الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مَا وَرَدَ مَنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ بَعْد الطَّعَامِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهُ وَالتَّسْمِيَةِ قَبْلَهُ]
فَصْلٌ (فِيمَا وَرَدَ مَنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الطَّعَامِ) وَالِاجْتِمَاعِ لَهُ وَالتَّسْمِيَةِ قَبْلَهُ.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ " فِي غَيْرَ مَكْفِيٍّ " أَيْ غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَقْلُوبٍ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الطَّعَامِ، وَقِيلَ مَكْفِيٍّ مِنْ الْكِفَايَةِ يَعْنِي أَنَّ اللَّهُ هُوَ الْمُطْعِمُ وَالْكَافِي وَغَيْرُ مُطْعَمٍ وَلَا مَكْفِيٍّ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا مُوَدَّعٍ " أَيْ غَيْرُ مَتْرُوكِ الطَّلَبُ إلَيْهِ وَالرَّغْبَةُ فِيمَا عِنْدَهُ.
وَقَوْلُهُ " رَبَّنَا " مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ رَبَّنَا غَيْرَ مَكْفِيِّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ الْكَلَامُ إلَى الْحَمْدِ كَأَنَّهُ قَالَ حَمْدًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ أَيْ عَنْ الْحَمْد.
وَلِلْبُخَارِيِّ «كَانَ إذَا فَرَغَ مَنْ طَعَامِهِ قَالَ الْحَمَدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ» وَعَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ ضَعْفٌ وَاضْطِرَابٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقْنِيهِ مَنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مَنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ» . هَذَا الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو مَرْحُومٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، أَمَّا أَبُو مَرْحُومٍ فَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا سَهْلٌ فَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ الْأَكْلُ عَلَى الطَّرِيقِ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِلْحِ وَيَخْتِمَ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَقَدْ زَادَ الْمِلْحَ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَمِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى وُجُوهِ الْآكِلِينَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْشِمُهُمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الطَّعَامِ بِمَا يُسْتَقْذَرُ مَنْ الْكَلَامِ وَلَا بِمَا يُضْحِكهُمْ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مَنْ الشَّرَقِ وَلَا بِمَا يُحْزِنُهُمْ لِئَلَّا يُنَغِّصَ عَلَى الْآكِلِينَ أَكْلَهُمْ وَيُكْرَهَ أَكْلُ الْبَقْلَةِ الْخَبِيثَةِ وَهِيَ الثُّومِ وَالْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ لِكَرَاهَةِ رِيحِهِ قَالَ: وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ فِيهِ وَرَدُّهُ إلَى الْقَصْعَةِ قَالَ: وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْخُبْزِ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ وَلَا يَخْلِطُ طَعَامًا بِطَعَامٍ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ وَلَا لِصَاحِبِ الطَّعَامِ اسْتِحْسَانُهُ وَمَدْحُهُ وَلَا تَقْوِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ كَذَا قَالَ. وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ كَانَ إذَا اشْتَهَى طَعَامًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» .
وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ ذَمِّ الطَّعَامِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا مَا يَشْتَهِيهِ، لَا يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا لَا يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَضَرِّ شَيْءٍ بِالْبَدَنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] .
قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ تَنَاوُلَ مَا لَا يُشْتَهَى مَكْرُوهٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد (بَابٌ فِي كَرَاهِيَة التَّقَذُّرِ لِلطَّعَامِ) ثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا سِمَاكٌ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ مِنْ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ. فَقَالَ: لَا يَخْتَلِجَنَّ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ» قَبِيصَةُ تَفَرَّدَ عَنْهُ سِمَاكٌ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ الْعِجْلِيّ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث سِمَاكٍ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمُضَارَعَةُ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُقَارَبَةُ
كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا يَتَحَرَّكَنَّ فِي قَلْبِكَ شَكٌّ أَنَّ مَا شَابَهْتَ فِيهِ النَّصَارَى حَرَامٌ أَوْ خَبِيثٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ اللَّامِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ نَظِيفٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَسِيَاقُ الْأَحَادِيث لَا يُنَاسِبُ هَذَا التَّفْسِيرَ.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ حَتَّى يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُمْ الِانْبِسَاطَ إلَيْهِ وَلَا يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ مَاءُ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «لَا تُبَدِّدُوا يُبَدِّدْ اللَّهُ شَمْلَكُمْ» وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُرْفَعَ الطَّسْتُ حَتَّى يَطِفَّ» يَعْنِي يَمْتَلِئَ كَذَا قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَدَلِيلُهَا ضَعِيفٌ إلَى أَنْ قَالَ: مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يَفْرِشَ الْمَائِدَةَ بِالْخُبْزِ وَيُوضَع فَوْقَهُ الْإِدَامُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسْتَدَلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ بِالْأَقْوَاتِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى خَلْطِهَا بِالْأَدْنَاسِ وَالْأَنْجَاسِ فَنَهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهَا، وَالْمِلْحُ لَيْسَتْ قُوتًا وَإِنَّمَا يَصْلُحُ بِهَا الْقُوتُ نَعَمْ يَنْهَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَنْ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ هَذَا لَا يُسْتَنْجَى بِالنُّخَالَةِ وَإِنْ غَسَلَ يَدَهُ بِهَا، فَأَمَّا إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْقُوتِ، مِثْلَ الدَّبْغِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّطَبُّبِ لِلْجَرَبِ بِاللَّبَنِ وَالدَّقِيقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَخَّصَ فِيهِ كَمَا رُخِّصَ فِي قَتْلِ دُودِ الْقَزِّ بِالتَّشْمِيسِ؛ لِأَجَلِ الْحَاجَةِ إذْ لَا تَكُونُ حُرْمَةُ الْقُوتِ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، وَبِهَذَا قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمِلْحِ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ لِأَجَلِ الْحَاجَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْأَصْلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إهَانَتِهَا بِوَضْعِ الْإِدَامِ فَوْقَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَأَخْذِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهَا» كُلُّ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ شَيْءٌ مَنْ الْقُوتِ، وَالتَّدَلُّكُ بِهِ إضَاعَةٌ لَهُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ. وَسُئِلْت عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَهُوَ غَسْلُ الْأَيْدِي بِالْمِسْكِ فَقُلْتُ: إنَّهُ إسْرَافٌ بِخِلَافِ تَتَبُّعِ الدَّمِ بِالْقَرْصَةِ الْمُمَسَّكَةِ فَإِنَّهُ يَسِيرٌ لِحَاجَةٍ وَهَذَا كَثِيرٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَاسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي غَيْرِ التَّطَيُّبِ وَغَيْرِ
حَاجَةٍ كَاسْتِعْمَالِ الْقُوتِ فِي غَيْرِ التَّقَوُّتِ وَغَيْرِ حَاجَةٍ، وَحَدِيثُ الْبَقَرَةِ: إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِلرُّكُوبِ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَحْمَدُ مِنْ مَسْحِ الْيَد عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ بِأَنَّ وَضْع الْيَدِ فِي الطَّعَامِ يَخْلِطُ أَجْزَاءً مِنْ الرِّيقِ فِي الطَّعَامِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاء لَكِنْ يُسَوَّغُ فِيهِ؛ لِمَشَقَّةِ الْمَسْحِ عِنْد كُلِّ لُقْمَةٍ فَمَنْ يَحْشِمْ الْمَسْحَ، فَذَلِكَ حَسَنٌ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رحمهم الله أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِطِيبٍ وَلَوْ كَثُرَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَيَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ الِاغْتِسَالِ بِمَطْعُومٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ لِمَنْ أَرَادَ الْأَكْلَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ، وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا قَالَ: وَالْأَكْلُ عَلَى السُّفَر أَوْلَى مِنْ الْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «لَمْ يَأْكُلْ النَّبِيُّ عَلَى خِوَانٍ وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ» . وَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ «مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ أَكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ قَطُّ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ» قِيلَ لِقَتَادَةَ عَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ قَالَ عَلَى السُّفَرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ حَتَّى مَاتَ. وَمِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُعَيَّبَ الْأَكْلُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَقُدِّمَ إلَيْهِ لَوْنٌ وَاحِدٌ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ، فَإِنْ بَدَأَ بِالطَّعَامِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ابْتَدَأَ إلَى الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ اللَّحْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَكَرَاهَةُ عَيْبِ الْأَكْلِ أَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ مَنْ تَحْرِيمِهِ.
وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مَنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَشُوهُ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» قَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا النَّصِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ خِلَافُ
هَذَا وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَهَذَا الْخَبَرُ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَعَدَّهُ النَّسَائِيُّ مِنْ مَنَاكِيرِ أَبِي مَعْشَرٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ إذَا نَهَشَهُ كَانَ أَطْيَبَ كَالْخَبَرِ الْأَوَّلِ يَعْنِي مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ «كُنْتُ آكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ اللَّحْمَ مَنْ الْعَظْمِ فَقَالَ: أَدْنِ الْعَظْمَ مِنْ فِيكَ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» . وَهَذَا الْخَبَرُ فِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
لَكِنْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ: لَعَلَّ كَلَامَ أَبِي دَاوُد يَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَلَامُ أَحْمَدَ لَا يُخَالِفُهُ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّهْشَ مِنْهُ لَيْسَ بِأَوْلَى، وَقَدْ أَخَذَ الذِّرَاعَ الْمَسْمُومَةَ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً.
وَاسْتِعْمَالُهُ السِّكِّينَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِقُوَّةِ اللَّحْمِ وَصُعُوبَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ؛ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَا يَمْنَعُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَظْهَرُ، وَفِي شَرْح مُسْلِمٍ قَالُوا: وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ كَذَا قَالَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «ضِفْتُ النَّبِيَّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ قَالَ فَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَجُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ» .
وَأَمَّا تَقْطِيعُ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا وَيُتَوَجَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا احْتَمَلَ أَنْ يُكْرَهَ؛ لِعَدَمِ نَقْلِهِ وَفِعْلِهِ شَرْعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى فَقَطْ وَهُوَ نَظِيرُ الْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ، وَالْأَكْلِ بِالْمِلْعَقَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِعَدَمِ النَّهْيِ وَمَا يُرْوَى مِنْ النَّهْي عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ فَلَا أَصْلَ لَهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجُبْنَةٍ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْعِصِيِّ فَقَالُوا ضَعُوا السِّكِّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» .
وَيَفْسُد الْغِذَاءُ بِأَكْلِ الْفَاكِهَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ هَضْمِهِ كَذَا أَطْلَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ وَمُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ مِمَّا لَا يَقْبِضُ وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: أَكْلُ الْكُمَّثْرَى عَلَى الطَّعَامِ جَيِّدٌ يَمْنَعُ الْبُخَارَ أَنْ يَرْتَقِيَ مِنْ الْمَعِدَةِ إلَى الدِّمَاغِ وَمِثْلُهُ السَّفَرْجَلُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّفَرْجَلِ لِشِدَّةِ قَبْضِهِ وَكَثْرَةِ أَرْضِيَّتِهِ، وَفِي الْكُمَّثْرَى لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ مَنْعُ فَسَادِ الطَّعَامِ فِي الْمَعِدَةِ لَكِنْ لَا يُكْثِرُ مِنْ أَكْلِهَا وَلَا يُدْمِنُهُ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ الْقُولَنْجَ، فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُؤْكَلُ الْكُمَّثْرَى عَلَى طَعَامٍ غَلِيظٍ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالرُّمَّانُ الْحَامِضُ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ الْغِذَاءِ لِمَنْعِ الْبُخَارِ. وَيَأْتِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ «أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ التَّمْرَ بَعْدَ الطَّعَامِ» ، وَفِي مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ التَّمْرَ أَوَّلًا لَكِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُ إذًا.
