الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِيمَا يُبَاحُ أَوْ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ الضَّارَّةِ]
ِ) وَيُبَاحُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَالْوَزَغِ كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْلَى وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ أَذًى وَكَذَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ قَالَتْ: عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ: الْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ،» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا جُنَاحَ عَلَى قَتْلِهِنَّ فِي الْحَرَمِ، وَالْإِحْرَامِ» .
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا عَنْ إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ عليه الصلاة والسلام يَأْمُرُ بِقَتْلِهِنَّ وَفِيهِ، وَالْحَيَّةِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ» وَفِيهِمَا، أَوْ فِي مُسْلِمٍ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةَ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ» .
وَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْبَابِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَحَادِيثِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَةِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ مِنْ الْكِلَابِ فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ بَهِيمًا، أَوْ عَقُورًا أُبِيحَ قَتْلُهُ وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ قَالَ وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلُّ مَا أَذَى النَّاسَ وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يُبَاحُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ فِي الْكَلْبِ سِتُّ خِصَالٍ: ثَمَنُهُ وَسُؤْرُهُ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهَا وَتَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَيُقْتَلُ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ مَاشِيَةٍ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ لِلْأَمْرِ
بِقَتْلِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهِ لِلْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الِاقْتِنَاءِ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ وَحْدَهُ فِيمَا وَجَدْت فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ إمْسَاكِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَالِاصْطِيَادِ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا إلْحَاقُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَكَّدَ قَتْلَهُ فَأَبَاحَهُ فِي الْحَرَمِ وَعَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا نَصَّ الشَّارِع عَلَى قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَكَذَا مَا كَانَ فِيهِ أَذًى وَمَضَرَّةٌ.
قَالَ فِي الْغُنْيَةِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِيُدْفَعَ شَرُّهُ عَنْ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرَ الْكِلَابِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ:
(أَحَدُهَا) قَطْعُ الصَّلَاةِ بِمُرُورِهِ.
(وَالثَّانِي) تَحْرِيمُ صَيْدِهِ وَاقْتِنَائِهِ.
(وَالثَّالِثُ) جَوَازُ قَتْلِهِ.
وَالْبَهِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ سَوَادَهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَلَيْسَ بِبَهِيمٍ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَهَذَا قَوْلُ ثَعْلَبٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ بَهِيمٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» ، وَالطُّفْيَةُ خُوصُ الْمُقْلِ شَبَّهَ الْخَطَّيْنِ الْأَبْيَضَيْنِ مِنْهُ بِالْخُوصَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَضْعِ فَلَيْسَ بِبَهِيمٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ اللُّغَوِيِّ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ خَمْرٌ، أَوْ خَنَازِيرُ يُصَبُّ الْخَمْرُ وَتُسَرَّحُ الْخَنَازِيرُ قَدْ حَرُمَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَهَا فَلَا بَأْسَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَتْلُهَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي تَسْرِيحِهِنَّ ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ وَجَبَ قَتْلُهَا.