الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الثَّفَا أَيْ: حَبُّ الرَّشَادِ وَالصَّبِرِ]
ِ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَاذَا فِي الْأَمَرَّيْنِ مِنْ الشِّفَا؟ الصَّبِرُ وَالثُّفَّا» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْقَيْسِيِّ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «إنَّ الصَّبِرَ يَشُبُّ الْوَجْهَ» أَمَّا الثَّفَا فَهُوَ الْحُرْفُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ حَبُّ الرَّشَادِ. وَقِيلَ: شَيْءٌ حِرِّيفٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ مُشَدَّدَةً وَهُوَ الَّذِي يَلْذَعُ اللِّسَانَ بِحَرَارَتِهِ
وَكَذَلِكَ بَصَلٌ حِرِّيفٌ وَلَا تَقُلْ: حَرِيفٌ وَالرَّشَادُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ يُسَخِّنُ وَيُلَيِّنُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدُّودَ وَحَبُّ الْقَرْعِ وَيُحَلِّلُ أَوْرَامَ الطِّحَالِ وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ، وَيَجْلُو الْجَرَبَ الْمُتَقَرِّحَ وَالْقُوبَا وَإِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ حَلَّلَ وَرَمَ الطِّحَالِ وَإِذَا طُبِخَ فِي الْحِنَّاءِ أَخْرَجَ الْفُضُولَ الَّتِي فِي الصَّدْرِ وَشُرْبُهُ يَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْهَوَامِّ وَلَسْعِهَا.
وَإِذَا دُخِّنَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ طُرِدَ الْهَوَامُّ عَنْهُ وَيُمْسِكُ الشَّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَإِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ نَضَّجَ الدَّمَامِلَ، وَيَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ، وَيَنْفَعُ مِنْ الرَّبْوِ وَعُسْرِ النَّفَسِ وَغِلَظِ الطِّحَالِ وَيُنَقِّي الرِّئَةَ وَيُدِرُّ الطَّمْثَ، وَيَنْفَعُ مِنْ عِرْقِ النَّسَاءِ وَوَجَعِ الْوِرْكِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا شُرِبَ أَوْ احْتُقِنَ بِهِ، وَيَجْلُوَ مَا فِي الصَّدْرِ مِنْ الْبَلْغَمِ اللَّزِجِ وَيُحَلِّلُ الرِّيَاحَ لَا سِيَّمَا وَزْنُ دِرْهَمٍ مَسْحُوقًا بِمَاءٍ حَارٍّ مَعَ إسْهَالٍ أَيْضًا، وَيَنْفَعُ شُرْبُهُ مَسْحُوقًا مِنْ الْبَرَصِ، وَإِنْ لُطِّخَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَهَقِ الْأَبْيَضِ بِالْخَلِّ مِنْهُمَا، وَيَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ عَنْ بَرْدٍ وَبَلْغَمٍ، وَإِنْ غُلِيَ وَشُرِبَ عَقَلَ الْبَطْنَ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُسْحَقْ لِتَحَلُّلِ لُزُوجَتِهِ بِالْقَلْيِ، وَإِنْ غُسِلَ بِمَائِهِ الرَّأْسُ نَقَّاهُ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَالرُّطُوبَاتِ اللَّزِجَةِ قَالَ جَالِينُوسُ قُوَّتُهُ مِثْلُ بِزْرِ الْخَرْدَلِ شَبِيهٌ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَضُرُّ
بِالْمَعِدَةِ وَالْمَثَانَةِ، وَإِنَّهُ يُحْدِثُ تَقْطِيرَ الْبَوْلِ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ مَعَهُ الْهِنْدَبَا؛ لِأَنَّ الْهِنْدَبَا بَارِدٌ مُلَطِّفٌ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَالْكَبِدِ مُحَلِّلُ السُّدَدِ.
وَأَمَّا الصَّبِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَلَا تُسَكَّنُ إلَّا ضَرُورَةً الدَّوَاءُ الْمَعْرُوفُ فَحَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ: حَرَارَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ: فِي الْأُولَى، وَقِيلَ: يُبْسُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَقُوَّتُهُ قَابِضَةٌ مُجَفِّفَةٌ وَالْهِنْدِيُّ مِنْهُ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ يُجَفَّفُ بِغَيْرِ لَذْعٍ، وَيَنْفَعُ بِالْعَسَلِ عَلَى آثَارِ الضَّرْبَةِ وَيُدْمِلُ الدَّاحِسَ وَعَلَى الشَّعْرِ الْمُتَسَاقِطِ فَيَمْنَعُهُ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ السُّفْلِ وَالْمَذَاكِيرِ وَيُدْمِلُ الْقُرُوحَ الَّتِي قَدْ عَسِرَ انْدِمَالُهَا وَيُنَقِّي الْفُضُولَ الصَّفْرَاوِيَّةَ مِنْ الرَّأْسِ وَيُطْلَى عَلَى الْأَنْفِ وَيُسَهِّلُ السَّوْدَاءَ، وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْعَيْنِ وَجَرَبِهَا وَوَجَعِ الْمَآقِ وَيُجَفِّفُ رُطُوبَتَهَا، وَيَحِدُّ الْبَصَرَ وَيُنَقِّي الْبَلْغَمَ مِنْ الْمَعِدَةِ وَرُبَّمَا نَفَعَنَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ بُكْرَةً وَعَشِيَّة حَبَّاتٌ مَخْلُوطَةٌ بِالطَّعَامِ فَتُسَهِّلُ الْبَطْنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نُفْسِدَ الطَّعَامَ، وَقَدْرُ شَرْبَتِهِ إذَا كَانَ مُفْرَدًا مَا بَيْنَ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمَيْنِ بِمَاءٍ حَارٍّ فَيُسْهِلُ بَلْغَمًا وَصَفْرَاءَ، وَإِذَا غُسِلَ كَانَ أَضْعَفَ إسْهَالًا وَإِذَا كَانَ مَعَ الْأَدْوِيَةِ فَشَرْبَتُهُ مِنْ دَانَقَيْنِ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمِعَى وَيُعْدَلُ بِالْكَثِيرِ أَوْ يَضُرُّ بِالْكَبِدِ وَالسُّفْلِ وَيُصْلِحُهُ الْوَرْدُ وَالْمَصْطَكَى. وَسَقْيُ الصَّبِرِ فِي الْبَرْدِ خَطَرٌ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَسْهَلَ دَمًا، وَالْعَرَبِيُّ مِنْ الصَّبِرِ يُكْرِبُ وَيُمْغِصُ والسنجاري مِنْ الصَّبِرِ أَسْوَدُ لَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ، فَإِنَّهُ رَدِيءٌ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.