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ الْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ تُقَدَّمُ قَبْلَ الطَّعَامِ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا أَبْطَأَ وُقُوفًا فِي الْمَعِدَةِ وَفِيهِ قَبْضٌ أَوْ حُمُوضَةٌ كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ، وَتَفْسُدُ الْفَاكِهَةُ بِشُرْبِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي الطِّبِّ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: مُصَابَرَةُ الْعَطَشِ بَعْدَ جَمِيعَ الْفَوَاكِهِ نِعْمَ الدَّوَاءُ لَهَا، وَرَأَيْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَشْرَبُ الْمَاءَ بَعْدَ التُّوتِ الْحُلْوِ غَيْرِ الشَّامِيِّ وَبَعْد التِّينِ وَيَقُولُ: إنَّهُ نَافِعٌ يَهْضِمُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ شُرْبِ الْمَاءِ بَعْدَ الْفَوَاكِهِ مُطْلَقًا وَيَقُولُونَ: إنَّهُ مُضِرٌّ، وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يَشْرَبُ بَعْدَ التُّوتِ وَالتِّينِ السَّكَنْجَبِينَ وَأَنَّهُ يَدْفَعُ ضَرَرَهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَا يُتَنَاوَلُ الْغِذَاءُ بَعْد التَّمَلُّؤِ مِنْهَا فَإِنَّ الْقُولَنْجَ يَحْدُثُ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرًا وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ: إنَّ الْبِطِّيخَ الْأَصْفَرَ يُؤْكَلُ بَيْنَ طَعَامَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله أَكْرَهُ النَّفْخَ فِي الطَّعَامِ، وَإِدْمَانَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ الْكِبَارِ. وَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الْكَبَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ مَعَ أَنْ ظَاهِرَ الْخَبَرِ كَقَوْلِ أَحْمَدَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ» وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ مِنْ فُصُولِ الطِّبِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ أَنَّ إِسْحَاقَ قَالَ: تَعَشَّيْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَرُبَّمَا مَسَحَ يَدَهُ عِنْدَ كُلِّ لَقْمَةٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْلِسَ غُلَامُهُ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ لَقَمَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْآكِلِ مَعَ الْجَمَاعَة أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ قَبْلَهُمْ قَالَ الْآمِدِيُّ لَا يَجُوز أَنْ يُتْرَكَ تَحْتَ الصَّحْفَةِ شَيْءٌ مِنْ الْخُبْزِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ وَأَلَّا يَأْكُل بِمِلْعَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَمَنْ أَكَلَ بِمِلْعَقَةٍ وَغَيْرِهَا أُحِلَّ بِالْمُسْتَحَبِّ وَجَازَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ أَبَا مَعْمَرٍ قَالَ إنَّ أَبَا أُسَامَةَ قَدَّمَ إلَيْهِمْ خُبْزًا فَكَسَرَهُ قَالَ: هَذَا لِئَلَّا يَعْرِفُوا كَمْ يَأْكُلُونَ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ فِي آخِرِهِ فِي الْكِسْوَةِ وَمَا تَأَخَّرَ ". وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ فَلْيَقْرَأْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ زَادَ بَعْضُهُمْ إذَا فَرَغَ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَبَر مَوْضُوعٌ فَإِنَّ فِيهِ حَمْزَةَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «فَإِنْ نَسِيَ فِي الْأَوَّلِ فَلْيَقُلْ فِي الْآخِرِ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» . وَأَوَّلُ الْخَبَرِ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَا إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَعَنْ وَحْشِيٍّ «أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّه يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» إسْنَادٌ لَيِّنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا «كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ اللَّبَنِ وَكَثْرَةُ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْفَعُ مَشْرُوبٍ لِلْآدَمِيِّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَاعْتِيَادِهِ فِي الصِّغَرِ، وَلِاجْتِمَاعِ التَّغْذِيَةِ وَالدَّمَوِيَّةِ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] .
وَقَالَ عَنْ الْجَنَّةِ: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15] .
وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: اللَّبَنُ مُرَكَّبٌ مِنْ مَائِيَّةٍ وَجُبْنِيَّةٍ وَدُسُومَةٍ وَهِيَ الزُّبْدِيَّةُ، وَأَجْوَدُهُ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ الْمُعْتَدِلُ الْقِوَامِ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَالْمَحْلُوبُ مِنْ حَيَوَانٍ صَحِيحٍ مُعْتَدِلِ اللَّحْمِ مَحْمُودِ الْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ، وَيُسْتَعْمَلُ عَقِبَ مَا يُحْلَبُ، وَأَصْلَحُ الْأَلْبَانِ لِلْإِنْسَانِ لَبَنُ النِّسَاءِ وَمَا يُشْرَبُ مِنْ الضَّرْعِ، وَأَفْضَلُهُ مَا يَثْبُتُ عَلَى الظُّفْرِ فَلَا يَسِيلُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ طَعْمٌ غَرِيبٌ إلَى حُمُوضَةٍ أَوْ مَرَارَةٍ أَوْ حَرَافَةٍ أَوْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ غَرِيبَةٌ وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ، وَالْحَلِيبُ أَقَلُّ بَرْدًا مِنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ مَائِيَّتُهُ حَارَّةٌ مُلَطِّفَةٌ غَسَّالَةٌ بِغَيْرِ لَدْغٍ، وَجَزَمَ بَعْض الْأَطِبَّاءِ بِهَذَا الْقَوْلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّبَنُ عِنْدَ حَلْبِهِ مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَزُبْدِيَّتُهُ إلَى الِاعْتِدَالِ وَإِنْ مَالَتْ إلَى حَرَارَةِ جُمْلَتِهِ، مُعْتَدِلٌ يُقَوِّي الْبَدَنَ، وَهُوَ مَحْمُودٌ يُولَدُ دَمًا جَيِّدًا وَيَغْذُو غِذَاءٌ جَيِّدًا وَيَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ لَا سِيَّمَا لَبَنُ النِّسَاءِ، وَاللَّبَنُ يَنْهَضِمُ قَرِيبًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ دَمٍ فِي غَايَةِ الِانْهِضَامِ طَرَأَ عَلَيْهِ هَضْمٌ آخَرُ وَيَنْبَغِي إذَا شُرِبَ اللَّبَنُ أَنْ يُسْكَنَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَفْسُدَ وَلَا يُنَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَنَاوَلَ عَلَيْهِ غِذَاءً آخَرَ إلَى أَنْ يَنْحَدِرَ، وَيَنْفَعُ مَنْ الْوَسْوَاسِ وَالْغَمِّ وَالْأَمْرَاضِ السَّوْدَاوِيَّةِ، وَهُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لِأَصْحَابِ الْمِزَاجِ الْحَارِّ الْيَابِسِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِعَدِهِمْ صَفْرَاءُ وَيُزِيلُ الْحَكَّةَ الَّتِي بِالْمَشَايِخِ وَيُعَانُونَ عَلَى هَضْمِهِ بِالْعَسَلِ أَوْ بِالسُّكَّرِ، وَأَجْوَدُ أَوْقَاتِ أَخْذِهِ وَسَطَ الصَّيْفِ لِاعْتِدَالِ الْأَلْبَانِ فِي الْغِلَظِ وَاللَّطَافَةِ وَلَكِنْ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّيَهُ الْحَرُّ بَعْد الشُّرْبِ وَلَا يُخَافُ ذَلِكَ فِي الرَّبِيعِ، وَيَجْلُو الْآثَارَ الْقَبِيحَةَ فِي الْجِلْد طِلَاءً، وَشُرْبُهُ بِالسُّكَّرِ يَحْسُنُ جِدًّا لَا سِيَّمَا لِلنِّسَاءِ وَيُسْمِنُ حَتَّى أَنَّ مَاءَ الْجُبْنِ يُسْمِنُ أَصْحَابَ الْمِزَاجِ الْحَارّ الْيَابِسِ إذَا جَلَسُوا فِيهِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ وَيُهَيِّجُ الْجِمَاعَ وَإِذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَقَّى الْقُرُوحَ الْبَاطِنَةَ فِي الْأَخْلَاطِ الْغَلِيظَةِ وَأَنْضَجَهَا.
وَاللَّبَنُ يَنْفَعُ مِنْ السَّجْحِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْقَتَّالَةِ وَيَرُدُّ عَقْلَ مَنْ سُقِيَ الْبَنْجَ وَيَسْتَحِيلُ فِي الْمَعِدَةِ الصَّفْرَاوِيَّةِ إلَى الصَّفْرَاءِ وَيُورِثُ السَّدَدَ فِي الْكَبِدِ وَيَضُرُّ أَصْحَابَ سَيَلَانِ الدَّمِ وَالْحَلِيبُ يَتَدَارَكُ ضَرَرَ الْجِمَاعِ، وَيُوَافِقُ الصَّدْرَ وَالرِّئَةَ جَيِّدًا لِأَصْحَابِ السُّلّ رَدِيءٌ لِلرَّأْسِ وَالْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ.
وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضَرَّ لِلْبَدَنِ مِنْ لَبَنٍ فَاسِدٍ رَدِيءٍ وَاللَّبَنُ إذَا أُكْثِرَ مِنْهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ الْقَمْلُ وَالْبَرَصُ إلَّا لَبَنَ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْبَرَصُ. وَاللَّبَنُ رَدِيءٌ لِلْمَحْمُومِينَ وَأَصْحَابِ الصُّدَاعِ مُؤْذٍ لِلدِّمَاغِ وَالرَّأْسِ الضَّعِيفِ ضَارٌّ لِلْأَوْرَامِ الْبَاطِنَةِ وَالْأَعْصَابِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيَّةِ وَبِاللِّثَةِ وَالْأَسْنَانِ، قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَمَضْمَضَ بَعْدَهُ لِأَجْلِ اللِّثَةِ بِالْعَسَلِ، وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وَيَضُرُّ بِالْغِشَاءِ وَالْخَفَقَانِ وَالْحَصَاةِ وَوَجَعِ الْمَفَاصِلِ وَالْأَحْشَاءِ وَيَنْفُخُ الْمَعِدَةَ وَيَذْهَبُ بِنَفْخِهِ أَنْ يُغْلَى وَيُؤْكَلَ بَعْدَهُ الْمِشْمِشُ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ عَسَلٌ أَوْ زَنْجَبِيلٌ وَمَنْ اعْتَادَهُ فَلَيْسَ كَمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ.
وَإِنْ جَمَدَ اللَّبَنُ لِإِنْفَحَةٍ شُرِبَتْ فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَرَضَ عَنْهُ عِرْقٌ بَارِدٌ وَغَثًى وَحُمَّى نَافِضٌ وَجُمُودُهُ مَعَ إنْفَحَةٍ أَرْدَأُ وَأَسْرَعُ إلَى الْحَنَقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ الْمَلُوحَاتِ فَإِنَّهَا تُزِيدُهُ تَجَبُّنًا وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْقَى خَلًّا مَمْزُوجًا بِمَاءٍ وَيُسْقَى مِنْ الْإِنْفَحَةِ إلَى مِثْقَالٍ فَإِنَّهَا تُرَقِّقُهُ وَتُخْرِجُهُ بِقَيْءٍ أَوْ إسْهَالٍ.
وَاللَّبَنُ الْمَطْبُوخُ وَالْمُلْقَى فِيهِ الْحَصَا الْمَحْمِيُّ وَالْحَدِيدُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَاللَّبَنُ الْحَامِضُ أَجْوَدُهُ الْكَثِيرُ الزُّبْدِ فَإِنْ أُخِذَ زُبْدُهُ وَحَمُضَ فَهُوَ الْمَخِيضُ، وَإِنْ نُزِعَ زُبْدُهُ وَمَائِيَّتُهُ فَهُوَ اللَّدُوغُ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَقِيلَ رَطْبٌ وَهُوَ يُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارَّةَ وَلَكِنَّهُ جَامُّ الْخَلْطِ بَطِيءُ الِاسْتِمْرَاءِ مُضِرٌّ بِاللِّثَةِ وَالْأَسْنَانِ وَلِلدِّمَاغِ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ الْحَارَّةَ، وَالْمَخِيضُ لَا يُجَشِّئُ جُشَاءً دُخَّانِيًّا لِانْتِزَاعِ زُبْدِهِ وَيَحْبِسُ الْإِسْهَالَ الصَّفْرَاوِيَّ وَالدَّمَوِيَّ وَيُسْكِنُ الْعَطَشَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَمَضْمَضَ بِمَاءِ الْعَسَل حَتَّى لَا يَضُرَّ بِاللِّثَةِ فَإِنْ اسْتَحَالَ اللَّبَنُ الْحَامِضُ إلَى كَيْفِيَّةٍ عَفِنَةٍ أُخْرَى مَعَ الْحُمُوضَةِ تَوَلَّدَ عَنْهُ دُوَارٌ وَغَشَيَانٌ وَمَغَصٌ فِي فَمِ الْمَعِدَةِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ عَنْهُ هَيْضَةٌ قَاتِلَةٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُدَاوَى بِالْقَيْءِ وَتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ مِنْهُ بِمَاءِ الْعَسَلِ
فَأَمَّا أَنْوَاعُ اللَّبَنِ فَلَبَنُ اللِّقَاحِ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْل التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ فُصُول الطِّبِّ وَلَبَنُ الْبَقَرِ أَكْثَرُ الْأَلْبَانِ دُسُومَةً وَغِلَظًا وَأَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ سَائِرِ الْأَلْبَانِ وَأَبْطَأُ انْحِدَارًا ذَكَرَهُ ابْنُ جَزْلَةَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْبَدَنَ وَيُطْلِقُهُ بِاعْتِدَالٍ وَإِنَّهُ مِنْ أَعْدَلِ الْأَلْبَانِ وَأَفْضَلِهَا بَيْنَ لَبَنِ الضَّأْنِ وَلَبَنِ الْمَعْزِ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ وَالدَّسَمِ وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيهِ فِي فَصْلِ حِفْظِ الصِّحَّةِ مِنْ الطِّبِّ.
