْضِرُهُ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْعَوْلِ زَمَنَ عُمَرَ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْته وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ زَالَ عَنْ أَبْصَارِ الْمُلُوكِ زَالَ عَنْ قُلُوبِهِمْ.

وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ مِنْ آدَابِ صُحْبَةِ الْمُلُوكِ أَنْ لَا يُسْأَلَ الْمَلِكُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يُشَمَّتْ وَلَا يُعَلَّمْ وَلَا يُسَلَّمْ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ وَالصَّوَابُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ

ص: 572

وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَعَادَةِ الْمُلُوكِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ أَخُوك مَنْ ذَكَّرَك الْعُيُوبَ وَصَدِيقُك مَنْ حَذَّرَك الذُّنُوبَ.

وَقَالَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ:

لَقَدْ صَدَقُوا وَلِلرَّاقِصَاتِ إلَى مِنًى

بِأَنَّ مَوَدَّاتِ الْعِدَى لَيْسَ تَنْفَعُ

وَلَوْ أَنَّنِي دَارَيْت دَهْرِي حَيَّةً

إذَا اسْتَمْكَنَتْ يَوْمًا مِنْ اللَّسْعِ تَلْسَعُ

وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ:

لَاقِ بِالْبِشْرِ مَنْ لَقِيت مِنْ النَّاسِ

وَعَاشِرْ بِأَحْسَنِ الْإِنْصَافِ

لَا تُخَالِفْ وَإِنْ أَتَوْا بِمُحَالٍ

تَسْتَفِدْ وُدَّهُمْ بِتَرْكِ الْخِلَافِ

وَرَوَى أَحْمَدُ فِي الْوَرَعِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ طَيِّبٍ يُنْفِقُهُ صَاحِبُهُ فِي حَقِّهِ أَوْ أَخٍ تَسْكُنُ إلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا يَزْدَادَانِ إلَّا قِلَّةً

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ «شَيْئَانِ لَا يَزْدَادَانِ إلَّا قِلَّةً: دِرْهَمٌ حَلَالٌ، أَوْ أَخٌ فِي اللَّهِ تَسْكُنُ إلَيْهِ» وَقَالَ ابْنُ عَجْلَانَ ثَلَاثَةٌ لَا أَقَلَّ مِنْهُنَّ وَلَا يَزْدَدْنَ إلَّا قِلَّةً: دِرْهَمٌ حَلَالٌ تُنْفِقُهُ فِي حَلَالٍ، وَأَخٌ فِي اللَّهِ تَسْكُنُ إلَيْهِ وَأَمِينٌ تَسْتَرِيحُ إلَى الثِّقَةِ بِهِ.

وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي الْأَدَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يُصَاحِبَ خَمْسَةً: الْمَاجِنَ وَالْكَذَّابَ، وَالْأَحْمَقَ وَالْبَخِيلَ، وَالْجَبَانَ فَأَمَّا الْمَاجِنُ فَعَيْبٌ إنْ دَخَلَ عَلَيْك، وَعَيْبٌ إنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِك، لَا يُعِينُ عَلَى مُعَادٍ وَيَتَمَنَّى أَنَّك مِثْلُهُ، وَأَمَّا الْكَذَّابُ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ حَدِيثَ هَؤُلَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ، وَيُلْقِي الشِّحْنَةِ فِي الصُّدُورِ وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَإِنَّهُ لَا يُرْشِدُ لِسُوءٍ يَصْرِفُهُ عَنْك، وَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرّكَ فَبُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ وَمَوْتُهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَأَحْوَجُ مَا تَكُونُ إلَيْهِ أَبْعَدَ مَا تَكُونُ مِنْهُ، فَفِي أَشَدِّ حَالَاتِهِ يَهْرُبُ وَيَدَعُك. .

وَرَوَاهُ الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا وَغَيْرُهُ بِنَحْوِهِ وَمَعْنَاهُ.

إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمَاجِنَ وَالْجَبَانَ

ص: 573

وَذَكَرُوا الْفَاسِقَ قَالَ فَإِنَّهُ بَائِعُك بِأَكْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا لِلطَّمَعِ فِيهَا، ثُمَّ لَا يَنَالُهَا وَقَاطِعَ رَحِمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْبَقَرَةِ وَالرَّعْدِ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا.

وَقَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَقُولُ ثَلَاثَةٌ إنْ أَهَنْتهمْ أَكْرَمُوك وَإِنْ أَكْرَمْتهمْ أَهَانُوك الْمَرْأَةُ وَالْمَمْلُوكُ وَالنَّبَطِيُّ وَقَالَ أَيْضًا سَمِعْت الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَقُولُ مَا رَفَعْت أَحَدًا قَطُّ فَوْقَ قَدْرِهِ إلَّا غَضَّ مِنِّي بِقَدْرِ مَا رَفَعْت مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ مَا سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ الشَّيْءَ قَطُّ أَظُنُّهُ كَذَا إلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ صِحَّةُ الظَّنِّ مِنْ قُوَّةِ الذَّكَاءِ وَالْفَطِنَةِ فَإِنَّ الْفَطِنَ يَرَى مِنْ السِّمَاتِ وَالْأَمَارَاتِ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْخَفِيِّ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ظَنُّ الْعَاقِلِ كَهَانَةٌ وَقَالَ آخَرُ: إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ مُوَلِّيًا عَلِمْت قِيلَ فَإِنْ رَأَيْت وَجْهَهُ قَالَ ذَاكَ حِينَ أَقْرَأُ مَا فِي قَلْبِهِ كَالْخَطِّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَحْوَالَ الرَّجُلِ بِخَلْقِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله احْذَرْ الْأَعْوَرَ وَالْأَحْوَلَ وَالْأَعْرَجَ وَالْأَحْدَبَ وَالْكَوْسَجَ وَكُلَّ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ فِي بَدَنِهِ وَكُلَّ نَاقِصِ الْخَلْقِ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ خُبْثٍ وَقَالَ مَرَرْت فِي طَرِيقِي بِفِنَاءِ دَارِ رَجُلٍ أَزْرَقِ الْعَيْنِ نَاتِئِ الْجَبْهَةِ

