الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ إنْكَارِ مَا يُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالْمَوَالِدِ]
فَصْلٌ (فِي إنْكَارِ مَا يُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالْمَوَالِدِ) قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَا أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا، فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِي يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً.
لَعَمْرِي إنَّهَا لِإِحْيَاءِ أَهْوَائِهِمْ، وَإِيقَاظِ شَهَوَاتِهِمْ، جُمُوعُ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ مَخَارِجُ، الْأَمْوَالِ فِيهَا مِنْ أَفْسَدِ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ الرِّيَاءُ، وَالسُّمْعَةُ وَمَا فِي خِلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّعِبِ، وَالْكَذِبِ، وَالْغَفْلَةِ، مَا كَانَ أَحْوَجَ الْجَوَامِعِ أَنْ تَكُون مُظْلِمَةً مِنْ سُرُجِهِمْ، مُنَزَّهَةً عَنْ مَعَاصِيهمْ وَفِسْقِهِمْ، مُرْدَانٍ وَنِسْوَةٍ، وَفِسْقُ الرَّجُلِ عِنْدِي مَنْ وَزَنَ فِي نَفْسِهِ ثَمَنَ الشَّمْعَةِ فَأَخْرَجَ بِهِ دُهْنًا وَحَطَبًا إلَى بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ وَوَقَفَ فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ بَعْدَ إرْضَاءِ عَائِلَتِهِ بِالْحُقُوقِ فَكُتِبَ فِي الْمُتَهَجِّدِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِحُزْنٍ وَدَعَا لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَبَكَّرَ إلَى مَعَاشِهِ لَا إلَى الْمَقَابِرِ فَتَرْكُ الْمَقَابِرِ فِي ذَلِكَ عِبَادَةٌ. يَا هَذَا اُنْظُرْ إلَى خُرُوجِك إلَى الْمَقَابِرِ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وُضِعَتْ لَهُ.
قَالَ «تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» فَأَشْغَلَكَ بِتَلَمُّحِ الْوُجُوهِ النَّاضِرَةِ فِي تِلْكَ الْجُمُوعِ لِزَرْعِ اللَّذَّةِ فِي قَلْبِكَ، وَالشَّهْوَةِ فِي نَفْسِكَ مِنْ مُطَالَعَةِ الْعِظَامِ النَّاخِرَةِ يُسْتَدْعَى بِهَا ذِكْرُ الْآخِرَةِ كَلًّا مَا خَرَجْت إلَّا مُتَنَزِّهًا، وَلَا عُدْت إلَّا مُتَأَثِّمًا، وَلَا فَرْقَ عِنْدَك بَيْنَ الْقُبُورِ، وَالْمَسَاكِنِ مَعَ الْفُرْجَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَعَاصِي بَيْنَ الْجُدْرَانِ فَأَمَّا أَنْ تُجْعَلَ الْمَقَابِرُ، وَالْمَشَاهِدُ عِلَّةً فِي الِاشْتِهَارِ فَلَا فَعَلَى مَنْ فَطِنَ لِقَوْلِي فِي رَجَبٍ وَأَمْثَالِهِ
{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] .
عَزَّ عَلَيَّ بِقَوْمٍ فَأَتَتْهُمْ أَيَّامُ الْمَوَاسِمِ الَّتِي يَحْظَى فِيهَا قَوْمٌ بِأَنْوَاعِ الْأَرْبَاحِ، وَلَيْتَهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا بِالْبَطَالَةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ مَا قَنَعُوا حَتَّى جَعَلُوهَا مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ خَلْسًا لِاسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ وَاسْتِلَامِ الشَّهَوَاتِ الْمَحْظُورَاتِ مَا بَالُ الْوُجُوهِ الْمَصُونَةِ فِي جُمَادَى هُتِكَتْ فِي رَجَبٍ بِحُجَّةِ الزِّيَارَاتِ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50] {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] نُوحَ.
وَقَالَ أَتَرَى بِمَاذَا تَتَحَدَّثُ عَنْك سَوَارِي الْمَسْجِدِ فِي الظُّلَمِ، وَأَفْنِيَةُ الْقُبُورِ، وَالْقِبَابِ، بِالْبُكَاءِ مِنْ خَوْفِ الْوَعِيدِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِلْآخِرَةِ؟ بِنَظَرِ الْعِبْرَةِ إذَا تَحَدَّثَتْ عَنْ أَقْوَامٍ خَتَمُوا فِي بُيُوتِهِمْ الْخَتْمَاتِ وَصَانُوا الْأَهْلَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ «انْسَلَّ مِنْ فِرَاشِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إلَى الْمَسْجِدِ لَا جُمُوعَ وَلَا شُمُوعَ؟ طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَانْزَوَى إلَى زَاوِيَةِ بَيْتِهِ فَانْتَصَبَ لِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فِي رَكْعَتَيْنِ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ» فَيَالَهَا مِنْ لَحْظَةٍ مَا أَصْفَاهَا مِنْ أَكْدَارِ الْمُخَالَطَاتِ وَأَقْذَارِ الرِّيَاءِ، غَدًا يَرَى أَهْلُ الْجُمُوعِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تَلْعَنُهُمْ، وَالْمَشَاهِدَ، وَالْمَقَابِرَ تَسْتَغِيثُ مِنْهُمْ.
يُبَكِّرُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَنَا صَائِمٌ، مَتَى أَفْلَحَ عُرْسُك حَتَّى يَكُونَ لَهُ صُبْحَةٌ؟ قُلْ لِي يَا مَنْ أَحْيَا فِي الْجَامِعِ بِأَيِّ قَلْبٍ رَجَعْت؟ مَاتَ وَاَللَّهِ قَلْبُك، وَعَابَتْ نَفْسُك، مَا أَخْوَفَنِي عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَنْ يَخَافَ فِي مَوَاطِنِ الْأَمْنِ، وَيَظْمَأَ فِي مَقَامَاتِ الرِّيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ فَمَا ظَنُّك بِزَمَنِنَا هَذَا الَّذِي بَيْنَهُمَا نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا يَجْرِي بِالشَّامِّ وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي أَيَّامِ الْمَوَاسِمِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «لَا يَأْتِي عَامٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ» سَمِعْته مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ فِي حُصُولِ الْمُحَرَّمِ، وَالْمُنْكَرِ وَلَا بُدَّ حَرُمَ تَعَاطِيهِ وَدُخُولُهُ وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ كُرِهَ، وَقَدْ يُقَالُ يَحْرُمُ فَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ اشْتِمَالَهُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْخَيْرِ
تَزِيدُ عَلَى نَوْعِ الْمَكْرُوهِ، أَوْ تُسَاوِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَبِكُلِّ حَالٍ فَالنَّوَافِلُ، وَالتَّطَوُّعَاتُ خُفْيَةً أَوْلَى فِي الْجُمْلَةِ بِلَا إشْكَالٍ وَأَسْلَمُ مِنْ الرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ، وَالْمُسَامَحَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.