الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ فِيهَا]
يُكْرَهُ نَفْخُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ رحمهم الله لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَلِذَلِكَ سَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَ النَّفْخِ، وَالتَّنَفُّسِ فِيهِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ لَا بَأْسَ بِنَفْخِ الطَّعَامِ إذَا كَانَ حَارًّا وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ حَارًّا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.
وَالتَّنَفُّسُ فِي إنَائِهِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ» ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ» . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ رَجُلٌ الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ وَقَالَ فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذًا عَنْ فِيك» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُمَا.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ، وَالطَّعَامُ نَوْعٌ وَاحِدٌ ذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَيْدَ وَمِنْ وَسَطِ الْقَصْعَةِ، وَالصَّحْفَةِ وَأَعْلَاهَا وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا» عَطَاءٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ اخْتَلَطَ قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ مَا سَمِعَ مِنْهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ فَصَحِيحٌ إلَّا حَدِيثَيْنِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ قَالَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءٍ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُ بَعْضِهِمْ «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي وَسَطِ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ قَالَ «كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ يُقَالُ
لَهَا الْغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ يَعْنِي وَقَدْ ثُرِدَ فِيهَا فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا شَكُورًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذُرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا» إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا.
وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِشِمَالِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْأَكْلَ بِالشِّمَالِ مُحَرَّمٌ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَإِذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَوَاجِبٌ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَتَتَنَاوَلَ بِيَمِينِك قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَلَامُ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِيهِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ، وَالتَّنَاوُلِ بِالْيَمِينِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيُسْرَى وَمَسُّ الْفَرْجِ بِهَا دُونَ الْيُمْنَى رُبَّمَا لِينَ النَّهْيُ فِي كِلَيْهِمَا.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ أَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ وَمَنْ شَرِبَ بِشِمَالِهِ شَرِبَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ بِيَمِينِهِ خُبْزًا وَبِشِمَالِهِ شَيْئًا يَأْتَدِمُ بِهِ وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ بِشِمَالِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ وَغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَرِهَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ لُقْمَةً حَتَّى يَبْلَعُ مَا قَبْلَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فُصُولِ الطِّبِّ قَوْلُ أَبِي نُعَيْمٍ إنَّ الرُّطَبَ يُؤْكَلُ بِأَشْيَاءَ لِيَقِلَّ ضَرَرُهُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَأْخُذُ الرُّطَبَ بِيَمِينِهِ، وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ فَيَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْبِطِّيخِ» . فَهَذَا الْخَبَرُ غَرِيبٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ صَحَّ خُصَّ الْعُمُومُ بِهِ وَمَعَ ضَعْفِهِ يُعْمَلُ بِالْعُمُومِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمَقَامُ مَقَامُ اسْتِحْبَابٍ وَكَرَاهَةٍ، وَالْخَبَرُ الضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ شَيْءٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى هَنَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْمَوْضُوعَاتِ الْوَاهِيَاتِ مَعَ أَنَّ الْإِسْنَادَ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ التَّمْرَ بِيَمِينِهِ وَبَعْضَ الْبِطِّيخِ بِشِمَالِهِ» .
وَيُكْرَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ بِمَطْعُومٍ غَيْرِ نُخَالَةٍ مَحْضَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ وَمِلْحٍ، كَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَطْعُومِ وَلَا بَأْسَ بِالنُّخَالَةِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمِلْحِ، وَالْمِلْحُ طَعَامٌ فَفِي مَعْنَاهُ مَا أَشْبَهَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي جَوَازَ غَسْلِهَا بِالْمَطْعُومِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ.
وَيَأْتِي كَلَامُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ فُصُولٍ: وَعَنْ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ التَّمِيمِيِّ رضي الله عنه عَنْ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فَقَالَ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ فَأُتِينَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ، وَالْوَدَكِ فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلْت أَخْبِطُ فِي نَوَاحِيهَا فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ فَجَعَلْت آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّبَقِ، ثُمَّ قَالَ يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ قَالَ يَا عِكْرَاشُ هَكَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ ثَنَا إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ثَنَا أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُنْقِرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَكَذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَقَدْ تَفَرَّدَ الْعَلَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ يَنْفَرِدُ بِأَشْيَاءَ مَنَاكِيرَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرَاشٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَا يَثْبُتُ.
وَالْقَوْلُ بِحُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ سَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَظَاهِرُهُ الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا
يَلِيَك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ عِكْرَاشٍ قَدْ يُعَضِّدُهُ أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَتَبَّعَهُ مِنْ حَوَالَيْ جَانِبِهِ أَوْ أَنَّ الْعِلَّةَ اسْتِقْذَارُ جَلِيسِهِ ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ كَوْنِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ حَامِدٍ فِي مُبَاسَطَةِ الْإِخْوَانِ عَلَى الطَّعَامِ.