الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي وَصَايَا نَافِعَةٍ وَحِكَمٍ رَائِعَةٍ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَالْأَشْعَارِ]
ِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» . وَعَنْ سَعْدٍ «ابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ» وَعَنْهَا أَيْضًا مَرْفُوعًا «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
نَظَمَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ رحمه الله بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ نَثْرًا وَذَكَرَ أَيْضًا أَشْيَاءَ حَسَنَةً يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا فَقَالَ:
فَكَابِدْ إلَى أَنْ تَبْلُغَ النَّفْسُ عُذْرَهَا
…
وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طَلَّاعَ أَنْجُدِ
وَلَا يَذْهَبَنَّ الْعُمُرُ مِنْك سَبَهْلَلًا
…
وَلَا تَغْبِنَنَّ فِي النِّعْمَتَيْنِ بَلْ اجْهَدْ
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إنِّي أَكْرَهُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ يَمْشِي سَبَهْلَلًا أَيْ: لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَةٍ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» وَرَأَيْت أَنَا الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله رَوَى فِي الزُّهْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: إنِّي لَأَبْغَضُ الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: رحمه الله -
فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى
…
وَمَنْ أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ
وَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا
…
وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ
وَلَا تَشْتَغِلْ إلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا
…
وَلَا تُرْضِ النَّفْسَ النَّفِيسَةَ بِالرَّدِي
وَفِي خَلْوَةِ الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ أُنْسُهُ
…
وَيَسْلَمُ دِينُ الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ
وَيَسْلَمُ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى
…
جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وَحُسَّدِ
فَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهْوَ سِتْرٌ لِعَوْرَةٍ
…
وَحِرْزُ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ
وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كُتْبٌ تُفِيدُهُ
…
عُلُومًا وَآدَابًا وَعَقْلًا مُؤَيِّدِ
وَخَالِطْ إذَا خَالَطْت كُلَّ مُوَفَّقٍ
…
مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ التُّقَى وَالتَّسَدُّدِ
يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوًى
…
فَصَاحِبْهُ تُهْدَ مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدْ
وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَاَلْ
…
بَذِيِّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي
وَلَا تَصْحَبْ الْحَمْقَى فَذُو الْجَهْلِ إنْ يَرُمْ
…
صَلَاحًا لِشَيْءٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ يُفْسِدْ
وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْت فِيهِ وَخَصْلَةٍ
…
تَحَلَّيْتَهَا ذِكْرُ الْإِلَهِ بِمَسْجِدِ
وَكُفَّ عَنْ الْعَوْرَا لِسَانَك وَلْيَكُنْ
…
دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي
وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا
…
تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شَاهِدِ
وَوَاظِبْ عَلَى دَرْسِ الْقُرَانِ فَإِنَّهُ
…
يُلَيِّنُ قَلْبًا قَاسِيًا مِثْلَ جَلْمَدِ
وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ لِوَقْتِهَا
…
وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَى مِنْ تَهَجُّدِ
وَنَادِ إذَا مَا قُمْت فِي اللَّيْلِ سَامِعًا
…
قَرِيبًا مُجِيبًا بِالْفَوَاصِلِ يَبْتَدِي
وَمُدَّ إلَيْهِ كَفَّ فَقْرِك ضَارِعًا
…
بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَدْ
وَلَا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لِنَيْلِهِ
…
بِلَا ضَجَرٍ تَحْمَدْ سُرَى السَّيْرِ فِي غَدِ
وَكُنْ صَابِرًا لِلْفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَى
…
بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ وَاشْكُرْهُ وَاحْمَدْ
فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَى
…
بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ
فَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى
…
رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ
رُوِيَ هَذَا مِنْ كَلَامِ إدْرِيسَ النَّبِيِّ عليه السلام
فَمَنْ يَتَغَنَّ يُغْنِهِ اللَّهُ وَالْغِنَى
…
غِنَى النَّفْسِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ
وَلَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا
…
فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ
وَكُنْ عَامِلًا بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْته
…
لِيُهْدَى بِك الْمَرْءُ الَّذِي كَانَ يَقْتَدِي
حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ
…
تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ
وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ وَالْكِبْرَ تَحْظَ بِالسَّ
…
عَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَارْشُدْ وَأَرْشِدْ
وَهَا قَدْ بَذَلْتُ النُّصْحَ جَهْدِي وَإِنَّنِي
…
مُقِرٌّ بِتَقْصِيرِي وَبِاَللَّهِ أَهْتَدِي
انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ نَظَمَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الصَّرْصَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ رحمه الله كَثِيرًا فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ فَمِنْ ذَلِكَ
نُحْ وَابْكِ فَالْمَعْرُوفُ أَقْفَرَ رَسْمُهُ
…
وَالْمُنْكَرُ اسْتَعْلَى وَأَثَّرَ وَسْمُهُ
لَمْ يَبْقَ إلَّا بِدْعَةٌ فَتَّانَةٌ
…
يَهْوِي مُضِلٌّ مُسْتَطِيرٌ سُمُّهُ
وَطَعَامُ سُوءٍ مِنْ مَكَاسِبَ مُرَّةٍ
…
يُعْمِي الْفُؤَادَ بِدَائِهِ وَيُصِمُّهُ
فَفَشَا الرِّيَاءُ وَغِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ
…
وَقَسَاوَةٌ مِنْهُ وَأَثْمَرَ إثْمُهُ
لَمْ يَبْقَ زَرْعٌ أَوْ مَبِيعٌ أَوْ شِرًى
…
إلَّا أُزِيلَ عَنْ الشَّرِيعَةِ حُكْمُهُ
فَلَكَيْفَ يُفْلِحُ عَابِدٌ وَعِظَامُهُ
…
نَشَأَتْ عَلَى السُّحْتِ الْحَرَامِ وَلَحْمُهُ
هَذَا الَّذِي وَعَدَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى
…
بِظُهُورِهِ وَعْدًا تَوَثَّقَ حَتْمُهُ
هَذَا لَعَمْرُ إلَهِك الزَّمَنُ الَّذِي
…
تَبْدُو جَهَالَتُهُ وَيُرْفَعُ عِلْمُهُ
هَذَا الزَّمَانُ الْآخِرُ الْكَدِرُ الَّذِي
…
تَزْدَادُ شِرَّتُهُ وَيَنْقُصُ حِلْمُهُ
وَهَتْ الْأَمَانَةُ فِيهِ وَانْفَصَمَتْ عُرَى التَّ
…
قْوَى بِهِ وَالْبِرُّ أَدْبَرَ نَجْمُهُ
كَثُرَ الرِّبَا وَفَشَا الزِّنَا وَنَمَا الْخَنَا
…
وَرَمَى الْهَوَى فِيهِ فَأَقْصَدَ سَهْمُهُ
ذَهَبَ النَّصِيحُ لِرَبِّهِ وَنَبِيِّهِ
…
وَإِمَامِهِ نُصْحًا تَحَقَّقَ عَزْمُهُ
لَمْ يَبْقَ إلَّا عَالِمٌ هُوَ مُرْتَشٍ
…
أَوْ حَاكِمٌ تَخْشَى الرَّعِيَّةُ ظُلْمَهُ
وَالصَّالِحُونَ عَلَى الذَّهَابِ تَتَابَعُوا
…
فَكَأَنَّهُمْ عِقْدٌ تَنَاثَرَ نَظْمُهُ
لَمْ يَبْقَ إلَّا رَاغِبٌ هُوَ مُظْهِرٌ
…
لِلزُّهْدِ وَالدُّنْيَا الدَّنِيَّةُ هَمُّهُ
لَوْلَا بَقَايَا سُنَّةٍ وَرِجَالُهَا
…
لَمْ يَبْقَ نَهْجٌ وَاضِحٌ نَأْتَمُّهُ
يَا مُقْبِلًا فِي جَمْعِ دُنْيَا أَدْبَرَتْ
…
كَبِنَاءٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ هَدْمُهُ
هَذِي أَمَارَاتُ الْقِيَامَةِ قَدْ بَدَتْ
…
لِمُبَصَّرٍ سَبَرَ الْعَوَاقِبَ فَهْمُهُ
ظَهَرَتْ طُغَاةُ التُّرْكِ وَاجْتَاحُوا الْوَرَى
…
وَأَبَادَهُمْ هَرْجٌ شَدِيدٌ حَطْمُهُ
وَالشَّمْسُ آنَ طُلُوعُهَا مِنْ غَرْبِهَا
…
وَخُرُوجُ دَجَّالٍ فَظِيعٍ غَشْمُهُ
وَأَنَّى لِيَأْجُوجَ الْخُرُوجُ عَقِيبَهُ
…
مِنْ خَلْفِ سَدٍّ سَوْفَ يُفْتَحُ رَدْمُهُ
فَاعْمَلْ لِيَوْمٍ لَا مَرَدَّ لِوَقْعِهِ
…
يُقْصِي الْوَلِيدَ بِهِ أَبُوهُ وَأُمُّهُ
وَلَهُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا
…
وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا
…
عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ
…
صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا
…
فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي
…
فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ
…
أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا
…
وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ
…
حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي
…
وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا
أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي
…
إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا
أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا
…
وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا
أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ
…
يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا
أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي
…
وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا
أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا
…
وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا
فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى
…
وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا
وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ
…
يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا
وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي
…
بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا
تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ
…
وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا
إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا
…
حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا
وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي
…
إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا
وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ
…
أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا
وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى
…
إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَتْ الْقُلُوبَا
تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا
…
عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا
فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا
…
خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا
أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا
…
رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا
وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ
…
جَنَابًا نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا
وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا
…
وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا
وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا
…
وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا
وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ
…
تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا
فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا
…
مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا
وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا
…
طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا
فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ
…
إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا
وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا
…
يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا
وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ
…
يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا
وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ
…
بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا
وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا
…
وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا
تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا
…
وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا
وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا
…
إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا
وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا
…
وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا
تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا
…
إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا
وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ
…
طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ شَكِسٌ أَيْ صَعْبُ الْخُلُقِ، وَقَوْمٌ شُكْسٌ مِثَالُ رَجُلِ صَدُقٍ وَقَدْ شَكِسَ بِالْكَسْرِ شَكَاسَةً وَحَكَى الْفَرَّاءُ رَجُلٌ شَكِسٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ الصَّرْصَرِيُّ أَيْضًا:
وُصُولًا لِلْخَلِيلِ إذَا تَجَافَى
…
عَسَاهُ بِحُسْنِ عَطْفِك أَنْ يَئُوبَا
حَفِيظًا لِلْوِدَادِ بِظَهْرِ غَيْبٍ
…
فَإِنَّ الْحُرَّ مَنْ حَفِظَ الْمَغِيبَا
وَلَا تَمْزَحْ وَكُنْ رَجُلًا وَقُورًا
…
كَثِيرَ الصَّمْتِ مُتَّقِيًا أَدِيبَا
وَلَا تَحْسُدْ وَلَا تَحْقِدْ وَطَهِّرْ
…
لِسَانَك أَنْ يَنِمَّ وَأَنْ يَغِيبَا
فَإِنَّك إنْ نَهَضْت لِفِعْلِ هَذَا
…
حَلَلْت مِنْ التُّقَى رَبْعًا خَصِيبَا
وَلَهُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
دَعْ الدُّنْيَا لِطَالِبِهَا
…
لِتَسْلَمَ مِنْ مَعَاطِبِهَا
وَلَا يَغْرُرْك عَاجِلُهَا
…
وَفَكِّرْ فِي عَوَاقِبِهَا
فَإِنَّ سِهَامَ آفَتِهَا
…
مَشُوبٌ فِي أَطَايِبِهَا
وَإِنَّ بَرِيقَ دِرْهَمِهَا
…
لَأَفْتَكُ مِنْ عَقَارِبِهَا
وَكُنْ مُتَدَرِّعَ التَّقْوَى
…
تُحَصَّنْ مِنْ قَوَاضِبِهَا
فَإِنَّ سِهَامَ فِتْنَتِهَا
…
لَتَرْشُقُ مِنْ جَوَانِبِهَا
تُبِيحُكَ فِي مَحَاسِنِهَا
…
لِتَذْهَلَ عَنْ مَعَايِبِهَا
فَتُبْدِي لِينَهَا خَدْعَا
…
لِتَنْشَبَ فِي مَخَالِبِهَا
فَكُنْ مِنْ أُسْدِهَا لَيْثًا
…
وَلَا تَكُ مِنْ ثَعَالِبِهَا
فَإِنَّك إنْ سَلِمْت بِهَا
…
فَإِنَّك مِنْ عَجَائِبِهَا
وَجَانِبْهَا فَإِنَّ الْبِرَّ
…
يَدْنُو مِنْ مُجَانِبِهَا
وَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ
…
فَإِنَّك مِنْ مَطَالِبِهَا
فَكَمْ مِنْ صَاحِبٍ صَحِبَتْ
…
وَلَمْ تَنْصَحْ لِصَاحِبِهَا
وَصَادَقَهَا لِيَنْهَبَهَا
…
فَأَصْبَحَ مِنْ مَنَاهِبِهَا
فَلَا تَطْمَعْ مِنْ الدُّنْيَا
…
بِصَافٍ فِي شَوَائِبِهَا
فَإِنَّ مَجَامِعَ الْأَكْدَارِ
…
صُبَّتْ فِي مَشَارِبِهَا
وَكُنْ رَجُلًا مُنِيبَ الْقَلْبِ
…
تَسْلَمْ مِنْ نَوَائِبِهَا
وَسَلْ رَبَّ الْعِبَادِ الْعَوْنَ
…
مِنْهُ عَلَى مَصَائِبِهَا
وَلَهُ أَيْضًا رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ -:
يَا قَسْوَةَ الْقَلْبِ مَا لِي حِيلَةٌ فِيكِ
…
مَلَكْتِ قَلْبِي فَأَضْحَى شَرَّ مَمْلُوكِ
حَجَبْتِ عَنِّي إفَادَاتِ الْخُشُوعِ فَلَا
…
يَشْفِيك ذِكْرٌ وَلَا وَعْظٌ يُدَاوِيك
وَمَا تَمَادِيكِ مِنْ كَنْفِ الذُّنُوبِ وَلَ
…
كِنَّ الذُّنُوبَ أَرَاهَا مِنْ تَمَادِيكِ
لَكِنْ تَمَادِيكِ مِنْ أَصْلٍ نَشَأْتِ بِهِ
…
طَعَامُ سُوءٍ عَلَى ضَعْفٍ يُقَوِّيكِ
وَأَنْتِ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ مُعْضِلَةٍ
…
وَكُلُّ دَاءٍ بِقَلْبِي مِنْ عَوَادِيك
أَنْتِ الطَّلِيعَةُ لِلشَّيْطَانِ فِي جَسَدِي
…
فَلَيْسَ يَدْخُلُ إلَّا مِنْ نَوَاحِيكِ
لَمَّا فَسَحْتِ بِتَوْفِيرِ الْحُظُوظِ لَهُ
…
أَضْحَى مَعَ الدَّمِ يَجْرِي فِي مَجَارِيك
وَالَيْتِهِ بِقَبُولِ الزُّورِ مِنْكِ فَلَنْ
…
يُوَالِيَ اللَّهُ إلَّا مَنْ يُعَادِيكِ
مَا زِلْتِ فِي أَسْرِهِ تَهْوِينَ مُوثَقَةً
…
حَتَّى تَلِفْت فَأَعْيَانِي تَلَافِيك
يَا نَفْسُ تُوبِي إلَى الرَّحْمَنِ مُخْلِصَةً
…
ثُمَّ اسْتَقِيمِي عَلَى عَزْمٍ يُنَجِّيكِ
وَاسْتَدْرِكِي فَارِطَ الْأَوْقَاتِ وَاجْتَهِدِي
…