ص: 574

سُنَاطَ فَقُلْت هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا النَّعْتُ أَخْبَثُ مَا يَكُونُ فِي الْفِرَاسَةِ فَأَنْزَلَنِي وَأَكْرَمَنِي فَقُلْت أَغْسِلُ كُتُبَ الْفِرَاسَةِ إذَا رَأَيْت هَذَا فَلَمَّا أَصْبَحْت قُلْت لَهُ إذَا قَدِمْت مَكَّةَ فَسَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أَمَوْلًى لِأَبِيكَ كُنْت قُلْت لَا قَالَ أَيْنَ مَا تَكَلَّفْت لَك الْبَارِحَةَ؟ فَوَزَنْت لَهُ مَا تَكَلَّفَ وَقُلْت بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ؟ قَالَ كِرَاءُ الدَّارِ ضَيَّقْت عَلَى نَفْسِي، فَوَزَنْت لَهُ فَقَالَ امْضِ أَخْزَاك اللَّهُ فَمَا رَأَيْت شَرًّا مِنْك.

وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ يُبْغِضُك فَقَالَ لَيْسَ فِي قُرْبِهِ أُنْسٌ وَلَا فِي بُعْدِهِ وَحْشَةٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ كُنْ مِنْ الْكَرِيمِ عَلَى حَذَرٍ إذَا أَهَنْته وَمِنْ اللَّئِيمِ إذَا أَكْرَمْته وَمِنْ الْعَاقِلِ إذَا أَحْرَجْته، وَمِنْ الْأَحْمَقِ إذَا مَازَحْته وَمِنْ الْفَاجِرِ إذَا عَاشَرْته وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تُجِيبَ مَنْ لَا يَسْأَلُك أَوْ تَسْأَلَ مَنْ لَا يُجِيبُك أَوْ تُحَدِّثَ مَنْ لَا يُنْصِتُ لَك وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعَرَابِيًّا يَقُولُ حَمْلُ الْمِنَنِ أَثْقَلُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْعَدَمِ وَقَالَ ابْنُ نَبَاتَةَ:

مَا الذُّلُّ إلَّا تَحَمُّلُ الْمِنَنِ

فَكُنْ عَزِيزًا إنْ شِئْت أَوْ فَهُنْ

وَأَنْشَدَ غُلَامٌ هَاشِمِيٌّ لِنِفْطَوَيْهِ:

كَمْ صَدِيقٍ مَنَحْته صَفْوَ وُدِّي

فَجَفَانِي وَمَلَّنِي وَقَلَانِي

مَلَّ مَا مَلَّ ثُمَّ عَاوَدَ وَصْلِي

بَعْدَمَا مَلَّ صُحْبَةَ الْإِخْوَانِ

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ وَالْبَيْتُ السَّائِرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَقَالَ آخَرُ

ص: 575

عَتَبْت عَلَى بِشْرٍ فَلَمَّا جَفَوْته

وَصَاحَبْت أَقْوَامًا بَكَيْت عَلَى بِشْرِ

وَقَالَ آخَرُ:

عَتَبْت عَلَى سَعْدٍ فَلَمَّا فَقَدْته

وَجَرَّبْت أَقْوَامًا بَكَيْت عَلَى سَعْدِ

وَقَالَ آخَرُ:

وَنَعْتِبُ أَحْيَانًا عَلَيْهِ وَلَوْ مَضَى

لَكُنَّا عَلَى الْبَاقِي مِنْ النَّاسِ أَعْتَبَا.

وَرَوَى الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَالْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «صَحِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاحِبًا فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْضَتَهُ فَقَطَعَ غُصْنَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْوَجُ، وَالْآخَرُ مُسْتَقِيمٌ فَدَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَمْسَكَ الْأَعْوَجَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا فَقَالَ: كَلًّا، مَا مِنْ صَاحِبٍ يَصْحَبُ صَاحِبًا وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» .

وَرَوَوْا أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «الْمَرْءُ كَبِيرٌ بِأَخِيهِ وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَك مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَخِي أَنْ أَرَى لَهُ

عَلَيَّ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَرَى لِيَا

قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَرَى أَنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا حَسَبَ مَا أَرَى لَهُ مِنْ وُجُوبِ حَقِّهِ عَلَى هَذَا يُوَافِقُ مَعْنَى خَبَرِ سَهْلٍ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى إنِّي أَسْتَحْيِي أَخِي أَنْ أَرَى لَهُ عِنْدِي مِنْ فَضْلٍ سَابِقٍ مِنْهُ مَا لَا يَرَى لِي عِنْدَهُ مِنْ فَضْلٍ فَيَكُونُ قَدْ أَثْبَتَ عِنْدِي حَقًّا لَمْ أُثْبِتْ لِنَفْسِي عِنْدَهُ مِنْ الْحَقِّ مِثْلَهُ.

قَالَ الْقَاضِي الْمُعَافَى وَهَذَا أَصَحُّ وَخَبَرُ سَهْلٍ جَارٍ عَلَى عَكْسِ هَذَا الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ لَوْ كَانَ قِيلَ فِيهِ وَلَا خَيْرَ لِمَنْ صُحْبَته فِي صُحْبَتِك إذَا لَمْ تَرَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ مِثْلَ الَّذِي يَرَى لَك.

وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رَسُولَ

ص: 576

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَك كَاَلَّذِي يَرَى لِنَفْسِهِ» قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَخِي أَنْ أَبَرَّهُ

قَرِيبًا وَأَنْ أَجْفُوهُ وَهْوَ بَعِيدُ

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيُّ مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ قَلَّتْ مَعُونَتُهُ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ ذَهَبَتْ دُنْيَاهُ.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه نَحْنُ الزَّمَانُ مَنْ رَفَعْنَاهُ ارْتَفَعَ وَمَنْ وَضَعْنَاهُ اتَّضَعَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي التَّفَرُّحِ بِالْمُفَاوَضَةِ إلَى الْإِخْوَانِ وَالتَّشَكِّي إلَى أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْأَقْدَارِ وَذَوِي الرِّعَايَةِ وَالْأَخْطَارِ مِثْلَ قَوْلِ بَشَّارٍ:

وَأَبْثَثْتُ عَمْرًا بَعْضَ مَا فِي جَوَانِحِي

وَجَرَّعْته مِنْ مُرِّ مَا أَتَجَرَّعُ

وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إلَى ذِي حَفِيظَةٍ

إذَا جَعَلْت أَسْرَارَ نَفْسٍ تَطَلَّعُ

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ: وَإِذَا رَأَيْت الرَّجُلَ رَدِيءَ الطَّرِيقِ وَالْمَذْهَبِ فَاسِقًا فَاجِرًا صَاحِبَ مَعَاصٍ ظَالِمًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَاصْحَبْهُ وَاجْلِسْ مَعَهُ فَإِنَّك لَنْ تَضُرَّك مَعْصِيَتُهُ وَإِذَا رَأَيْت عَابِدًا مُجْتَهِدًا مُتَقَشِّفًا مُتَحَرِّفًا بِالْعِبَادَةِ صَاحِبَ هَوًى فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُ وَلَا تَسْمَعْ كَلَامَهُ وَلَا تَمْشِ مَعَهُ فِي طَرِيقٍ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ تَسْتَحْلِيَ طَرِيقَتَهُ فَتَهْلِكَ مَعَهُ.

وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا رحمه الله فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ لَهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه وَإِذَا رَأَيْت الشَّابَّ أَوَّلَ مَا يَنْشَأُ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَأَرْجِهْ وَإِذَا رَأَيْته مَعَ أَصْحَابِ الْبِدَع فَايئَسْ مِنْهُ فَإِنَّ الشَّابَّ عَلَى أَوَّلِ نُشُوئِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَمَّا ذَكَرَ الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ وَالْفَلَاسِفَةَ قَالَ اللَّهَ اللَّهَ مِنْ مُصَاحَبَةِ هَؤُلَاءِ، وَيَجِبُ مَنْعُ الصِّبْيَانِ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ

ص: 577

لِئَلَّا يَثْبُتَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاشْغَلُوهُمْ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِتُعْجَنَ بِهَا طَبَائِعُهُمْ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُسَدَّدٍ: وَلَا تُشَاوِرْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فِي دِينِك، وَلَا تُرَافِقْهُ فِي سَفَرِك وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى رحمه الله يَنْهَى عَنْ مُخَالَطَةِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ، وَيَأْمُرُ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَمُخَالَطَةِ الصَّالِحِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: أَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ وَيُقَالُ إنَّهَا لَهُ:

إنْ صَحِبْنَا الْمُلُوكَ تَاهُوا وَعَقُّوا

وَاسْتَخَفُّوا كِبْرًا بِحَقِّ الْجَلِيسِ

أَوْ صَحِبْنَا التُّجَّارَ صِرْنَا إلَى الْبُؤْسِ

وَعُدْنَا إلَى عَدَّادِ الْفُلُوسِ

فَلَزِمْنَا الْبُيُوتَ نَسْتَخْرِجُ الْعِلْمَ

وَنَمْلَأُ بِهِ بُطُونَ الطُّرُوسِ

وَقَالَ الْقَاضِي يَرْوِي عَنْ شَيْخِنَا إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ رحمه الله أَنَّهُ اسْتَزَارَهُ الْمُعْتَضِدُ وَقَرَّبَهُ وَأَجَازَهُ فَرَدَّ جَائِزَتَهُ فَقَالَ لَهُ: اُكْتُمْ مَجْلِسَنَا وَلَا تُخْبِرْ بِمَا فَعَلْنَا وَبِمَا قَابَلْتنَا بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَرْبِيُّ لِي إخْوَانٌ لَوْ عَلِمُوا بِاجْتِمَاعِي لَهَجَرُونِي.

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَضْلِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهَذِهِ إشَارَةٌ فِيهَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ أَنَا أَقُولُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ الصَّدَاقَةِ اكْتِسَابُ نَفْسٍ إلَى نَفْسِك، وَرُوحٍ إلَى رُوحِك وَهَذَا الْحَدُّ يُرِيحُك عَنْ طَلَبِ مَا لَيْسَ فِي الْوُجُودِ حُصُولُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَك الْأَصْلِيَّةَ لَا تُعْطِيكَ مَحْضَ النَّفْعِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ إضْرَارٌ فَالنَّفْسُ الْمُكْتَسَبَةُ لَا تَطْلُبُ مِنْهَا هَذَا الْعِيَارَ وَقَدْ بَيَّنْت الْعِلَّةَ فِي تَعَذُّرِ الصَّفْوِ الْخَالِصِ وَهِيَ تَغَايُرُ الْأَمْزِجَةِ، وَتَغْلِيبُ الْأَخْلَاطِ، وَاخْتِلَافُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فَإِنْ رَطِبَ وَرَاقَ بِالْمَاءِ وَرَقَّ بِالْهَوَاءِ ثَقُلَ وَرَسَبَ بِالتُّرَابِ، وَإِنْ شَفَّ وَصَفَا بِالرُّوحِ كَثُفَ وَكَدُرَ بِالْجَسَدِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ بِالْعَقْلِ تَرَنَّحَ بِالْهَوَى وَإِنْ

ص: 578

خَشَعَ بِالْمَوْعِظَةِ قَسَا بِالْغُرُورِ، وَإِنْ لَطُفَ بِالْفِكْرِ غَلُظَ بِالْغَفْلَةِ، وَإِنْ سَخَا بِالرَّجَاءِ بَخِلَ بِالْقُنُوطِ.

