الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الِاتِّسَاعُ فِي الْكَسْبِ الْحَلَالِ وَالْمَبَانِي مَشْرُوعٌ وَلَوْ بِقَصْدِ التَّرَفُّهِ وَالْكَسْبُ وَاجِبٌ لِلنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ]
فَصْلٌ (الِاتِّسَاعُ فِي الْكَسْبِ الْحَلَالِ وَالْمَبَانِي مَشْرُوعٌ وَلَوْ بِقَصْدِ التَّرَفُّهِ وَالْجَاهِ)(وَالْكَسْبُ وَاجِبٌ لِلنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ) يُسَنُّ التَّكَسُّبُ وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ حَتَّى مَعَ الْكِفَايَةِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ أَيْضًا فِيهَا يُبَاحُ كَسْبُ الْحَلَالِ لِزِيَادَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالتَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالْمُرُوءَةِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ قِبَلَهُ مُبَاحٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْ كَارِهٍ وَغَيْرِ كَارِهٍ وَقَالَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ مَنْ اشْتَرَى وَبَاعَ، وَلَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ بُورِكَ فِيهِ كَمَا يُبَارَكُ فِي الزَّرْعِ بِمَاءِ الْمَطَرِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَا قُوتَ لَهُ، وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيُقَدِّمُ الْكَسْبَ لِعِيَالِهِ عَلَى كُلِّ نَفْلٍ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» كَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ وَلَهُ التَّكَسُّبُ لِحَاجَةٍ قَدْ تَعْرِضُ لَهُ أَوْ لَهُمْ.
وَتُسَنُّ الصَّدَقَةُ بِمَا فَضَلَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ، وَيُكْرَهُ تَرْكُ التَّكَسُّبِ مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى النَّاسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَجِبُ التَّكَسُّبُ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَنَذْرٍ وَطَاعَةٍ وَكَفَّارَةٍ وَمُؤْنَةٍ تَلْزَمُهُ ذَكَرَهُ كُلَّهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَطْلُبْ مَعَاشًا لِنَفْسِهِ
…
شَكَا الْفَقْرَ أَوْ لَامَ الصَّدِيقَ فَأَكْثَرَا
وَصَارَ عَلَى الْأَدْنَيْنِ كَلًّا وَأَوْشَكَتْ
…
صِلَاتُ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُ أَنْ تَنَكَّرَا
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ مَا مَعْنَاهُ أَقْسِمُ بِاَللَّهِ لَوْ عَبَسَ الزَّمَانُ
فِي وَجْهِكَ مَرَّةً لَعَبَسَ فِي وَجْهِكَ أَهْلُكَ وَجِيرَانُكَ، ثُمَّ حَثَّ عَلَى الْإِمْسَاكِ. وَسَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي فَضْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ مَا يُوَافِقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ شِعْرٍ لِعَمَّارٍ الْكَلْبِيِّ:
وَالْفَقْرُ يُزْرِي بِأَقْوَامٍ ذَوِي حَسَبٍ
…
وَرُبَّمَا سَادَ نَذْلُ الْقَوْمِ بِالْمَالِ
أَصُونُ عِرْضِي بِمَالِي لَا أُدَنِّسُهُ
…
لَا بَارَكَ اللَّهُ بَعْدَ الْعِرْضِ فِي الْمَالِ
وَقَالَ آخَر:
إذَا قَلَّ مَالُ الْمَرْءِ قَلَّ صَفَاؤُهُ
…
وَضَاقَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَسَمَاؤُهُ
وَأَصْبَحَ لَا يَدْرِي وَإِنْ كَانَ حَازِمًا
…
أَقُدَّامُهُ خَيْرٌ لَهُ أَمْ وَرَاؤُهُ
إذَا قَلَّ مَالُ الْمَرْءِ لَمْ يَرْضَ عَقْلَهُ
…
بَنُوهُ وَلَمْ يَغْضَبْ لَهُ أَوْلِيَاؤُهُ
وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُفْقَدْ وَلَمْ يَحْزَنُوا لَهُ
…
وَإِنْ عَاشَ لَمْ يَسْرُرْ صَدِيقًا بَقَاؤُهُ
وَقَالَ آخَر:
الْفَقْرُ يُزْرِي بِأَقْوَامٍ ذَوِي حَسَبٍ
…
وَقَدْ يُسَوِّدُ غَيْرَ السَّيِّدِ الْمَالُ
وَقَالَ آخَر:
أَرَى دَهْرَنَا فِيهِ عَجَائِبُ جَمَّةٌ
…
إذَا اُسْتُعْرِضَتْ بِالْعَقْلِ ضَلَّ بِهَا الْعَقْلُ
أَرَى كُلَّ ذِي مَالٍ يَسُودُ بِمَالِهِ
…
وَإِنْ كَانَ لَا أَصْلٌ هُنَاكَ وَلَا فَضْلُ
فَشَرِّفْ ذَوِي الْأَمْوَالِ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ
…
فَقَوْلُهُمْ قَوْلٌ وَفِعْلُهُمْ فِعْلُ
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
وَالنَّاسُ حَيْثُ يَكُونُ الْمَالُ وَالْجَاهُ
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَذَمِّهَا قَبْلَ فَصْلِ آدَابِ الْمُصَافَحَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ لِبَنِيهِ حِينَ
حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَا بَنِيَّ عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإِنَّهُ يُنَبِّهُ الْكَرِيمَ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ اللَّئِيمِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى رحمه الله: وَالْكَسْبُ قَدْ يُفْتَرَضُ فِي نَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّوَكُّل، فَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ وَهُوَ أَنْ لَا تَسْتَشْرِفَ نَفْسُهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَمْ يُفْتَرَضْ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِنَفْسِهِ. وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ قَالَ وَالْكَسْبُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّكَاثُرُ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّوَصُّلُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ أَوْ يَسْتَعِفُّ عَنْ وُجُوهِ النَّاسِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ وَمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّفَرُّغِ إلَى طَلَبِ الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنَافِعِ لِلنَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ أَفْضَلُ لَهُ أَمْ الصَّلَاةُ وَنَحْوهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ ثَنَا قَبِيصَةُ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا اسْتِعْفَافًا عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَسَعْيًا عَلَى أَهْلِهِ وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ هـ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، وَأَطْلَقَ أَصْحَابُنَا إبَاحَةَ التِّجَارَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُكَاثِرٍ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ، وَحَرَّمَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا الْمُكَاثَرَةَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَأْتِي كَلَام ابْنِ حَزْمٍ فِي آدَابِ الْمَسَاجِدِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ
فِي الْفِقْهِ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ وَيَجِبُ النُّصْحُ فِي الْمُعَامَلَةِ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا وَتَرْكُ الْغِشِّ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَا أَكْتَسِبُ حَتَّى تَصِحَّ لِي النِّيَّةُ وَلَهُ عِيَالٌ قَالَ إذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِفَّهُمْ فَمِنْ النِّيَّةِ صِيَانَتُهُمْ.