عَسَاك بِالصِّدْقِ أَنْ تُمْحَى مَسَاوِيكِ
وَاسْعَيْ إلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مُسَارِعَةً
…
فَرُبَّمَا شُكِرَتْ يَوْمًا مَسَاعِيك
وَلَنْ تَتِمَّ لَك الْأَعْمَالُ صَالِحَةً
…
إلَّا بِتَرْكِك شَيْئًا شَرَّ مَتْرُوكِ
حُبُّ التَّكَاثُرِ فِي الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا
…
فَهِيَ الَّتِي عَنْ طِلَابِ الْخَيْرِ تُلْهِيك
لَا تُكْثِرِي الْحِرْصَ فِي تَطْلَابِهَا فَلَكَمْ
…
دَمٍ لَهَا بِسُيُوفِ الْحِرْصِ مَسْفُوكِ
بَلْ اقْنَعِي بِكَفَافِ الرِّزْقِ رَاضِيَةً
…
فَكُلَّمَا جَازَ مَا يَكْفِيك يُطْغِيك
ثُمَّ اُذْكُرِي غُصَصَ الْمَوْتِ الْفَظِيعِ تَهُنْ
…
عَلَيْك أَكْدَارُ دُنْيَا لَا تُصَافِيكِ
وَظُلْمَةَ الْقَبْرِ لَا تَخْشَيْ وَوَحْشَتَهُ
…
عِنْدَ انْفِرَادِك عَنْ خِلٍّ يُوَالِيك
وَالصَّالِحَاتِ لِيَوْمِ الْفَاقَةِ ادَّخِرِي
…
فِي مَوْقِفٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يُوَاسِيك
وَأَحْسِنِي الظَّنَّ بِالرَّحْمَنِ مُسْلِمَةً
…
فَحُسْنُ ظَنِّك بِالرَّحْمَنِ يَكْفِيك
وَلَهُ أَيْضًا فِي مُجَانَسَاتٍ:
إنْ كَانَ ذُلُّ مُحِبٍّ جَالِبًا فَرَحَا
…
فَهَا مُحِبُّكُمْ الْخَدَّيْنِ قَدْ فَرَشَا
أَوْ كَانَ يَنْفَعُهُ بَذْلُ الرُّشَى لَسَخَا
…
بِنَفْسِهِ فِي هَوَاكُمْ بَاذِلًا فُرُشًا
يَا مَنْ يَزِينُ ثِيَابَ الْوَشْيِ حُسْنُهُمْ
…
مَا لَمْ تَزِنْهُ يَدُ الْوَشَّاءِ حِينَ وَشَى
وَمَنْ يُقَالُ مُحَالٌ فِي مَحَبَّتِهِمْ
…
لَا تَسْمَعُوا قَوْلَ وَاشٍ بِالْمُحَالِ وَشَى
وَلَهُ أَيْضًا يُثْنِي عَلَى اللَّهِ وَيَذْكُرُ:
يَا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ مَحْضًا فِي بَرِيَّتِهِ
…
وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالْبَاسِ
عَوَّدْتَنِي عَادَةً أَنْتَ الْكَفِيلُ بِهَا
…
فَلَا تَكِلْنِي إلَى خَلْقٍ مِنْ النَّاسِ
وَلَا تُذِلَّ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ عِزَّتِهِ
…
وَجْهِي الْمَصُونَ وَلَا تَخْفِضْ لَهُمْ رَاسِي
وَابْعَثْ عَلَى يَدِ مَنْ تَرْضَاهُ مِنْ بَشَرٍ
…
رِزْقِي وَصُنِّي عَمَّنْ قَلْبُهُ قَاسِي
فَإِنَّ حَبْلَ رَجَائِي فِيكَ مُتَّصِلٌ
…
بِحُسْنِ صُنْعِكَ مَقْطُوعٌ عَنْ النَّاسِ
وَلَهُ أَيْضًا وَهِيَ مِنْ الْحِكَمِ:
إذَا انْقَطَعَتْ أَطْمَاعُ عَبْدٍ عَنْ الْوَرَى
…
تَعَلَّقَ بِالرَّبِّ الْكَرِيمِ رَجَاؤُهُ
فَأَصْبَحَ حُرًّا عِزَّةً وَقَنَاعَةً
…
عَلَى وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤُهُ
وَإِنْ عَلِقَتْ بِالْخَلْقِ أَطْمَاعُ نَفْسِهِ
…
تَبَاعَدَ مَا يَرْجُو وَطَالَ عَنَاؤُهُ
فَلَا تَرْجُ إلَّا اللَّهَ لِلْخَطْبِ وَحْدَهُ
…
وَلَوْ صَحَّ فِي خِلِّ الصَّفَاءِ صَفَاؤُهُ
وَلَهُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
لَا تَلْقَ حَادِثَةً بِوَجْهٍ عَابِسٍ
…
وَاثْبُتْ وَكُنْ فِي الصَّبْرِ خَيْرَ مُنَافِسِ
فَلَطَالَمَا قَطَفَ اللَّبِيبُ بِصَبْرِهِ
…
ثَمَرَ الْمُنَى وَانْجَابَ ضُرُّ الْبَائِسِ
وَعَلَيْك بِالتَّقْوَى وَكُنْ مُتَدَرِّعًا
…
بِلِبَاسِهَا فَلَنِعْمَ دِرْعُ اللَّابِسِ
وَتَتَبَّعْ السُّنَنَ الْمُنِيرَةَ وَاطَّرِحْ
…
مُتَجَنِّبًا إفْكَ الْغَوِيِّ الْيَائِسِ
وَاغْرِسْ أُصُولَ الْبِرِّ تَجْنِ ثِمَارَهَا
…
فَالْبِرُّ أَزْكَى مَنْبِتًا لِلْغَارِسِ
وَاطْلُبْ نَفِيسَ الْعِلْمِ تَسْتَأْنِسْ بِهِ
…
فَالْعِلْمُ لِلطُّلَّابِ خَيْرُ مُؤَانِسِ
لَا تُكْثِرَنَّ الْخَوْضَ فِي الدُّنْيَا وَكُنْ
…
فِي الْعِلْمِ أَحْرَصَ مُسْتَفِيدٍ قَابِسِ
فَالْمَالُ يَحْرُسُهُ الْفَتَى حَيْثُ التَّوَى
…
وَالْعِلْمُ لِلْإِنْسَانِ أَحْفَظُ حَارِسِ
وَإِذَا شَهِدْت مَعَ الْجَمَاعَةِ مَجْلِسًا
…
يَوْمًا فَكُنْ لِلْقَوْمِ خَيْرَ مُجَالِسِ
أَلِنِ الْكَلَامَ لَهُمْ وَصُنْ أَسْرَارَهُمْ
…
وَذَرْ الْمِزَاحَ وَلَا تَكُنْ بِالْعَابِسِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَزْحُ الدُّعَابَةُ وَقَدْ مَزَحَ يَمْزَحُ وَالِاسْمُ الْمُزَاحُ بِالضَّمِّ وَالْمُزَاحَةُ أَيْضًا. وَأَمَّا الْمِزَاحُ فَهُوَ مَصْدَرُ مَازَحَهُ وَهُمَا يَتَمَازَحَانِ.
وَلِلصَّرْصَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا مُجَانَسَاتٌ:
اصْحَبْ مِنْ النَّاسِ مَنْ صُدُورُهُمْ
…
طَاهِرَةٌ لَا تُكِنَّ أَوْغَارَا
أَنْوَارُهُمْ فِي الظَّلَامِ مُشْرِقَةٌ
…
إنْ لَاحَ نَجْمُ السَّمَاءِ أَوْ غَارَا
أَكُفُّهُمْ بِالنَّوَالِ مُطْلَقَةٌ
…
إنْ فَاضَ مَاءُ الْعُيُونِ أَوْ غَارَا
عِرْضُهُمْ طَيِّبُ الثَّنَاءِ فَلَا
…
مِسْكَ يُضَاهَى بِهِ وَلَا غَارَا
فَاهْرَبْ مِنْ النَّاسِ مَا اسْتَطَعْت وَلَوْ
…
سَكَنْت مِنْ خَوْفِ شَرِّهِمْ غَارَا
وَلَا تُطِلْ ذِكْرَ غَادِرٍ مَلِقٍ
…
إنْ جَدَّ فِي الْبُعْدِ عَنْك أَوْ غَارَا
وَالْخِلَّ صُنْ عِرْضَهُ فَنِعْمَ فَتًى
…
حُرٍّ عَلَى عِرْضِ خِلِّهِ غَارَا
وَصِلْهُ فِي فَقْرِهِ كَذِي رَحِمٍ
…
فَأَكْرَمُ الْوَاصِلِينَ مَنْ غَارَا
وَلَهُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
إذَا الْفَتَى لَمْ يَكُنْ بِالْفِقْهِ مُشْتَغِلًا
…
وَلَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتْلُو الْكِتَابَ لَغَا
وَكُلُّ مَنْ أَهْمَلَ التَّقْوَى فَلَيْسَ لَهُ
…
مِنْ حُرْمَةٍ بَالِغًا فِي الْعِلْمِ مَا بَلَغَا
وَلَيْسَ يَجْنِي مِنْ الْعِلْمِ الثِّمَارَ سِوَى
…
مَنْ أَصْلُهُ فِي بَسَاتِينِ التُّقَى نَبَغَا
وَكُلُّ خِلٍّ صَفَا يَوْمٌ وَلِيتَ لَهُ
…
يَبْغِي الصَّفَاءَ وَلَمْ يُعْطِ اللِّيَانَ بَغَا
وَلَهُ أَيْضًا فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
تَدَبَّرْ كِتَابَ اللَّهِ يَنْفَعْك وَعْظُهُ
…
فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْلَغُ وَاعِظِ
وَبِالْعَيْنِ ثُمَّ الْقَلْبِ لَاحِظْهُ وَاعْتَبِرْ
…
مَعَانِيَهُ فَهْوَ الْهُدَى لِلْمُلَاحِظِ
وَأَنْتَ إذَا أَتْقَنْت حِفْظَ حُرُوفِهِ
…
فَكُنْ لِحُدُودِ اللَّهِ أَقْوَمَ حَافِظِ
وَلَا يَنْفَعُ التَّجْوِيدُ لَافِظَ حُكْمِهِ
…
وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْآنِ أَفْصَحَ لَافِظِ
وَيُعْرَفُ أَهْلُوهُ بِإِحْيَاءِ لَيْلِهِمْ
…
وَصَوْمِ هَجِيرٍ لَاعِجِ الْحَرِّ قَائِظِ
وَغَضِّهِمْ الْأَبْصَارَ عَنْ مَأْثَمٍ
…
يَجُرُّ بِتَحْرِيرِ الْعُيُونِ اللَّوَاحِظِ
وَكَظْمِهِمُو لِلْغَيْظِ عِنْدَ اسْتِعَارِهِ
…
إذَا عَزَّ بَيْنَ النَّاسِ كَظْمُ الْمُغَايِظِ
وَأَخْلَاقُهُمْ مَحْمُودَةٌ إنْ خَبَرْتهَا
…
فَلَيْسَتْ بِأَخْلَاقٍ فِظَاظٍ غَلَائِظِ
تَحَلَّوْا بِآدَابِ الْكِتَابِ وَأَحْسَنُوا ال
…
تَفَكُّرَ فِي أَمْثَالِهِ وَالْمَوَاعِظِ
فَفَاضَتْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ نُفُوسُهُمْ
…
سَلَامٌ عَلَى تِلْكَ النُّفُوسِ الْفَوَائِظِ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ مَنْثُورِ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ، مُنْتَهِجًا مِنْ نَتَائِجِ عُقُولِ الرِّجَالِ رَأْسُ الدِّينِ صِحَّةُ الْيَقِينِ، امْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ قَبِيحَةً، الْأَحْمَقُ لَا يُبَالِي مَا قَالَ، وَالْعَاقِلُ يَتَعَاهَدُ الْمَقَالَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُجْبُ تَرَكَ الْمَشُورَةَ فَهَلَكَ، جَانِبْ مَوَدَّةَ الْحَسُودِ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ وَدُودٌ.
