الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْآكِل وَالشُّرْبِ]
يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ لِلْأَكْلِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى أَوْ يَتَرَبَّعَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مِنْ آدَابِ، الْأَكْلِ أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا وَإِنْ تَرَبَّعَ فَلَا بَأْسَ وَسَبَقَ قَبْلَ فُصُولِ آدَابِ، الْأَكْلِ بِفَصْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي كَرَاهَةِ الشُّرْبِ قَائِمًا رِوَايَتَانِ قَطَعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِالْكَرَاهَةِ، وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ بِعَدَمِهَا. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ وَفِي لَفْظٍ نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا» .
وَرَوَى أَيْضًا اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ قُلْت لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ قَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا نَسِيَ فَلْيَسْتَقِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أُتِيَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْت» . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا» ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَى عَمْرٍو وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَيَتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام شَرِبَ قَائِمًا لِيُبَيِّنَ الْجَوَازَ وَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَالنَّهْيِ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِتَرْكِ الْأَوْلَى قَالَ ابْنُ عُمَرَ «كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَشْرَبُ قَائِمًا فَقَالَ لَهُ: قِهْ قَالَ: وَلِمَهْ قَالَ: أَيَسُرُّك أَنْ يَشْرَبَ مَعَك الْهِرُّ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ شَرِبَ مَعَك مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ يَعْنِي الشَّيْطَانَ» أَبُو زِيَادٍ قِيلَ لَا يُعْرَفُ وَقِيلَ شُيُوخُ شُعْبَةَ جِيَادٌ.
فَأَمَّا الْأَكْلُ قَائِمًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ لِقَوْلِ أَنَسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِتَخْصِيصِ الشَّارِعِ النَّهْيَ بِالشُّرْبِ لِسُرْعَةِ نُفُوذِهِ إلَى أَسَافِلِ الْبَدَنِ بِلَا تَدْرِيجٍ وَإِلَى الْمَعِدَةِ فَيُبَرِّدُهَا وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ فِيهَا حَتَّى يَقْسِمَهُ
الْكَبِدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْقَيْءِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ قَالَ يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ قَائِمًا بِالْقَيْءِ وَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِهِ بِخِلَافِ الشُّرْبِ قَائِمًا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَائِمًا فَمِنْ مَانِعٍ وَمُبِيحٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِإِصْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ مَقْتٌ وَبِإِصْبَعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كِبْرٌ وَبِأَرْبَعٍ وَخَمْسٍ، لِأَنَّهُ شَرَهٌ وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْبَنَّا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَلِأَنَّ بِأُصْبُعَيْنِ يَطُولُ حَتَّى يَشْبَعَ وَلَا تَفْرَحُ الْمَعِدَةُ وَلَا الْأَعْضَاءُ بِذَلِكَ لِقِلَّتِهِ كَمَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ قَلِيلًا قَلِيلًا فَلَا يَسْتَلِذُّ بِهِ وَلَا يُمْرِئُهُ، وَبِأَرْبَعِ أَصَابِعَ قَدْ يَغَصُّ بِهِ لِكَثْرَتِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً وَعُرْفًا بِإِصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِيهِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ مُنْتَفٍ عَنْهُ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ قَبْلَ غَسْلِهَا أَوْ مَسْحِهَا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا» وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ» وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا وَقَعْت لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا وَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُلْعِقَهَا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ» . وَعَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ، وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ: إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلهَا وَلَا يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ» . رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ
وَالْمِنْدِيلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقِيلَ الْوَسَخُ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ، يُقَالُ تَنَدَّلْت بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ وَأَنْكَرَهَا الْكِسَائِيُّ، وَيُرْوَى فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «الْأَكْلُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدٍ
أَكْلُ الشَّيْطَانِ وَبِاثْنَتَيْنِ أَكْلُ الْجَبَابِرَةِ وَبِثَلَاثٍ أَكْلُ الْأَنْبِيَاءِ» .
وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِي «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا» فَلَمْ يُصَحِّحْهُ وَلَمْ يَرَ إلَّا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيُسِنُّ أَنْ يُصَغِّرَ اللُّقَمَ وَيُجِيدُ الْمَضْغَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ إطَالَةِ الْأَكْلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ أَجِدْهَا مَأْثُورَةً وَلَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَكِنْ فِيهَا مُنَاسَبَةٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَصْغِيرِ الْأَرْغِفَةِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابَ تَصْغِيرِ الْكِسَرِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْخُبْزِ وَعِنْدَ الْوَضْعِ وَعِنْدَ الْأَكْلِ وَيُطِيلُ الْمَضْغَ وَلَا يَأْكُلُ لُقْمَةً حَتَّى يَبْلَعَ مَا قَبْلَهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَا يَمُدُّ يَدَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يَبْلُغَ الْأُولَى كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.
وَيَنْوِي بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ التَّقَوِّيَ عَلَى التَّقْوَى وَطَاعَةِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى وَيَبْدَأُ بِهِمَا الْأَكْبَرُ، وَالْأَعْلَمُ وَقَالَ حُذَيْفَةُ كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعَ يَدَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ:
وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهُمَةً
…
وَلَكِنَّ رَبَّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِي.