الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي آدَابِ أَكْلِ التَّمْرِ وَمِنْهَا تَفْتِيشُهُ لِتَنْقِيَتِهِ]
ِ) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْ شَقِّ التَّمْرِ عَمَّا فِي جَوْفِهَا» فَإِنْ صَحَّ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا كَانَ التَّمْرُ جَدِيدًا وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ وَلَا بَأْسَ بِتَفْتِيشِ التَّمْرِ وَتَنْقِيَتِهِ وَكَلَامُهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْعَتِيقُ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ شَرْعًا وَعُرْفًا. وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فَاكِهَةٍ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ دَلَّ الْخَبَرَانِ الْمَذْكُورَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَحَرَّى، وَيُقْصَدُ غَالِبًا بَلْ إنْ ظَهَرَ شَيْءٌ أَوْ ظَنَّهُ أَزَالَهُ، وَإِلَّا بُنِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ وَالسَّلَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَضَعَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ عَلَى الطَّبَقِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آدَابِ الْأَكْلِ: وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النَّوَى وَالتَّمْرِ فِي طَبَقٍ وَلَا يَجْمَعُهُ فِي كَفِّهِ بَلْ يَضَعُهُ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ ثُمَّ يُلْقِيهِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ عَجَمٌ وَثُفْلٌ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَالْعَجَمُ بِالتَّحْرِيكِ النَّوَى وَكُلُّ مَا كَانَ فِي جَوْفِ مَأْكُولٍ كَالزَّبِيبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَالْوَاحِدَةُ عَجَمَةٌ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبٍ، يُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الرُّمَّانِ عَجَمٌ قَالَ يَعْقُوبُ وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ عَجْمُ بِالتَّسْكِينِ وَالثُّفْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَا يَثْقُلُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُمْ: تَرَكْتُ بَنِي فُلَانٍ مُثَافِلِينَ أَيْ يَأْكُلُونَ الثُّفْلَ يَعْنُونَ الْحَبَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ لَبَنٌ وَكَانَ طَعَامُهُمْ الْحَبَّ وَذَلِكَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ حَالُ الْبَدْوِيِّ. وَهَذَا الْأَدَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الرُّطُوبَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْحُكْمَ لِلشَّرْعِ لَا لِعُرْفٍ حَادِثٍ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ لَا أَعْلَمُ بِتَفْتِيشِ التَّمْرِ إذَا كَانَ فِيهِ الدُّودُ بَأْسًا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ رَأَيْتُ أَحْمَدَ يَأْكُلُ التَّمْرَ وَيَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَرَأَيْتُهُ يَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي فَقَرَّبْنَا إلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ قَالَ فَقَالَ أَبِي وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتَهُ: اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقَتْهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْوَطْبَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِيَ الْحَيْسُ، يَجْمَعُ التَّمْرَ الْبَرْنِيَّ وَالْأَقِطَ الْمَدْقُوقَ وَالسَّمْنَ، وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ وَطِئَةٌ بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْرِ الطَّاء وَبَعْدهَا هَمْزَةٌ قِيلَ كَانَ عليه السلام يُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إصْبَعَيْهِ أَيْ: يَجْعَلُهُ بَيْنَهُمَا لِقِلَّتِهِ وَقِيلَ كَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ ثُمَّ يُرْمَى بِهِ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَعِنْدَهُ فَكَانَ يَأْكُلُ التَّمْرَ وَيُلْقِي النَّوَى، وَصَفَ يَعْنِي شُعْبَةً بِأُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ بِظَهْرِهِمَا مِنْ فِيهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعِنْدَهُ فَجَعَلَ يُلْقِي النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَفِيهِ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الضَّيْفِ وَإِجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ.
وَيُبَاحُ أَكْلُ فَاكِهَةٍ مُسَوَّسَةٍ وَمُدَوِّدَةً بِدُودِهَا أَوْ بَاقِلَّا بِذُبَابِهِ وَخِيَارٍ
وَقِثَّاءٍ وَحُبُوبٍ وَخَلٍّ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الْإِبَاحَةِ وَعَدَمِهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.