فَإِذَا كَانَتْ الْخِلَالُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِهَذِهِ الْمُشَاكَلَةِ مِنْ التَّنَافُرِ، كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ الشَّخْصَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِالْخِلْقَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الِاتِّفَاقُ، وَالِائْتِلَافُ؟ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَفَادَتْ شَيْئَيْنِ: إقَامَةَ الْأَعْذَارِ وَحُسْنَ التَّأْوِيلِ الْحَافِظِ لِلْمَوَدَّاتِ وَالدُّخُولَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِأَنَّ مَا يَنْدُرُ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَخْلَاقِ الشَّخْصِ مَعَ الشَّخْصِ فَهُمَا الصَّدِيقَانِ، فَأَمَّا طَلَبُ الدَّوَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْإِخْلَالِ فِي ذَلِكَ وَالِانْخِرَامُ فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْقَوْلَ لِمَنْ قَالَ إنَّ الصَّدِيقَ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْوُجُودِ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا وَجَبَ إفْلَاسُ الْمُسَمَّيَاتِ.

فَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَبْدًا مَعَ ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَةِ فَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مِنْ طَرِيقِ شَوَاهِدِ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَنْطِقُ بِوَحْدَتِهِ فِيهَا بِغَيْرِ شَرِيكٍ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى الْوُجُودِ، فَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ إجَابَةِ عَادَةِ الْعَبْدِ الْمَعْبُودِ فَلَا فَمَنْ لَا يَصْفُو لَهُ اسْمُ عَبْدٍ لِرَبٍّ أَبْدَأَهُ وَأَنْشَأَهُ وَلَا يَصْفُو لِنَفْسِهِ فِي اسْمٍ نَاصِحٍ لَهَا بِطَاعَةِ عَقْلِهِ، وَعِصْيَانِ هَوَاهُ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَصْفُوَ فِيهِ اسْمُ صَدِيقٍ فَاقْنَعْ مِنْ الصَّدَاقَةِ بِمَا قَنَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْك فِي الْعُبُودِيَّةِ، مَعَ أَنَّك مَا صَفَوْت فِي الِاسْمِ فَأَنْتَ إلَى أَنْ تَكُونَ عَبْدَ هَوَاكَ وَشَيْطَانُك أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَتَهَا فِيهِ أَكْثَرُ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا اقْتَصَرَ فِي ذَاكَ عَلَى الْآدَمِيِّ بَلْ كُلُّ مَوْجُودٍ صَدَرَ عَنْ الْفَاعِلِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ لَمْ يَصْفُ مِنْ شَوْبٍ حَتَّى الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ ذَاتِ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَذَا فَطَلَبُ مَا وَرَاءَ الطِّبَاعِ طَلَبُ مَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْعَنَتِ، وَالتَّنَطُّعِ وَمَنْ طَلَبَ الْعَزِيزَ الْمُمْتَنِعَ عَذَّبَ نَفْسَهُ وَجَهَّلَ عَقْلَهُ وَضَلَّلَ رَأْيَهُ، وَقَبِيحٌ بِالْعَقْلِ أَنْ يَعْتَمِدَ إضْرَارَ نَفْسِهِ وَإِتْعَابَهَا فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا بِتَعْجِيلِ التَّعَبِ ضَرَرًا وَمَعَ كَوْنِ النَّفْسِ تَطْلُبُ الْكَمَالَ فِي

ص: 579

الصَّدَاقَةِ وَفِي الْعَيْشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ظَهَرَ إلَى الْوُجُودِ نَاقِصًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي طَيِّ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ ذَلِكَ وَيَسْتَخْرِجُهُ إلَى الْوُجُودِ وَقْتَ الْإِعَادَةِ وَإِرَادَةِ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَمَنْحِهِ النَّعِيمَ الْبَاقِيَ.

ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إلَى أَنْ قَالَ: يَقْطَعُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ إنْ وَجَدْت مِنْ نَفْسِك خِلَالَ الصَّدَاقَةِ وَشُرُوطَهَا مَعَ النَّقْدِ وَالِاخْتِبَارِ مِنْ الْهَوَى لَمْ تَجِدْ لِنَفْسِك ثَانِيًا فَقُلْ مَا شِئْت مِنْ اللَّوْمِ، وَالْعَذْلِ وَالتَّوْبِيخِ وَنُحْ عَلَى أَبْنَاءِ الزَّمَانِ بِالْوَحْدَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَجِدْ ذَاكَ فِي نَفْسِك لِعَجْزِ الْبِنْيَةِ عَنْهُ فَاقْطَعْ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فَلَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَقَالَ أَيْضًا صَدَاقَةُ الْعُقَلَاءِ قَرَابَةُ الْأَبَدِ، وَمَحَبَّةُ الدُّخَلَاءِ فَرَحُ سَاعَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ: الْعَاقِلُ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ وَلَمْ يَسْكُنْ إلَى مَخْلُوقٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُبَايَنَةُ لِلْكُلِّ لَا تَصْلُحُ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا تُبْتَغَى الْمُدَارَاةُ لَا الْمَوَدَّةُ، وَالْمُسَايَرَةُ بِالْأَحْوَالِ لَا الْمُجَاهَرَةُ، وَكِتْمَانُ الْأُمُورِ مِنْ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مَهْمَا أَمْكَنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ، وَالنَّظَرُ لِلنَّفْسِ فِي مَصَالِحِهَا إلَى أَنْ قَالَ عَنْ الْفَقِيرِ لَا يُنْفِقُ إلَّا عَلَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَأَقْبِلْ عَلَيْهِ تَرَى أَعْجَبَ الْعَجَبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِغَيْرِهِ أَوْ تَمِيلَ إلَى سِوَاهُ فَتَلْقَى الْعَطَبَ وَهُوَ وَعِزَّتُهُ الَّذِي يَجِدُهُ الْمُضْطَرُّ فِي الشَّدَائِدِ وَالْمَحْزُونُ عِنْدَ الْهُمُومِ، وَالْمَكْرُوبُ عِنْدَ الْغُمُومِ احْذَرْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا دَاءٌ دَفِينٌ لَا يُؤْمَنُ تَحَرُّكُهُ.