إذَا جَهِلَ عَلَيْك الْأَحْمَقُ، فَالْبَسْ لَهُ لِبَاسَ الرِّفْقِ مَنْ طَلَبَ إلَى لَئِيمٍ حَاجَةً، فَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ صَيْدَ السَّمَكِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا صَادَقْت الْوَزِيرَ، فَلَا تَخَفْ الْأَمِيرَ.
لَا تَثِقْ بِالْأَمِيرِ، إذَا خَانَك الْوَزِيرُ مَنْ كَانَ
السُّلْطَانُ يَطْلُبُهُ، ضَاقَ عَلَيْهِ بَلَدُهُ.
صَدِيقِي دِرْهَمِي، إذَا سَرَّحْته فَرَّجَ هَمِّي وَقَضَى حَاجَتِي.
مَنْ جَالَسَ عَدُوَّهُ فَلْيَحْتَرِسْ مِنْ مَنْطِقِهِ.
مَنْ قَلَّ خَيْرُهُ عَلَى أَهْلِهِ فَلَا تَرْجُ خَيْرَهُ.
عَنَاءٌ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ خَسَارَةٌ حَاضِرَةٌ.
مَنْ أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ اسْتَحَقَّ الْحِرْمَانَ.
صُحْبَةُ الْفَاسِقِ شَيْنٌ، وَصُحْبَةُ الْفَاضِلِ زَيْنٌ، الْكَرِيمُ يُوَاسِي إخْوَانَهُ فِي دَوْلَتِهِ.
مَنْ مَشَى فِي دِيوَانِ أَمَلِهِ عَثَرَ فِي عَنَانِ أَجَلِهِ، مَنْ أَحَبَّكَ نَهَاكَ، وَمَنْ أَبْغَضَك أَغْرَاكَ مَنْ اسْتَهْوَتْهُ الْخَمْرُ وَالنِّسَاءُ، أَسْرَعَ إلَيْهِ الْبَلَاءُ مَنْ نَسِيَ إخْوَانَهُ فِي الْوِلَايَةِ، أَسْلَمُوهُ فِي الْعَزْلِ وَالشِّدَّةِ مَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِرِزْقِهِ عَذَّبَ نَفْسَهُ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى السُّلْطَانِ تَعَرَّضَ لِلْهَوَانِ، إذَا لَمْ يُوَاتِك الْبَازِي فِي صَيْدِهِ فَانْتِفْ رِيشَهُ مَنْ مَدَحَك بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْك سِرًّا، ذَمَّك بِمَا يَعْلَمُ مِنْك جَهْرًا أَسْلِمْ لِسَانَك، يَسْلَمْ جَنَانُك، إنْ قَدَرْت أَنْ لَا تُسْمِعَ أُذُنَك شَرَّك فَافْعَلْ، لِقَاءُ الْأَحِبَّةِ مَسْلَاةٌ لِلْهُمُومِ، قَلِيلٌ مُهَنِّي خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُكَدِّرٍ كَلْبٌ سَاخِرٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ غَادِرٍ رَوْضَةُ الْعِلْمِ أَزْيَنُ مِنْ رَوْضَةِ الرَّيَاحِينِ، الْحَسُودُ مُغْتَاظٌ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ الْمُوَاتِيَةُ جَنَّةُ الدُّنْيَا.
وَمِنْ كَلَامِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِي:
" مِنْ مَأْمَنِهِ يُؤْتَى الْحَذَرُ "" مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا اسْتَعْبَدَهُ ".
" وَيْلُ عَالِمٍ مِنْ امْرِئٍ جَاهِلٍ ".
" إنْ قَدَرْت أَنْ تُرِيَ عَدُوَّكَ أَنَّك صَدِيقُهُ فَافْعَلْ ".
" سُوقِيٌّ نَفِيسٌ خَيْرٌ مِنْ قُرَشِيٍّ خَسِيسٍ ".