وَلَبَنُ الْمَعْزِ مُعْتَدِلٌ لِاعْتِدَالِ الْمَائِيَّةِ وَالْجُبْنِيَّةِ وَالزُّبْدِيَّةِ فِيهِ يَنْفَعُ مِنْ النَّوَازِلِ وَيَحْبِسُهَا مِنْ قُرُوحِ الْحَلْقِ وَاللِّسَانِ عَنْ الْيَبَسِ وَالْغَمِّ وَالْوَسْوَاسِ وَالسُّعَالِ وَنَفْثِ الدَّمِ وَالسِّلِّ بِكَسْرِ السِّين وَهُوَ السِّلَالُ يُقَالُ أَسَلَّهُ اللَّه فَهُوَ مَسْلُولٌ وَهُوَ مِنْ الشَّوَاذِّ. وَالْغَرْغَرَةُ بِهِ تَنْفَعُ مِنْ الْخَوَانِيقِ وَأَوْرَامِ اللَّهَاةِ وَقُرُوحِ الْمَثَانَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ مُضِرٌّ بِالْأَحْشَاءِ.
وَلَبَنُ الضَّأْنِ دَسِمٌ غَلِيظٌ كَثِيرُ الْجُبْنِيَّةِ وَالزُّبْدِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَغْلَظُ الْأَلْبَانِ وَأَرْطَبُهَا يَنْفَعُ مِنْ نَفْثِ الدَّمِ وَقُرُوحِ الرِّئَةِ وَيَتَدَارَكُ ضَرَرَ الْجِمَاعِ وَيُقَوِّي عَلَى الْبَاهِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَتَّالَةِ وَالزَّحِيرِ وَقُرُوحِ الْأَمْعَاءِ لَيْسَ مَحْمُودًا كَلَبَنِ الْمَعْزِ وَفِيهِ تَهْيِيجٌ لِلْقُولَنْجِ وَيُوَلِّدُ فُضُولًا بَلْغَمِيَّةً وَيُحْدِثُ فِي جِلْدِ مَنْ أَدْمَنَهُ بَيَاضًا قَالَ بَعْضهمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُشَابَ بِالْمَاءِ لِيُقِلَّ الْبَدَنُ مَا نَالَهُ وَيَكْثُرُ تَبْرِيدُهُ وَيُسْرِعُ تَسْكِينُهُ لِلْعَطَشِ.
لَبَنُ الْخَيْل قَلِيلُ الْجُبْنِيَّةِ وَالزُّبْدِيَّةِ يَعْدِلُ لَبَنَ اللِّقَاحِ فِي ذَلِكَ لَبَنَ النِّسَاءِ يُدِرُّ الْبَوْلَ وَهُوَ تِرْيَاقُ الْأَرْنَبِ الْبَحْرِيّ وَيَنْفَعُ مِنْ الرَّمَدِ إذَا حُلِبَ فِي الْعَيْنِ وَمِنْ خُشُونَةِ الْعَيْنِ خَاصَّةً مَعَ بَيَاضِ الْبَيْضِ وَيَنْفَعُ مِنْ السِّلِّ إذَا شُرِبَ حِينَ يَخْرُجُ مَنْ الثَّدْيِ أَوْ يُمَصُّ مِنْ الثَّدْيِ وَلَكِنْ مِنْ امْرَأَةٍ صَحِيحَةِ الْبَدَنِ مُعْتَدِلَةِ الْبَدَنِ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الْآذَانِ وَقُرُوحِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْجُبْنِ فِي ذِكْرِ الْمُفْرَدَاتِ.