وَقَالَ أَيْضًا: مَتَى رَأَيْت الشَّخْصَ مُعْتَدِلَ الْخِلْقَةِ حَسَنَ الصُّورَةِ فَهُوَ إلَى الصَّلَاحِ أَقْرَبُ وَمَتَى رَأَيْت ذَا عَيْبٍ فَاحْذَرْهُ مِثْلَ الْكَوْسَجِ، وَالْأَعْوَرِ، وَالْأَعْمَى فَقَلَّ أَنْ تَرَى بِأَحَدٍ آفَةً فِي بَدَنِهِ إلَّا وَفِي بَطْنِهِ مِثْلُهَا، وَإِذَا رَأَيْت عَيْبًا فِي شَخْصٍ فَلَا تُلِحَّنَّ عَلَيْهِ بِالتَّأْدِيبِ، فَالطَّبْعُ عَلَيْهِ أَغْلَبُ وَدَارِهِ فَحَسْبُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأْدِيبَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْبَذْرِ، وَالْمُؤَدَّبُ كَالْأَرْضِ مَتَى كَانَتْ الْأَرْضُ رَدِيئَةً ضَاعَ الْبَذْرُ فِيهَا وَمَتَى كَانَتْ صَالِحَةً نَشَأَ وَنَمَا فَتَأَمَّلْ بِفِرَاسَتِك مَنْ تُخَاطِبُهُ وَتُؤَدِّبُهُ وَتُعَاشِرُهُ، وَمِلْ إلَيْهِ بِقَدْرِ صَلَاحِ مَا تَرَى مِنْ بَدَنِهِ وَآدَابِهِ

ص: 580

فَانْظُرْ إلَى الصُّنَّاعِ وَلَا تَنْظُرْ إلَى حَائِكٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ صَاحِبِ صِنَاعَةٍ خَسِيسَةٍ فَإِنَّك وَإِنْ رَأَيْت مِنْهُ خُلَّةً جَمِيلَةً فَالْكَدَرُ أَثْبَتُ وَالتَّجْرِبَةُ قَبْلَ الثِّقَةِ، وَالْحَذَرُ بَعْدَ الْمُعَامَلَةِ وَقَلَّ مَنْ يَصْفُو فَإِنْ صَفَا فَقَلَّ أَنْ يَثْبُتَ خُذْ مِنْ النَّاسِ جَانِبًا.

وَقَالَ أَيْضًا: يَنْبَغِي لِمَنْ صَحِبَ سُلْطَانًا أَوْ مُحْتَشِمًا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ مَعَهُ وَبَاطِنُهُ سَوَاءً فَإِنَّهُ قَدْ يَدُسُّ إلَيْهِ مَنْ يَخْتَبِرُهُ فَرُبَّمَا افْتُضِحَ فِي الِابْتِلَاءِ وَأَكْثَرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَقَالَ أَيْضًا كَانَ لِي أَصْدِقَاءُ وَإِخْوَانٌ فَرَأَيْت مِنْهُمْ الْجَفَاءَ فَأَخَذْت أَعْتِبُ فَقُلْت، وَمَا يَنْفَعُ الْعِتَابُ؟ فَإِنَّهُمْ إنْ صَلَحُوا فَلِلْعِتَابِ لَا لِلصَّفَاءِ فَهَمَمْت بِمُقَاطَعَتِهِمْ فَقُلْت لَا تَصْلُحُ مُقَاطَعَتُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُلَهُمْ إلَى دِيوَانِ الصَّدَاقَةِ الظَّاهِرَةِ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحُوا لَهَا فَإِلَى جُمْلَةِ الْمَعَارِفِ وَمِنْ الْغَلَطِ أَنْ تُعَاتِبَهُمْ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: بِئْسَ الْأَخُ أَخٌ تَحْتَاجُ أَنْ تَقُولَ لَهُ اُذْكُرْنِي فِي دُعَائِك، وَجُمْهُورُ النَّاسِ الْيَوْمَ مَعَارِفُ وَيَنْدُرُ مِنْهُمْ صَدِيقٌ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْأُخُوَّةُ وَالْمُصَافَاةُ فَذَلِكَ شَيْءٌ نُسِخَ فَلَا تَطْمَعْ فِيهِ وَمَا أَرَى الْإِنْسَانَ يَصْفُو لَهُ أَخُوهُ مِنْ النَّسَبِ وَلَا وَلَدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ فَدَعْ الطَّمَعَ فِي الصَّفَاءِ وَخُذْ عَنْ الْكُلِّ جَانِبًا وَعَامِلْهُمْ مُعَامَلَةَ الْغُرَبَاءِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ بِمَنْ يُظْهِرُ لَك الْوُدَّ، فَإِنَّهُ مَعَ الزَّمَانِ يُبَيِّنُ لَك الْخَلَلَ فِيمَا أَظْهَرَهُ وَقَدْ قَالَ الْفُضَيْلُ: إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَادِقَ صَدِيقًا فَأَغْضِبْهُ فَإِنْ رَأَيْته كَمَا يَنْبَغِي فَصَادِقْهُ وَهَذَا الْيَوْمُ مُخَاطَرَةٌ؛ لِأَنَّك إذَا أَغْضَبْت أَحَدًا صَارَ عَدُوًّا فِي الْحَالِ، وَالسَّبَبُ فِي نَسْخِ حُكْمِ الصَّفَاءِ أَنَّ السَّلَفَ كَانَتْ هِمَّتُهُمْ الْآخِرَةَ وَحْدَهَا فَصَفَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الْأُخُوَّةِ وَالْمُخَالَطَةِ فَكَانَتْ دِينًا لَا دُنْيَا، وَالْآنَ فَقَدْ اسْتَوْلَى حُبُّ الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوبِ فَإِنْ رَأَيْت مُتَعَلِّقًا فِي بَابِ الدِّين فَأَخْبَرْ تَقْلُهُ