" الْعَقْلُ كَالزُّجَاجِ إنْ تَصَدَّعْ لَمْ يُرَقَّعْ ".
" جَاءَ الْقَدَرُ عَمِيَ الْبَصَرُ ".
" الثَّقِيلُ عَذَابٌ وَبِيلٌ "
" لَا يَضُرُّ السَّحَابَ نُبَاحُ الْكِلَابِ ".
" مَنْ تَرَدَّى بِثَوْبِ السَّخَا غَابَ عَنْ النَّاسِ عَيْبُهُ وَاخْتَفَى ".
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قِيلَ لأَرِسْطَاطَاليس مَا الْفَلْسَفَةُ قَالَ فَقْرٌ وَصَبْرٌ، وَعَفَافٌ وَكَفَافٌ، وَهِمَّةٌ وَفِكْرَةٌ قِيلَ لِسُقْرَاطَ بِمَ فَضَلْت أَهْلَ زَمَانِك؟ قَالَ: لِأَنَّ غَرَضِي فِي الْأَكْلِ الْإِحْيَاءُ، وَغَرَضُهُمْ فِي الْحَيَاةِ لِيَأْكُلُوا قِيلَ
لِجَالِينُوسَ بِمَ فُقْتَ أَصْحَابَك فِي عِلْمِ الطِّبِّ قَالَ: لِأَنِّي أَنْفَقْت فِي زَيْتِ السِّرَاجِ لِدَرْسِ الْكُتُبِ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ.
قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ الْحُكَمَاءِ لِمَنْ أَنْتَ أَرْحَمُ قَالَ: لِعَالِمٍ جَارَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ. قِيلَ: لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ مَتَى أَثَّرَتْ فِيكَ الْحِكْمَةُ قَالَ: مُذْ بَدَا لِي عَيْبُ نَفْسِي.
يُرْوَى عَنْ الْمَسِيحِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ أَمْرٌ لَا تَعْلَمُ مَتَى يَغْشَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَعِدَّ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ نِعْمَ الصَّاحِبُ، وَالْجَلِيسُ كِتَابٌ تَلْهُو بِهِ إنْ خَانَكَ الْأَصْحَابُ
لَا مُفْشِيًا عِنْدَ الْقَطِيعَةِ سِرَّهُ
…
وَتُنَالُ مِنْهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابُ
وَقَالَ آخَرُ:
لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ
…
أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونَ غَيْبًا وَمَشْهَدَا
يُفِيدُونَنَا مِنْهُمْ طَرَائِفَ حِكْمَةٍ
…
وَلَا نَتَّقِي مِنْهُمْ لِسَانًا وَلَا يَدَا
وَقَالَ آخَرُ:
مَا تَطَمَّعْت لَذَّةَ الْعَيْشِ حَتَّى
…
صِرْت فِي الْبَيْتِ لِلْكِتَابِ جَلِيسَا
إنَّمَا الذُّلُّ فِي مُخَالَطَةِ النَّاس
…
سِ فَدَعْهُمْ تَعِشْ عَزِيزًا رَئِيسَا
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كَيْفَ لَا تَسْتَوْحِشُ فِي مَكَانِكَ وَحْدَكَ؟ فَقَالَ كَيْفَ يَسْتَوْحِشُ مَنْ هُوَ مُجَالِسٌ لِلنَّبِيِّ عليه السلام وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم يَعْنِي: الْكُتُبَ الَّتِي فِيهَا الْأَخْبَارُ، وَالسِّيَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي مَجَالِسِهِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَكَانَ كَثِيرَ الْجُلُوسِ فِي دَارِهِ، فَقِيلَ أَلَا تَسْتَوْحِشُ؟ فَقَالَ كَيْفَ أَسْتَوْحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ السَّاتِرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ السَّاتِرِ الْعَدْلُ بِتَنِيسَ وَأَنَا جَالِسٌ وَحْدِي أَكْتُبُ وَقَدْ أَغْلَقْت بَابَ الْبَيْتِ فَقَالَ دَخَلْت عَلَى الشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيِّ الْحَافِظِ وَهُوَ وَحْدَهُ فَقُلْت لَهُ أَيُّهَا الشَّيْخُ أَنْتَ جَالِسٌ وَحْدَكَ؟ فَقَالَ لَسْت وَحْدِي أَنَا بَيْنَ عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ وَأَحْكِي عَنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: سَمِعْت الْإِمَامَ سَعْدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ أَبُو النَّصْرِ السِّجْزِيُّ الْحَافِظُ وَصَّانِي أَنْ أَبْعَثَ بِكُتُبِهِ إلَى مِصْرَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْحَبَّالِ أَوْصَى لَهُ بِهَا.