الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: أنَّ من استسلم، وانقاد، وأذعن لقضاء الله جل ذكره، ورضي بحكمه، وصبر على ما ابتلاه الله به من البلايا، والمصائب، ولم يقل ما يغضب الباري تعالى، بل قابل ذلك بالحمد، والشكر؛ بعثه الله يوم القيامة يوم العرض على رب الأرباب يوم يعض الكافر على يديه ويقول: يا ليتني كنت ترابًا، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37] يوم حشر الأشباح مع الأرواح، يوم المحاسبة والمجازاة؛ مع الصديقين الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا ما أمروا به حقًا، واتبعوا سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وصدقوا بما جاء به الشرع المنيف دين الإسلام. اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين!
97-
"تعجز يابن آدم أن تصلي أول النهار أربع ركعاتٍ؛ أكفك آخر يومك"1. رواه البغوي عن أبي مرة الطائفي.
ش-العَجْز-بفتح العين المهملة، وسكون الجيم- نقيض الحزم، يقال: عجز عن الأمر يعجز -بكسرالجيم- وعجز عجزًا فيهما. والعجز الضعف وصار في التعاريف اسمًا للقصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة. والمراد بالصلاة أول النهار صلاة النفل، وقيل: صلاة الفجر وسنته، وهو بعيد.
وفيه الحث على الصلاة النافلة قبل الظهر، فإنها تكفي الإنسان دفع ما يعرض له باقي اليوم مما يضر الإنسان ويؤذيه آخر يومه ذلك، وقد تقدم الحديث في أول الكتاب.
1 رواه أحمد في المسند "5/ 287". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 236" وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح من حديث أبي مرة الطائفي رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
98-
"
توسَّعت على عبادي بثلاث خصال:
بعثت الدابة على القمح والشعير، ولولا ذلك لكنزهما الناس، وتغيير الجسد بعد الموت، ولولا ذلك لما دفن حميم حميمه، وسلبت حزن الحزين، وإلا ما كان يسلو"1. رواه ابن عساكر عن زيد بن أرقم.
1 رواه ابن عساكر "27/ 258" والديلمي رقم "8100". وابن عراق في تنزيه الشريعة "1/ 193"من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
ش- التوسيع: خلاف التضييق، والخصال: جمع خصلة؛ أي: حالة، والبعث، والابتعاث: بمعنى الإرسال، والدابة كل ما يدب على الأرض من الحيوان. والمراد به هنا: السوس، وهو الدود الذي يأكل الحب، والخشب، الواحدة: سوسة، فإذا وقع السوس في الحب، فلا يكاد يخلص منه، والقمح، والشعير: معروفان. والكَنز -في الأصل- المال المدفون تحت الأرض، والمراد به هنا: الجمع، والادخار، والتغيير والتبديل في حالة إلى أخرى. والحميم: القريب الذي يهتم لأمرك، والسلب: نزع الشيء من الغير على القهر، والحزن -بضم الحاء المهملة، وسكون الزاي، وبفتحها-: ضد السرور، والسلو: الصبر، يقال: سليت عن كذا، وسلوت عنه، وتسليت: إذا زالت عنك محبته.
والمعنى -والله أعلم-: أن الله تبارك، وتعالى أخبر أنه توسع على عباده بخصال ثلاثة، ولم يضيق عليهم -كرماً منه، ورحمة بهم- الخصلة الأولى: أن الله جل وعلا بعث وأرسل الدابة -التي تسمى السوس- على القمح والشعير وسلطها عليهما؛رحمةً بالعباد، ورأفة بهم؛ لأنهما قوت العباد الضروري لهم ولو لم يفعل ذلك بل حفظهما كباقي أنواع الأصناف الأخر لاجتهد الناس في كنزهما، وادخارهما، والحرص على إخفائهما عن أعين الناس، إما لشدة حاجة الناس إليهما، فبيعهما المدخر بثمن متفاحش جدًا، أو ليأتي يوم تصيب الزرع آفة سماوية، أو أرضية، فيقل القمح والشعير، فلا يجدهما الإنسان ولو بثمن متفاحش، فيخرجهما المدخر، ويقتات هو وعياله ودوابه منهما، فلا يحتاج حينئذ، وفي كل منهما مشقة، وحرج، وتضييق على الناس، فسهل الله للعباد، وأرسل هذه الدودة، وسلطها عليهما لئلا يدخر أحد منهما شيئًا سنين، فيضيق الناس، ويحرجون فسبحانه من إله ما أكرمه، وأحلمه، وألطفه، وأرأفه بعباده!
الخصلة الثانية: تغيير الجسد بعد الموت، وتبديله من حالة مرضية مقبولة إلى حالة نتن، وقذر تعافه النفوس، ولا تتمكن من الإقبال إليه، والاستمتاع به، كما كان قبل الموت، فيتبدل إلى جيفة تنفر منها الطباع، وتشمئز منها النفوس، ويتمنون زوالها من بين أيديهم، وإبعادها عنهم، ولو كان الجسد جسد أحب الناس إليهم، وأرضاه عندهم، وأقربه لديهم، وذلك رفق بالناس، ورحمة بهم، وتوسعة، ولولا ذلك لما دفن صديق قريب صديقه القريب، وشحَّ بدفنه، وجعله معه يتردد إليه، ويتمتع بجسده الفاني، ولربما تغالى في حبه، وتعظيمه، والثناء عليه، فيحفظه من أن تمتد إليه يد بسوء، فيموت الآخر، وهكذا، فتضيق الدنيا على أهلها، فيكون الحرج، والمشقة،