ص: 581

وَقَالَ أَيْضًا رَأَيْت نَفْسِي تَأْنَسُ بِخُلَطَاءَ تُسَمِّيهِمْ أَصْدِقَاءَ فَبَحَثْت التَّجَارِبَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى النِّعَمِ، وَأَعْدَاءٌ لَا يَسْتُرُونَ زَلَّةً، وَلَا يَعْرِفُونَ لِجَلِيسٍ حَقًّا وَلَا يُوَاسُونَ مِنْ مَالِهِمْ صَدِيقًا فَتَأَمَّلْت الْأَمْرَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى النِّعَمِ، فَإِذَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ يَغَارُ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ بِهِ شَيْئًا يَأْنَسُ بِهِ فَهُوَ يَكْدَرُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا لِيَكُونَ أُنْسَهُ بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعُدَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مَعَارِفَ وَلَا تُظْهِرْ سِرَّكَ لِمَخْلُوقٍ مِنْهُمْ وَلَا تَعُدَّنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشِدَّةٍ بَلْ عَامِلْهُمْ بِالظَّاهِرِ وَلَا تُخَالِطْهُمْ إلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَبِالتَّوَقِّي لَحْظَةً، ثُمَّ انْفِرْ عَنْهُمْ وَأَقْبِلْ عَلَى شَأْنِك مُتَوَكِّلًا عَلَى خَالِقِك، فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ الْخَيْرَ سِوَاهُ وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إلَّا إيَّاهُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ.

وَقَالَ مِنْ الْغَلَطِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ بِمَا لَا يَصْلُحُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَلِيَ فَيَنْتَقِمَ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ الْعَدَاوَةَ لِأَحَدٍ أَصْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ إلَى كُلِّ أَحَدٍ خُصُوصًا مَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَأَنْ يَخْدُمَ الْمَعْزُولَ فَرُبَّمَا نَفَعَ فِي وِلَايَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَالْعَاقِلُ مَنْ تَأَمَّلَ الْعَوَاقِبَ وَرَاعَاهَا وَصَوَّرَ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فَعَمِلَ بِمُقْتَضَى الْحَزْمِ، وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا تَصَوُّرُ وُجُودِ الْمَوْتِ عَاجِلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ فَالْحَازِمُ مَنْ اسْتَعَدَّ لَهُ وَعَمِلَ عَمَلًا لَا يَنْدَمُ إذَا جَاءَ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ أَيْضًا مَنْ جَرَتْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مُخَاشَنَةٌ فَإِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي مُصَافَاتِهِ وَأَنْ تَأْمُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَرَى مَا فَعَلْت وَالْحِقْدُ كَامِنٌ، وَقَالَ أَمَّا الْعَوَامُّ فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْجِنْسِ فَإِذَا اُضْطُرِرْت إلَى مُجَالَسَتِهِمْ فَلَحْظَةً يَسِيرَةً بِالْهَيْبَةِ وَالْحَذَرِ، فَرُبَّمَا قُلْت كَلِمَةً فَشَنَّعُوهَا وَلَا تَلْقَ الْجَاهِلَ بِالْعِلْمِ وَلَا اللَّاهِيَ بِالْفِقْهِ، وَلَا الْغَبِيَّ بِالْبَيَانِ بَلْ مِلْ إلَى مُسَالَمَتِهِمْ بِلُطْفٍ

ص: 582

مَعَ هَيْبَةٍ وَأَمَّا الْأَعْدَاءُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَقِرَهُمْ، فَإِنَّ لَهُمْ حِيَلًا بَاطِنَةً وَالْوَاجِبُ مُدَارَاتُهُمْ وَمُصَالَحَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَمِنْ جِنْسِهِمْ الْحُسَّادُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى النِّعَمِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ وَمُدَارَاتُهُمْ لَازِمَةٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَرْجَانِيُّ:

وَلَمَّا بَلَوْت النَّاسَ أَطْلُبُ مِنْهُمْ

أَخَا ثِقَةٍ عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّدَائِدِ

تَطَمَّعْت فِي حَالِي رَخَاءً وَشِدَّةً

وَنَادَيْت فِي الْأَحْيَاءِ هَلْ مِنْ مُسَاعِدِ

فَلَمْ أَرَ فِيمَا سَاءَنِي غَيْرَ شَامِتٍ

وَلَمْ أَرَ فِيمَا سَرَّنِي غَيْرَ حَاسِدِ

وَقَالَ آخَرُ:

مَنْ كَانَ يَأْمُلُ أَنْ يَسُودَ عَشِيرَةً

فَعَلَيْهِ بِالتَّقْوَى وَلِينِ الْجَانِبِ

وَيَغُضُّ طَرْفًا عَنْ مَسَاوِي مَنْ أَسَى

مِنْهُمْ وَيَحْلُمُ عِنْدَ جَهْلِ الصَّاحِبِ

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: إنْ حَدَّثَتْك نَفْسُكَ بِوَفَاءِ أَصْحَابِ الزَّمَانِ فَقَدْ كَذَبَتْك الْحَدِيثَ مَا صَدَقَتْك الْخَبَرَ هَذَا سَيِّدُ الْبَشَرِ مَاتَ وَحُقُوقُهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ لِحُكْمِ الْبَلَاغِ، وَالشَّفَاعَةِ فِي الْأُخْرَى.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] وَقَدْ شَبِعَ بِهِ الْجَائِعُ، وَعَزَّ بِهِ الذَّلِيلُ فَقَطَعُوا رَحِمَهُ وَضَلَّ أَوْلَادُهُ بَيْنَ أَسِيرٍ، وَقَتِيلٍ، وَأَصْحَابُهُ قَتْلَى: عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَعُثْمَانُ فِي دَارِهِ هَذَا مَعَ إسْدَاءِ الْفَضَائِلِ وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالزُّهْدِ، اُطْلُبْ لِخَلَفِك مَا كَانَ لِسَلَفِك وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يُعْرَفَ بِعَادَةٍ فَيُدْهَى مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَصْعُبَ عَلَيْهِ أَمْرٌ فَيُقْصَدَ بِهِ وَيُؤْذَى، أَوْ يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ أَمْرًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْفَأْلِ فَاشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ عَلَى حِيلَةٍ يَأْخُذُونَ بِهَا مَالًا فَقَصَدَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى دَفْعِهِ بِضَاعَةً أَوْ قَرْضًا وَجَلَسَ الشُّرَكَاءُ فِي الْحِيلَةِ عَلَى بُعْدٍ فَنَادَى أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ اسْتَخِرْ اللَّهَ فَهَذِهِ جِهَةٌ مُبَارَكَةٌ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ

ص: 583

مَا هُوَ إلَّا صَوَابٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ عَلَى دَفْعِهِ وَكَانَ آخَرُ يَأْكُلُ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْفُتَاتِ، فَجُعِلَ لَهُ فِي فُتَاتِهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ، فَاحْذَرْ مِنْ اغْتِفَالِ الْأَعْدَاءِ.

وَقَالَ أَيْضًا إنَّ أَبْنَاءَ الزَّمَانِ لَا بَقَاءَ لَهُمْ عَلَى حَالٍ بَيْنَمَا نَرَى أَحَدَهُمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّغَفِ، حَتَّى تَرَى أَحَدَهُمْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَلِ وَالضَّجَرِ، فَالْعَاتِبُ لَهُمْ ظَالِمٌ، كَمَا أَنَّ الْوَاثِقَ بِهِمْ خَائِبٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا حَقَّقَ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ يَرَاهُمْ فِي أَسْرِ الْمَقَادِيرِ مُسَلَّطَاتِ الْأَقْضِيَةِ وَالتَّصْرِيفِ، ثُمَّ الدَّهْرُ مَوْصُوفٌ بِالِاسْتِحَالَةِ فَكَيْفَ أَبْنَاؤُهُ فَإِذَا أَوْقَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوَحْشَةَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَإِنَّمَا يَصْرِفُك إلَيْهِ وَيَنْدُبُك إلَى التَّعَلُّقِ بِهِ، فَاحْمَدْ إسَاءَتَهُمْ إلَيْكَ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَحْسَنُوا مَعَك الصَّنِيعَ لَقَطَعُوك عَنْهُ؛ لِأَنَّكَ ابْنُ لُقْمَةٍ وَابْنُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ أَدْنَى شَيْءٍ يَقْتَطِعُك إلَيْهِمْ.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا تَطْلُبْ مِنْ مُتَجَدِّدِ الرِّيَاسَةِ أَخَلَاقَهُ مَعَك حَالَ الْعُطْلَةِ فَيَرْفُضَك وَيُؤْذِيَك فَتَكُونَ كَالْمُعَلَّمِ يَتَخَلَّقُ مَعَ مَنْ كَانَ يُعَلِّمُهُ بَعْدَ كِبَرِهِ كَتَخَلُّقِهِ مَعَهُ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْكُتُبِ، وَذَاكَ بِمَثَابَةِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ السَّكْرَانِ أَخْلَاقَ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ لِلرِّيَاسَةِ سُكْرًا وَلَوْلَا ذَاكَ مَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] .

وَبَيَّنَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18] .

فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ السُّؤَالِ لَا الْأَمْرِ لِمَوْضِعِ تَجَبُّرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ

ص: 584

أَوْ لِسَلَفِهِ وِلَايَةٌ وَمَنْصِبٌ وَدَوْلَةٌ وَقَدْ أَفْضَى بِهِ الدَّهْرُ إلَى الْعُطْلَةِ لَا يَقْتَضِي أَوْ لَا يَنْبَغِي مُعَامَلَتُهُ بِمَاضِي الرِّيَاسَةِ وَقَالَ فِي قَصِيدَةٍ كَبِيرَةٍ:

أَخُوك الَّذِي إنْ تَدْعُهُ لِعَظِيمَةٍ

يُجِبْكَ وَإِنْ تَغْضَبْ إلَى السَّبْقِ يَغْضَبْ.

وَقَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا مِنْ كَمَالِ الْآدَابِ تَلَمُّحُ النَّفْسِ وَإِزَالَةُ كُلِّ مَا يُكْرَهُ مِنْهَا وَيُؤْذِي عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَإِرَاحَةُ النَّاسِ بِالِانْفِرَادِ وَالِاعْتِزَالِ فَالثَّقِيلُ الْمُخَالِطُ سَقَمٌ فِي الْأَبْدَانِ وَمُؤْنَةٌ عَلَى الْقُلُوبِ، وَتَضْيِيقٌ لِلْأَنْفَاسِ، وَحَصْرٌ لِلْحَوَاسِّ وَالْأَلَمُ يُعَرِّي الْأَرْوَاحَ تَفَضُّلًا عَنْ الْأَشْبَاحِ، وَالْقَذَرُ نَقْضُهُ الْمَجَالِسَ، وَالْمُسْتَعْلِمُ عَمَّا يَسْتُرُهُ النَّاسُ مُكَشِّفٌ لِأَسْتَارِ التَّجَمُّلِ، وَالْأَرْعَنُ مُرْتَعِدُ الطِّبَاعِ الْمَغْلُوبَةِ بِالْحِكْمَةِ، وَالْأَحْمَقُ مُفْسِدٌ لِلْقَوَانِينِ وَمُحْوِجٌ إلَى سُوءِ أَخْلَاقِ الْمُعَلِّمِينَ، وَمُزْرٍ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَالْمُهَازِلُ مُسْقِطٌ لِوَقَارِ الْمَجَالِسِ مُذْهِبٌ لِحِشْمَةِ الْمَنَازِلِ وَمَا حَطَّ شَرَفًا مِثْلُ هَزْلٍ. وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَالْبَعْدُ عَنْ مَجَالِسِ الْأُنْسِ فَكَمْ مِنْ أَنِيسٍ بَيْنَ جُلَسَاءَ أَوْحَشَهُ مُدَاخَلَةُ ثَقِيلٍ يَجْهَلُ ثِقَلَ نَفْسِهِ عَلَى النَّاسِ، وَتَقْلِيلُ الْكَلَامِ مِنْ حُسْنِ الْإِصْغَاءِ وَالْإِنْصَاتِ، وَالْبُعْدُ عَنْ الْعَامِلِينَ ذَوِي النَّشَاطِ إذَا اعْتَرَاك التَّثَاؤُبُ وَالنُّعَاسُ فَذَلِكَ يُكْسِلُ الْعُمَّالَ وَيُفَتِّرُ الصُّنَّاعَ، وَانْتِقَادُ الْأَلْفَاظِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى الْأَسْمَاعِ فَكَمْ مِنْ نَمٍّ أَرَاقَ دِمَاءَكُمْ مِنْ حَرْفٍ جَرَّ حَنَقًا وَإِيَّاكَ وَالْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ مَجَارِكَ فَذَاكَ يَحُطُّ قَدْرَك، وَيَكْشِفُ عَنْ مَحَلِّك وَأَنْتَ مَعَ سُكُوتِك مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِك تَتَرَامَى ظُنُونُ

ص: 585

النَّاسِ فِيك بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُكَ بِذَلِكَ عَالِمًا فَإِذَا ظَهَرَ مِقْدَارُك مِنْ لَفْظِك تَعَجَّلَ سُقُوطُ قَدْرِك.

لَا تُوَاكِلَنَّ جَائِعًا إلَّا بِالْإِيثَارِ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ غَنِيًّا إلَّا بِالْأَدَبِ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ ضَيْفًا إلَّا بِالنَّهْمَةِ وَالِانْبِسَاطِ وَلَا تَلْقَيَنَّ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كُنْت نَاصِحًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَفِّرُهُ عَنْ الْقَبُولِ لِنُصْحِك وَلَا تَدْعُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا بِأَحَبِّهَا إلَيْهِ، وَتَغَافَلْ عَنْ هَفَوَاتِ النَّاسِ فَذَلِكَ دَاعِيَةٌ لِدَوَامِ الْعِشْرَةِ، وَسَلَامَةِ الْوُدِّ، وَخَفِّفْ مُؤْنَتَك بِتَرْكِ الشَّكْوَى، وَإِذَا كَرِهْت مِنْ غَيْرِك خُلُقًا فَلَا تَأْتِهِ، وَإِذَا حَمِدْتَهُ فَتَخَلَّقْ بِهِ، وَلَا تَسْتَصْغِرْ كَبِيرَ الذَّنْبِ فَتَعْرَى، وَلَا تَسْتَكْبِرْ صَغِيرَهَا فَتَيْأَسْ، وَأَعْطِ كُلَّ ذَنْبٍ حَقَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ إنْ قَدَرْت، وَمِنْ اللَّائِمَةِ وَالْهِجْرَانِ إنْ عَنْ الْعُقُوبَةِ عَجَزْت وَلَا تَقْتَضِ النَّاسَ بِجَرَّاءِ إحْسَانِكَ اقْتِضَاءَ الْبَائِعِ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ، وَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِمْ فَالْمَنُّ اسْتِيفَاءٌ لِمَعْرُوفِك أَوْ تَكْدِيرٌ لِبِرِّك فَإِنْ قَدَرْت عَلَى هَذِهِ الْخَلَائِقِ فِي مُعَاشَرَتِك وَإِلَّا فَالْعُزْلَةُ خَيْرٌ لَك وَخَيْرٌ لِلنَّاسِ، فَإِنَّك بِسَتْرِ نَفْسِك تَسْتَرِيحُ مِنْ احْتِقَابِ الْآثَامِ بِإِسْقَاطِ جُرْمِ الْأَنَامِ، وَالسَّلَامُ.

وَرَوَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَذِنَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا فَلَمَّا احْتَفَلَ الْمَجْلِسُ قَالَ أَنْشِدُونِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ بِمَعْنَاهُ، فَسَكَتُوا فَلَمَّا سَكَتُوا عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ أُعْيُوا إذْ طَلَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ: مِقْوَلُ الْعَرَبِ وَعَلَّامَتُهَا، فَقَالَ أَبَا خُبَيْبٍ فَقَالَ مَهْيَمْ قَالَ أَنْشِدْنِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ قَائِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ وَتُسَاوِي قَالَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ وَأَنْتَ وَافٍ كَافٍ فَأَنْشَدَهُ لِلْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ:

ص: 586

بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ

فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالٍ

قَالَ: صَدَقْت هِيهِ قُلْ الْبَيْتَ الثَّانِيَ، فَقَالَ:

وَذُقْت مَرَارَةَ الْأَشْيَاءِ طُرًّا

فَمَا طَعْمٌ أَمَرُّ مِنْ السُّؤَالِ

قَالَ: صَدَقْت قُلْ الْبَيْتَ الثَّالِثَ فَقَالَ:

وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ وَقْعًا

وَأَصْعَبَ مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ.

ص: 587